الأربعاء، 22 مايو 2013

الكتاب المدرسي ايضا قاعدة

الكتاب المدرسي ايضا قاعدة
لا تتفاجأ ان زميلك في العمل لا يصدق ان هناك طرق تفكير واختيارات في العقيدة لا تتفق مع تلك التي لديه. لذا فهو يفرز الناس وفقا لتطابقهم مع استمارة الاسلام التي في ذهنه والتي لم يتعب قليلا في تصميمها او في التعديل عليها بل وجدها جاهزة في كتيبات بن باز ومطولات محمد عبد الوهاب.
لي تصور خاص حول الجنة والنار يجعلهما مختلفين عن التصور البسيط المتداول. فهما معززات انذار او تبشير من اجل احترام انصار ملة ما لقيمها.
ولهذا وجدتني اليوم خارجا عن الملة وكافرا بحسب زميل ودود. بل يجب ان ينطبق علي حكم الردة.
كنت مصدوما كثيرا وانا استمع لاحكام زميلي ذاك. لكن الصدمة الحقيقية هي في كيف توغل تفكير من هذا القبيل في اذهان اليمنيين خصوصا في الجيل الجديد الذي ايضا يعاصر وسائل الاعلام الحديثة ووسائل الاتصال ونقل المعارف والمعلومات وتدجين المجتمعات على الثقافة الغربية ونشر محاسن العقل مقابل النقل.
يصدمني المتدينون من ابناء الجنوب تحديدا لاني اجدهم اكثر تشددا وصلابة ولديهم اراء قطعية في ايمانهم وفي حكمهم على الاخرين.
وكأن المسألة اشبه بوصول نسخة اخيرة من الاسلام اليهم لكنها نسخة احادية وقطعية. في الجنوب كان هناك تسامح ديني اكثر من اي مكان في اليمن. وكانت اراء البيحاني اكثر اعتدالا وعقلانية لكنها اليوم تستبدل بافكار قاعدوية.
التدين الذي ينتشر في الوقت الراهن قطعي جدا وجريء جدا. لانه يقدم نهائيات وكليات.
فيها العالم فسطاطين. والفرد إما مسلم او كافر. وعلي جميع البشر ان يستمدوا مرجعياتهم من المدونةالكلية للاسلام بنسختها الوهابية الجهادية التكفيرية.
البعض يستمد مرجعيته الدينية من التاريخ الاسلامي وليس من المصادر الاسلامية. بينما التاريخ سردية ذاتوية جدا وليست موضوعية لانها صياغة احادية تتوسل الكمال والمثالية والنجاة وتجعل من اي فكر مغاير كافرا جاحدا يستحق اشد العقوبات بسبب اختلافه ومغايرته.
البعض يريد منك، بمجرد ان تقول انك مسلم، ان تتماها مع نسخته الخاصة به من الاسلام. وكأنه وكيلا حصريا لهذا الدين. بل وكان الدين مقولات جاهزة- ليس من حيث النص والصياغة فحسب- بل من حيث المعنى والدلالة.
سيبدأ اي نقاش حول الدين بايضاح ان المرجعية هي القران، لكنك في أي نقاش ديني مع متدينين من هذا النوع، ستكتشف ان المرجعية ليست القران او اافعال وممارسات الرسول ، ولكن مدونة تاريخية للاسلام بعيدة جدا عن النصوص المصدرية. بمعنى، هناك مرجعية ضمنية هي التي تقفز الى المقدمة وهي التي تهمين وتملي طريقة التفكير لدى الكثيرين.
نسخة الاسلام وفقا لهذه المدونة، لا يوجد فيها نسبية للاشياء، بل احكاما مطلقة وأوامر صرفة واجابات نهائية. بمعنى ان مجال التساؤل واعادة التفكير في هذه الاشياء اصبح امرا مغلقا وغير متاح. ثمة اجابات جاهزة عليك الاقتداء بها والدفاع عنها.
المتدين على هذا النحو لا يدافع عن معتقده وفكرته فقط، بل يدافع عن الله وعن الاسلام وكأنه الممثل الوحيد والشرعي. ينصب الواحد نفسه وكيلا حصريا لتصور المعتقد وطريقة التدين وشكل الالتزام وحدود الطاعة.
هناك جاهزية عتيدة لدى هؤلاء المتدينين للدفاع عن قضايا مجردة باسم الحرمات والأصول بينما لا يحرك الواحد منهم ساكنا أمام الآلام الانسانية التي تسوط معظم البشر.
وقد يكون الواحد منهم ضحية حقيقية للمارسات السياسة او الاقتصاد او غياب العدالة. لكنه لا يبالي ، هو فقط يبحث عن طريق يوصله الى الجنة، الى متاع اليوم الاخر طالما صارت ملذات الحياة نائية عنه وغير ممكنه.
امام مثل هؤلاء المتدينين انت في تفكيرك المغاير لست اكثر من جسرا قصيرا يمكّنه من العبور الى الجنة. فهو في بؤسه وشقائه، نذر نفسه ليكون شهيدا يعوّض حرمانه في الدنيا بنعيم الاخرة ولم يعد يفكر باشياء اخرى غير الوصول الى الجنة باسرع وقت ممكن.
القاعدة ليست مجرد نشاط مسلح ضد الشرعية القائمة، هي ثقافة متوغلة بين الشباب وبمستويات مختلفة ربما لا ينقصها سوى الأمر بقتال المغاير وفقا لفتوى سريعة الاعداد. وهي ليست في الجبال والصحاري هي ايضا في الكتاب الجامعي والكتاب المدرسي اولا. هي في ذهنية الموظف الحكومي البائس وقليل الحيلة ومحدود الدخل.

