الاثنين، 9 يوليو 2018

العالم ضد الفاشيات


إن الخلل الذي يتراءى في نمط الحياة العصرية في الغرب لا يرجع الى نفاق وازدواج معايير بقدر ما يعود الى اللاكمال البشري. فمحاكمة السلوك العام للغرب في هذه اللحظة قياسا بالإطار النظري الاخلاقي المطروح هو تعسف للمسار التاريخي للحضارة البشرية.


الحضارة تتقدم بالتعديل والاضافة وكذلك المفاهيم القيمية والمدونة السلوكية. فالحرب في القرن العشرين غير الحرب في القرن السابع عشر. ليس من حيث الادوات والوسائل ولكن من حيث الإطار القيمي والاخلاقي الذي يحكمها.

لا يقف العالم الحديث ضد القوة لذاتها لكنه يقف في وجه القوة الغاشمة وضد الفاشيات. ضد الفاشيات تحديدا لان تجربة الغرب الاوروبي في القرن المنصرم كانت ابلغ درس دفعته (هذا الغرب) الى مراجعة اسلوب الهيمنة السافر والتراجع عن الغزو والاستعمار ومن هنا صدح خطاب ما بعد الاستعمار وظهر القانون الانساني في الحروب وتهذبت الحرب رغم الزيادة المهولة في القدرة التدميرية.

للحضارة الغربية مثالبها، لكنها بفعل العقلنة المستمر تجدد خطابها واسلوبها وادواتها، وتعتمد صكا قانونيا وضعيا ملزما الى حد ما لكنه غير مقدس ولا ينبع من الارادة الالهية او يتنزل من السماء ولهذا فهي تفيق بين لحظة واخرى وتشعر بوخز الضمير وتعتذر.

احتاجت اوروبا لأكثر من ثلاثة قرون من الاستعمار والاغتصاب والاستعباد حتى يعود اليها رشدها، بينما احتاجت امريكا الى اقل من عشر سنوات لتراجع خطواتها وتوسعها.
صحيح ان عالم اليوم عالم سريع متسارع، وهو كذلك ليس لطبيعته بل لان انسان اليوم هو الذي جعله كذلك وبتطور القدرات الذهنية واتساع افق وخيال الانسان وعدم جموده في ما ورائيات.



15 ابريل 2015

السبت، 7 يوليو 2018

الملتاع (ما لم يقله ميلر)


قليل من التشفي
...
ستعرف أيها الملتاع أن الاغاني التي كدستها في الصيف المنصرم لا تنفع إلا للحزنِ وأنك، إذ لم تُحسِن تخزينها، لا تطرب، فقد نال من بريقها وشجنها الزمن. الاغاني المرسِلُ والذكرى، وأنت الآن مفلسٌ الاحلام.
***
ستعرف أن الوحدة ليست عبادة كما قيل لك، بل هي عقاب مزدوج لأنك أيضا لا تطيق النظر طويلا إلى أصابع أقدامك وأنك لم تعد تستلذ بصوت هرش جلدك.
الضوء المصبوب من نافذتك الواسعة بعد الظهيرة والمسلط عليك لم يعد بهيجاً، فالمرسل تغيّر، وصار الضوء تذكيراً بفجاجة الحال.
***
لم يعد امامك من خيار او تفضيل في الرفقة سوى ان تعيش مع كلبٍ صغير. كلب صغير الحجم والقلب، احتياجاته العاطفية محدودة تناسب مقاس عطاءك الضامر. كلب صغير لا يرهقك في العدو ولا يصرخ في وجهك كلما انتابه خوف أو توجس.
***
أتدرك الآن كم ان ايامك قربة مثقوبة لا تنفع لتحصيل الأمل؟ أنت لست أكثر من كرتون ممتلئ بصحف قديمة وقصاصات بالية تخص صورا بالأبيض والأسود لفنانات وراقصات.
***
أتدري ما الحال حين تنضب الابتسامة وتعجز عن رسمها حتى بالطبشور على جدار الحي أو على زجاج الحافلة الزرقاء العرجاء! أتدري اي ضيم انت فيه لأنك وجدت جدار المدرسة قد كتبوا عليه "فضلا! يُحظرُ الاشهار هنا."؟ وصار لزاما عليك ان تكتب بين ضلوعك اسمها وقلباً أحمر وتضع توقيعك ثم تمحوه وتبتسم للشحاذ الذي يرمقك بأسنان كالحة وينظر اليك من شقوق الشمس والزمن على عينيه.
***
للنبيذ روح غادرته صبيحة صحوك الذاوي، وللماء برودة الموت الأكيد. وأحمر الشفاة بيدها تلتمع ذؤابته كخنجر غادر.
(ما لم يقله ميللر)
م. ن


14 ابريل 2015 

فيينا


يبدو مبنى الامم المتحدة في فيينا حقيقة الامم المتحدة عينها. كتل ضخمة مجوفة من الداخل. مجموعة كتل عملاقة كل واحدة أدارت ظهرها للأخرى، كل كتلة تنظر في اتجاه مختلف فلا تتقاطع الرؤى.
خلف المبنى فرع للدانوب نظيف ينساب بزرقة خلابة وعليه جسر كبير ممتد ككلب دولو. في طرف الجسر وعند القاعدة كان هناك أربعة مشردين تبدو عليهم ثمالة كبيرة واحدهم كان على الارض لا يقوى على الحركة بينما انكب الثلاثة الآخرون على دغدغته من أقدامه وهو يتعذب ولا يقدر على الدفاع او حتى سحب قدميه.


14 ابريل 2015 

الليل مقامر


سُئل ولم يجب وأشاح بوجهه،
فسُئل ثانية فغمغم.
أيرفض سماحته أن يدلو بشيء؟
ألم يكن السائل أدرى؟ وما المجيب إلا مذكِّر ومؤكد.
وبعض السؤال نكوص والإجابة سفه. لكن بعض السؤال حنين وبعض الإجابة اشتياق.
فسل الليل عن منتهاه!
يرتد اليك السؤال.
...
في الحي صف طويل من شجيرات من صنف الياسمين.
في الليل، الياسمين (الفل) فتان متبجح ومُحرِّض مقامر.
 
8 ابريل 2015 

ورقة الوضع الانساني


سيغدو الوضع الإنساني ورقة أخرى ضمن الأوراق المستخدمة في اللعب. وأقرب التفاتة جادة لن تكون إلا بعد أن ينال الموت الماحق من الفئات الضحية لحفلة الجنون هذه. هل تتذكرون جيدا متى كان موعد دخول أول لجنة أممية للاطلاع على الوضع الانساني في سوريا؟ وكيف أن مهمتها لاقت صعوبات كثيرة؟ وكيف كانت المهمة رهانا سياسيا بين الدول الكبرى أكثر من كونها التفاتة انسانية؟
ثم بعد كل هذا فإن أول تقرير سيكون إدانة سياسية ليس إلا. لن يتم انقاذ من يشارف على الموت بسبب جراحه النازفة او من ستقضي عليه الفاقة.
ثمة مثل شعبي قاسٍ : بطن الشابع على الجائع بطران.
سيمر موسم الحر ويعقبه موسم البرد والاطفال في العراء والأُسَر تشكو نقص الغذاء. وليس أسوأ من تفاقم الوضع الانساني في اليمن سوى المزايدة السياسية به والركون على مسيرة هذا الملف في أروقة الامم المتحدة.
حتى الجغرافيا ليست في صالح هذا الشعب المغلوب. ليس امام اليمنيين سوى الموت في الحروب او الغرق في البحر. بمن سنستجير وكل الجوار فقير.


