الاثنين، 9 يوليو 2018

العالم ضد الفاشيات


إن الخلل الذي يتراءى في نمط الحياة العصرية في الغرب لا يرجع الى نفاق وازدواج معايير بقدر ما يعود الى اللاكمال البشري. فمحاكمة السلوك العام للغرب في هذه اللحظة قياسا بالإطار النظري الاخلاقي المطروح هو تعسف للمسار التاريخي للحضارة البشرية.


الحضارة تتقدم بالتعديل والاضافة وكذلك المفاهيم القيمية والمدونة السلوكية. فالحرب في القرن العشرين غير الحرب في القرن السابع عشر. ليس من حيث الادوات والوسائل ولكن من حيث الإطار القيمي والاخلاقي الذي يحكمها.

لا يقف العالم الحديث ضد القوة لذاتها لكنه يقف في وجه القوة الغاشمة وضد الفاشيات. ضد الفاشيات تحديدا لان تجربة الغرب الاوروبي في القرن المنصرم كانت ابلغ درس دفعته (هذا الغرب) الى مراجعة اسلوب الهيمنة السافر والتراجع عن الغزو والاستعمار ومن هنا صدح خطاب ما بعد الاستعمار وظهر القانون الانساني في الحروب وتهذبت الحرب رغم الزيادة المهولة في القدرة التدميرية.

للحضارة الغربية مثالبها، لكنها بفعل العقلنة المستمر تجدد خطابها واسلوبها وادواتها، وتعتمد صكا قانونيا وضعيا ملزما الى حد ما لكنه غير مقدس ولا ينبع من الارادة الالهية او يتنزل من السماء ولهذا فهي تفيق بين لحظة واخرى وتشعر بوخز الضمير وتعتذر.

احتاجت اوروبا لأكثر من ثلاثة قرون من الاستعمار والاغتصاب والاستعباد حتى يعود اليها رشدها، بينما احتاجت امريكا الى اقل من عشر سنوات لتراجع خطواتها وتوسعها.
صحيح ان عالم اليوم عالم سريع متسارع، وهو كذلك ليس لطبيعته بل لان انسان اليوم هو الذي جعله كذلك وبتطور القدرات الذهنية واتساع افق وخيال الانسان وعدم جموده في ما ورائيات.



15 ابريل 2015

السبت، 7 يوليو 2018

الملتاع (ما لم يقله ميلر)


قليل من التشفي
...
ستعرف أيها الملتاع أن الاغاني التي كدستها في الصيف المنصرم لا تنفع إلا للحزنِ وأنك، إذ لم تُحسِن تخزينها، لا تطرب، فقد نال من بريقها وشجنها الزمن. الاغاني المرسِلُ والذكرى، وأنت الآن مفلسٌ الاحلام.
***
ستعرف أن الوحدة ليست عبادة كما قيل لك، بل هي عقاب مزدوج لأنك أيضا لا تطيق النظر طويلا إلى أصابع أقدامك وأنك لم تعد تستلذ بصوت هرش جلدك.
الضوء المصبوب من نافذتك الواسعة بعد الظهيرة والمسلط عليك لم يعد بهيجاً، فالمرسل تغيّر، وصار الضوء تذكيراً بفجاجة الحال.
***
لم يعد امامك من خيار او تفضيل في الرفقة سوى ان تعيش مع كلبٍ صغير. كلب صغير الحجم والقلب، احتياجاته العاطفية محدودة تناسب مقاس عطاءك الضامر. كلب صغير لا يرهقك في العدو ولا يصرخ في وجهك كلما انتابه خوف أو توجس.
***
أتدرك الآن كم ان ايامك قربة مثقوبة لا تنفع لتحصيل الأمل؟ أنت لست أكثر من كرتون ممتلئ بصحف قديمة وقصاصات بالية تخص صورا بالأبيض والأسود لفنانات وراقصات.
***
أتدري ما الحال حين تنضب الابتسامة وتعجز عن رسمها حتى بالطبشور على جدار الحي أو على زجاج الحافلة الزرقاء العرجاء! أتدري اي ضيم انت فيه لأنك وجدت جدار المدرسة قد كتبوا عليه "فضلا! يُحظرُ الاشهار هنا."؟ وصار لزاما عليك ان تكتب بين ضلوعك اسمها وقلباً أحمر وتضع توقيعك ثم تمحوه وتبتسم للشحاذ الذي يرمقك بأسنان كالحة وينظر اليك من شقوق الشمس والزمن على عينيه.
***
للنبيذ روح غادرته صبيحة صحوك الذاوي، وللماء برودة الموت الأكيد. وأحمر الشفاة بيدها تلتمع ذؤابته كخنجر غادر.
(ما لم يقله ميللر)
م. ن


14 ابريل 2015 

فيينا


يبدو مبنى الامم المتحدة في فيينا حقيقة الامم المتحدة عينها. كتل ضخمة مجوفة من الداخل. مجموعة كتل عملاقة كل واحدة أدارت ظهرها للأخرى، كل كتلة تنظر في اتجاه مختلف فلا تتقاطع الرؤى.
خلف المبنى فرع للدانوب نظيف ينساب بزرقة خلابة وعليه جسر كبير ممتد ككلب دولو. في طرف الجسر وعند القاعدة كان هناك أربعة مشردين تبدو عليهم ثمالة كبيرة واحدهم كان على الارض لا يقوى على الحركة بينما انكب الثلاثة الآخرون على دغدغته من أقدامه وهو يتعذب ولا يقدر على الدفاع او حتى سحب قدميه.


14 ابريل 2015 

الليل مقامر


سُئل ولم يجب وأشاح بوجهه،
فسُئل ثانية فغمغم.
أيرفض سماحته أن يدلو بشيء؟
ألم يكن السائل أدرى؟ وما المجيب إلا مذكِّر ومؤكد.
وبعض السؤال نكوص والإجابة سفه. لكن بعض السؤال حنين وبعض الإجابة اشتياق.
فسل الليل عن منتهاه!
يرتد اليك السؤال.
...
في الحي صف طويل من شجيرات من صنف الياسمين.
في الليل، الياسمين (الفل) فتان متبجح ومُحرِّض مقامر.
 
8 ابريل 2015 

ورقة الوضع الانساني


سيغدو الوضع الإنساني ورقة أخرى ضمن الأوراق المستخدمة في اللعب. وأقرب التفاتة جادة لن تكون إلا بعد أن ينال الموت الماحق من الفئات الضحية لحفلة الجنون هذه. هل تتذكرون جيدا متى كان موعد دخول أول لجنة أممية للاطلاع على الوضع الانساني في سوريا؟ وكيف أن مهمتها لاقت صعوبات كثيرة؟ وكيف كانت المهمة رهانا سياسيا بين الدول الكبرى أكثر من كونها التفاتة انسانية؟
ثم بعد كل هذا فإن أول تقرير سيكون إدانة سياسية ليس إلا. لن يتم انقاذ من يشارف على الموت بسبب جراحه النازفة او من ستقضي عليه الفاقة.
ثمة مثل شعبي قاسٍ : بطن الشابع على الجائع بطران.
سيمر موسم الحر ويعقبه موسم البرد والاطفال في العراء والأُسَر تشكو نقص الغذاء. وليس أسوأ من تفاقم الوضع الانساني في اليمن سوى المزايدة السياسية به والركون على مسيرة هذا الملف في أروقة الامم المتحدة.
حتى الجغرافيا ليست في صالح هذا الشعب المغلوب. ليس امام اليمنيين سوى الموت في الحروب او الغرق في البحر. بمن سنستجير وكل الجوار فقير.


8 ابريل 2015 

من دون جيش


كانت الاباضية في اليمن ترى ان بناء جيش يعزز من طغيان الحاكم. لأنه سيصبح قوة بيد الحاكم موجهة ضد العموم. وهذا التيار الفكري المتسامح يرى ألا داعي للجيش لان الجهاد فرض عين والقتال في حال العدوان واجب على كل شخص.
لست متأكدا من هذه الفكرة لكنها منطقية ومغرية جداً.
الدولة اليمنية الحديثة يجب ان تقتصر في مجالها الدفاعي والامني على وحدات أمنية ماهرة وخفر سواحل بعتاد حديث ومهارات علمية وعدم تكديس سلاح تقليدي يثقل كاهل البلاد ويحرم الشعب من فرص التنمية.
 
6 ابريل 2015 

يفتر التسامح


في المراحل الأولى من العمر يكون للزمن معنى أدق وأكثر تفصيل. يقاس عمر الوليد باليوم ثم بالأسبوع، ثم بالشهر.
نقول هذا عمره ١٢ شهرا وذاك ١٥ شهرا. ويا للفارق بينهما!
كانت أمي تقول : اكبر منك بيوم، ادرى منك بسنة.
ثم يطوى العمر ويعلّب في سنين حتى يبلغ الانسان من عمره عتيا وتتلاشى التفاصيل.
نقول هذا ستيني وذاك سبعيني. يوجز العمر بالعقد حتى إننا نقول هما ثمانينيان مع ان احدهما بالكاد وصل الى الثمانين والآخر على وشك ان يغادر العقد نحو التسعين او نحو القرار الاخير.
هكذا تجمَل الحياة عشرة عشرة بدون تفاصيل دقيقة.
في الصغر يكابد الوليد الالم بالنسيان وفي الكبر يكبر الالم ويربى بالضغينة والحقد والتحامل.
ليست الخلية هي من يكبر تفتر فقط، تكبر الاحقاد ويفتر التسامح في الغالب.
 
5 ابريل 2015 

حديث اجوف


واحدية الارض تعني واحدية الانسان كما التوحيد بالخالق يعني التوحيد بالمخلوق.
الحديث عن عدوان خارجي في ظل استمرار العدوان الداخلي حديث اجوف.
والتشبث بالوطنية من جهة، والتواطؤ مع قصفها في الجبهة الداخلية ازدواج قيمي.


3 ابريل 2015 

انشق


انشق وتمرد! ان لم تفعلها اليوم فلن تفعلها غداً.
فالشمس تجري لا مستقر لها. وأنت ان انتظرت أكثر سيلحقك الظلام.
والعمر مرة واحدة لا تتكرر والموت أنفذ من كل الآمال.
ولست ترجع لتحيا كما تهوى، فعش كما تهوى وانصرف عما يقولون.
فك عنك القيد وانطلق.
وتذكر انما القيد خيط من اوهام ملفوف حول العين والعنق.
وليس حسبك انك حي يرزق، فأنت انما تعيش لك او تعيش لهم.
وليس الأمر سيان.
فالامتثال اقبح الفضائل.
وليس اقبح سوى تمجيد الحرمان واستمراء العذاب.
فاختر تربت يداك.


1 ابريل 2015 

من إلياس


في اليوم الثامن وصلت رسالته إلينا.
غادرنا الياس (٨ سنوات) إلى رحلة اكتشاف في جبال الألب الفرنسية ضمن برنامجه المدرسي لمدة احد عشر يوما.
ستخصص الفترة للتعلم واللعب والاكتشاف والحياة خارج الاسرة وممارسة التزلج. اكتشاف الحياة الجبلية والعيش في قري الثلج.
افتتح رسالته الفرنسية ب "عائلتي الغالية".
تصلنا اخبار إلياس ورفاقه كل ليل مع صور توجز أنشطة النهار.
كان علي أن أكتب رسائل لإلياس. لكني تأخرت فبادر إلياس بالرسائل وهكذا حقق هدفا قاصما على أبيه.
رسالتي إليه جاهزة.
والحقيقة أني كنت في موقف حرج جداً. اذ كيف أني انا العربي أكتب لابني العربي بالفرنسية. وها انا أتلقى رسائله بالفرنسية أيضا.
وقبل هذا ماذا عساي أن اقول لشبل في الثامنة.
هذه اول مرة يغادرنا فيها إلياس وقد وجدنا البيت في غيابه مقفرا ويتيما.
أخواه الآخران شد بهما الفقد واستبد خصوصا بإياد الذي يصغره بأقل من عامين وكانا يعيشان كتوأمين.
غفرانك يا إلياس ويا قنديل البهجة.
عش وتمتع او "ابتهج" كما قال لك 
فتحي أبو النصر.
وإلياس إذ يغادر البيت لأيام يجعلني في مواجهة مع نفسي حيث ينبغي علي تعيين حدود صبري وادعائي رباطة الجأش.


30 مارس 2015 

التأئه والمطر


اللهم إنه لا مجال
اللهم فاشهد.
يقول التائه الأعرج : وما جدوى الرجوع الى البيت!؟
تجيبه نملة متفانية متغنجة دعجاء بصوت رقيق:
البيت مأوى ونعم القرار.
...
تظل كلاب التيه تستلذ التشرد ما دام قرين الحرية ويعيدها الى ذكرياتها الذئبية حيث المنبت الأول.
يمضي التائه الأعرج تحت زخات المطر ليلاً يستمع بعناية إلى وقع القدم في بقع ما تجمع من الماء على الرصيف المنتفخ.
يسخر التائه من واقيات المطر.


30 مارس 2015

الحرب الداء الاصل


الحرب من حيث الابتداء هي المساس الحقيقي للكرامة والانتقاص من السيادة، وما التحالفات الا تفاصيل واستجلاب للمشروعية والمشروعية المضادة.
كما ان الطغيان هو العدو الحقيقي والعدوان الماحق.
وليس سوى العقل والتنازل أنجع دواء.