أنا ضحية حرب وبحاجة إلى مساعدة

أنا ضحية حرب وبحاجة إلى مساعدة
لم اعد احتمل كتمان هذا الأمر. وكم يلزمني ان أتحلى بشجاعة كبيرة لأقول جهارا أني ضحية حرب واني بحاجة إلى مساعدة نفسية على وجه التحديد.
تتملكني نوبة هلع جارفة وقلق حاد ويغشوني خوف وتوتر. أنها حالة تتعاظم يوما بعد آخر ولم أتمكن من كبح هذه الاحاسيس والتغلب عليها. سيما منذ عامين وأكثر والأخبار التي تأتيني تفت من عضدي وتهز قواي النفسية.
كل شيء حولي يبث الرعب، ويزرع الخوف ويفخخ الطمأنينة وينال من السكينة النفسية.
لقد تعرضت لحوادث مرعبة عديدة على مدار السنتين الماضيتين. لقد تعرضت لتهديد بالسلاح الناري عندما كنت برفقة صديق لي على سيارته وكنا نسير ببطء لكن أفرادا عسكريون توقفوا الى جوارنا فجأة وفتحوا أمان بنادقهم ووجهوها صوبنا وهم يعوون ثم غادرونا ودخلوا منزل صالح في حدة خلف الكميم. ووجدتني وحيدا مفجوعاً ارتجف في ساحة معركة بين طرفين غاشمين في الحصبة حيث الفاصل بين قوات الداخلية وكتائب الأحمر بينما كنت ذاهب لاستكمال معاملة زواج لصديقي.
كما ارغمت في ليلة حالكة على ان اسلك سيرا على الاقدام طريقا غير قصير هو في الأصل موقع لقنص الابرياء في شارع هايل ووصلت البيت وانا تحسس صدري وظهري خشية ام يكون فيهما ثقب غادر.
كما هي المرات التي استيقظت فيها من النوم مفزوعا ذات مساء اثر دوي الطلاقات والمدافع والمتفجرات. ألملم افراد عائلتي الصغيرة وادعي الجلد والتماسك امام طفلي وزوجتي. وابحث عن شربة ماء ابلل بها حلقي الناشف.
ويوما ما فاجئتني سماء صنعاء اذ كانت تحترق او تبتهج لظهور الرئيس صالح على التلفاز. جار لم يكتفي برصاص البندقية بل استعمل رشاش اكبر هز اركان البيت وأضلعي المرتجفة.
وبينما كنت استقل دراجة نارية مرت بقرب منزل حسن الشاطر حيث كانت حراسته المدججة تقطع الشارع صوب احد الافراد فوهة بندقيته صوبنا وعينه ترمي بشرر. ثم ابتسم ابتسامة بلهاء بينما اصفررت أنا من الخوف.
لست وحدي على هذه الحال. لدي طفلان صارا يعانيان من التبول اللااردي ويصرخان في منامهما من ليلة لأخرى. احدهما فز من نومه قرب الفجر والتمس أمه يقول لها : أنا مفجوع.
هذه ليست بطولات أو مآثر التي احكيها هنا، انها فقط تعبير عن هشاشة إنسانية أظنها مشروعة لضعيف يعيش في مدينة التوحش والخوف. اعرف ان شبابا في سني واصغر واكبر بذلوا ارواحهم واعرف آخرين واجهوا الموت في أكثر من ناصية شارع على الدائري وهايل وما حول الستين وفي مدن أخرى يمنية كثيرة.
أصدقاء لي قضوا ولم اجد لهم اثر وآخرون ترافقهم عكائزهم المعدنية.
حتى اللحظة لا اجد الأمان في قلب العاصمة. حادث قتل شابين جنوبيين في شارع الخمسين جعلني اشعر بعمق الهول والهلع على حياتي حيث لا أمان وحيث أمثالي من غير المسلحين يلقون حتفهم مجانا وبوفرة لأنهم لا يستقوون بقبيلة أو حراسة أو سلاح.
لقد صرت اخشى الذهاب الى سوق القات المجاورة حيث التقي كل يوم بسيارات تهدي الموت مجاناً. مرافقون لمشائخ يتقافزون من سيارات الصحراء كالذئاب يزاحمون مثلي ببنادقهم الناتئة بكل عنجهية.
لقد قضيت اكثر من عامين ساطتني فيها وسائل الاعلام المقروءة والمرئية كل ألوان الترويع. لم ار في حياتي مشاهد موت وقتل كتلك التي شاهدتها على قناة اليمن اليوم تحديدا عقب كل عملية تفجير آثمة.
هذه شهادتي ادلي بها هنا كمواطن لا يستطيع مهادنة الخوف ولا يجامل الغرور والعنجهية والبلطجة.
فأنا ضحية لمشاريع عدمية وزعماء عصابات بلا حس وطني ووسائل اعلام غير مهنية وبلا محددات لأخلاق المهنة. انا ضحية لخياراتي المسالمة ضحية لاني لا اريد العودة إلى جلباب القبلية المسلحة و التخندق وراء الأوهام المقدسة. ضحية لإيماني بأن النضال السلمي أسمى من القتل والدماء وان مكافحة الفساد في مقر عملي فعل ثوري عميق وان رفضي للرشاوى أقدس من حملي بندقية في وجه جندي مغرر به.
18 مايو 2013