8 ابريل 2015 

من دون جيش


كانت الاباضية في اليمن ترى ان بناء جيش يعزز من طغيان الحاكم. لأنه سيصبح قوة بيد الحاكم موجهة ضد العموم. وهذا التيار الفكري المتسامح يرى ألا داعي للجيش لان الجهاد فرض عين والقتال في حال العدوان واجب على كل شخص.
لست متأكدا من هذه الفكرة لكنها منطقية ومغرية جداً.
الدولة اليمنية الحديثة يجب ان تقتصر في مجالها الدفاعي والامني على وحدات أمنية ماهرة وخفر سواحل بعتاد حديث ومهارات علمية وعدم تكديس سلاح تقليدي يثقل كاهل البلاد ويحرم الشعب من فرص التنمية.
 
6 ابريل 2015 

يفتر التسامح


في المراحل الأولى من العمر يكون للزمن معنى أدق وأكثر تفصيل. يقاس عمر الوليد باليوم ثم بالأسبوع، ثم بالشهر.
نقول هذا عمره ١٢ شهرا وذاك ١٥ شهرا. ويا للفارق بينهما!
كانت أمي تقول : اكبر منك بيوم، ادرى منك بسنة.
ثم يطوى العمر ويعلّب في سنين حتى يبلغ الانسان من عمره عتيا وتتلاشى التفاصيل.
نقول هذا ستيني وذاك سبعيني. يوجز العمر بالعقد حتى إننا نقول هما ثمانينيان مع ان احدهما بالكاد وصل الى الثمانين والآخر على وشك ان يغادر العقد نحو التسعين او نحو القرار الاخير.
هكذا تجمَل الحياة عشرة عشرة بدون تفاصيل دقيقة.
في الصغر يكابد الوليد الالم بالنسيان وفي الكبر يكبر الالم ويربى بالضغينة والحقد والتحامل.
ليست الخلية هي من يكبر تفتر فقط، تكبر الاحقاد ويفتر التسامح في الغالب.
 
5 ابريل 2015 

حديث اجوف


واحدية الارض تعني واحدية الانسان كما التوحيد بالخالق يعني التوحيد بالمخلوق.
الحديث عن عدوان خارجي في ظل استمرار العدوان الداخلي حديث اجوف.
والتشبث بالوطنية من جهة، والتواطؤ مع قصفها في الجبهة الداخلية ازدواج قيمي.


3 ابريل 2015 

انشق


انشق وتمرد! ان لم تفعلها اليوم فلن تفعلها غداً.
فالشمس تجري لا مستقر لها. وأنت ان انتظرت أكثر سيلحقك الظلام.
والعمر مرة واحدة لا تتكرر والموت أنفذ من كل الآمال.
ولست ترجع لتحيا كما تهوى، فعش كما تهوى وانصرف عما يقولون.
فك عنك القيد وانطلق.
وتذكر انما القيد خيط من اوهام ملفوف حول العين والعنق.
وليس حسبك انك حي يرزق، فأنت انما تعيش لك او تعيش لهم.
وليس الأمر سيان.
فالامتثال اقبح الفضائل.
وليس اقبح سوى تمجيد الحرمان واستمراء العذاب.
فاختر تربت يداك.


1 ابريل 2015 

من إلياس


في اليوم الثامن وصلت رسالته إلينا.
غادرنا الياس (٨ سنوات) إلى رحلة اكتشاف في جبال الألب الفرنسية ضمن برنامجه المدرسي لمدة احد عشر يوما.
ستخصص الفترة للتعلم واللعب والاكتشاف والحياة خارج الاسرة وممارسة التزلج. اكتشاف الحياة الجبلية والعيش في قري الثلج.
افتتح رسالته الفرنسية ب "عائلتي الغالية".
تصلنا اخبار إلياس ورفاقه كل ليل مع صور توجز أنشطة النهار.
كان علي أن أكتب رسائل لإلياس. لكني تأخرت فبادر إلياس بالرسائل وهكذا حقق هدفا قاصما على أبيه.
رسالتي إليه جاهزة.
والحقيقة أني كنت في موقف حرج جداً. اذ كيف أني انا العربي أكتب لابني العربي بالفرنسية. وها انا أتلقى رسائله بالفرنسية أيضا.
وقبل هذا ماذا عساي أن اقول لشبل في الثامنة.
هذه اول مرة يغادرنا فيها إلياس وقد وجدنا البيت في غيابه مقفرا ويتيما.
أخواه الآخران شد بهما الفقد واستبد خصوصا بإياد الذي يصغره بأقل من عامين وكانا يعيشان كتوأمين.
غفرانك يا إلياس ويا قنديل البهجة.
عش وتمتع او "ابتهج" كما قال لك 
فتحي أبو النصر.
وإلياس إذ يغادر البيت لأيام يجعلني في مواجهة مع نفسي حيث ينبغي علي تعيين حدود صبري وادعائي رباطة الجأش.


30 مارس 2015 

التأئه والمطر


اللهم إنه لا مجال
اللهم فاشهد.
يقول التائه الأعرج : وما جدوى الرجوع الى البيت!؟
تجيبه نملة متفانية متغنجة دعجاء بصوت رقيق:
البيت مأوى ونعم القرار.
...
تظل كلاب التيه تستلذ التشرد ما دام قرين الحرية ويعيدها الى ذكرياتها الذئبية حيث المنبت الأول.
يمضي التائه الأعرج تحت زخات المطر ليلاً يستمع بعناية إلى وقع القدم في بقع ما تجمع من الماء على الرصيف المنتفخ.
يسخر التائه من واقيات المطر.


30 مارس 2015

الحرب الداء الاصل


الحرب من حيث الابتداء هي المساس الحقيقي للكرامة والانتقاص من السيادة، وما التحالفات الا تفاصيل واستجلاب للمشروعية والمشروعية المضادة.
كما ان الطغيان هو العدو الحقيقي والعدوان الماحق.
وليس سوى العقل والتنازل أنجع دواء.


26 مارس 2015 

تعال الى تنزانيا


في النصف الثاني من العام 2012 تعرفت على صديق من تنزانيا.
فارع القامة كثير الصمت وكثيرا ما كان ينام في الفصل وهو اجمالا يحب الاسترخاء ولا يدخر على نفسه متعة الا ويأتيها. كان ودودا لا يحب الجدل ولا فائض القول.
من حينها وهو يكتب الى بمقدار رسالتين في العام. وكل رسالة لا تزيد على "كيف حالك يا صديقي؟" بالإنجليزية طبعا.
إلا انه هذا العام جاد علي وكتب ثلاث رسائل بمعدل رسالة كل شهر. وكالعادة كانت رسالتاه "كيف حالك يا صديقي". أما الثالثة. فقد كانت من أكثر من اربع كلمات حيث كتب:
كيف حالك يا صديقي؟ اليمن فيها مشاكل. تعال الى تنزانيا نحن بانتظارك. انا صديقك.


