الأحد، 11 فبراير 2018

من ذمار

من ذمار, من سوق الربوع يوم الاربعاء حيث سانحة ان تطل على التاريخ وتجده من دون رتوش. المدينة القديمة في ذمار انسجام الطبيعة واصرار البشر، انها عبقرية العشوائية التي غدت تنظيما ودقة. روائح البهارات وصراخ الباعة على الطريقة الذمارية واصطدام الاكتاف في الازقة الضيقة هو تثبيت للذكريات عبر كل الحواس. الدرجات النارية التي تذرع الأزقة العتيقة وهي تدوي بأزيز المحركات وغناء وموسيقا متداخلين بين آخر الصرعات العالمية وأكثر الاغاني اليمنية أصالة. عبق المدرسة السمشية وهالة القداسة التي تحيط بها هي الجائزة الثمينة لكل من أراد زيارة ذمار أو التوقف فيها فيما لو كان عابرا. تختلط المشاعر لكل من وقف في فناء المدرسة حيث المنارة العجوز التي تقف بإباء وشموخ وهي مفصولة عن جسد الجامع وإلى الجوار كوى صغيرة كانت فيما مضى سكنى الرعيل الأول من الفقهاء والشعراء. وجدتني اتلصص على حكايات البردوني والمقالح والحضراني. استحضرهم عسفا واتصور انهم مروا من هنا واجمع صدى قهقهاتهم. يتحلق ثلة من فاقدي البصر في حزام المدرسة من الداخل. صامتون تتحرك اعينهم دون بصر وافواههم دون كلام. صمت كالعتاب او الشكوى من الاهمال. نعم المدرسة مهملة وهي تستحق عناية أكبر واهتمام أعلى. هي ليست جدران وطلاء ابيض. هي ذاكرة اليمنيين ووعاء حضارتهم. اكملت دورتي في السوق ووجدت بعض المنازل المهدمة وقد نبتت عليها اشجار تين شوكي وصارت شاهدا على ضريح. ضريح التاريخ اليمني. تبدلت الحِرَف والسلع. لن تجد شيئاً في سوق شعبي يدل على أصالة السلعة سوى محلات الحدادة أو تشكيل الحديد حسب احتياجات المزارعين. بالمناسبة الحداد الرئيس في السوق كتب على بابه " رحم الله الإمام". إنه شقاء مركب أو انقطاع عن الاحداث. لم يتغير شيء ولم تصل الجمهورية او ربما حنين الى تلكم الايام البسيطة. وجدت عجوزا يبيع "سليط ترتر" من قناني بلاستيكية بينما معصرته مغلقة حيث كنت انتظر رؤية جمل في المعصرة يدور وتدور معه الذكريات والاشجان. 
لن اتحدث عن شارع الحب في عالم تهترئ فيها الافراح. لن أتحدث عن مظاهر الأعراس وتجهيزاتها التي تقتل الفرحة بفرط الزينة السطحية. مكان بعث في نفسي السرور وكان كافتيريا لبيع العصائر. وفيه شاب انيق يقف مبتسما ينتظر عملاء جلهم مجانين يبحثون عن شاهي احمر في قصاع الفول. واجهة المكان من الداخل مزينة بلوحة جمعت عليها عملات ورقية ومعدنية من شتى دول العالم. يشير الشاب بفخر الى بعض العملات ويضع اصبعه بزهو على صورة غاندي او صدام حسين. يتعمد تجاهل ورقة الدولار الواحد لكنه يشير بامتلاء الى ورقة من فئة عشر بقشات يمنية كما ينافح في القول وهو يشير الى " الدينار العدني" كما ورد على لسانه. كان العالم محشورا في زاوية ضيقة. لا تنتهي المتعة برفقة الاصدقاء هنا ولا يقف الكرم عن حد لدى اهاليهم.


الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...