المساعدات الانمائية.. ارقام وحقائق

المساعدات الانمائية.. ارقام وحقائق
يلاحظ ان الحكومات اليمنية المتعاقبة تركز كل جهدها أثناء رسمها لاستراتيجياتها على المساعدات الانمائية.
وسنسعى هنا ان نبحث في حقيقة هذه المساعدات وحجمها ونصيب اليمن منها.
....
وفقا لدراسة اعدتها الاسكوا فإن اليمن تلقت مساعدات انمائية خلال الفترة 1970 وحتى 2004 تقدر بـ 18 مليار دولار. وكان نصيب الفرد من هذه المساعدات في 1976 500 دولارا وتراجع الى 12 دولارا في 2004 بينما اصبح اقل من 11 دولارا في الفترة ما بعد 2004.
ومن اجمالي المساعدات الانمائية في المنطقة التهمت مصر النصيب الأكبر حيث بلغت المساعدات لنفس الفترة 100 مليار دولار تلتها سوريا بمبلغ 37 مليار دولار.
...
وفقا لاحصائيات العام 2009 فقد كانت حصة اليمن السنوية من المساعدات الانمائية سنويا تبلغ 500 مليون دولار. بينما احتياجات البلاد لتحقيق اهداف الالفية تقدر ب 3.1 مليار دولار. علما بأن دخل اليمن من القطاع النفطي يصل الى 3 مليار دولار سنويا ومن تحويلات المغتربين يقارب 7 مليار دولار سنويا (اذا اخذنا بعين الاعتبار ان لدى اليمن 2.8 مليون مغترب يحول الواحد منهم متوسط 2500 دولار سنوياً). الحصة اعلاه هي النصيب من مبلغ المساعدات الانمائية الدولية لمنظمة التعاون في التنمية والاقتصاد.
...
ان المساعدات الانمائية السخية التي تحصل عليها اليمن تأتي في محيطها الاقليمي ومن دول الجوار الخليجية حيث تبلغ المساعدات التي تعهدت بها السعودية في اطار الدول المانحة لمؤتمر اصدقاء اليمن 3.2 مليار دولار (مليار دولار كوديعة في البنك، 500 مليون دولار لتمويل وضمان صادرات سعودية الي اليمن و 1.7 مليار دولار كمساعدات في مشاريع تنموية). ولكن لسوء العلاقة بين اليمن وقطر مثلا لم تحصل اليمن إلا على تعهد بمبلغ 500 مليون دولار من المساعدات الانمائية القطرية ولا تحصل اليمن إلا على مبلغ يقل عن 450 مليون دولار من صندوق التنمية الكويتي.
...