24 مارس 2015 

الجمعة، 6 يوليو 2018

لا تعويل على اخلاق قاتل

من قرر ان يقتل وذهب عنه ضميره لن يتورع عن القتل في المسجد او قسم الشرطة، في ساحة مدرسة او طارود مستشفى.
قبل أعوام قتل بعض أعضاء القاعدة جنودا في محافظة جنوبية في رمضان وقت الافطار تماماً.
كان الجنود يتناولون حبات تمر بعد يوم صيام قائظ.
جاء القاتل وهم يفطرون ولم يتوقف لحظة ويقول في نفسه: انهم يصومون لله الذي ابتغي جنته.
كان قد احاط نفسه بقناعة تجيز له اهدار دمهم. هم بالنسبة له أعداء. وسيكونون بالنسبة لقائده مجرد رقم جديد من قتلى الأعداء.
ضحايا اليوم، اكانوا أطفالا او شيوخا، دكاترة جامعين او عمال بناء، مهندسين او بائعين متجولين ، هم ايضا رقم كبير لغرض التنكيل والإيغال في الانتقام.
فهم أعداء ولا فرق في المكان.
هل يمكن التعويل على اخلاق قاتل؟ او ننتظر منه مراعاة حرمة ما.
لقد عزم وأقدم على انتهاك أقدس الحرمات الا وهي الانسان.
ولهذا فان افضل سبيل للخروج من حمام الدم هذا وتفادي الاسواء هو المراجعة الجادة لما أقدمنا على فعله في ظل صراعنا السياسي.
علينا الا نتحول جميعا الى قتلة. علينا ان نحول دون المزيد من القتلة وبالتالي المزيد من القتل.
علينا ان نقر بان الحاصل هو نتيجة اعمالنا.
مالم فإننا نغذي القتل والقتل المضاد بالمشروعية الزائفة والنتيجة دماء وهدر للحياة وتدمير لمستقبلنا.

علينا ان نعيد ترتيب أولويات مقدساتنا على ان يتصدرها الانسان. الانسان اليمني بلا منازع كيفما كان انتماءه المذهبي او منطقته او حزبه.
ان ابسط تواطؤ مع القتل تحت حجة ان الضحية من لون اخر هو ايذان بالخراب الشامل.
علينا ان تتوقف عن توزيع ديباجة لكل شخص وكانه حقيبة سفر نرسم عليها الوجهة والتصنيف بالتالي نضعها في درجة دون اخرى. هذا داعشي وهذا رافضي. هذا تكفيري وهذا حوثي هذا عميل وهابي وهذا عميل شيعي.
هذه الديباجة هي اول شرعنة لهدر الناس دون محاكمة ولا قانون.
20 مارس 2015 

حرن السنين


يجمعهما مقعدان في طرف المقصورة، يجلسان كتفا لكتف بأفواه مطبقة وشفاه مزمومة. تجول أنظارهما في ارجاء المقصورة كل في زاوية مختلفة.
لا حديث مشترك ولا وئام في تماوج الاجساد مع هدهدة القطار.
تفرك العجوز أناملها ويتلمس الرجل لمى شفاهه. وكأن حرن الأيام الماضية قد تكدس كومة واحدة. مع الكبر ينصرف الفضول الى البعيد. بعد الستين نبدو كما لو اننا نبحث عن بدايات مختلفة لحرف مسار سنين الاجتماع. هي محاولة لرسم مخطط اخر نتفادى فيه المنزلقات ونكتب إشارات مخارج طوارئ لم تكن موجودة.


16 مارس 2015 

سفر


اقطع مسافات طويلة، مئات الاميال متسمرا الى كرسي مجافٍ، يضيع بصري بين خضرة السهوب او بريق طين الحقول الذهبي قبل البذر وساعة قبل الأصيل.
كما هو قاسٍ الا تستطيع ملامسة هذه الارض وانت عليها! كم هي بعيدة دانية!


15 مارس 2015 

مقاهي باريس


الكافيهات والرصيف والحديقة العامة ليست أماكن فقط. إنها فضاءات لصناعة رأي عام للتعبير عن حراك اجتماعي وتبادل. انها قواسم مشتركة. لقد لعبت المقاهي في باريس خصوصا وفرنسا عموما دورا كبيرا في تصنيع وانضاج المقاومة اثناء الاحتلال النازي. ولهذا كلما اتسعت مساحة المقهى او الرصيف او الحديقة العامة كان ذلك دليلا على تنفس المجتمع وتقلص القبضة الامنية على الفضاء العام.
في المقهى تتشكل ذائقة عامة، يزدهر الفن ويتنوع الحضور بين الاجيال وبين الجنسين ايضا. وكلما كان التنوع كبيرا وحضور الجنسين متوازنا، كان المجتمع متزنا وغير متطرف ومعافى سلوكيا ويميل الى الشفافية ويتخفف من النفاق الاجتماعي والاحساس بالخوف والذل وصريحا مع الرذيلة.
صحيح ان المقاهي تحديدا تفرز المجتمع الى طبقات وفئات لكنها ايضا غير مغلقة وحصرية بالتالي يمكن ان تتزاوج فيها الآراء وتتهذب النظرات الاستعلائية وتتشكل ارضية مشتركة للتفاهم والتقارب.


11 مارس 2015 

تشدق


التشدق بالسيادة كالتمسك بالتبعية.
افتقار للمسؤولية وغياب العقلنة في الخطاب.
استهلاك واستجرار.
مطلوب التفكير في كيفية تحقيق المصلحة العامة. النظر الى الهدف والتماس الوسيلة الملائمة في آن.
اما هذا الغلو والجنون فنتائجه وخيمة.


1 مارس 2015

أديس 2




ساعدتني أديس على تجاوز عقدة طعام باريس الباهت الذي اعتدت عليه وأنفت غيره خشية أي اضطراب في المعدة. لكني في اديس تناولت أطعمة عديدة معظمها يمنية كنت أخشى بهاراتها إلا ان مذاقها اللذيذ جعلني أتهور كثيرا وكان تهورا محمودا. زملائي أكرموني بعزائمهم التي فتحت شهيتي وأشبعت توقي إلى طعام اليمن اللذيذ الممزوج بروح إثيوبيا والمكوّن من بعض خيراتها.


***
الحياد عن الشارع الاسفلتي الرئيس والتسكع في الشوارع الخلفية وبين مدن الصفيح امر ليس بالهين. تقف النساء وقت الظهيرة معلقات إلى أبوب غرف الصفيح يتعلقن بأمل النجاة من الشقاء والقيظ. ينظرن بكسل كبير نحو المارة في حركة رتيبة تنم عن فقدان أمل وعن ترسبات عذابات طويلة وشقاء عميق.
تمضي في الشوارع البسيطة في المناطق المتاخمة لمركز المدينة وتمر على حوانيت صغيرة تبيع كل شيء. وبعضها متخصص في البيع ويبيع سلعا معظمها صينية. احذية ومحل لملابس النساء وبينهما فاصل هو حانوت كوافير نساء عليه ملصقات لحسناوات إثيوبيات. في بلدان كثيرة ستجد ملصقات الإعلانات تعاني من عقدة الخواجة وتعرض عليك فتاة شقراء في الغالب عدا في أديس حيث الجمال الإثيوبي هو المتصدر. ولن تفاجئ ان وجدت إثيوبيا يفاخر بجمال الإثيوبيات وحسن معاشرتهن وقد يذهب الامر الى ابعد من ذلك.
***
دخلت محلا لبيع الأحذية وكنت ارغب في شراء حذاء خفيف غير جلدي، وكنت في الحقيقة مخطئا اذ كان يتوجب علي ان اشتري حذاء جلديا مصنوع في هذي البلاد التي تمتاز بالمصنوعات الجلدية الفخمة. حاولت تجريب الحذاء وأرشدني البائع بإنجليزية رقيقة الى الجلوس على كرسي خشبي تقليدي هو في الأصل منحوتة فنية لأنه كرسي بقوائم وحامل خشبي من قطعة واحدة القوائم الثلاثة منحنية وعليها تقويس للداخل يرمز الى حيوان او ما شابه ذلك وهذا تقليد متوافر كثير في افريقيا في معظم المنتجات الخشبية.