26 مارس 2015 

تعال الى تنزانيا


في النصف الثاني من العام 2012 تعرفت على صديق من تنزانيا.
فارع القامة كثير الصمت وكثيرا ما كان ينام في الفصل وهو اجمالا يحب الاسترخاء ولا يدخر على نفسه متعة الا ويأتيها. كان ودودا لا يحب الجدل ولا فائض القول.
من حينها وهو يكتب الى بمقدار رسالتين في العام. وكل رسالة لا تزيد على "كيف حالك يا صديقي؟" بالإنجليزية طبعا.
إلا انه هذا العام جاد علي وكتب ثلاث رسائل بمعدل رسالة كل شهر. وكالعادة كانت رسالتاه "كيف حالك يا صديقي". أما الثالثة. فقد كانت من أكثر من اربع كلمات حيث كتب:
كيف حالك يا صديقي؟ اليمن فيها مشاكل. تعال الى تنزانيا نحن بانتظارك. انا صديقك.


24 مارس 2015 

الجمعة، 6 يوليو 2018

لا تعويل على اخلاق قاتل

من قرر ان يقتل وذهب عنه ضميره لن يتورع عن القتل في المسجد او قسم الشرطة، في ساحة مدرسة او طارود مستشفى.
قبل أعوام قتل بعض أعضاء القاعدة جنودا في محافظة جنوبية في رمضان وقت الافطار تماماً.
كان الجنود يتناولون حبات تمر بعد يوم صيام قائظ.
جاء القاتل وهم يفطرون ولم يتوقف لحظة ويقول في نفسه: انهم يصومون لله الذي ابتغي جنته.
كان قد احاط نفسه بقناعة تجيز له اهدار دمهم. هم بالنسبة له أعداء. وسيكونون بالنسبة لقائده مجرد رقم جديد من قتلى الأعداء.
ضحايا اليوم، اكانوا أطفالا او شيوخا، دكاترة جامعين او عمال بناء، مهندسين او بائعين متجولين ، هم ايضا رقم كبير لغرض التنكيل والإيغال في الانتقام.
فهم أعداء ولا فرق في المكان.
هل يمكن التعويل على اخلاق قاتل؟ او ننتظر منه مراعاة حرمة ما.
لقد عزم وأقدم على انتهاك أقدس الحرمات الا وهي الانسان.
ولهذا فان افضل سبيل للخروج من حمام الدم هذا وتفادي الاسواء هو المراجعة الجادة لما أقدمنا على فعله في ظل صراعنا السياسي.
علينا الا نتحول جميعا الى قتلة. علينا ان نحول دون المزيد من القتلة وبالتالي المزيد من القتل.
علينا ان نقر بان الحاصل هو نتيجة اعمالنا.
مالم فإننا نغذي القتل والقتل المضاد بالمشروعية الزائفة والنتيجة دماء وهدر للحياة وتدمير لمستقبلنا.

علينا ان نعيد ترتيب أولويات مقدساتنا على ان يتصدرها الانسان. الانسان اليمني بلا منازع كيفما كان انتماءه المذهبي او منطقته او حزبه.
ان ابسط تواطؤ مع القتل تحت حجة ان الضحية من لون اخر هو ايذان بالخراب الشامل.
علينا ان تتوقف عن توزيع ديباجة لكل شخص وكانه حقيبة سفر نرسم عليها الوجهة والتصنيف بالتالي نضعها في درجة دون اخرى. هذا داعشي وهذا رافضي. هذا تكفيري وهذا حوثي هذا عميل وهابي وهذا عميل شيعي.
هذه الديباجة هي اول شرعنة لهدر الناس دون محاكمة ولا قانون.
20 مارس 2015 

حرن السنين


يجمعهما مقعدان في طرف المقصورة، يجلسان كتفا لكتف بأفواه مطبقة وشفاه مزمومة. تجول أنظارهما في ارجاء المقصورة كل في زاوية مختلفة.
لا حديث مشترك ولا وئام في تماوج الاجساد مع هدهدة القطار.
تفرك العجوز أناملها ويتلمس الرجل لمى شفاهه. وكأن حرن الأيام الماضية قد تكدس كومة واحدة. مع الكبر ينصرف الفضول الى البعيد. بعد الستين نبدو كما لو اننا نبحث عن بدايات مختلفة لحرف مسار سنين الاجتماع. هي محاولة لرسم مخطط اخر نتفادى فيه المنزلقات ونكتب إشارات مخارج طوارئ لم تكن موجودة.


16 مارس 2015 

سفر


اقطع مسافات طويلة، مئات الاميال متسمرا الى كرسي مجافٍ، يضيع بصري بين خضرة السهوب او بريق طين الحقول الذهبي قبل البذر وساعة قبل الأصيل.
كما هو قاسٍ الا تستطيع ملامسة هذه الارض وانت عليها! كم هي بعيدة دانية!


15 مارس 2015 

مقاهي باريس


الكافيهات والرصيف والحديقة العامة ليست أماكن فقط. إنها فضاءات لصناعة رأي عام للتعبير عن حراك اجتماعي وتبادل. انها قواسم مشتركة. لقد لعبت المقاهي في باريس خصوصا وفرنسا عموما دورا كبيرا في تصنيع وانضاج المقاومة اثناء الاحتلال النازي. ولهذا كلما اتسعت مساحة المقهى او الرصيف او الحديقة العامة كان ذلك دليلا على تنفس المجتمع وتقلص القبضة الامنية على الفضاء العام.
في المقهى تتشكل ذائقة عامة، يزدهر الفن ويتنوع الحضور بين الاجيال وبين الجنسين ايضا. وكلما كان التنوع كبيرا وحضور الجنسين متوازنا، كان المجتمع متزنا وغير متطرف ومعافى سلوكيا ويميل الى الشفافية ويتخفف من النفاق الاجتماعي والاحساس بالخوف والذل وصريحا مع الرذيلة.
صحيح ان المقاهي تحديدا تفرز المجتمع الى طبقات وفئات لكنها ايضا غير مغلقة وحصرية بالتالي يمكن ان تتزاوج فيها الآراء وتتهذب النظرات الاستعلائية وتتشكل ارضية مشتركة للتفاهم والتقارب.


11 مارس 2015 

تشدق


التشدق بالسيادة كالتمسك بالتبعية.
افتقار للمسؤولية وغياب العقلنة في الخطاب.
استهلاك واستجرار.
مطلوب التفكير في كيفية تحقيق المصلحة العامة. النظر الى الهدف والتماس الوسيلة الملائمة في آن.
اما هذا الغلو والجنون فنتائجه وخيمة.


1 مارس 2015

أديس 2




ساعدتني أديس على تجاوز عقدة طعام باريس الباهت الذي اعتدت عليه وأنفت غيره خشية أي اضطراب في المعدة. لكني في اديس تناولت أطعمة عديدة معظمها يمنية كنت أخشى بهاراتها إلا ان مذاقها اللذيذ جعلني أتهور كثيرا وكان تهورا محمودا. زملائي أكرموني بعزائمهم التي فتحت شهيتي وأشبعت توقي إلى طعام اليمن اللذيذ الممزوج بروح إثيوبيا والمكوّن من بعض خيراتها.


***
الحياد عن الشارع الاسفلتي الرئيس والتسكع في الشوارع الخلفية وبين مدن الصفيح امر ليس بالهين. تقف النساء وقت الظهيرة معلقات إلى أبوب غرف الصفيح يتعلقن بأمل النجاة من الشقاء والقيظ. ينظرن بكسل كبير نحو المارة في حركة رتيبة تنم عن فقدان أمل وعن ترسبات عذابات طويلة وشقاء عميق.
تمضي في الشوارع البسيطة في المناطق المتاخمة لمركز المدينة وتمر على حوانيت صغيرة تبيع كل شيء. وبعضها متخصص في البيع ويبيع سلعا معظمها صينية. احذية ومحل لملابس النساء وبينهما فاصل هو حانوت كوافير نساء عليه ملصقات لحسناوات إثيوبيات. في بلدان كثيرة ستجد ملصقات الإعلانات تعاني من عقدة الخواجة وتعرض عليك فتاة شقراء في الغالب عدا في أديس حيث الجمال الإثيوبي هو المتصدر. ولن تفاجئ ان وجدت إثيوبيا يفاخر بجمال الإثيوبيات وحسن معاشرتهن وقد يذهب الامر الى ابعد من ذلك.
***
دخلت محلا لبيع الأحذية وكنت ارغب في شراء حذاء خفيف غير جلدي، وكنت في الحقيقة مخطئا اذ كان يتوجب علي ان اشتري حذاء جلديا مصنوع في هذي البلاد التي تمتاز بالمصنوعات الجلدية الفخمة. حاولت تجريب الحذاء وأرشدني البائع بإنجليزية رقيقة الى الجلوس على كرسي خشبي تقليدي هو في الأصل منحوتة فنية لأنه كرسي بقوائم وحامل خشبي من قطعة واحدة القوائم الثلاثة منحنية وعليها تقويس للداخل يرمز الى حيوان او ما شابه ذلك وهذا تقليد متوافر كثير في افريقيا في معظم المنتجات الخشبية.

في أديس ما تزال الحوانيت تبيع بيضا في الغالب لم تتدخل الصناعات في انتاجه او "بيض بلدي" كما نسميه في اليمن وهو بيض طبيعي بطعم متميز كما كنت أتذوقه طيلة إقامتي وفي بادئ الأمر أرجعت سبب لذة الطعم لأنه بيض مطبوخ بالزبدة وحاولت في باريس طباخة البيض بالزبدة ولم انل نفس المذاق.
في الشارع يمر شاب يحمل على كتفيه سلتي سعف موصلتين بعصا كـ النير او كمحامل الماء في شرق اسيا وبداخلهما بيض بلدي يوزعه على الحوانيت الصغيرة التي تبيع كل شيء بما في ذلك القات المخزن في أغلفة من ورق الموز. وعلمت ان في إثيوبيا أنواع عديدة من القات تعلمت أسماء بعضها ومنها: بستاني وويندو وليو وباشا على أن الأجود هو البستاني.
***
بعد العودة من اديس وصلت القاهرة وهي تعج بالفعاليات الثقافية المتزامنة مع معرض الكتاب والقاهرة اجمالا ما تزال وجهة ثقافية هامة وقد كانت هناك فعالية استضافت الروائي التركي الحائز على نوبل اوروهان باموق دعاني اليها صديقي هاني الصلوي وحظيت بالاستماع الى باموق في الثلث الاخير من مداخلته التي تحدث فيها عن ترجمة اعماله الى اللغات الاخرى وحرصه على متابعة الترجمة الانجليزية تحديدا لقياس النص المترجم عن النص الاصلي.
في أديس جمال لا حدود له، ومنه جمال انعم. المقيل مع جمال انعم وهو في لحظات تجل وما اكثرها هو هدية المسافر الى تلك البلاد. يمضى جمال بلا شك على خطى ادباء يمنيين كبار كجرادة والشرفي وغيرهم وان على ثقة ان اقامته في تلك البلاد حبلى بجديد يليق بروج جمال انعم.

وكان لي ان التقي بعض أعيان الجالية اليمنية في أديس في مقر أهدي إليهم هو مقيل دائم يجلب اليمن إليهم على نحو ساحر. بعض من الشيوخ اللطيفين. يمكن بيسر ملاحظة ان الجالية طاقة متفردة وحب مشبوب في البحث عن أفاق جديدة وكيان صلب وهوية حامية كافلة للكرامة وحاملة للإباء الذي في قلوبهم، منخرطون في الحياة في إثيوبيا، لكن توقهم ليمن قوي هو توق لا حدود له. يتابعون أحداث الوطن أولا بأول ويسهرون قلقا على مصير البلاد التي يتضرعون إلى الله ان ينجيها من الشرور. لأكثرهم قصص نجاح آسرة وملهمة ولهم معاناة كبيرة ينبغي الالتفات اليها. حكاية المغترب اليمني في إثيوبيا خليقة بأن توثق عبر دراسات جادة وان يلتفت اليها الإعلام وتخصص لها الأفلام الوثائقية. خصوصا وانها غربة رافقت التكوين الجنيني للدولة اليمنية والدولة الإثيوبية بصيغتيهما الحالية.




2 مارس 2015

اديس 1


قبل أكثر من أسبوع كنت في أديس أبابا وقضيت هناك خمسة أيام برفقة أصدقاء وزملاء كانت أياما جميلة ادخرت من دفئها الكثير لمثل هذه الأيام الباردة في باريس. أخيرا زرت إثيوبيا او ارض الاحبوش كما كان يقول جدي حينما كان يحكي لنا أيامه الشباب في غربته في ارض الصومال المتاخمة للحبش. زرت الحبش في منتصف عمري وهو موعد تأخر كثيرا وقد غالبني الشوق كثيرا في الذهاب إلى هذه الأرض الحُميرة.
منذ أن وصلت صنعاء في طفولتي وانا أتأمل في نمط حياة الإثيوبيين في صنعاء. كانت حياة ملهمة جداً ومعظمهم في الحقيقة يمنيون إثيوبيون. كانوا أكثر نظافة وأناقة وكانت نساءهم أجمل وأرق. كان يضجون بالحياة وتجري الموسيقا في عروقهم وكانوا ينبضون بالرقص. كانوا أينما حلوا ينشئون مستوطنة متفانية مغمورة بالحب والبهجة. كانت مستوطنة متمايزة جداً.
كان علي زيارة أديس قبل هذا الموعد بعشر سنين على الأقل. اما لو كنت قد دلفت افريقيا من ارض الحبش وانا قبل العشرين فحتما كنت لأكون شخصا آخر. اقل ما كنت أتمناه أثناء هذه الزيارة هو لو أنني كنت في عمر الخامسة والعشرين قد وصلت الى أديس وانا في كامل شغفي وجنوني. كنت سأستمع أكثر بالقات الطري طيلة ما بعد الظهيرة حتى يسدل الليل ستاره وأتهيأ لليالٍ عاصفة. كنت سأنام القليل والقليل وأقضى النهار اركض في الشوارع والأزقة أتنقل من سوق لآخر، ومن كنيسة لأخرى. لا أنكر ان شغفي بهذه البلاد كان يتغذى من مخيلة مشحونة من حكايات واستيهام كبير هو تصور من كانوا حولي عن أثيوبيا والأثيوبيين.