هذه المساعدات لا تخلو من شروط وتبعات سياسية. فقد ارتبطت المساعدات خلال العقدين الماضيين تحديدا بتبني سياسات اقتصادية تدفع باليمن نحو اقتصاد السوق. وفي بلد يمتاز بدولة هشة وسوء ادارة وضعف في البينية التشريعية والعمل المؤسسي وتفاوت في توزيع الثروة وكثافة سكانية عالية (قياسا بالمنطقة) موسومة بالفقر. تحمل المواطن تبعات تلك السياسات التي جعلت الحكومة تتخلى عن مسؤولياتها الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين.
بل ان حجم المساعدات قياسا بمستوى التنمية تراجع كثيرا. بمعنى ان الفاتورة كانت باهظة جداً وكان التنازل أكبر من الفائدة. خصوصا وان هذه المساعدات لم تحقق تحولا اقتصاديا كبيرا ولم تدفع بعجلة التنمية. لقد ازدادت معدلات الفقر كثيرا وانخفض تدريجيا دخل الفرد حتى وصل في ادني المستويات اقل من 900 دولار سنويا للفرد.
....
تخصص دول الخليج ما نسبة 1.5% من دخلها القومي للمساعدات التنموية. وعندما نقول مساعدات فإننا نقصد بذلك القروض والمنح والمساعدات التقنية والتسهيلات كالضمانات وغيرها. بينما تقدم دول منظمة التعاون الانمائي والاقتصادي ما نسبته 0.3% من دخلها القومي في حين ان النسبة الموصى بها من اجل تنمية عالمية هي 0.7 %. هذا يعني ان دول الخليج هي الأكرم . وبالتأكيد فإن دول الخليج ستولى اهتماما كبير بمحيطها العربي وتخصص نسبة كبيرة من هذه المساعدات لكن اليمن، مع هذا، لا تنال نصيبا وافراً.
...
مثلا خصصت السعودية صندوقا تنمويا برأس مال 31 مليار ريال سعودي. انفق الصندوق 2329 مليون ريال سعودي (قرابة 62 مليار دولار) كمبلغ لمساعدات تنموية وفقا لتقرير الصندوق السعودي للتنمية للعام 2011. ولم يكن نصيب اليمن سوى 533 مليون ريال سعودي كما ورد في هذا التقرير على ان السعودية في العام 2012 تعهدت بمساعدة اليمن بمبلغ 3 مليار دولار.
خصصت قطر مبلغ 5 مليار ريال قطري كمساعدات في العامين 2010- 2011 ولم تنل اليمن منه سوى 156 مليون ريال قطري.
الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية يعمل برأس مال 2000 مليون دينار كويتي أي قرابة 7 مليار دولار نصيب اليمن كان قروضا بمبلغ لا يزيد 450 مليون دولار.
....
ما تناله اليمن من حصة في مجال التنمية مقارنة بالمبالغ الذي تخصصه البلدان الخليجية يعد ضئيلا جدا خصوصا من زاوية جيو -استراتيجية. وهذا يطرح تساؤل حول نجاعة وجدية الخطط الاستراتيجية التنموية اليمنية من جهة وتقييم السياسة الخارجية اليمنية من جهة اخرى.

