الخميس، 8 فبراير 2018

طين عالق

رأسي الان ثقيلة وتترنح، وطعم قرص الدواء علقم وكأنه عالق في الحلق لم يلج بابا. 
جفني اليمني واهنة كسلى وانفي مقفلة تأنف الهواء وتبكي الصداع.
بت ليلتي اتقلّب عن اليمين وعن الشمال ألملم أطرافي التي افتككتها الحمى.
لا بأس، ساستذكر ما صنعت من صبحي هذا.
لقد خرجت في وضح النهار اتوسل من الشمس بعض الدفء.
وجلست الى مقعدٍ إسمنتي بارد في فِناء المسكن. كان هناك ثلاثة عُمّال يكفرون الارض لتستقبل الربيع بوجه صبوح. كانوا أبيضين وآخر من أفريقية.
كان الأفريقي أملح في حركته وامساكه بالطين ولملمته الزائد من العشب. كان منكباً على العمل يجثو من فينة الى اخرى كمن يقبل أمه الارض. وكان الابيضان يتململا ويتكلما اكثر من العمل. تارة يجتذبهما هاتفهما وتارة يخلعان عن حذاءيهما ما يعلق من الطين. وددت لو كان لي عليهما بأسا لنهرتهما وحثثتهما على العمل وأقول لهما ما قاله الرجل العجوز في يوم ماطر رأى فيه صغيري يكشط الصين عن حذائه: انه بركة وجلب للحظ. كان رجلا من جيل تعلق بالأرض قبل فتوحات السماء ومسابير التيه والجمع.
أخذتني رعدة في أوصالي من سقيع دبٓ في إليتي فهممت للنهوض مستذكرا ما تأخر من الاعمال وخاتلت الحمى ومذاق الدواء بقهوة أمرّ.
جلبت مفاتيحي وصعدت الميترو ومضيت أتطلع في عيون الركاب والبستهم الربيعية. كنت منزويا مطويا في مقعدي اكبت سعال مباغت وأخشى لو ينظر احدهم في وجهي الناشف ويفضح مرضي وينأى بنفسه عني.
جلٓست الى جواري سيدة سافرة متبرجة تتأنق في خطوها والقعود. أوشكت على ان ابتسم في وجهها وتذكرت ما كانت نساء قريتي الطاهرات يلبسن لغزوهن الارض قبل ان يتشحن بالسواد وتغزوهن مقولات عذاب القبر.
ثم انصرفت الى قراءة نشرة وجدتها على الكرسي المقابل.
لقد وصلت محطتي. سأنزل الان وسأكتب لكم في المساء عن حالتي. وعن اشتهاءاتي الملازمة للحمى.




الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...