في أديس ما تزال الحوانيت تبيع بيضا في الغالب لم تتدخل الصناعات في انتاجه او "بيض بلدي" كما نسميه في اليمن وهو بيض طبيعي بطعم متميز كما كنت أتذوقه طيلة إقامتي وفي بادئ الأمر أرجعت سبب لذة الطعم لأنه بيض مطبوخ بالزبدة وحاولت في باريس طباخة البيض بالزبدة ولم انل نفس المذاق.
في الشارع يمر شاب يحمل على كتفيه سلتي سعف موصلتين بعصا كـ النير او كمحامل الماء في شرق اسيا وبداخلهما بيض بلدي يوزعه على الحوانيت الصغيرة التي تبيع كل شيء بما في ذلك القات المخزن في أغلفة من ورق الموز. وعلمت ان في إثيوبيا أنواع عديدة من القات تعلمت أسماء بعضها ومنها: بستاني وويندو وليو وباشا على أن الأجود هو البستاني.
***
بعد العودة من اديس وصلت القاهرة وهي تعج بالفعاليات الثقافية المتزامنة مع معرض الكتاب والقاهرة اجمالا ما تزال وجهة ثقافية هامة وقد كانت هناك فعالية استضافت الروائي التركي الحائز على نوبل اوروهان باموق دعاني اليها صديقي هاني الصلوي وحظيت بالاستماع الى باموق في الثلث الاخير من مداخلته التي تحدث فيها عن ترجمة اعماله الى اللغات الاخرى وحرصه على متابعة الترجمة الانجليزية تحديدا لقياس النص المترجم عن النص الاصلي.
في أديس جمال لا حدود له، ومنه جمال انعم. المقيل مع جمال انعم وهو في لحظات تجل وما اكثرها هو هدية المسافر الى تلك البلاد. يمضى جمال بلا شك على خطى ادباء يمنيين كبار كجرادة والشرفي وغيرهم وان على ثقة ان اقامته في تلك البلاد حبلى بجديد يليق بروج جمال انعم.

وكان لي ان التقي بعض أعيان الجالية اليمنية في أديس في مقر أهدي إليهم هو مقيل دائم يجلب اليمن إليهم على نحو ساحر. بعض من الشيوخ اللطيفين. يمكن بيسر ملاحظة ان الجالية طاقة متفردة وحب مشبوب في البحث عن أفاق جديدة وكيان صلب وهوية حامية كافلة للكرامة وحاملة للإباء الذي في قلوبهم، منخرطون في الحياة في إثيوبيا، لكن توقهم ليمن قوي هو توق لا حدود له. يتابعون أحداث الوطن أولا بأول ويسهرون قلقا على مصير البلاد التي يتضرعون إلى الله ان ينجيها من الشرور. لأكثرهم قصص نجاح آسرة وملهمة ولهم معاناة كبيرة ينبغي الالتفات اليها. حكاية المغترب اليمني في إثيوبيا خليقة بأن توثق عبر دراسات جادة وان يلتفت اليها الإعلام وتخصص لها الأفلام الوثائقية. خصوصا وانها غربة رافقت التكوين الجنيني للدولة اليمنية والدولة الإثيوبية بصيغتيهما الحالية.




2 مارس 2015

اديس 1


قبل أكثر من أسبوع كنت في أديس أبابا وقضيت هناك خمسة أيام برفقة أصدقاء وزملاء كانت أياما جميلة ادخرت من دفئها الكثير لمثل هذه الأيام الباردة في باريس. أخيرا زرت إثيوبيا او ارض الاحبوش كما كان يقول جدي حينما كان يحكي لنا أيامه الشباب في غربته في ارض الصومال المتاخمة للحبش. زرت الحبش في منتصف عمري وهو موعد تأخر كثيرا وقد غالبني الشوق كثيرا في الذهاب إلى هذه الأرض الحُميرة.
منذ أن وصلت صنعاء في طفولتي وانا أتأمل في نمط حياة الإثيوبيين في صنعاء. كانت حياة ملهمة جداً ومعظمهم في الحقيقة يمنيون إثيوبيون. كانوا أكثر نظافة وأناقة وكانت نساءهم أجمل وأرق. كان يضجون بالحياة وتجري الموسيقا في عروقهم وكانوا ينبضون بالرقص. كانوا أينما حلوا ينشئون مستوطنة متفانية مغمورة بالحب والبهجة. كانت مستوطنة متمايزة جداً.
كان علي زيارة أديس قبل هذا الموعد بعشر سنين على الأقل. اما لو كنت قد دلفت افريقيا من ارض الحبش وانا قبل العشرين فحتما كنت لأكون شخصا آخر. اقل ما كنت أتمناه أثناء هذه الزيارة هو لو أنني كنت في عمر الخامسة والعشرين قد وصلت الى أديس وانا في كامل شغفي وجنوني. كنت سأستمع أكثر بالقات الطري طيلة ما بعد الظهيرة حتى يسدل الليل ستاره وأتهيأ لليالٍ عاصفة. كنت سأنام القليل والقليل وأقضى النهار اركض في الشوارع والأزقة أتنقل من سوق لآخر، ومن كنيسة لأخرى. لا أنكر ان شغفي بهذه البلاد كان يتغذى من مخيلة مشحونة من حكايات واستيهام كبير هو تصور من كانوا حولي عن أثيوبيا والأثيوبيين.


***
جئت الى اديس من القاهرة بعد ان وصلت القاهرة لغرض حفل توقيع مجموعتي القصصية " معطف ضيق" وهو ما تم يوم السبت 7 فبراير 2015 في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2015. بعدها ذهبت الى مكتب الطيران المصري لأقطع تذكرة قاصدا أديس أبابا.
***
هناك تحول ملحوظ في ممارسات الحريات الاجتماعية في مصر في الوقت الراهن اذ يزداد حضور المرأة بأكثر طمأنينة وملابس متنوعة متحررة من التنميط. لقد قلت أعداد النساء المرتديات للبوالط السوداء وتناقص الى حد كبير عدد المنتقبات. في زيارتي الرابعة الى القاهرة في غضون أربع سنوات أجد إن المصريين انهمكوا أكثر في الحديث عن الشؤون اليومية وتفاصيل الحياة الخاصة والتراجع عن الاستهلاك السياسي المتذمر الشاكي.
***
غادرت مساء الأحد القاهرة في وقت متأخر على طيران المصرية في طائرة اصغر من تلك التي جئت عليها من باريس. قبيل الفجر وبعد رحلة لمدة رابع ساعات تقريبا رأيت أضواء مدينة.
من الطائرة، تبدو أضواء أديس في الهزيع الأخير من الليل من حيث الكثافة او الامتداد الجغرافي اقل من أضواء القاهرة بكثير جداً. مطار اديس ابابا أنيق ومرتب وإن كان غير كبير. لكنه مزوّد بخراطيم على عكس مطار صنعاء الذي كنت اعمل فيه قبل أعوام. موظفو المطار من جمارك وشؤون هجرة ودودون شباب وبأجسام نحيلة وصغيرة. وهذا دليل على محدودية دخولهم وبعدهم عن الفساد الصغير والمباشر. كان في استقبالي صديقي وزميلي وائل وقد سررت أيما سرور لرؤيته بعد سنوات من الانقطاع.