***
جئت الى اديس من القاهرة بعد ان وصلت القاهرة لغرض حفل توقيع مجموعتي القصصية " معطف ضيق" وهو ما تم يوم السبت 7 فبراير 2015 في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2015. بعدها ذهبت الى مكتب الطيران المصري لأقطع تذكرة قاصدا أديس أبابا.
***
هناك تحول ملحوظ في ممارسات الحريات الاجتماعية في مصر في الوقت الراهن اذ يزداد حضور المرأة بأكثر طمأنينة وملابس متنوعة متحررة من التنميط. لقد قلت أعداد النساء المرتديات للبوالط السوداء وتناقص الى حد كبير عدد المنتقبات. في زيارتي الرابعة الى القاهرة في غضون أربع سنوات أجد إن المصريين انهمكوا أكثر في الحديث عن الشؤون اليومية وتفاصيل الحياة الخاصة والتراجع عن الاستهلاك السياسي المتذمر الشاكي.
***
غادرت مساء الأحد القاهرة في وقت متأخر على طيران المصرية في طائرة اصغر من تلك التي جئت عليها من باريس. قبيل الفجر وبعد رحلة لمدة رابع ساعات تقريبا رأيت أضواء مدينة.
من الطائرة، تبدو أضواء أديس في الهزيع الأخير من الليل من حيث الكثافة او الامتداد الجغرافي اقل من أضواء القاهرة بكثير جداً. مطار اديس ابابا أنيق ومرتب وإن كان غير كبير. لكنه مزوّد بخراطيم على عكس مطار صنعاء الذي كنت اعمل فيه قبل أعوام. موظفو المطار من جمارك وشؤون هجرة ودودون شباب وبأجسام نحيلة وصغيرة. وهذا دليل على محدودية دخولهم وبعدهم عن الفساد الصغير والمباشر. كان في استقبالي صديقي وزميلي وائل وقد سررت أيما سرور لرؤيته بعد سنوات من الانقطاع.


***
في الصباح الباكر استيقظت وأسرعت إلى النافذة المطلة على المدينة انظر الى المارة والى سياراتهم فوجدت ماركات السيارات هي تويوتا على الأغلب وهي سيارات حديثة في الغالب وهناك كثير من "الهايلوكسات" وهي سيارة بمقصورة من غمارة او غمارتين وصندوق باعتبارها سيارة عملية وتدل على ثراء.
لكن السيارات القديمة اكثر ومعظمها ماركات أوروبية وما تزال بحالة جيدة وتحظى بصيانة رغم التقادم. خصوصا سيارات الأجرة او التاكسي ذات اللون الأزرق الغامق. تحضر اللغة العربية كثيرا خصوصا في الشارع العام والمتاجر الصغيرة. وصلت قبيل الفجر. حطيت الرحال في فندق متواضع جميل ذي غرف فسيحة. نمت حتى الى ما بعد التاسعة. في الجهة حيث كانت مستقري لأيام وهي منطقة المطار القديم كانت الحياة هادئة والأسواق غير منتشرة بكثيرة وهي بسيطة في العادة وشبه محدودة. توكل مهمة البيع للنساء في العادة. اما الطريق، بعضه متهالك وتمر عليه شاحنات كبيرة ومتوسطة الحجم كان صوت الشاحنات يحيلني الى مقاطع عديدة من كتابات محمد عبد الولي. بيد ان حركة الشاحنات الناقلة للبضائع دليل على زخم الحياة. الناس على اناقة بادية وان كانت ملابسهم قديمة. على بعد أمتار كانت هناك كنيسة ارثودوكسية كبيرة، صوت ناقوس الكنيسة مختلف عن صوته في فرنسا. وكنت الى جانب صوت جرس الكنيسة اسمع الاذان يرفع من مساجد عديدة وعندما تجولت في المدينة ورأيت المساجد وجدتها أكثر تواضعا من الكنيسة واقل حجما. فالكنائس كبيرة مهيبة ولها باحات كبيرة مشجرة.


***
ان الوقوف في الشارع في زاوية منه لدقائق ومشاهدة المارين يتيح ملاحظة ظهور جلي للتنوع الإثني. يصعب علي وصف هذا التنوع لكن وجدت وجوه عديدة متنوعة في تقاسيمها ولون بشرتها وتشكيل الجمجمة وطبيعة الشعر وانتشاره على الناصية.


***
تشهد العاصمة أديس ازدهارا كبيرا حيث أعمال الإنشاء في كل مكان. الجو دافئ في النهار ويميل الى البرد ليلا اما سماء المدينة فهو مبهج وان كان اقل صفاءً في تلك الأيام حيث القيظ النسبي والبعد عن مواسم الأمطار.



26 فبراير 2015

فقاعة العمر


وهل تنفع القهوة في تبديد حزن وحسرة هذا الصباح؟
يتراكم الحزن كسحابة في خريف ارض المتوسط، او ركام سحب في ارض كينيا.
اما الحسرة فتأكل الذهن كماء النار.
العمر مرة واحد ولا يتجدد. والمرارات تلونه بالرصاصي الداكن. وتمضي السنون فتكتشف فجأة ان لا شيئا كما كنت تراه.
تجرع رشفة اخرى من العلقم بلا سكر، زم شفتيك والويهما وادفع الحساب ثم انصرف.
انصرف بخطى تلعن الاولى اللاحقة. الشارع نظيف ولن تجد ما ترفسه سوى مؤخرة احلامك البلهاء.
في لحظة ما يتكور الحلم امام عينيك كفقاعة صابون كبيرة ملونة تلتمع تحت اشعة
الشمس.
برفسة واحدة بمقدمة حذاء الخيبة تنفجر الفقاعة في ضحكة معربدة.
وانت اللاعن والمعلون.


25 فبراير 2015 

المدن الاصدقاء


بعض مدن تملك سحرا لا يظهر من اول نظرة. فهي تتمنع وتكون صارمة جلفة. انها كالخيل الجموح. بعض المدن تمتحن صبرك وشوقك فهي لا تتبرج سريعا. في النهار تحديدا تكون محايدة وأحيانا كبائعة ضجرة. وفي الليل تبدي كسلا في أوله. اما سفورها فلا يكون الا بعد ان تتوطد الثقة بينكما.
لا يمكن ان تعشق مدينة لمجرد مرورك عليها سريعا. المدن كالأصدقاء، لا تظهر معادنهم الا في المواقف. حلاوة بعض المدن في الذكريات في الشقاوة. واجمالا ليست المدن الا بالأصدقاء.
كيف لك ان تقع في حب مدينة زرتها وحيدا وخرجت منها فردا؟
لا تأنس الى مدينة يبتسم اهلاها بطريقة بلهاء. او مدينة تغالي في جمالها وتبعده عنك فلا تبلغ منه شيئا الا وتحسست جيبك في كل مرة.
الشوارع الخلفية هي الحقيقة الاكثر عمقا لكل مدينة. الشوارع العامة كالفساتين كلما اتسعت وتزينت كانت اقل قابلية للاستعمال وتفتقر للعملية ولا تظهر الجمال الحقيقي.
في رد لصديق لم يحبب باريس كثيرا.


20 فبراير 2015 

ارض الحبش


الارض الضاربة الى الحمرة شديدة الفتون.
قال لي السائق الاثيوبي ان بنات مصر أجمل وأثبت في السير، فقلت له: وماذا تركت لبنات الحبش؟ فتبسم كأنه يستحلفني الصدق. والصدق ان اليمنيات بلا منازع وعندي ألف دليل. الا أنهن كبطاطا نصفها في الارض ونصفها ينقره الطير.


18 فبراير 2015 

الخميس، 5 يوليو 2018

المراجعة الدينية


لا جدوى من المراجعة الدينية الان. بل الامر في حكم اللاممكن تماماً للأسباب التالية :
اولا، ان الاسلام كأسلوب حياة معاش يقوم على فكرة المواجهة والصدام وهو ما اطلق عليه فريد هاليداي خرافة المواجهة. وهذا يولد ذهنية سطحية تتوقع انها في حرب دائمة وأنها عرضة للمؤامرات ولهذا يجب الحفاظ على كل مكونات ذلك الفكر خصوصا المكونات المتصلبة لأنها عناصر المقاومة؛ ذهنية المؤامرة تُذِهب العقل لذا فمن اين ستأتي المراجعة؟
ثانيا؛ تحول الإسلام من ممارسة روحية ونسك وعبادات إلى منظومة اجتماعية واقتصادية وبالتالي سلطة تمر عبر الفتوى والمقولات. هذه السلطة تمسك بزمام مصائر الاتباع من الاعناق وليس من السهل التنازل عنها او مراجعتها او تقويمها الا عندما تذهب عنها السلطة وتتحول الى شأن ذاتي لا حراس عليها. من خارج السلطة يمكن عقلنة الفكر اما من داخله لا مجال.
ثالثا؛ يبدو الاسلام بلا كهنوت لكن احتكار الحقيقة وقداسة الماضي وتقديس شخوصه خلق كهنوتا دينا لا يعالج الا بالعلمانية التي تفصل الشأن العام عن الديني.
لقد اقدمت المسيحية على العقلنة والمراجعات والتصالح مع معطيات العصر عندما فقدت السلطة وتحررت من سلطانها.
ان ما نحتاجه اليوم ليس مطابقة الأفعال - حتى البشعة - مع النصوص والممارسات الماضوية لنحكم على شرعيتها من عدمه. نحتاج الى اتخاذ موقف من الأشخاص لا على أساس قربهم او بعدهم من العقيدة ولكن على أساس موقفهم من الحياة ومن الانسان.
هكذا يمكننا ان ننتصر لإسلام يقدس حياة البشر اولا وقبل كل شيء وبعيدا عن معتقداتهم. يجب ان يخلص الاسلام والمسلمون من فكرة العدو ويتخلصوا من ذهنية الأقلية. لم يعد المسلمون أقلية. عليهم التعايش على انهم أكبر جماعة بشرية عقائدية على الكوكب.


6 فبراير 2015 

الاسلام الضعيف المتسامح


الاسلام كما نقدّمه الان لا يستطيع - مثله مثل كل الأديان التي تسعى الى النقاء والاصطفاء - تشكيل هوية مندمجة مع بقية البشر. فهو او الآخرين. وفقا للصورة الحالية ، المسلم - اذا انتصر وغلب - غير قادر على التكيف والقبول بالآخر والاندماج في حضارة بشرية. القبول الحالي والتسامح الظاهر هو نتيجة لضعف.
وكلما وضعت هذه الحقيقة امام المسلمين يذكروك بالتاريخ البشع للآخرين. اي انهم يستمدون شرعية البشاعة من البشاعة. بالطبع لا يعقدون مقارنة مع مآثر الحضارات الاخرى.