تتهافت الحكومات اليمنية على الحصول على فتات المساعدات. بينما تتجاهل المجالات الأخرى التي يمكنها ان تنميها وتوفر من خلال موارد حقيقية كبيرة تساعد في التنمية مثل تطوير الانتاج النفطي والغاز او الاستثمار الامثل في العمالة اليمنية والاستفادة من تحويلات المغتربين او دعم قطاعات اقتصادية اخرى غير النفط كالصناعات التحويلية والمشاريع الصغرى واستثمار في المناطق الحرة والاصطياد البحري.
ورغم وجود وزارتين للعمل على المساعدات هما وزارة التخطيط ووزارة الخارجية الى ان المحصول دون مستوى الجهود.

الأحد، 12 مايو 2013

في الزواج ... استقرار بمعنى حفرة


في الزواج ... استقرار بمعنى حفرة

في اعتقادي،ثمة نظرتان تجاه الزواج. الأولى ترى فيه جوهرا للاستقرار بالمعنى الذي يصبح فيه الاستقرار مرادفا لحفرة تُرتب كل الخطوات وتصاغ جل القيود - من طرف واحد في الغالب - ليصل الشريكان الى هذه الحفرة كمآل نهائي للعلاقة بينهما.

انه استقرار بمعنى الجمود والامتثال والمثالية التامة في السلوك. حيث يلبي احد الاطراف توقعات ومطامح الآخر بكل امتثال وتفاني ويصير في خدمته.




وترى النظرة الثانية ان الزواج تجربة انسانية مفتوحة على كل الاحتمالات. تحفظ وتحتفظ بطبعها الانساني من حيث مشروعية الخطأ والنكوص والتقدم والتعثر والنجاح والفشل وعملية لا تصل الى مرحلة اللاعودة.

التجربة بمعناها الواسع واحتمالاتها المنطقية هي التي تجعل من الزواج حالة ثراء وتوفر تراكم دلالي قابل للانتشار والتمثُل.

ما لم فيغدو الزواج حفرة يعدّها طرف للطرف الآخر ويعمل على تعزيز كل القيود والمعوقات الكفيلة بالبقاء المنتظم والمستسلم في الحفرة. منها على سبيل المثال تعميق الحفرة وتعقيد الشروط الموضوعية والاخلاقية امام محاولات الخروج والتمرد. تأخذ ملامح الشريك بعد الزواج بلاهة محسنة بمساحيق الرضا الزائف والقناعة الجوفاء.

وبما أن النظرة الثانية - الزواج كتجربة - محدودة الانتشار وقليلة الاحتمال لذا سنركز على مفردات النظرة الأولى.




تصبح الحفرة/الزواج بقعة مظلمة أكثر كلما تعاضمت شروط الامتثال واجراءاته فيصبح السلوك آليا منتظما بوتيرة معينة لا توجد فيها مساحة للخصوصية والسرية ولا مجال فيها للخطأ الانساني والمراجعة ولا تقبل انحراف مؤطر. انه امتداد خطي للعلاقة منذ اول خطوة في الارتباط وحتى القبر .

كما انها تنضح بميكانيزمات الاستلاب ووتصير نقطة سوداء تبتلع اي نشاط ايجابي تواق الى التمرد واثبات الذات. فلا مجال للتفكير ولا مجال للتراجع. فقط هناك نقطة في نهاية المطاف ينبغي الوصول اليها وكأنها نهاية موجة كل العواطف والاشجان الانسانية التي ستصطدك بصخرة الشيخوخة وتذمر الابناء وحالة جفاء وصمت بين الزوجين.

لكن الزواج هو تشكيل مؤسسي اجتماعي بامتياز يختفي فيه الفرد من حيث الارادة ومدارات الحرية. مؤسسة لم ينشئها الفرد. بل انشأتها المجموعة ووضعت لها شروط فيامها واستمرارها من دون تبصر في فكرة التجديد على المؤسسة من حيث الشكل أو المضمون.




المجتمع الذي أنشأ هذه المؤسسة عمل وما يزال على ضمان ديمومة المؤسسة التي تصورها وعاظم من القيود وونوع من طرق فرضها. بحيث لم يعد هناك من خيار غير القبول بهذه المؤسسة او الحرمان والاقتصاء والنبذ الاجتماعي.