***
في الصباح الباكر استيقظت وأسرعت إلى النافذة المطلة على المدينة انظر الى المارة والى سياراتهم فوجدت ماركات السيارات هي تويوتا على الأغلب وهي سيارات حديثة في الغالب وهناك كثير من "الهايلوكسات" وهي سيارة بمقصورة من غمارة او غمارتين وصندوق باعتبارها سيارة عملية وتدل على ثراء.
لكن السيارات القديمة اكثر ومعظمها ماركات أوروبية وما تزال بحالة جيدة وتحظى بصيانة رغم التقادم. خصوصا سيارات الأجرة او التاكسي ذات اللون الأزرق الغامق. تحضر اللغة العربية كثيرا خصوصا في الشارع العام والمتاجر الصغيرة. وصلت قبيل الفجر. حطيت الرحال في فندق متواضع جميل ذي غرف فسيحة. نمت حتى الى ما بعد التاسعة. في الجهة حيث كانت مستقري لأيام وهي منطقة المطار القديم كانت الحياة هادئة والأسواق غير منتشرة بكثيرة وهي بسيطة في العادة وشبه محدودة. توكل مهمة البيع للنساء في العادة. اما الطريق، بعضه متهالك وتمر عليه شاحنات كبيرة ومتوسطة الحجم كان صوت الشاحنات يحيلني الى مقاطع عديدة من كتابات محمد عبد الولي. بيد ان حركة الشاحنات الناقلة للبضائع دليل على زخم الحياة. الناس على اناقة بادية وان كانت ملابسهم قديمة. على بعد أمتار كانت هناك كنيسة ارثودوكسية كبيرة، صوت ناقوس الكنيسة مختلف عن صوته في فرنسا. وكنت الى جانب صوت جرس الكنيسة اسمع الاذان يرفع من مساجد عديدة وعندما تجولت في المدينة ورأيت المساجد وجدتها أكثر تواضعا من الكنيسة واقل حجما. فالكنائس كبيرة مهيبة ولها باحات كبيرة مشجرة.


***
ان الوقوف في الشارع في زاوية منه لدقائق ومشاهدة المارين يتيح ملاحظة ظهور جلي للتنوع الإثني. يصعب علي وصف هذا التنوع لكن وجدت وجوه عديدة متنوعة في تقاسيمها ولون بشرتها وتشكيل الجمجمة وطبيعة الشعر وانتشاره على الناصية.


***
تشهد العاصمة أديس ازدهارا كبيرا حيث أعمال الإنشاء في كل مكان. الجو دافئ في النهار ويميل الى البرد ليلا اما سماء المدينة فهو مبهج وان كان اقل صفاءً في تلك الأيام حيث القيظ النسبي والبعد عن مواسم الأمطار.



26 فبراير 2015

فقاعة العمر


وهل تنفع القهوة في تبديد حزن وحسرة هذا الصباح؟
يتراكم الحزن كسحابة في خريف ارض المتوسط، او ركام سحب في ارض كينيا.
اما الحسرة فتأكل الذهن كماء النار.
العمر مرة واحد ولا يتجدد. والمرارات تلونه بالرصاصي الداكن. وتمضي السنون فتكتشف فجأة ان لا شيئا كما كنت تراه.
تجرع رشفة اخرى من العلقم بلا سكر، زم شفتيك والويهما وادفع الحساب ثم انصرف.
انصرف بخطى تلعن الاولى اللاحقة. الشارع نظيف ولن تجد ما ترفسه سوى مؤخرة احلامك البلهاء.
في لحظة ما يتكور الحلم امام عينيك كفقاعة صابون كبيرة ملونة تلتمع تحت اشعة
الشمس.
برفسة واحدة بمقدمة حذاء الخيبة تنفجر الفقاعة في ضحكة معربدة.
وانت اللاعن والمعلون.


25 فبراير 2015 

المدن الاصدقاء


بعض مدن تملك سحرا لا يظهر من اول نظرة. فهي تتمنع وتكون صارمة جلفة. انها كالخيل الجموح. بعض المدن تمتحن صبرك وشوقك فهي لا تتبرج سريعا. في النهار تحديدا تكون محايدة وأحيانا كبائعة ضجرة. وفي الليل تبدي كسلا في أوله. اما سفورها فلا يكون الا بعد ان تتوطد الثقة بينكما.
لا يمكن ان تعشق مدينة لمجرد مرورك عليها سريعا. المدن كالأصدقاء، لا تظهر معادنهم الا في المواقف. حلاوة بعض المدن في الذكريات في الشقاوة. واجمالا ليست المدن الا بالأصدقاء.
كيف لك ان تقع في حب مدينة زرتها وحيدا وخرجت منها فردا؟
لا تأنس الى مدينة يبتسم اهلاها بطريقة بلهاء. او مدينة تغالي في جمالها وتبعده عنك فلا تبلغ منه شيئا الا وتحسست جيبك في كل مرة.
الشوارع الخلفية هي الحقيقة الاكثر عمقا لكل مدينة. الشوارع العامة كالفساتين كلما اتسعت وتزينت كانت اقل قابلية للاستعمال وتفتقر للعملية ولا تظهر الجمال الحقيقي.
في رد لصديق لم يحبب باريس كثيرا.


20 فبراير 2015 

ارض الحبش


الارض الضاربة الى الحمرة شديدة الفتون.
قال لي السائق الاثيوبي ان بنات مصر أجمل وأثبت في السير، فقلت له: وماذا تركت لبنات الحبش؟ فتبسم كأنه يستحلفني الصدق. والصدق ان اليمنيات بلا منازع وعندي ألف دليل. الا أنهن كبطاطا نصفها في الارض ونصفها ينقره الطير.


18 فبراير 2015 

الخميس، 5 يوليو 2018

المراجعة الدينية


لا جدوى من المراجعة الدينية الان. بل الامر في حكم اللاممكن تماماً للأسباب التالية :
اولا، ان الاسلام كأسلوب حياة معاش يقوم على فكرة المواجهة والصدام وهو ما اطلق عليه فريد هاليداي خرافة المواجهة. وهذا يولد ذهنية سطحية تتوقع انها في حرب دائمة وأنها عرضة للمؤامرات ولهذا يجب الحفاظ على كل مكونات ذلك الفكر خصوصا المكونات المتصلبة لأنها عناصر المقاومة؛ ذهنية المؤامرة تُذِهب العقل لذا فمن اين ستأتي المراجعة؟
ثانيا؛ تحول الإسلام من ممارسة روحية ونسك وعبادات إلى منظومة اجتماعية واقتصادية وبالتالي سلطة تمر عبر الفتوى والمقولات. هذه السلطة تمسك بزمام مصائر الاتباع من الاعناق وليس من السهل التنازل عنها او مراجعتها او تقويمها الا عندما تذهب عنها السلطة وتتحول الى شأن ذاتي لا حراس عليها. من خارج السلطة يمكن عقلنة الفكر اما من داخله لا مجال.
ثالثا؛ يبدو الاسلام بلا كهنوت لكن احتكار الحقيقة وقداسة الماضي وتقديس شخوصه خلق كهنوتا دينا لا يعالج الا بالعلمانية التي تفصل الشأن العام عن الديني.
لقد اقدمت المسيحية على العقلنة والمراجعات والتصالح مع معطيات العصر عندما فقدت السلطة وتحررت من سلطانها.
ان ما نحتاجه اليوم ليس مطابقة الأفعال - حتى البشعة - مع النصوص والممارسات الماضوية لنحكم على شرعيتها من عدمه. نحتاج الى اتخاذ موقف من الأشخاص لا على أساس قربهم او بعدهم من العقيدة ولكن على أساس موقفهم من الحياة ومن الانسان.
هكذا يمكننا ان ننتصر لإسلام يقدس حياة البشر اولا وقبل كل شيء وبعيدا عن معتقداتهم. يجب ان يخلص الاسلام والمسلمون من فكرة العدو ويتخلصوا من ذهنية الأقلية. لم يعد المسلمون أقلية. عليهم التعايش على انهم أكبر جماعة بشرية عقائدية على الكوكب.