4 براير 2015 

صنعاء التي في الخاطر


صُباحه من الصبح!
يحب ابي ابراهيم الحمدي الى درجة اني - غيرة او ضجراً- صرت اتحامل على ابراهيم الحمدي. بلغ بأبي الحب ان كان يتلو علينا عشرات الخطب والكلمات التي القاها ابراهيم الحمدي. لم يكن ابي يجيد الصنعانية وكان يتلوها علينا بلهجته التعزية حتى كنت اشك بان ابراهيم الحمدي كان صديقا لابي في الطفولة او انهما عاشا معا في عدن في ريعان الشباب في نهاية ستينيات او بداية سبعينيات القرن المنصرم او ان ابراهيم الحمدي كان أحد ابناء الجبزية.
كان ابي كلما ذكر الحمدي - وهكذا يسميه فقط دون نياشين او القاب- يتلمع في عينيه بارق المحب المخلص والمريد المطيع. لابي شارب كث وحاجبين دثمين. وهكذا كان الكلام يتجسد بإيماءات صادقة.
يتحسر ابي على ايام ابراهيم وعز اليمنيين في السعودية. يذكر على نحو لاذع ما قاله مذيع ال بي بي سي يوم مقتل الحمدي. " ان اليمن انجز في ثلاثة سنوات ما يمكن انجازه في ثلاثين سنة سيتراجع ثلاثين سنة."
لست متأكدا من دقة هذه المقولة ولعل حب ابي للحمدي - كمعظم مجايليه - دفعه الى ابتكار تلكم الصيغة.
لم يخبرني ابي يوما ان ابراهيم الحمدي كان زيديا. او انه يتحدث بلهجة "الزيود" وينطق القاف جيما تعزية والجيم جيما قرشية والطاء غليظة.
كان ابي يحتفظ بصورة صغيرة لإبراهيم الحمدي بمعية ولديه يعرضها على زجاج "كَبَت" حانوته في صنعاء القديمة.
وعندما توفر لي ان استمع الى تسجيلات في اليوتيوب لإبراهيم الحمدي كنت مذهولا جدا من لهجته التي كانت مغايرة تماما لما رسمه ابي في ذهني.
قبل الوحدة بسنوات كان ابي قد رجع من السعودية واستقر به المقام في "الزُمُر" في باب شعوب من صنعاء القديمة، حين كان لكلمة برغلي وقع حاد.
وكان قد اصطحبني معه للعمل في حانوته الصغير الذي كان بالنسبة لي سُرة العالم ومنطلق اسراره. حيث كانت تصلنا اخبار العالم عبر اثير المذياع المحلي ويحرص ابي مساء كل يوم على البحث عن محطة بي بي سي. لم يكن ابي يقرا ويكتب الا النزر القليل لكنه شغوف بمعرفة العالم.
وصلت صنعاء قبل البدء بمشروع رصف ازقة المدينة بالحجارة وعرفت باب شعوب كسوق شعبي بامتياز يشتعل منذ الصباح الباكر نشاطا وضجيجا هو خليط من صياح رجال ونساء القبائل الواصلين للتبضع وبيع او شراء البهائم، من ضاربي الدفوف والطبول والمزمرين و"الدواشين".
كان لأبي اصدقاء من ذلك المكان منهم جربوش؛ السبتمبري الحقيقي بوجه مجعد وفم خال من الاسنان وهو محب لليمن والقات، كان مالكا لمنزل تقليدي مقابل متجرنا، والحيمي بائع الزبيب، رجل وديع باسم. والباكستاني، رفيع القامة بشارب ممتد ممسد، مرقع الاحذية، والداعري، الشاب الرقيق والنحيل شديد المزاح والمعاركة رغم ضعف بنيته ورقة طبعه، صاحب القرطاسية، والعذري، الرجل المعمم، انيق ويلبس جوخا طويلا وعليه ملامح حميَري اصيل، مالك البيت المجاور لبيت الشجرة واظن الشجرة من الارياف القريبة لصنعاء وكان يسكن في الروضة وله طباع راقية في التعامل.
كان ابي يأكل سلتة خُبانية من مطعم "توفيق" الذي كان لديه، الى جانب المطعم، محل بهارات يعمل فيه ابن اخيه وهو صبي بملامح اوزبكية، وكان ابي يشتري قات "ذروي" من سوق "فروة". لم تكن المخبازات كثيرة الانتشار في تلك المنطقة، بل كانت منطقة محتفظة بهويتها الى حد كبير وكان طعامها يتنوع بين سلتة في الظهيرة وفول او دقة في الصبح وفول في المساء. كان هناك بائع فول هو مطعم "مبروك" ومحل "كابع" للشاي الاحمر او "المفوّر".
كانت هذه صنعاء بالنسبة لي وكان العالم يبدا من هناك.
لم يكن ابي يقول هذا من مطلع او زيدي او هاشمي. كان ينسب كل واحد الى عزلته او قريته فيقول صاحب الحيمة وصاحب أرحب وصاحب اوصاب... وهكذا.
لم ينعت ابي احدا بالمتخلف.. رغم انه شهد شجارات عديدة مع جيران او زبائن سرعان ما تنتهي بالتصالح... وكان أقسى ما يقوله: قبيلي صُباحه من الصبح.
لكنه كان يفضل زبائنه من القبائل على سكان المدينة لانهم يحسمون خياراتهم فيقول عنهم: مقطّبين.
كما لم يكن لأبي مسجد مفضل يذهب إليه عنوة بل كان يصلي في جامع خضر او في الزمر.
كنت حينها لم ابلغ بعد العاشرة. وفي العام تسعين كان ابي مبتهجا ومتوجسا جدا حين توقيع الوحدة. تابع تفاصيل تلك المراسم اول بأول وتسمر امام التلفاز بابتسامة عريضة وأحيانا بخليط من الدموع.
جربوش، كان يود ابي كثيرا وكان قد عاش حرب سبتمبر وعرف ضغائن 68. قال لأبي: ما عيخلوهمش اصحبانا، انا بين اعرفهم، هؤلاء اوغاد. فعلق عليه ابي: يا عم جربوش! خلاص طوينا الصفحة وبدينا صفحة جديدة.
كان في الجوار قسم شرطة يقع في الركن من مدخل باب شعوب. كانت نظراتنا اليه متوجسة دوما وكان مصدرا لشجارات عديدة. ولم يسبق ان دخلناه يوما ما بل كنا نتحاشى الاقتراب منه.
قبيل المغرب يجتمع الناس بعد عودتهم من العمل وفي العادة كانوا عمال بناء "ومقصصين" ما تزال عليهم اثار العمل بثيابهم المطلية بالجبس ووجوهم التي تخططها قطرات الدهان المتساقطة وعيون محمرة من الارهاق والجبس. لم تكن للسياسة مساحة في أحاديثهم. كانوا يتحدثون عن البلاد والذري والمطر والزواج والمسافر القادم الى القرية. وينتظرون الفرصة القادمة للسفر الى عند " الجهال". كانت المواسم عديدة منها المولد، وجمعة رجب والشعبانية وعيد رمضان وعيد عرفه...
كان الناس يحبون شراء الجديد وينفقون على ابناءهم وزوجاتهم ويقولون: دراهم العيد صدقة.
كانت هذه المقولة تعجب أبي كثيرا لأنها تدر عليه دخلاً ويبيع أكثر.
لم يكن أبي يحب علي عبد الله صالح وكان يرى فيه قاتلا للحمدي فحسب. وكان يقول إنه لا يتورع عن القتل وقد قتل زوجته وصفى رفاقه فكيف بالخصوم.
اما انا فقد قضيت جل عمري - عدا اسفاري القليلة- في صنعاء ولا اعرف مدينة مثلها. بل اني لا اتصور يوما اني سأعيش في مدينة اخرى. عشت في هذه المدينة وتحدثت لهجتها بكل حب. كسبت ما كسبت من الاصدقاء.
....
اليوم تكتسي صنعاء لهجة مقيته من الكراهية والكراهية المضادة. مدنية أهلها لم تقاوم البؤس المقدس القادم من الكهوف، حتى أجدني متهما بالمناطقية والعنصرية.


4 فبراير 2015 

أصخرة ؟


"أصخرة أنا ... ؟! "
كلا ولست بقلبها اذ يتفجر منها ماء زُلال.
وما انا اذن؟
انت؟ ممممممم. انت ان نظرت في قمر الخريف - كوجهها - وتبسمت حوله هالة. انت بذرة منعمة بأمطار صوتها المدرار.


1 فبراير 2015

الاسلام في فرنسا


يتم تصدير نسخة من الاسلام الى الغرب هي الأكثر تشددا وطهورية. وهي نسخة لا يتفق معها غالبية مسلمي العالم الاسلامي في اسيا وإفريقيا.
تتوغل هذه النسخة مستفيدة من مناخ الحرية ومن الأزمة التي تعصف بالمجتمعات الغربية- وبشقها الروحي ايضا - وتغول الرأسمالية والمادية. ويبدو الامر كما لو ان الاسلام - بنسخته هذه - يقدم حلولا ويلطف من بشاعة العالم لانه يعرض خطابا روحيا اصطفائيا طهوريا مع امال الحياة الاخرى كملاذ من جحيم المنافسة وقسوة ظروف العمل والاستغلال الجشع.
وقد صدر تقرير خاص بالتطرف في فرنسا قبل أشهر وهو تقرير بيير كونيزا. وكانت صحيفة اللوموند قبل ايام عرضت نبذة التقرير ورد فيه:
تقرير بيير وكونيزا عن الخطاب المضاد للتطرف الإسلامي في فرنسا.
تأخرت فرنسا في تقديم رد على صعود الأصولية الاسلاموية في فرنسا قياسا بجاراتها ويعود ذلك الى سببين الاول كفاءة اداء اجهزتها الأمنية والثاني هو العلمانية ذاتها لكن التأخر في الرد السياسي لم يكن الا تأخير حدوث ما لا مهرب منه.
كان التقرير قد تهرب من استخدام الاسلاموية واستبدلها بمفردة الإرهاب الدولي وذلك تحاشيا للتنميط القائم ضد المسلمين.
ظهرت في فرنسا المصفوفة الجهادوية اي السلفية المحفَّزة من الوهابية السعودية في 1990 وازدهرت هذه الحركة الأصولية في قعر الفقر والعور الهوياتي للأحياء المهمشة لتشكل ملجأ هوياتيا يقدم نظام قيم وقطيعة مع المجتمع " الحشمة بدل الجنسانية العدوانية والتجارية، الروحانية بدل المادية والتضامن بدل الفردانية".
وكانت جاذبيتها، ترتكز على التحجر الفكري او العقائدي ذي الطابع الحمائي النفساني والذي يشجع على القطيعة مع البيئة العائلية والاجتماعية والوطنية.
بيد ان السلفية ليست ممارسة دينية انما هي مطالبة بهوية سياسية دينية شمولية. وتسعى الى فرض نمط الغيتوهات على الجالية الاسلامية الفرنسية من خلال مطالبات انشقاقية (ملابس، طعام، سلوكيات...).
وللسلفية وجهان الاول المسالم او الهادئ وهو غير عنيف في تأويلاته والثاني المتفرع عنه والمتطرف اي النزعة الجهادية.
ويقوم الخطاب المضاد للطرف على خطوات. أولا، تعيين او تحديد هذا التطرف والإشارة الى السلفية الجهادية. ثانيا، اشراك النخب المسلمة في فرنسا وإظهار نخبة إسلامية فرنسية في إطار الاندماج بقيم الجمهورية تتجاوز الفاعل السلفي وتلعب دورا إيجابيا. وعلى فرنسا ان تعترف بأنها بلد إسلامي وعليها الإسهام في تحديث الدين الإسلامي من خلال الدراسة القرآنية وإنشاء معهد للدراسات اللاهوتية الإسلامية .
(عرض وترجمة بتصرف). 


30 يناير 2015 

عن معطف ضيق


"معطف ضيق"، هذه باكورة أعمالي وتعود كتابتها الى فترات متقطعة بين ٢٠٠٤ و٢٠٠٨. انها اول عهد لي بالكتابة الأدبية اجمالا. ولعل دراستي للغة الفرنسية وللأدب الفرنسي وقراءتي لبعض قصص غي موباسان حببت الي اُسلوب القصص القصيرة.
كنت اكتب ملتصقا باليومي والمعتاد في اليمن وفي صنعاء تحديدا. وكانت تلك الأعوام- كالتي تلتها- حافلة بالنوائب حيث الحرب والالم وتيه الشباب وعذاباته.
وكان لصديقي وأستاذي عبد الاله القُدسي الفضل الأكبر في حضي على الكتابة ومساعدتي في النشر وتقويم ما كنت اسطر.
والحقيقة ان اليمن منجم غني بالحكايات كما هو تعبير الروائي اليمني حبيب سروري.
لقد وجدت أنه من الأنسب أن أنشر هذه المجموعة في هذه الفترة دون التعديل عليها والاحتفاظ بأسلوبها وبنيتها وتعابيرها لتكون مرآة لي ارى فيها ما استجد لدى من الأسلوب واللغة والاهتمام. واعرف من خلالها اني بدأت بالقصة القصيرة ولست ادري باي شيء سأنتهي.
ولا تخلو نشر هذه المجموعة من طرفة. فقد كنت احتفظ بما اكتب في حاسوبي المحمول دون نسخة احتياطية وفي نهاية العام ٢٠٠٩ انقدت الى فكرة أن أشارك في جائزة عربية للقصة القصيرة وطبعت هذه المجموعة وسحبتها في أوراق ولم أتمكن من إرسالها في الوقت المناسب اذ تقاعست عن ذلك وكنت حينها منشغلا بشيء اخر على الصعيد المهني حيث كنت حديث العهد بالسلك الدبلوماسي واخضع لدورة تعليمية مكثفة الى جانب انشغالي بالترجمات التي كنت اكسب عيشي منها. فتركت المجموعة في ظرف ونسيت اين أودعتها. وفي بداية العام ٢٠١٠ تعرض منزلي لسرقة. لم يكن اللص في بيت شاعر كما يرد في قصيدة للبردوني. لكنه كان في بيتي وهي تشبه بيت الشاعر ذاك فلم يجد اللص ثمينا يأخذه سوى ذلك الحاسوب. حمدت الله على المصيبة. وبعد أعوام كنت مجبرا على ترك البيت والانتقال الى فرنسا وبينما أنظف ما تجمّع لدي من أوراق وصحف مع الأيام وجدت المجموعة ترقد بسكينة في ظرفها الكاكي. ففرحت لذلك كثيرا وقررت نشرها في اقرب وقت ممكن خوفا ان أفقدها مرة اخرى.