منح الزواج هذه المرتبة او هذا النظام status خطوة ضمن سلسلة اجراءات لغلق الباب امام اي محاولة لمراجعة مكانة الزواج وصدقية هذه المؤسسة وجداوها الوظيفية.




وهنا عندما تتزوج فأنت لم تعد أنت، إنما أنت ما تمليه عليك المنظومة السلوكية المصاحبة لفعل الزواج بالتالي منتظر منك امتثال طوعي دون مواربة او تململ لهذه الشروط ويجب ان تصبح أبا وتعول أسرة وتتخلى عن ذاتك وتتوقف عن طموحاتك العزباء أو التي كنت ترسمها في عزوبيتك.

ان تتزوج يعني ان تتصرف كأنسان آلي لا يملك حق الرفض والامتناع. ففي الزواج تتشكل عصبة من الآوآمر العائلية الضمنية لتكوّن نسق حياتك. واية محاولة منك لاسترداد ذاتك هي مروق ونكث تستوجب تنفيذ احكام قبلية الاعداد وحازمة بما يكفي للتأديب والردع عن مجانبة التفكير في تكرار المحاولة.




عندما تتزوج فلا تكون أنت انما تكون الدور المنتظر و المرسوم لك. فتصبح تصرفاتك مقترنة او ظرفية conjecturelles وتغدو انطولوجيتك شرطية ذات علاقة بمقدار ما توفره من رضا للطرف الآخر. اي يجب عليك ان تفعل وتكون مبادرا وان تتخلص من أناك لصالح نيل الرضا. أن تكون معطٍ عام صاحب رصيد متفوق في العطاء العاطفي والمادي. ان توافق على خلق قطيعة في علاقاتك وتستبدل اصدقائك. ربما يُطلب منك التخلص من شريحة هاتفك القديم وتمزيق مستندات ووثائق تعود لحقبة الجاهلية.

وليس أسوأ شيئ في هذه الاجراءات أكثر من إقدامك على تدمير مقصود ونسف ممنهج لماضيك الخاص بك. عليك ان تستبدل ذاكرتك التي نشأت منذ ميلادك الحقيقي بذاكرة جديدة تشكلت لحظة الاقتران والارتباط. بمعنى ان تعتمد تاريخ ميلاد جديد يخلصك من العودة الذهنية الى نقطة المحظور من تجاربك الغالية عليك بكل تفاهاتها وسذاجاتها ومروقها وخيباتها. الزواج يصادر منك عمرك أيضاً ويقدرة عجيبة تبدأ انت بالتعرف على نفسك انطلاقا من لحظة الارتباط فقط.. فالتهور من طرفك بمحاولة العودة الى سنوات ما قبل الارتباط يعني خيانة عظمى عقابها غير عسير وغير قابل للنسيان.

السبت، 11 مايو 2013

اشاعة اخيرة .. لعل وعسى

اشاعة اخيرة .. لعل وعسى
يطفوا ويغتلي في جوف صدرها فضول طاغ. تحشر راسها في كل شق في الجدار. وتتلوى في كل زاوية كافعى مجروحة. وتمر بالجدار لتحك ظهرها كذئب جننته القروح. ثم تدعي السكينة والحكمة ورزانة بلا نظير.
لقد تمددت الطريق ذراعا كاملا منذ ان دأبت على المجيء والذهاب الى مكتبه كقرصان صلف. فتحت في اذنه كل ملفات الحديث الروتينية. وعلى التشات في المساءات نادته كرجاء الخائب.
ولياه. لم يعد من الوقت الكثير وموسم الحصاد يوشك ان ينتهي. لم يعد لديها من حيلة إلا واتت بها.
الآن جاء دور كيمياء الاشاعة. ستصنع كعكتها بنكهة الصابون وتجعلها منزلقة على المنطق. وستدعي التمنع والاعتراض. سخبر جيرانها انها في حيرة من الأمر. فهي لا تجد فيه فارس احلامها المنشود. لكنها تخشى فوات الأوان.
مع كل هذه الجلبة التي تصنعها بمثابرة طلاب الهندسة، ستتجاهل انه لم يهتم بها يوما ولم يحفل لكل حفلاتها الزائفة, وستتناسى عن عمد يوم فند انوثتها وانه اخبرها في احد المرات عبر التشات انها لا تعد ان تكون سوى صديق منفر بادعاءاته وفضوله.
بالامس القريب قررت ان تقرأ اشعارا رومانسية وخلاعية ووقعت مصادفة على قصيدته "نهداك" . غمغمت كالمحموم وهي تسير مع السيرة الباعثة للشهوة. لكنها استيقضت عند فواصل الصدق في تلك القصيدة.
مَجنونةٌ.. من مَرَّ عهدُ شبابِها لم تُلْثَمِ..
عندها سرت فيها حمى الحزن وأوشكت على البكاء. فلم يفت الشباب فقط. بل مضى ربيع عمرها وهي تتقفز كارنب بري مفزوع ولم ينظر اليها احد. وتذكرت اعراس الصديقات وبهجة امهاتهن, بينما ما تزال امها صائمة عن هذه الفرحة.
يبدو ان المساء قد اسدل ستائره بعد ان فات القطار في رحلة العمر والبحث عن حصان يجر عربة زواجها.