6 فبراير 2015 

الاسلام الضعيف المتسامح


الاسلام كما نقدّمه الان لا يستطيع - مثله مثل كل الأديان التي تسعى الى النقاء والاصطفاء - تشكيل هوية مندمجة مع بقية البشر. فهو او الآخرين. وفقا للصورة الحالية ، المسلم - اذا انتصر وغلب - غير قادر على التكيف والقبول بالآخر والاندماج في حضارة بشرية. القبول الحالي والتسامح الظاهر هو نتيجة لضعف.
وكلما وضعت هذه الحقيقة امام المسلمين يذكروك بالتاريخ البشع للآخرين. اي انهم يستمدون شرعية البشاعة من البشاعة. بالطبع لا يعقدون مقارنة مع مآثر الحضارات الاخرى.


4 براير 2015 

صنعاء التي في الخاطر


صُباحه من الصبح!
يحب ابي ابراهيم الحمدي الى درجة اني - غيرة او ضجراً- صرت اتحامل على ابراهيم الحمدي. بلغ بأبي الحب ان كان يتلو علينا عشرات الخطب والكلمات التي القاها ابراهيم الحمدي. لم يكن ابي يجيد الصنعانية وكان يتلوها علينا بلهجته التعزية حتى كنت اشك بان ابراهيم الحمدي كان صديقا لابي في الطفولة او انهما عاشا معا في عدن في ريعان الشباب في نهاية ستينيات او بداية سبعينيات القرن المنصرم او ان ابراهيم الحمدي كان أحد ابناء الجبزية.
كان ابي كلما ذكر الحمدي - وهكذا يسميه فقط دون نياشين او القاب- يتلمع في عينيه بارق المحب المخلص والمريد المطيع. لابي شارب كث وحاجبين دثمين. وهكذا كان الكلام يتجسد بإيماءات صادقة.
يتحسر ابي على ايام ابراهيم وعز اليمنيين في السعودية. يذكر على نحو لاذع ما قاله مذيع ال بي بي سي يوم مقتل الحمدي. " ان اليمن انجز في ثلاثة سنوات ما يمكن انجازه في ثلاثين سنة سيتراجع ثلاثين سنة."
لست متأكدا من دقة هذه المقولة ولعل حب ابي للحمدي - كمعظم مجايليه - دفعه الى ابتكار تلكم الصيغة.
لم يخبرني ابي يوما ان ابراهيم الحمدي كان زيديا. او انه يتحدث بلهجة "الزيود" وينطق القاف جيما تعزية والجيم جيما قرشية والطاء غليظة.
كان ابي يحتفظ بصورة صغيرة لإبراهيم الحمدي بمعية ولديه يعرضها على زجاج "كَبَت" حانوته في صنعاء القديمة.
وعندما توفر لي ان استمع الى تسجيلات في اليوتيوب لإبراهيم الحمدي كنت مذهولا جدا من لهجته التي كانت مغايرة تماما لما رسمه ابي في ذهني.
قبل الوحدة بسنوات كان ابي قد رجع من السعودية واستقر به المقام في "الزُمُر" في باب شعوب من صنعاء القديمة، حين كان لكلمة برغلي وقع حاد.
وكان قد اصطحبني معه للعمل في حانوته الصغير الذي كان بالنسبة لي سُرة العالم ومنطلق اسراره. حيث كانت تصلنا اخبار العالم عبر اثير المذياع المحلي ويحرص ابي مساء كل يوم على البحث عن محطة بي بي سي. لم يكن ابي يقرا ويكتب الا النزر القليل لكنه شغوف بمعرفة العالم.
وصلت صنعاء قبل البدء بمشروع رصف ازقة المدينة بالحجارة وعرفت باب شعوب كسوق شعبي بامتياز يشتعل منذ الصباح الباكر نشاطا وضجيجا هو خليط من صياح رجال ونساء القبائل الواصلين للتبضع وبيع او شراء البهائم، من ضاربي الدفوف والطبول والمزمرين و"الدواشين".
كان لأبي اصدقاء من ذلك المكان منهم جربوش؛ السبتمبري الحقيقي بوجه مجعد وفم خال من الاسنان وهو محب لليمن والقات، كان مالكا لمنزل تقليدي مقابل متجرنا، والحيمي بائع الزبيب، رجل وديع باسم. والباكستاني، رفيع القامة بشارب ممتد ممسد، مرقع الاحذية، والداعري، الشاب الرقيق والنحيل شديد المزاح والمعاركة رغم ضعف بنيته ورقة طبعه، صاحب القرطاسية، والعذري، الرجل المعمم، انيق ويلبس جوخا طويلا وعليه ملامح حميَري اصيل، مالك البيت المجاور لبيت الشجرة واظن الشجرة من الارياف القريبة لصنعاء وكان يسكن في الروضة وله طباع راقية في التعامل.
كان ابي يأكل سلتة خُبانية من مطعم "توفيق" الذي كان لديه، الى جانب المطعم، محل بهارات يعمل فيه ابن اخيه وهو صبي بملامح اوزبكية، وكان ابي يشتري قات "ذروي" من سوق "فروة". لم تكن المخبازات كثيرة الانتشار في تلك المنطقة، بل كانت منطقة محتفظة بهويتها الى حد كبير وكان طعامها يتنوع بين سلتة في الظهيرة وفول او دقة في الصبح وفول في المساء. كان هناك بائع فول هو مطعم "مبروك" ومحل "كابع" للشاي الاحمر او "المفوّر".
كانت هذه صنعاء بالنسبة لي وكان العالم يبدا من هناك.
لم يكن ابي يقول هذا من مطلع او زيدي او هاشمي. كان ينسب كل واحد الى عزلته او قريته فيقول صاحب الحيمة وصاحب أرحب وصاحب اوصاب... وهكذا.
لم ينعت ابي احدا بالمتخلف.. رغم انه شهد شجارات عديدة مع جيران او زبائن سرعان ما تنتهي بالتصالح... وكان أقسى ما يقوله: قبيلي صُباحه من الصبح.
لكنه كان يفضل زبائنه من القبائل على سكان المدينة لانهم يحسمون خياراتهم فيقول عنهم: مقطّبين.
كما لم يكن لأبي مسجد مفضل يذهب إليه عنوة بل كان يصلي في جامع خضر او في الزمر.
كنت حينها لم ابلغ بعد العاشرة. وفي العام تسعين كان ابي مبتهجا ومتوجسا جدا حين توقيع الوحدة. تابع تفاصيل تلك المراسم اول بأول وتسمر امام التلفاز بابتسامة عريضة وأحيانا بخليط من الدموع.
جربوش، كان يود ابي كثيرا وكان قد عاش حرب سبتمبر وعرف ضغائن 68. قال لأبي: ما عيخلوهمش اصحبانا، انا بين اعرفهم، هؤلاء اوغاد. فعلق عليه ابي: يا عم جربوش! خلاص طوينا الصفحة وبدينا صفحة جديدة.
كان في الجوار قسم شرطة يقع في الركن من مدخل باب شعوب. كانت نظراتنا اليه متوجسة دوما وكان مصدرا لشجارات عديدة. ولم يسبق ان دخلناه يوما ما بل كنا نتحاشى الاقتراب منه.
قبيل المغرب يجتمع الناس بعد عودتهم من العمل وفي العادة كانوا عمال بناء "ومقصصين" ما تزال عليهم اثار العمل بثيابهم المطلية بالجبس ووجوهم التي تخططها قطرات الدهان المتساقطة وعيون محمرة من الارهاق والجبس. لم تكن للسياسة مساحة في أحاديثهم. كانوا يتحدثون عن البلاد والذري والمطر والزواج والمسافر القادم الى القرية. وينتظرون الفرصة القادمة للسفر الى عند " الجهال". كانت المواسم عديدة منها المولد، وجمعة رجب والشعبانية وعيد رمضان وعيد عرفه...
كان الناس يحبون شراء الجديد وينفقون على ابناءهم وزوجاتهم ويقولون: دراهم العيد صدقة.
كانت هذه المقولة تعجب أبي كثيرا لأنها تدر عليه دخلاً ويبيع أكثر.
لم يكن أبي يحب علي عبد الله صالح وكان يرى فيه قاتلا للحمدي فحسب. وكان يقول إنه لا يتورع عن القتل وقد قتل زوجته وصفى رفاقه فكيف بالخصوم.
اما انا فقد قضيت جل عمري - عدا اسفاري القليلة- في صنعاء ولا اعرف مدينة مثلها. بل اني لا اتصور يوما اني سأعيش في مدينة اخرى. عشت في هذه المدينة وتحدثت لهجتها بكل حب. كسبت ما كسبت من الاصدقاء.
....
اليوم تكتسي صنعاء لهجة مقيته من الكراهية والكراهية المضادة. مدنية أهلها لم تقاوم البؤس المقدس القادم من الكهوف، حتى أجدني متهما بالمناطقية والعنصرية.