28 يناير 2015

تشهيرو


تمنحني باريس فرصة ان التقي زملاء الدراسة من المدرسة الوطنية للإدارة بعد أربعة سنوات من القطيعة مع بعضهم منذ ان افترقنا.
فقد قالت لي تشهيرو زميلتي اليابانية، حين التقيتها مساء الأمس، إن باريس كالميناء ترسو عليه سفن الأصدقاء من كل القارات. وهي لم تجانب الصواب.
الى الان التقيت خمسة من زملائي في هذه المدينة. كان سايمون البريطاني أولهم نهاية العام ٢٠١٣ ثم فيليب الكندي وقبلهما ماريا الروسية وبعدهم امين التونسي وبالأمس كانت تشهيرو.
تستقبلك تشهيرو بفرحة طفلة وتبتسم في وجهك. وعند الحديث اليها تصغي بعمق وأمام فكرة صاخبة او فكرة حساسة أو لا تعجبها تغمض عينيها وتفتحهما كومضة الشاشات الحديثة.
هي ككل اليابانيين لا يقولون لا في وجهك. يقولون : امممم نعم ولكن.
من عينين صغيرين يتقد ذكاء ومثابرة وصبر واخلاق اليابانيين.
كان اللقاء بهذه اليابانية الذكية الهادئة تكثيفا كبيرا للزمن. قالت ان السفر يجعلنا اقرب الى الناس واكثر تفهما.
تأسف لمصير معظم البلاد العربية. حاولت تعلم العربية وقالت انها لم تفلح.
في الحديث معها اجدها لا تغفل عن استذكار السمات الثقافية للشعوب التي ينصب الحديث عنها وتعد مقارنات عديدة بحيادية ثقافية. فضول معرفي فقط . تحدثنا عن الهند والصين ودول شرق أوروبا وبلاد المغرب العربي.
كان لأصدقائنا نصيب من الذكرى والضحك.
جاملتني وقالت لو كنت مكانك وعشتُ ما عشتٓ في سنواتك الأربع الاخيرة لكنت اقل تفاؤلا مما انت عليه.


27 يناير 2015 

لاقط الاخبار


في مدينة لا تجد فيها العصافير عشا وثيرا على شجرة،
تهرع في الصباح وعند الغروب لتحط على مستقبِل الإرسال في أسقف المنازل،
هذا المستقبِل المسجى كـ مشجب للأسى ولاقط لأخبار بؤس العالم.
تغرد العصافير اشجان نهارات الغربة والبحث الدؤوب عن قرار،
فيصدح التلفاز باغان الجاز الحزينة، البلوز المضمخ بالحنين
ورقصة القارب الوحيد على صفحة الماء المضطربة.
تحط العصافير
تطير العصافير
ويتلو النهار المساء.
يميل أرضا لاقط الإرسال من ثقل اشجان الطيور
وتتبدل قناة البث على التلفاز؛
مشهد جديد مضرج بالدماء،
وصراخ طفلة جائعة في مخيم للنازحين في ليلة شتوية.


25 يناير 2015 

مع أمين



كانت اربع سنوات قد مرت علينا وكأنها البارحة. 
ما ان التقيته في مقهى القوس العظيم حتى باغتني: هذا غير معقول! صرت أباً صالحا تعنى بأطفالك.
التقيت مساء الامس بصديقي التونسي امين عاشور، زميل الدرس في المدرسة الوطنية للإدارة في ستراسبورغ ورفيق احلام الثورة والتغيير في بدايات العام ٢٠١١.
تكون وافر الحظ ان كان لك صديق تونسي، واكثر من محظوظ اذا كان صديقك هو أمين.
تسكعنا ساعات عديدة نتنقل بين دوائر باريس التي قال عنها صديقي انه وجدها كما أخبرته الروايات والكتب.
يتحدث صديقي فرنسية عالِمة وعربية كالماء النمير.
مارسنا كامل حقنا في "النميمة" واستذكار الرفاق. وأتفقنا على ان باريس ليس جميلة الا بالأصدقاء وان الحياة الليلية لا تسوى شيئا ان لم تكن بصحبة يوانا وفيليب.
ينوي صديقي الدخول في الحياة الزوجية بعد ان اختار شريكة حياة مستقبلية اما انا فلست ادري ما انوي وقد صار لدي ثلاثة أطفال ذكورا.
انه توجس دائم. وعلى كلٍ، تظل عين ترنو الى الجهة الاخرى كيفما كان الحال.
اربع سنوات وتجمعنا باريس مرة اخرى.
اربع أعوام على بلدينا من التقلبات بين الاعاصير ونوبات السياسة. صار لتونس ثغرة للنور وتلج اليمن نفقا من الظلام بلا نهاية.
كم هي حياتنا قصيرة وكم هو عالمنا قرية صغيرة!
صار امين يعرف صديقا يمنيا في تونس هو من أصدقائي.
كانت لحظة مائزة تطفح بالمتعة. وعلينا عهد ان نثنيها.


25 يناير 2015

الأصدقاء ! توقفوا عن اهانتنا




البعض من الأصدقاء عماه النصر المؤزر وأخذته نشوة الفتوحات إلى الايغال في الاساءة والاستغفال والتحاذق وقادته اللحظة الى إظهار ما كان باطنا وكشف ما كان يخفى في اللاوعي من ادعاء تفضيل.
باختصار شديد: عليه تحديد مرجعية ثقافية نستطيع على ضوئها التعامل والفهم ؛ إما اسلاميه او غربية لقياس مقولاته. أظن في الاسلام الناس اخوة وسواسية وهذه التفضيلات انما هي جاهلية كبرى وفي الثقافة الغربية لفظ سيد ينطبق على رئيس الجمهورية وعامل النظافة ولا يستحضر حاكم ومحكوم وحق إلهي وفصيلة دم مقدسة وأخرى مدنسة.
لا تتعاملوا معنا على اننا اغبياء وتتحاذقون على هذا النحو المخجل. وقبل هذا لا تنسوا اننا في وطن واحد وعلى سفينة واحدة. من المؤسف ان سلوك البعض يصر على ان يفرط بكل علاقات الود والصداقة التي بناها عبر السنين لمجرد التماهي مع استدعاء ذهنية الأقبية.
للتاريخ حكمه والعاقل من اعتبر.

24 يناير 2015 

الجمعة، 11 مايو 2018

لا يشبهوننا



يظهر مسؤولينا القابعين في المملكة العربية السعودية من اعلى مسؤول في هرم السلطة حتى ابسط ناشط او محلل محسوب على الشرعية في الصور وفِي التلفزة وتبدو اشكالهم وكأنهم ليسوا منا . منتفخو الاوداج والبطون غائرين في ألبستهم  ثقال الألسن والدماء. لا يشبهوننا وليسوا منا ولا يعبرون عن محنتنا.

اذكر ان معلقا عربيا في قناة عربية في ٢٠١١ قال في معرض حديثه عن انصار صالح قياسا بالمتواجدين في ساحات الثورة الذين يظهرون ع التلفزة إنهم لا يشبهون الآخرين وكأنهم ليسوا يمنيين. هكذا هم المحسبون على الشرعية.

موظفو الشرعية في الرياض تحديدا لا يشبهوننا.  لقد أنسوا  الى إقامتهم الجديدة واعجبتهم الرياض مدينة المطاعم كما ان  المملكة اكرمتهم واحترمت خصوصيتهم الثقافية وعاداتهم اليومية. انهم يأكلون ألذ الطعام حتى التخمة ويمضغون افخر القات  يوميا بابهظ الاثمان ويخاللون ان استطاعوا وفِي وقت متأخر يذكرون الوطن وكم ربحوا وكم خسروا. لم يخسروا غير ضمائرهم وربحوا رقابا بلا ذمة .

جئت الى باريس في ٢٠١٣ وزاد وزني خمسة كيلوجرام وداهمتني تغييرات صحية فعدت الى وزني  السابق بعد قلق كبير.

كيف يقضي رفاقنا أوقاتهم هناك؟ اعرف انهم نسوا معركتنا الرئيسة مع الحوثي وغرقوا في معركة توزيع الغنائم والكشوفات والرواتب.

اتخيلهم يربتون على كروشهم يتحسسون الشحم ويلتهون بهذه النعمة الطارئة المصحوبة بالبلادة وخمول الهمة.

يذود عنهم ابطال شباب يواجهون الموت المحيق في الجبهات ويقتسمون الجوع والبرد والشمس بلا رواتب ولا حوافز ولكن بعزيمة الرجال بينما الخاملون  يتشدقون ويزبدون.
انهم لا يشبهوننا فعلا.
٢ مارس ٢٠١٨ 

حيلة الأب السيء

حيلة الأب السيء...
رد على بيان الخارجية

مصدر مسؤول غفلي او مجهول في وزارة الخارجية يبدي استغرابه لما تناولته بعض المواقع والصخب بشأن مصطفى الجبزي وقد أورد هذا المصدر كلاما كثيرا مليئا برطانة خشبية تتذرع بالقانون تذرعاً زائفاً.

وقبل اي حديث فان البيان يكذب حين يشير اني كنت محاطا علما بعدم إمكانية التمديد بينما لم أتلق رفضا مكتوبا لطلب التمديد الممهور بتوقع رئيس البعثة في باريس الا عبر بيان الخارجية هذا. والحقيقة اني واصلت العمل في السفارة وعلي الوزارة التخلص من المحاضر والتقارير التي باسمي للفترة ما بعد انتهاء تعييني لتكون صادقة مع بيانها. كيف تغاضت عن ممارستي العمل ولقاءاتي بصحبة السفير في باريس كبار موظفي الخارجية الفرنسية دون صفة قانونية؟

هذا لأن الأمر يستدعي اجتماع لجنة السلك المعنية بالتعيينات هذه لم تجتمع وظل معلقا مع متابعة في إرسال مذكرات تذكير وتوضيح لوضعي من قبل السفارة ولكن دون رد.
المؤسسات التي تبدي حدا أدنى من الاعتبار لذاتها وللتقاليد الإدارية تلزم نفسها بفترة للرد من أسبوع الى ثلاث شهور ويكون الرد مكتوبا ومشفوعا بالاسباب. فحتى رفض طلب الفيزا من السفارات يأتي مبررا.
تخيلوا ان يعلق مصيرك تسعة أشهر وتواصل العمل على وعود كاذبة.

فضلا عن ان وزارة الخارجية ليست على الاراضي اليمنية وتستعمل شبكات التواصل للتواصل مع الموظفين فإني احتفظ بمراسلات على الواتساب تقيّد التبادلات بشأن التمديد لي وفيها تأكيدات على صدور توجيهين من الوزير للتمديد لي لولا تعنت الوكيل المالي. اي اننا إزاء وزير لا يستطيع إنفاذ توجيهاته. وفِي الأخير لا يستطيع الوزير نفي ان الرئاسة هي التي أوقفت التمديد ولدي التأكيدات الكافية.

وعن تفنيد رد الوزارة إليكم ما يلي:
 
اولا: اتكئ البيان على صيغة مغلوطة نقلتها المواقع لستُ مسؤولا عنها إنما مسؤول عن ما نشرتُ في حسابي في صفحتي فانا لم اقل فصلا ولكني قلت عدم تمديد بعد وعود وتوجيهات. فخطأ المواقع الإخبارية وبيان الوزارة بشأنه لا يغطي المغالطات الاخرى.

ثانيا: ثمة شيء غير منطقي يناقض نفسه ويجعل التشدق بالقانون لا معنى له. وزارة الخارجية التي تعمل من الرياض بسبب تداعيات الحرب تصدر قرار استدعاء لي ولزملائي سنة بعد اخرى ينهي العمل في السفارة من اجل العودة الى الديوان كما هو وارد في قانون ولائحة السلك اي العودة الى صنعاء.

وفِي هذه النقطة سأتحدث كيف ان الوزارة والحكومة الشرعية تفرط بموظفيها ومن يعملون باسمها وتلقي بهم في رصيف التيه والضياع والمخاطر وتفقد حلفاءها.

انا اعمل مع حكومة تحارب الانقلاب وأتحدث باسمها واشتغل بهذه الصفة ومطلوب مني العودة الى من تحاربهم. بينما عجزت الوزارة عن العودة الى اي من المناطق المحررة وافتتاح ديوان للوزارة.
وهنا لا معنى لإجراء الاستدعاء الا دفع اعوان الدولة التي التهلكة.

ثالثا: يتحدث المصدر المجهول ان قرار الاستدعاء هو من اجل تعيين زميل اخر لي كما هو القانون والحقيقة ان الوزارة تستدعي سنويا بين ٦٠ الى ٨٠ موظفا دبلوماسيا وإداريا  يعملون في السفارات لتعيين زملاء بدلا عنهم ضمن استحقاق حركة التعيينات الا انها منذ ٢٠١٥ لم تلتزم بهذا القانون الذي تغالي باسمه فاستدعت ابناء الخارجية لتضع بدلهم من خارج الوزارة مع تطعيم بسيط بدبلوماسيين اصلاء لدرء الشبهة دون أدني اعتبار لمعايير الالتحاق بالسلك الدبلوماسي وتمنحهم درجات لا يحصل عليها الدبلوماسي المهني الا بعد ١٠ الى ١٤ سنة.
واليكم الحسبة التالية التي تهم زملائي في الداخل والخارج في المقام الاول ليعرفوا عن اي قانون تتحدث قيادة وزارتهم:

الطاقة الاستيعابية للبعثات اي السفارات والمفوضيات تصل الى ٤٠٠ موظف من دبلوماسي واداري بمعدل ٢٥٠ دبلوماسي الى ١٥٠ اداري. ويمكنكم العودة الى كشوفات ملاك (موظفي) وزارة الخارجية لأعوام ما قبل ٢٠١٤.