الخميس، 9 مايو 2013

فستان الخيبة

فستان الخيبة 
5 مايو
هذا الصباح موحش وغجري في اضوائه وباعث للخمول. هكذا اجده ما ان نهضت متكاسلة من فراشي. ليلة الأمس كانت ممسوسة بالجنون والبلبة والجلبة الناعمة. اشعر بالارهاق الشديد في هذه اللحظة وها أنا اتهالك على مقعدي المتحرك أسلم نفسي لحركته التي اتمنى ان تأخذني في دورتها الى اللاحساس.
كنت في آخر مرة حضرت فيها عرسا قد قررت ألا احضر اي عرس قادم ما دامت العروسة فتاة اخرى غيري.
تمر الاعراس من حولي كمواسم القطاف وارضي يباب مقطوعة من المطر واللذة. لقد اعياني حرثها واستصلاحها في انتظار الغيث والبذر. اشتهي الغرس في سواقي المساء كاشتهاء راهب للمحراب.
بالأمس مارست آخر اعمال العناية والتجميل كفلاح هندي يرتقب نضوج الأرز. تزينت وتعالجت وارتديت افضل ما يجعلني مغرية مشتهاة، ورقصت كصوفي مجذوب. لكني كنت تفاحة بين التفاحات. فلا يد تمتد لتجني. لا شيء سوى عيون فضولية لعجائز يبحثن عن طريدة جديدة لزواج مرتب. تنظر العجائز نحو الفتيتات في قاعة العرس كلبوات ليئمات ويتفحصنهن كسائس خيول.
ثم رجعت اجتر ورائي ذيل فساتني اللازوردي وخيبة اطول منه. عدت ودمعي ينهمر على وقع الحذاء ذي الكعب العالي.

فيء القلب

فيء القلب
رؤيته في كل صباح تخلق عاصفة من الوجد لا اقدر على تحملها الى ان اراه ثانية عند الظهيرة. كفراشة تمضى الى حتفها عندما تغرم بضوء شمعة. هكذا انا منذ شهرين. التمس القرب منه لكني اخشى الغرق. اخشى ان اضيع في عينه وان يستبد بي حبه حتى الجنون. لحظة القى علي التحية هذه الظهيرة كان يتحرش بي بشفتيه. ويحاصرني بحركة رموشه.
وآه ه ه. أه.
.....
نظرته الناعسة انشودة مطر في ظهيرة قيظ آب. كان واقفا يحتضن حقيبته القماشية بحنو جعلني اغبطها بل واصب جام حسدي عليها. وادخل يده اليسرى في جيبه يتحسس منديلا يمسح به عرق جبهته. كانت يده تجوس في ثنايا قلبي أنا. خلته سيصل الى الورقة الملفوفة في الحنايا والتي كتبت عليها "أحبك". خشيت ان يكشف أمري على حين غرة فأمسي حكاية من حكاياته الرعناء.
....
الى متى سيمتد صبري وستطول هذه المناورة. غدا سألتقفه حال وصوله. غدا ساسر له بسري المكنون وسأحصر كبريائه وغروره. غدا سأمزق تطاول هذا الصمت.