4 فبراير 2015 

أصخرة ؟


"أصخرة أنا ... ؟! "
كلا ولست بقلبها اذ يتفجر منها ماء زُلال.
وما انا اذن؟
انت؟ ممممممم. انت ان نظرت في قمر الخريف - كوجهها - وتبسمت حوله هالة. انت بذرة منعمة بأمطار صوتها المدرار.


1 فبراير 2015

الاسلام في فرنسا


يتم تصدير نسخة من الاسلام الى الغرب هي الأكثر تشددا وطهورية. وهي نسخة لا يتفق معها غالبية مسلمي العالم الاسلامي في اسيا وإفريقيا.
تتوغل هذه النسخة مستفيدة من مناخ الحرية ومن الأزمة التي تعصف بالمجتمعات الغربية- وبشقها الروحي ايضا - وتغول الرأسمالية والمادية. ويبدو الامر كما لو ان الاسلام - بنسخته هذه - يقدم حلولا ويلطف من بشاعة العالم لانه يعرض خطابا روحيا اصطفائيا طهوريا مع امال الحياة الاخرى كملاذ من جحيم المنافسة وقسوة ظروف العمل والاستغلال الجشع.
وقد صدر تقرير خاص بالتطرف في فرنسا قبل أشهر وهو تقرير بيير كونيزا. وكانت صحيفة اللوموند قبل ايام عرضت نبذة التقرير ورد فيه:
تقرير بيير وكونيزا عن الخطاب المضاد للتطرف الإسلامي في فرنسا.
تأخرت فرنسا في تقديم رد على صعود الأصولية الاسلاموية في فرنسا قياسا بجاراتها ويعود ذلك الى سببين الاول كفاءة اداء اجهزتها الأمنية والثاني هو العلمانية ذاتها لكن التأخر في الرد السياسي لم يكن الا تأخير حدوث ما لا مهرب منه.
كان التقرير قد تهرب من استخدام الاسلاموية واستبدلها بمفردة الإرهاب الدولي وذلك تحاشيا للتنميط القائم ضد المسلمين.
ظهرت في فرنسا المصفوفة الجهادوية اي السلفية المحفَّزة من الوهابية السعودية في 1990 وازدهرت هذه الحركة الأصولية في قعر الفقر والعور الهوياتي للأحياء المهمشة لتشكل ملجأ هوياتيا يقدم نظام قيم وقطيعة مع المجتمع " الحشمة بدل الجنسانية العدوانية والتجارية، الروحانية بدل المادية والتضامن بدل الفردانية".
وكانت جاذبيتها، ترتكز على التحجر الفكري او العقائدي ذي الطابع الحمائي النفساني والذي يشجع على القطيعة مع البيئة العائلية والاجتماعية والوطنية.
بيد ان السلفية ليست ممارسة دينية انما هي مطالبة بهوية سياسية دينية شمولية. وتسعى الى فرض نمط الغيتوهات على الجالية الاسلامية الفرنسية من خلال مطالبات انشقاقية (ملابس، طعام، سلوكيات...).
وللسلفية وجهان الاول المسالم او الهادئ وهو غير عنيف في تأويلاته والثاني المتفرع عنه والمتطرف اي النزعة الجهادية.
ويقوم الخطاب المضاد للطرف على خطوات. أولا، تعيين او تحديد هذا التطرف والإشارة الى السلفية الجهادية. ثانيا، اشراك النخب المسلمة في فرنسا وإظهار نخبة إسلامية فرنسية في إطار الاندماج بقيم الجمهورية تتجاوز الفاعل السلفي وتلعب دورا إيجابيا. وعلى فرنسا ان تعترف بأنها بلد إسلامي وعليها الإسهام في تحديث الدين الإسلامي من خلال الدراسة القرآنية وإنشاء معهد للدراسات اللاهوتية الإسلامية .
(عرض وترجمة بتصرف). 


30 يناير 2015 

عن معطف ضيق


"معطف ضيق"، هذه باكورة أعمالي وتعود كتابتها الى فترات متقطعة بين ٢٠٠٤ و٢٠٠٨. انها اول عهد لي بالكتابة الأدبية اجمالا. ولعل دراستي للغة الفرنسية وللأدب الفرنسي وقراءتي لبعض قصص غي موباسان حببت الي اُسلوب القصص القصيرة.
كنت اكتب ملتصقا باليومي والمعتاد في اليمن وفي صنعاء تحديدا. وكانت تلك الأعوام- كالتي تلتها- حافلة بالنوائب حيث الحرب والالم وتيه الشباب وعذاباته.
وكان لصديقي وأستاذي عبد الاله القُدسي الفضل الأكبر في حضي على الكتابة ومساعدتي في النشر وتقويم ما كنت اسطر.
والحقيقة ان اليمن منجم غني بالحكايات كما هو تعبير الروائي اليمني حبيب سروري.
لقد وجدت أنه من الأنسب أن أنشر هذه المجموعة في هذه الفترة دون التعديل عليها والاحتفاظ بأسلوبها وبنيتها وتعابيرها لتكون مرآة لي ارى فيها ما استجد لدى من الأسلوب واللغة والاهتمام. واعرف من خلالها اني بدأت بالقصة القصيرة ولست ادري باي شيء سأنتهي.
ولا تخلو نشر هذه المجموعة من طرفة. فقد كنت احتفظ بما اكتب في حاسوبي المحمول دون نسخة احتياطية وفي نهاية العام ٢٠٠٩ انقدت الى فكرة أن أشارك في جائزة عربية للقصة القصيرة وطبعت هذه المجموعة وسحبتها في أوراق ولم أتمكن من إرسالها في الوقت المناسب اذ تقاعست عن ذلك وكنت حينها منشغلا بشيء اخر على الصعيد المهني حيث كنت حديث العهد بالسلك الدبلوماسي واخضع لدورة تعليمية مكثفة الى جانب انشغالي بالترجمات التي كنت اكسب عيشي منها. فتركت المجموعة في ظرف ونسيت اين أودعتها. وفي بداية العام ٢٠١٠ تعرض منزلي لسرقة. لم يكن اللص في بيت شاعر كما يرد في قصيدة للبردوني. لكنه كان في بيتي وهي تشبه بيت الشاعر ذاك فلم يجد اللص ثمينا يأخذه سوى ذلك الحاسوب. حمدت الله على المصيبة. وبعد أعوام كنت مجبرا على ترك البيت والانتقال الى فرنسا وبينما أنظف ما تجمّع لدي من أوراق وصحف مع الأيام وجدت المجموعة ترقد بسكينة في ظرفها الكاكي. ففرحت لذلك كثيرا وقررت نشرها في اقرب وقت ممكن خوفا ان أفقدها مرة اخرى.