تم حشر ١٨٠ موظفا من خارج الوزارة في السلك الدبلوماسي بدل المستدعيين وصار لدينا فقط ما يقارب ٧٠ دبلوماسي من ابناء الخارجية في البعثات والبقية تشردوا وزملائي الذين انتهت فترة عملهم يدركون ذلك وهم مشردون بين القاهرة وتركيا وماليزيا ولندن وكندا وغيرها والباقون ينتظرون نفس المصير. وكان الوكيل الاول قد قدّم قبل فترة وعودا لتصحيح هذا الوضع دون الوفاء بها.

لدينا ٥٤ بعثة تقريبا فإذا وضعنا ثلاثة من خارج الوزارة في كل بعثة صار لدينا ١٦٢ موظفا من خارج الوزارة. بعض السفارات فيها واحد فقط من خارج الوزارة كباريس والبعض الاخر فيها اكثر من عشرة ويمكنكم الرجوع الى موظفي السفارة في القاهرة او الرياض او ألمانيا او غيرها.

رابعا: جل الذين تم تعيينهم من خارج الوزارة هم أقارب لنافذين في الحكومة الشرعية وبعضهم أقارب لوزراء وبلغ الامر ان الاخ الوكيل للوزارة عين أقارب له من ذكور وإناث في وظائف في البعثات اما دبلوماسية او محلية. يمكنكم العودة الى سلسلة حلقات تكشف فساد التعينات في البعثات منذ فترة ولم تعد تخفي على احد.

فساد التعينات في البعثات اصبح يثير التندر والاشمئزاز وبعض الدول رفضت منح المعينين تأشيرات دخول لكثرتهم.

ولهذا فان التذرع بالقانون هو تذرع كاذب وحق يراد به باطل ويكشف ركاكة البيان وهشاشة الموقف.

خامساً، امر التمديد الذي تدعي الوزارة انه مطلب غير قانوني هو استثناء مؤطر بقانون السلك. استثناء في الظروف العادية. ونحن في ظروف ليست اعتيادية وسبق للوزارة ان مدّدت بتوجيهات عديدة لزملاء في الأعوام السابقة بما فيها ٢٠١٧ -٢٠١٨ ليس لعام واحد كما ينص القانون بل لعامين وأكثر ومن المعيب ان تتلاعب الوزارة بوعي الناس القانوني.

اذن، التمديد شأن قانوني مؤطر إجرائيا وفق قانون السلك ولائحته ويحدده الاحتياج والكفاءة. وانا ادعي جازما اني املك الكفاءة وان هناك احتياج وفقا لمذكرات السفير في باريس.
لقد مددّت الوزارة طيلة الأعوام الماضية متجاوزة الإجراءات القانونية عينها التي تتدعي التشدق بها. وبدل ان يصدر قرار التمديد تم اعتماده عمليا عبر مواصلة إرسال الراتب. اما هذا العام فقد احتالت على القانون على النحو التالي:
يصدر قرار الاستدعاء وجرى العرف الاداري ان يكون قرارا جماعيا لحركة تعيينات ثابتة الايقاع تبدأ في شهر يونيو من كل عام. لكنها هذا العام وتفاديا للفضيحة التي تمارسها بعثت بمذكرات فردية الى كل سفارة تخطر السفارة بانتهاء فترة الموظف الفلاني. وبهذا لا احد يعرف عدد المستدعيين ومن هم المستثنون.

فإذا كان التمديد مخالفة، لماذا تستمر الوزارة في ممارسته؟ واذا لم يكن مخالفة فلماذا استبعدتُ من هذا الحق؟ وهذا هو جوهر الموضوع الذي لم ترد عليه وزارة الخارجية إنما اكتفت بفهلوة ادارية.

وانا قلت ان استبعادي كان نتيجة لما كتبته بخصوص فساد الحكومة وهذا ما لم تنفه الوزارة في بيانها المستعجل ويؤكد صحة كلامي. وحده وزير الخارجية يستطيع تكذيب نفسه ونفي ما اقول.

يقول المثل "ما حد يحارب دولة" لكن واقع الحال يؤكد ان عصبة تحارب مواطنا.

ونقطة اخيرة لها صلة بالحقوق المالية. ينص قانون السلك على ان تدفع الوزارة للمبتعث بدل تمثيل وبدل تأمين وبدل تعليم ابناء وبدل انتقال عند الذهاب الى البعثة و عند العودة. وذكرت اني وزملائي بلا تأمين صحي ولا بدل تعليم ابناء منذ سنوات وهذا واقع لا تستطيع الوزارة نفيه ولم تتطرق اليه. بل انها تُمارس استهتارا بالقانون فتصدر قرار استدعاء ولم تمنح موظفيها هذا البدل. اي علي ان اعود الى صنعاء وهي لم تدفع لي ولزملائي بدل الانتقال حتى اللحظة.

تتحدث الوزارة عن القانون وهي تنتهكه ليل نهار وتتحدث عن شحة الإمكانيات لكنه تفرغ الوزارة من موظفيها مقابل تعبئتها بغيرهم وفق حسابات بعضها مناطقية ويغضبها انتقادها.
فإذا كانت الامكانات شحيحة فعليها تقليص عدد المبتعثين لا زيادة عددهم ومن خارج الوزارة.

اما التبريرات التي تقدمها قيادة الوزارة في جلسات خاصة بخصوص التمديد خصوصا للقائمين بالاعمال في معظم البعثات بالاضافة الى المسؤولين الماليين هي ان الممدّد لهم عملوا في صف الشرعية والتمديد حماية لهم.
وهذا يعني التالي: اولا، ان الحماية انتقائية مع ان بعض من تحصّل على تمديد يطعن في شرعية الحكومة ويجاهر بولائه لعلي صالح قبل وبعد مقتله.
ثانيا ان معظم من يعملون مع الشرعية في البعثات هم في خانة الاتهام. ولهذا لا يستحقون الحماية. هذا منطق ركيك وعبثي.

إن أظرف ما في الرد هو الفقرة الاخيرة التي يطالب فيها المسؤول الصحفيين العودة الى الوزارة للاستفسار وأتمنى من الصحفيين ان يجيبوا كم مرة طلبوا افادة من الوزارة وجاءهم الرد.

أشفق على الزميل الذي كتب تلكم الأسطر وهو يعرف سلفا زيفها وتجرع مر كتابتها.

في الأخير تهربت الوزارة في بيانها من الاجابة على الأسئلة الحقيقية وتمسكت بصيغ فضفاضة متناقضة مع الواقع. واستخدمت ألفاظا من قبيل الكذب والتضليل والادعاء وهي الفاظ تعود عليها.

وانا هنا اطلبها ان تتبنى الشفافية وتنشر قوائم موظفيها في البعثات على موقع الوزارة كما كان معمولا به حتى العام ٢٠١٥ وسيتضح صدقي من كذبها وستعرفون ان القانون صار مزقا وأشلاء ويتم انتهاكه على يد قيادة الوزارة عينها بينما يتم التلويح به انتقائيا في وجهي.
أطالب الوزارة اولا بالاعتذار عما طالني من ضرر وان تدفع لي حقوقي المتبقية وتدفع لي دون قيد حقوقي للفترة التي عملت فيها دون أجور وفقا لوعود الوزير وتوجيهاته.
وبعدها يكون لنا حديث في القانون.

مصطفى وبطانة هادي المشغولة بالفيسبوك



اجريت موخرا تعديلا على بروفايلي على الفيسبوك مفاده اني لم أعد اعمل في سفارة الجمهورية اليمنية في باريس.
نعم لم أعد اعمل كذلك وتوقفت عن العمل منذ ثلاثة شهور بعد ان اشتغلت لتسعة شهور بالمجان دون رواتب او اي حقوق معلقا الى أمل تمديد.

لم يتم التمديد بعد طول انتظار نتيجة لتدخل هاتفي من مكتب رئاسة الجمهورية بحجة ان مصطفى يكتب في الفيسبوك كتابة تنال من شخص الرئيس.

هكذا وردني الخبر من أصدقاء في الرئاسة يلومونني على ما اكتب وقبلها بأسابيع كان السفير رياض ياسين قد أسرّ في اطار ضيق من أصدقائه ان الرئاسة استثنتني من التمديد.

ها أنا انهي فترة دبلوماسي عامل في باريس في ظروف بالغة السوء على الصعيد الشخصي والعائلي ولكن بتهمة حمقاء من أشخاص أزعجهم حديثي عن فساد الشرعية وعجزها. وعندما كنت دبلوماسيا عاملا احترمت واجبي الوظيفي على اكمل وجه.

اترك باريس تفاديا لقرار قضائي طردا من السكن لتخلف دفع الايجارات. لقد نالي من هذه الوظيفة ضررا كبيرا وتعبا اكبر. وجزء مما عانيته وأعانيه شخصيا او عائليا تكون وزارتي سببا رئيسا فيه وسبق وكتبت لقيادة الوزارة أبلغهم باحتفاظي بحقي القانوني في تحميلهم المسؤولية.

اعرف جيدا ما يزعجهم ويقض مضاجعهم. الحديث عن الفساد فسادهم هم. الإشارة تلميحا او تصريحا الى سوء إدارتهم ونهمهم في افساد الوظيفة العامة. كتبت قبل ايّام انهم لا يشبهوننا ولا يمثلون قضايانا فازعجهم هذا التقدير.

في الحقيقة نحن امام عصبة - في الرئاسة ولها ارتباطات مماثلة في بقية الدوائر الحكومية ومنها الخارجية - حديثة العهد في إدارة الشأن العام والحكم ولم تأت الى وضعها هذا الا بالصدفة وليس لها من دربة الامر شيئ ولهذا فإنها تميل الى الديكتاتورية في كل شيء وتطلب منا ان نمجدها على سلوكها وظنها انها تستحق الحمد والثناء لمجرد انها تمثلنا في مواجهة الانقلاب وتأكل حقوقنا وتصادر مستقبلنا.

فانا لا انتمي لشيء غير اليمن وثورة فبراير ومشروعها في إقامة دولة قانون دون فساد ولا عصبويات ومخاوف أمنية او مخاوف في الأمن الوظيفي. ولا اقايض عن ذلك بشيء. لان ما دون ذلك هو حريتي وحياتي.

ليعلم الجميع ان حال موظفي الخارجية في السفارات لا يسر. وأنهم رغم صمتهم فهم لثلاث سنوات من دون تأمين صحي ولا رسوم تعليم ابناء ويقضون من ثلاثة الى ستة شهور من دون رواتب. مع هذا حُشر في السفارات ١٨٠ دبلوماسيا من خارج الوزارة بلا تأهيل ولا لغات ولكن لمجرد انهم أقارب لنافذين.

لقد فقدت وزارة الخارجية الاتصال بما لا يقل عن ٢٥٠ دبلوماسيا اصيلا عاملا من كادرها ورمت بهم في المنافي والشتات. وهذا عبث تتحمله تلك العصبة الخفيفة.

كتب محسن العيني في كتابه "خمسون عام في الرمال المتحركة " ان موظفي الدولة لا يحبون الجلوس على الكراسي وتناول المذكرات وقراءتها وتحليلها واتخاذ قرار بشأنها. لأن الدولة مكتب. هؤلاء ايضا لا يؤدون أعمالهم. انهم مشغولون بما سنكتب في الفيسبوك. ولكم على ذلك مثال وكيل وزارة الخارجية الزميل الاستاذ أوسان العود الذي لا يزيد معدل حضوره في مكتبه أسبوعا في الشهر.

وزير الخارجية الذي أتمنى له الشفاء العاجل هو الاخر مكبل بهذه الالية. ويعيش في دائرة قاتلة من الوشايات والنكايات.

في حقيقة الامر، الذين وصولوا الى مفاصل الدولة على اكتاف فبراير يريدون منا ان نترحم على زمن علي عبد الله صالح. لولا اني قد قطعت عهدا على نفسي الا ارجع الى الوراء والا العن نفسي.

أتصور ان الرئيس هادي يستيقظ كل يوم يجد امامه ملفا لصور منشوراتنا. يغضب ويبعد هذا ويقرب ذاك. هذا تسفيه لوظيفة وشخص رئيس الجمهورية. والاساءة الأكبر للرئيس تأتي اولا من المقربين منه والذين يتصرفون باسمه فيجعلونه طاغية زمانه ويسفهون مشروعه الاتحادي بقرارات وتصرفات حمقاء.

الاثنين، 9 أبريل 2018

ذاكرة الصراع السايسي

يمتلك اليمن ، وتعز تحديدا، ذاكرة مريرة في الصراع السياسي مع القوى الاجتماعية المختلفة، خصوصا ذات البينة العصبوية المسلحة بالجغرافيا، في بداية النصف الثاني من القرن المنصرم. كانت احداث 68 نموذجا ارشاديا للمسار السياسي لما بعد الثورة، اي ثورة. بعيدا عن السلوك الميلاشوي القابل للاستحضار بقوة. هناك حقل دلالي مروع جدا يتم توظيفه في مثل هكذا مخاضات، من قبيل التخوين والتكفير والشيطنة. طريق الرهائن مسألة مألوفة وقد ذاق المصريون منها الامرين. وأحيانا كانت يتم اخذ رهائن مقابل تبادل الطعام. يمكن العودة الى مذكرات اندريه روشا مندوب الصليب الاحمر بهذا الصدد. لكن الامر المشين هو التصفيات والتمثيل بالجثث.
دائرة العنف القائمة على اسناد تحركات القوة الى امر الله لا تقف عند حد ولا تدخر احدا. ولهذا لا بد من مراجعة الذاكرة لتحديد اي فعل يجب ان يتخذ في مثل هكذا مواقف. ليس ببعيد ان تثور اب وتعز في مثل هذه المواقف وترفض هذا الطغيان الاعمى.23 يناير 2015

معادلة السكان والأرض


في العام ٢٠١٠ كان محمد العلائي قد كتب مقالا بعنوان "في اعادة ربط الخيط بين صحفي وكلمة وطن". تناول فيه نقاطا كثيرا منها الوطنية والوطن وموقف الصحفي وذاته ومطالب الانفصال في الجنوب واستحضر استبصارا من مقال "ثأر الجغرافيا" ل فروبرت كابلان. "للجغرافيا أحكامها التي لا رجوع عنها".
كان العلائي يحاجج - على ضوء ما قدمه الصحفي الشهير في العلاقة بين الكثافة السكانية وشحة الموارد وعدم الاستقرار- على انه من غير الممكن إقامة دولة تنعم بالثروات في الجنوب حيث السكان قلل بينما شمال شمال - وهذا توصيفنا نحن - يغص بالفقر والحرمان والصراعات في ظل كثافة سكانية.

هل كانت فكرة الأقاليم معالجة لهذه الوضعية ؟ وهل كانت الأقاليم بصيغتها المقدمة معالجة مثلى؟
ثم هل ما يحدث الان في صنعاء هو نتيجة لجنون الجغرافيا غير القابل للكبح؟

عموما يا صديقي محمد، الشمال الذي يهمنا لن يسمح بالانفصال لكنه ايضا لن يسمح للجنوب ان يحكم.
21 يناير 2015 

اين انت من أوف لا دبُم


أبشع ما فينا التندر بالجريمة وتسطيحها وجعلها شيئا قابلا للبلع.
لم تكن احداث باريس الاخيرة كارثية لأنها قتلت عددا كبيرا من الناس بل لأنها تنال من حرية التعبير ولأنها عمل في غاية الوحشية.
بالمناسبة، وسائل الاعلام هنا لم تعرض صورة قتيل واحد من ضحايا الصحيفة ولم تُظهر صور للدم المسفوح حتى لا يعتاد الناس على الجرائم وعلى مشهد الدماء وتغدو المسالة أمرا مألوفا لا يحرك ضمير ولا يشد عاطفة.
ها انا اجد تندرات كثيرة على حادثة اختطاف بن مبارك.
وقبل ايام شاهدت تسجيل فيديو يقتل فيه حارس مشفى من قِبٓل ثلاثة أشخاص مسلحين يقال انهم يتبعون الحوثي. كان قتلا في غاية البشاعة ولم يتحرك له ساكن.
يستغرب الناس لماذا قام العالم ولم يقعد لمقتل ١٧ شخصا في فرنسا بينما المئات يقتلون يوميا في العراق وسوريا واليمن وباكستان.
والسبب هو اننا نسترخص الحياة ونهدر الانسان. وهذا هو الفرق الجوهري.
ستتوالى موجات الغضب في العالم الاسلامي من شرقه الى غربه انتصارا للرسول وتنديدا عنيفا للرسومات الجديدة التي يراها البعض مسيئة. وهي برأي أكثر انصافا له من كل افعالنا.

هم يرسمون ونحن نقتل. نقتل ونحرق وندمر لنقول ان اتهاماتهم لنا بالعنف والارهاب غير صحيحة. وهذا يذكر بالطرفة اليمنية عن قاتل لوالديه ذهب يستفتي في جرمه فقال له مفتيه : اين انت من أوف لا دبم؟.
اما بيننا البين فنحن في أشد حالات المرض وانتزاع الانسانية.
في فرنسا على سبيل المثال لو تم اختطاف سايح فرنسي او صحفي فان البلاد تقوم ولا تقعد ويغدو تحريره اول الاولويات. ويصبح الامر رهانا انتخابيا ومعيار نجاح او فشل الحاكم. نعم، فشل الحاكم لانه لم يفك أسر مواطن ما.
اما نحن فاننا تتندر بالاختطاف.18 يناير 2015

2015


يا هذا العام المتجهم منذ البداية.
رفقا بي.
لقد جئتني بغتة ولم ألقمك امنيتي.
تعرف جيدا اني استبشر بالجديد. لكنك مختلف جداً. او ان أحلامي المعلقة ما تزال هناك ترفض الانتقال. ألن تفسح لها مقعدا صغيرا؟
ها انا اجرجر حلما منذ ما لا يقل عن ثلاثة سنوات. أخفيه حتى عن نفسي وأخجل ان أبوح به اليك. لكن حاجة تحقيقه غدت ماسة. ما عاد القلب يحتمل كل هذا العبء.
بالله ماذا تريد؟
ها هي القربان البشرية تصلك تباعا من الشرق والغرب.
انت الاخر لا تتغنج كثيرا وتتعبنا.
كن كريما لمرة واحدة ودع امنيتي تتسلل.
بالمناسبة اليوم ذهبت الى ندوة كبيرة كان منظموها قد اختاروا موسيقا عربية هادئة حديثة. للأسف كانت كئيبة جداً. ومنفرة جداً فتذكرتكٓ. 17 يناير 2015

الدفن والموت في تغطية صحفية

اريد ان اكتب عن الصحافة الفرنسية ليس من باب النقد ولكن من الملاحظات التي اجمعها في لحظات متفرقة عن طريقة معالجة الصحف الفرنسية للأحداث. لا اريد الخوض في الخطاب الصحفي ولا في التقنية اللغوية. فقط اسلوب التغطية ورفده بما يشكل معرفة بالنسبة للقاري.
هذه احدى الحلقات:

الأسبوع الماضي ماتت مولودة غجرية في مدينة شرق باريس. والغجر لا يعتبرون مقيمين شرعيين في فرنسا. فرفض عمدة البلدية دفنها في مقبرة المدينة. اَهلها يعيشون في مدن صفيح متنقلة بين المدن وبعضهم يعيشون على التسول والسرقة.
تأجل دفنها يومين إلى إن تم التنسيق مع المدينة المجاورة وتم دفنها هناك في المقبرة. هذه القصة أثارت الرأي العام الفرنسي كثيرا واعتبرت حادثة عنصرية ونهضت الجمعيات المناهضة للعنصرية للتصدي لهذا الموقف.
عمدة البلدية تعذر بأنه لم يعد هناك متسع في المقبرة. صحيفة ليبراسيون في الاسبوع الاول من 2015 نشرت الموضوع وصور لحظة الدفن في صفحة كاملة من صفحاتها وفي الصفحة الأخرى مقابلة مع متخصص في تاريخ وسوسيولوجيا الدفن.
طبعا المقابلة مدهشة من حيث معاني الدفن ومواجهة الموت اجتماعيا ودينيا وانتقال الدفن من يد الكنيسة الى يد الدولة في فرنسا ودلالات الدفن وكيفيته وهيكل القبر في المجتمع الفرنسي في القرون الاخيرة.
ثم دلالة ان المهاجرين ينقلون جثامين موتاهم او يتركوها هنا وعلاقة ذلك بالاندماج الاجتماعي. وما معنى ان الدولة ترفض دفن شخص. اي الاستبعاد الاجتماعي او الإقصاء لما بعد الموت.
كانت مقابلة مدهشة وصادمة لي وان يكون هناك متخصص في تاريخ الدفن من منظور اجتماعي صرف. كانت دهشتي مضاعفة بسبب التناول الصحفي للموضوع. لان الصحيفة لم تتعرض للحادثة فقط كخبر. لكن القارئ يجد معرفة حقيقية الى جوار الخبر.
من المعلومات الصادمة او الشائقة بالنسبة لي هي:
ان الكنيسة كانت ترفض دخول جثمان المولود لأنه لم يعمّد. ولم تكن تشارك في التشييع.
ان المرأة التي توفي مولودها تعود الى العمل سريعا ولا تحظى بالمواساة الكافية.
ان الموت كان حقيقيا وكانت الحياة الجنسية زائفة في المشهد العام. اما اليوم فإننا لا نعرض لحظة موت في الافلام او في وسائل الاعلام، بالمقابل يمكننا ان نعرض لحظة جنس
رابعا في المجتمعات الغربية كان الشخص يعيش ثلث حياته حدادا اما اليوم فالحداد سريع وبالتالي الموت زائف.
في المجتمعات الغربية كان الشخص يموت بين أهله اما اليوم فيموت وحيدا في المستشفى.14 يناير 2015

حرية التعبير تعني الحياة.


يتهيأ الشعب لمقابلة المارلين. يذهب الشعب الى ساحة الجمهورية place de la république حيث ينتصب تمثال معدني لسيدة متكتنزة فاتنة ذات وجه حصيف وخجول وعيني طموح. إنها رمز الجمهورية. هكذا أراد هذا الشعب ان تكون امرأة هي أيقونته. 
في هذه الساحة الشاسعة التي يحرسها مبنى كبير للجندرمة، يتجمع الفرنسيون للتعبير عم يختلج من مشاعر؛ اكانت غضبا او تضامنا او فرح.
هذه المرة كان الحشد مختلفا جداً.
فرنسيون من كل الفئات العمرية، من كل الطبقات الاجتماعية ومن كل الألوان خرجوا تلبية لنداء الوحدة الوطنية. خرجوا لنبذ العنف والتطرف، لرفض الاٍرهاب، لنفي الخلط بين المفاهيم والعقائد والانحرافات.
لعل اكثر ما شد انتباهي هو ان الجميع لبس افضل ما لديه وتأنق بما يستطيع ليقابل الجمهورية ويقف عن اقدام السيدة المارلين رمز الجمهورية.
طفتُ في مربع الحشد لأكثر من ساعة اتفرس في وجه المحتشدين اقرأ في عيونهم الحزن على الضحايا وعزيمة مواجهة العنف والارهاب والاصرار على وحدة الصف واكبار دور رجال الأمن والشرطة.
قليلة هي اللحظات التي اعتراني فيها شعور بالالتحام مع الجموع، وسَرَت في جسدي حمى التأثر وصعدت قشعريرة في عمودي الفقري كما حدث لحظة تلاوة النشيد الوطني الفرنسي ( المارسيلية ) وانا انظر في الأشداق الملتهبة حماسا سيما وهي تلهج ب لفظ : ايها المواطنون
تقدموا
تقدموا.

طوفان بشري متماوج يتهادى. الشوارع الضيقة كـ جداول تصب في الجادات الكبيرة: كلنا شارلي.
يتبدد الشتاء في دفء هذا الالتحام الجمهوري، في قيمه العلمانية، ويغدو رذاذ السماء مباركة الاله من عليائه.
في زحمة الزحمة، تسقط بطاقة شخصية لسيدة. يُنادى باسمها وتأتيها البطاقة سراعا.
لا مجال للسرقة. الجميع مشغول بهم وطني اكبر. انه الوطن. انها الجمهورية. انها القيم العالمية.
لم تحرق الاعلام. ولم تتصدر الشتائم. فقط مجسمات لأقلام الرسم والمزيد من الرسوم الكاريكاتورية.
حرية التعبير تعني التنفس اي الحياة.




11 يناير 2015

شارلي ايبدو بعيون الصغار

صغيري إلياس، ذو السبعة الأعوام، عاد مساء الأمس من المدرسة يحدث أمه ان ١٢ شخصا قُتلا في باريس وان المدرسة وقفت دقيقة حداد كل في فصله الدراسي.
أما اليوم فقد رافقته انا من المدرسة وقال لي بالفرنسية: أبي! لا يوجد سرق في باريس ولكن هناك قتلة. لقد قتل رجلان اثنى عشر شخصا بينهما شرطيان. قتلا صحفيين.

قلت له نعم اعرف. لقد طاردتهما الشرطة وقتلت المجرمين.
اندهش وسألني: كيف تعرف كل هذا يا ابي.
فأجبته : من الاعلام. من الصحافة.
في البيت بعد ان عدنا ولم نتمكن في لعب كرة القدم هذا المساء لان الملعب مغلق، فتح لي دفتره المدرسي وعرض علي ما قرأه. صفحة مصورة من جريدة خاصة بالاطفال من عمر ٦ الى ١٠ سنوات.
يتصدرها عنوان رئيس. في باريس، رجلان هاجما صحيفة شارلي ايبدو وقتلا اثنى عشر شخص بينهما شرطيان.
وعليها رسم كاريكاتوري يوحي بطابع المجلة ويكتسي لمسة حزن.
صديقي اليمني ايضا اخبرني ان ابنه الذي بعمر الياس او اقل طلب من عائلته في المساء الوقوف دقيقة صمت وقت للعشاء لنفس الامر.
إلياس يعرف شيء اسمه صحيفة ، حرية تعبير. وبينما كنت اشاهد نشرة الأخبار على التلفاز مر ذكر اسم شارلي ايبدو فصرخ الياس : اعرف هذا الاسم.

انها حادثة هزت وجدان هذا الشعب الحي وواجهها بوحدة وطنية رائعة.
الأجيال ليست معزولة عن بعضها هنا. والدرس ينتقل بإتقان.
10 يناير 2015 

المناطق الوسطى مجددا.