28 يناير 2015

تشهيرو


تمنحني باريس فرصة ان التقي زملاء الدراسة من المدرسة الوطنية للإدارة بعد أربعة سنوات من القطيعة مع بعضهم منذ ان افترقنا.
فقد قالت لي تشهيرو زميلتي اليابانية، حين التقيتها مساء الأمس، إن باريس كالميناء ترسو عليه سفن الأصدقاء من كل القارات. وهي لم تجانب الصواب.
الى الان التقيت خمسة من زملائي في هذه المدينة. كان سايمون البريطاني أولهم نهاية العام ٢٠١٣ ثم فيليب الكندي وقبلهما ماريا الروسية وبعدهم امين التونسي وبالأمس كانت تشهيرو.
تستقبلك تشهيرو بفرحة طفلة وتبتسم في وجهك. وعند الحديث اليها تصغي بعمق وأمام فكرة صاخبة او فكرة حساسة أو لا تعجبها تغمض عينيها وتفتحهما كومضة الشاشات الحديثة.
هي ككل اليابانيين لا يقولون لا في وجهك. يقولون : امممم نعم ولكن.
من عينين صغيرين يتقد ذكاء ومثابرة وصبر واخلاق اليابانيين.
كان اللقاء بهذه اليابانية الذكية الهادئة تكثيفا كبيرا للزمن. قالت ان السفر يجعلنا اقرب الى الناس واكثر تفهما.
تأسف لمصير معظم البلاد العربية. حاولت تعلم العربية وقالت انها لم تفلح.
في الحديث معها اجدها لا تغفل عن استذكار السمات الثقافية للشعوب التي ينصب الحديث عنها وتعد مقارنات عديدة بحيادية ثقافية. فضول معرفي فقط . تحدثنا عن الهند والصين ودول شرق أوروبا وبلاد المغرب العربي.
كان لأصدقائنا نصيب من الذكرى والضحك.
جاملتني وقالت لو كنت مكانك وعشتُ ما عشتٓ في سنواتك الأربع الاخيرة لكنت اقل تفاؤلا مما انت عليه.


27 يناير 2015 

لاقط الاخبار


في مدينة لا تجد فيها العصافير عشا وثيرا على شجرة،
تهرع في الصباح وعند الغروب لتحط على مستقبِل الإرسال في أسقف المنازل،
هذا المستقبِل المسجى كـ مشجب للأسى ولاقط لأخبار بؤس العالم.
تغرد العصافير اشجان نهارات الغربة والبحث الدؤوب عن قرار،
فيصدح التلفاز باغان الجاز الحزينة، البلوز المضمخ بالحنين
ورقصة القارب الوحيد على صفحة الماء المضطربة.
تحط العصافير
تطير العصافير
ويتلو النهار المساء.
يميل أرضا لاقط الإرسال من ثقل اشجان الطيور
وتتبدل قناة البث على التلفاز؛
مشهد جديد مضرج بالدماء،
وصراخ طفلة جائعة في مخيم للنازحين في ليلة شتوية.


25 يناير 2015 

مع أمين



كانت اربع سنوات قد مرت علينا وكأنها البارحة. 
ما ان التقيته في مقهى القوس العظيم حتى باغتني: هذا غير معقول! صرت أباً صالحا تعنى بأطفالك.
التقيت مساء الامس بصديقي التونسي امين عاشور، زميل الدرس في المدرسة الوطنية للإدارة في ستراسبورغ ورفيق احلام الثورة والتغيير في بدايات العام ٢٠١١.
تكون وافر الحظ ان كان لك صديق تونسي، واكثر من محظوظ اذا كان صديقك هو أمين.
تسكعنا ساعات عديدة نتنقل بين دوائر باريس التي قال عنها صديقي انه وجدها كما أخبرته الروايات والكتب.
يتحدث صديقي فرنسية عالِمة وعربية كالماء النمير.
مارسنا كامل حقنا في "النميمة" واستذكار الرفاق. وأتفقنا على ان باريس ليس جميلة الا بالأصدقاء وان الحياة الليلية لا تسوى شيئا ان لم تكن بصحبة يوانا وفيليب.
ينوي صديقي الدخول في الحياة الزوجية بعد ان اختار شريكة حياة مستقبلية اما انا فلست ادري ما انوي وقد صار لدي ثلاثة أطفال ذكورا.
انه توجس دائم. وعلى كلٍ، تظل عين ترنو الى الجهة الاخرى كيفما كان الحال.
اربع سنوات وتجمعنا باريس مرة اخرى.
اربع أعوام على بلدينا من التقلبات بين الاعاصير ونوبات السياسة. صار لتونس ثغرة للنور وتلج اليمن نفقا من الظلام بلا نهاية.
كم هي حياتنا قصيرة وكم هو عالمنا قرية صغيرة!
صار امين يعرف صديقا يمنيا في تونس هو من أصدقائي.
كانت لحظة مائزة تطفح بالمتعة. وعلينا عهد ان نثنيها.


25 يناير 2015

الأصدقاء ! توقفوا عن اهانتنا




البعض من الأصدقاء عماه النصر المؤزر وأخذته نشوة الفتوحات إلى الايغال في الاساءة والاستغفال والتحاذق وقادته اللحظة الى إظهار ما كان باطنا وكشف ما كان يخفى في اللاوعي من ادعاء تفضيل.
باختصار شديد: عليه تحديد مرجعية ثقافية نستطيع على ضوئها التعامل والفهم ؛ إما اسلاميه او غربية لقياس مقولاته. أظن في الاسلام الناس اخوة وسواسية وهذه التفضيلات انما هي جاهلية كبرى وفي الثقافة الغربية لفظ سيد ينطبق على رئيس الجمهورية وعامل النظافة ولا يستحضر حاكم ومحكوم وحق إلهي وفصيلة دم مقدسة وأخرى مدنسة.
لا تتعاملوا معنا على اننا اغبياء وتتحاذقون على هذا النحو المخجل. وقبل هذا لا تنسوا اننا في وطن واحد وعلى سفينة واحدة. من المؤسف ان سلوك البعض يصر على ان يفرط بكل علاقات الود والصداقة التي بناها عبر السنين لمجرد التماهي مع استدعاء ذهنية الأقبية.
للتاريخ حكمه والعاقل من اعتبر.

24 يناير 2015 

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...