عام 62 قامت ثورة في الشطر الشمالي، سنوات من الاحترب الاهلي اختلطت فيها معاير الخير والشر، الحق بالباطل، الجمهورية بالملكية، التقدمية بالرجعية، وآلت الامور إلى سيطرة قطاع جغرافي على زمام السلطة وكان على المناطق الوسطى ان تواجه هذه الغطرسة. ومن هنا نشأت حروب المناطق الوسطى كوسيلة مقاومة وجدت من الايديولوجية اليسارية ودعم الشطر الجنوبي سندا.
اليوم التاريخ يعيد الكرة بنسخة اسوأ. خطوط التماس تطاد تكون مماثلة لتلك.
فهل تعود حرب المناطق الوسطى لمواجهة هذه الغطرسة الملتفعة برداء الحوثية. لكن البديل الايديولوجي التقدمي غير متوفر. سيكون البديل الاسهل هو التشدد السني، أي لحاف القاعدة و"الدعشنة".
حروب المناطق الوسطى في اليمن لم تنل قسطها الكافي من التوثيق والدراسة. وهي ليست بعيدة تاريخيا. انها تجربة قابلة للاستدعاء بسهولة.


5 ياناير 2015 

عربيد



سأتجشأ بأعلى صوتي كعربيد فظ. اذ ليس في يومي عربدة أشد من ان يسألني صديق "كيف الأوضاع؟"، فابتسم بسذاجة معتوه وأقول له "الدنيا هدوء، تمام".
كيف يمكنك ان تتصالح مع موقف غدوت فيه رجلا بلا مهمة وعاطلا عن قضية وتغرق رويدا رويدا في وحل الإحساس بخيبة الأمل.
يشفق عليك صديق بعيد قائلا:
"نصيحة اخيرة قبل ان تنفق كفقمة مشلولة، ان كان لديك حبيب فلا تغضبه".
تتحسس جبينك الندي اذ لا مناديل جديدة تمسح بها عرق الندم ولا توالف عندك الاعتذارات.
ابصق في المرآة ونم ان استطعت.


5 يناير 2015 

الشرق في كنيسة

في الخامس والعشرين من الشهر المنصرم من العام المنصرم وعند المساء بعد أن انتهيت من مرافقة، حتى الفندق ، زائرة جاءت الى باريس، عرجتُ على كنيسة سان جرمان دي بري في قلب باريس في الدائرة السادسة المحاذية للحي اللاتيني.

كان الجو باردا وانا اعرف جيدا ان دفء الكنيسة قادر على اعادة الدفء والحياة الى أطرافي المتجمدة فأغرتني الفكرة ودلفت باب الكنيسة.

في الحقيقة كان ذلك اليوم عيد ميلاد المسيح ويقام في تلك الكنيسة قداس عيد الميلاد وهي كنيسة تقع في موقع سياحي بامتياز مما جعلها عامرة بالمرتادين من سكان الحي والسواح على السواء.
قطعت خطواتي الاولى على وقع صوت الأورغ التي كانت تتخلل ترانيم المساء المضمخة ببخور العرفان.

الكنيسة تحفة فنية وهي دار عبادة ملكي متنوعة الطابع المعماري لأنها بنمط روماني وقوطي وكلاسيكي في آن وقد مضى عليها قرابة الف عام منذ التأسيس الثاني والكبير. انها أشبه بقفص خشبي مسجى رفيع وبرج شاهق.

الاضواء شبه الخافتة حيث السقف البعيد والمظلم يجعلك تتخيل السماء بعمقها بالاضافة الى توزيع الأصوات ورجع الصدى المنتظم المموسق مع صوت الخطيب الرصين وكامل ادعاء الورع والرطانة، كل هذه العناصر تبعث روحانية فريدة.
استمعت الى الخطبة كاملة وشهدت مراسم الصلاة الخاصة بعيد ميلاد السيد المسيح.

لفت انتباهي صوت الخطيب المليء بالوقار ككل المؤمنين في كل الأديان وخطاب الكنيسة الغاص بالود والوصي على التراحم والإخاء.

تذكر الخطيب مخاضات ميلاد المسيح وعذاباته وسيرة حياته التي كرسها من اجل الحب والجمال والتسامح والغفران.

تمنى الخطيب الخير لأبناء الرب وتلى عليهم بعض آيات من الكتاب المقدس وأوصاهم خيرا بأنفسهم وذويهم وأبناء جلدتهم في الدين وذكّر بواقع المسيحيين في الشرق ونوه الى محنتهم داعيا لهم بالرأفة والنجاة.

لم يتهم احدا ولم يدعُ الرب ان ينزل بالعقاب على المسلمين العوام منهم او الدواعش.

قال للحاضرين: افشوا السلام بينكم وتصافحوا حبا في المسيح.

4 يناير 2015


الأحد، 8 أبريل 2018

فاصل بين عامين

على حافة عام وفي الفاصل بين عامين، أعد ما استطيع من الطعام والشراب. اطبخ عشاي لوحدي وفي البال أغنية لست اعرفها تماماً. 
أقف أتأمل في المقلى صوري التي تنضج واستشعر غصة كبيرة في الحلق وفرحة اكبر هي نصيبي من ٢٠١٤، أعض على شفتي نشوة وجذلا. 
يا صوتها الخمري وطعم غناء عصافير الصباح. 
استذكر قصيدة "عبد العليم اذا مات" لأتحقق من أعداءه. 
هاتفت اختي قبل يومين وما زال رنين ضحكتها في أذني. 
طفت في الشوارع كثيرا ابحث عني حتى حل الظلام كثيفا يدثرني بالهروب الى الهروب ورجعت بمحصولي من البرد وصور السائحات الجميلات في ليلة رأس السنة. 
كل الشوارع سواء والوجوه متساوية عدا خضاب على أظافر سائحة إسبانية وقفت الى جواري في الميترو. 
في هذه الليلة يتحول كل من في باريس إما الى مبتهجين او لصوص. حتى المشردين والمتسولين يبدلون جلودهم هذه الليلة. 
الأمنيات منثورة كحبيبات سنبلة دخن. والفرح متراص كاكواز الذرة. بيد ان البرد قارس والدم مهدور في بلادي.

استحواذ على الرسول وعلى القرآن


يتسابق الجميع في إثبات غيرته على النص القرآني في ماراثون إثبات ولاء تجاه المرجعية وتأكيد مكانة من نفس الموقف مع تعمد تجاهل نقد الذهنية التكفيرية من استخدام الآية الكريمة. 
بهذه الطريقة لا مجال لقداسة الانسان لان حياته لا معنى لها امام خطا في ذكر المرجعية او السورة. 
نعلم جميعا ان اللغة ليست بريئة وأننا من يشحنها بالمعنى. وان انتهازية البعض تجعله يقتطع الآيات والنصوص ليستخدمها في ترهيب الآخرين دون الإشارة الى سياق التنزيل. 
وما هذا الا تجسيد عملي وحي للطريقة التي انتشر بها هذا الدين.

ان محاولة الاستئثار بالرسول هو نسف لمثابرة بقية المؤمنين والاتباع وتسفيه ورفض لإخلاصهم. 
ولم يعد امام الطرف المسلوب في هذه الحالة سوى الدخول في صراع من اجل تثبيت ملكيته الرمزية وانتماءه او الكفر بها والانسلاخ منها ومواجهة الرفض بالرفض.


لولو

دخلت محلا لغسل الملابس وتجفيفها قصد تجفيف ما حملته من البيت للتجفيف. وكان هناك سيدتان احداهما تبدو كبيرة في السن قليلا والأخرى اقل منها كما لو أنهما فتاة وامها او وحماتها. 
في مثل هذه المحلات المخصصة لهكذا خدمة يقوم المستخدم بالتعامل مع الآلات مباشرة في اختياره لما يريد ودفع النقود والانتظار حال الانتهاء من الغسيل او التجفيف او الاثنين معا، وتكون هناك مقاعد وحولها كتب ومجلات كما ان المذياع يبث عبر الأثير اغان وحوارات شائقة تمزق اشداق الصمت المعقود بين الناس في المدن. 
كانتا تتحدثان بلغة لا افقهها وتصدر عنهما جملة فرنسية من حين لآخر. تفرست في ملامحهما ووجدتهما تبدوان اقرب الى القادمين من أوروبا الشرقية او من بولندا كما يتضح من الأنف الحاد المنتصب والشعر الاشقر المائع. 
وفجأة نهضتا وخلعت العجوز عنها معطفها ووضعته على كلب صغير كان بينهما ولم أفطن اليه في بادئ الأمر. 
ذهبت إحداهن لجلب الملابس من ماكينة التنشيف وقمن بترتيب وثني الملابس ووضعها في حافظة قماشية بينما كنت جالسا على حافة الأريكة التي كانت تجمعنا ثلاثتنا ورابعنا كلبهن. 
اخرج الكلب الصغير راْسه وتطلع الي فتقدم نحو وأستأنس وجثى الى جواري. 
نادته العجوز معاتبة: 
لولو!
ثم تحدثت اليه المرأة الشابة بالفرنسية:
لولو! اين أنتِ ذاهبة؟ دعي الرجل بأمان!
تبين لي انها كلبة وديعة وأخذت امسد شعرها الناعم الطري. وقلت للسيدة: 
انها وديعة واسمها جميل. ثم أردفت ممازحا: واقترابها مني دليل اني رجل طيب. 
ضحكت وسألتني : 
هل لديك أطفال ؟ 
أجبتها بنعم وان لدي ثلاثة من البنين. 
هنأتني وقالت: الكلاب تشعر بالأبوة لذا اقتربت منك. 
ثم سألتها عن فصيلتها وكيف تحيا معهما فأوضحت انها كلبة فرنسية من فصيلة يوركشاير وهي كلاب ملتحية صغيرة الحجم ذات شعر ناعم متعددة الألوان حيث اللون الاشقر في الناصية والرأس ثم الرمادي في الظهر وصولا الى ذيل اسود. وشرحت لي السيدة ان كلبتها تتطلب عناية شديدة اذ ينبغي لها ان تخرجها للنزهة واللعب وعليها غسلها بالشامبو مرة كل أسبوعين وتقص لها شعرها في السنة ثلاث مرات على الأقل. وان لـ لولو مزية وهي انها لا تنبح وهذا فضيلة في المدن حيث الناس لا يبحثون عن الإزعاج لكنها تتطلب دلالا كبيرة فبعد كل حمام ينبغي تنشيف الكلبة واستخدام آلة التجفيف التي تستخدمها السيدة لشعرها حينها تنعم الكلبة بنوم كالطفل وتأبى الا تنام الا في حضن سيدتها. 
انتهت السيدتان من ترتيب الملابس وكانت المتحدثة بالفرنسية قد أوضحت ان العجوز ألمانية وأنها في فرنسا لتقضي اجازة رأس السنة. كانت الكلبة لحظتها رابضة الى جواري في تماس مع جسمي فرحة من تمرير أصابعي على فروة الرأس حيث تعتلي رأسها ضفيرة بحلقة زاهية. 
غادرت السيدتان والكلبة وانا أغبط الكلبة على نعيمها.


وحيدا في نويل

تتدلى دمى بابا نوبل من النوافذ من الخارج تتطلع الى دفء الداخل بفضول ناقةٍ في مدينة. انها أعياد الميلاد حيث يشتد البرد. لكن النهار كان ذا شمس ساطعة تلمس الأسطح بحنان أبوي. سأتنزه على حافة النهر او ادخل الغابة. أشجار الغابة شاحبة عارية من الأوراق والأغصان تشرئب نحو سماء زرقاء صافية. الأشجار محمرة الأطراف كأنها السنة لهب وقت الظهيرة. اتصفح هاتفي فأقع على صور قديمة لي على الفيس بوك واجد تعليقا لصديقي احمد الذي خطفه الموت مني قبل عام. 
اغتم ولا ارى لطفا في بقية التعليقات الظريفة. يزداد الرصيف قتامة وكدرا. 
الشوارع خالية منذ يومين عدا من بعض مٓن يصطحبون الكلاب الصغيرة التي تتسكع بحرج كبير. 
لا معنى لان تحتفظ بهندامك بينما الأصدقاء غائبون. ولا عزاء في الكتابة الأنيقة حيث لا يأتي الرد ساخنا كمشروب شتوي. 
امضي في الشوارع الضيقة داساً كفي في جيبي اتبع ظلي الهارب او أنظرني منكسرا في فترينات ساكنة تمتصني بشرهٍ كبير. 
وفجأة اخري يدي أتحسس أرنبة انفي التي يقضمها الصقيع. 
يشممني كلب بدين ويستشف وحدتي وينصرف مغمغما.


أوجه الصباح

سطوع الشمس بعد ثلاثة ايام من الغيوم الكئيبة، 
ضفيرة الشقراء اليافعة المنتظرة عند مخرج الميترو انفاق، 
جريدة الميترو الرابضة كقرص خبز عند السحر الخريفي،
قنينة البيرة المركونة منذ المساء في زاوية ناصية الشارع، 
رائحة تبغ سيجار عجوز انيق يقف مقابل صحيفة اللوموند في الكشك، 
"السيكل" الاسود الخالي من رفوف الاطارات المركون الى سور حديدي اخضر، 
عامل المرآب الشاب وهو يتفحص هاتفه بعد ان غازل كل فتيات محل الكوافير،
غصن السرو المزمع جلبه كشجرة ميلاد هذا العام البارد،
تمثال جورج واشنطن المنتصب في ساحة إياّنا حاملا سيف الانتصار.
...
للصباح ألف وجه غير قاع كأس القهوة الصغيرة الفارغ للتو،
او الابتسامة المقصوصة في فم النادلة الجاف.

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...