والدبلوماسي ايضا


والدبلوماسي ايضا
يقال ان رأس المال جبان لانه لا يغامر في الاستثمار في اجواء غير آمنة وانه لا ينحاز الى صف الجماهير في حال الثورات او الرغبة في التغيير و مناهضة الحكم السلطوي.
معذور لديه مصالح. لديه ما يخشى عليه وهو بامواله عرضة لابتزاز اطراف عديدة لذا يهادن كثيرا. وهو بصفة عامة لا يحب الامتثال للقوانين ويحرص على معرفة القوانين لا لتطبيقها ولكن للتحايل عليها والبحث في ثغراتها.
هذه مقدمة ليست ذات شأن في ما اريد ان اتحدث عنه بخصوص الدبلوماسيين او بخصوص وزارة الخارجية اجمالا. ولعل مناسبة كتابتي هذه هي ان رئيس الجمهورية الغى قرار له صدر قبل يومين بتعيين معاذ بجاش في الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وكانت مبررات الالغاء هي ان للمعني صلات تربطه بمدير مكتب رئيس الجمهورية من ناحية ونزلوا عند رغبات الجمهور الذي اعترض على القرار باعتباره مخالفة للوائح الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة اذ يشترط في من يشغل هذا المنصب ان يكون من اعضاء الجهاز وممن لديهم خبرة كافية في طبيعة العمل.
قبل هذا شرع اثنان من العاملين في الجهاز برفع دعوى في المحكمة الادارية اعتراضا على هذا القرار باعتباره يخالف القوانين واللوائح الخاصة بالجهاز.
وقبل ان تبت المحكمة الادارية في الأمر اسرعت الرئاسة الى الغاء القرار بذاته قبل ان يسبقه حكم من المحكمة.
اثنان من العاملين فقط هما من تقدما برفع دعوة على قرار ينتهك طبيعة عملهم ويخرق القوانين واللوائح التي يمتثلون لها.
في الخارجية صدرت قرارات عديدة بتعيينات زوترقيات مخالفة للقانون. وقرارات بتويظف مخالفة للسلك الدبلوماسي.
في وزارة الخارجية فقط يطالب حشد غفير من الموظفين بالمعاملة بالمثل اي بمخالفة اللوائح والقوانين.
لم يتقدم اي موظف في وزارة الخارجية خصوصا الدبلوماسين برفع دعوة لنقض تلك القرارات وان كانت مدعومة بتوجيهات رئاسية كما هو المبرر على الدوام.
افكر بشكل جاد ان ارفع دعوات عديدة على وزارة الخارجية ومنها
- دعوى اطالب فيها التعويض عما فات من سنوات خدمة في فترة التجريب التي تجاوزت النصاب القانون وحرمتني من حقي في ترقية مبكرة
- المطالبة بمستحقات عن بدل سفر عن دورة تدريبية تمت العام المنصرم ونحن في سنة مالية ولم يصلني حقي الى حد اللحظة كما هو مكفول بالقانون
- المطالبة بتأمين صحي وتعويض مالي عن مبالغ دفعتها بقروض عددية في خضوعي لعملية ومعالجات من تدهور صحي ولم اجد اي مساعدة ولا اي منقذ طالما وانا من غير تامين صحي يكفل حقي بالمعالجة كاي مواطن في هذه البلاد كحق انساني في المقام الاول وسبق وطالبت من معالي الوزير فوجهني الى رئاسة الوزراء التي اعتذرت هي الاخر وبهذا تخلى الوزير عن مسؤوليته تجاهي كموظف ورمي بي الى البعيد.

بالمناسبة. اكثر من يجهل حقه القانوني يبدو لي هم الدبلوماسيين. قبل اشهر اصدرت وزارة المغتربين قررات تخالف قانون السلك وعينت ملحقين من طرفها قبل صدور اللائحة فتخلف الدبلوماسيين في الطعن في قراراتها حتى اتاحوا لها تعميد خطوتها بان استصدرت قانونا لاحقا.
ونحن الان على وشك صدور تعيينات لسفراء في بعثاتنا والقانون يحدد النسبة المتاحة لرئيس الجمهورية في تعيين سفراء من خارج السلك الدبلوماسي.
فهل سيمارس من هم بدرجة سفراء حقهم القانوني ويرفضون اي خرق وتجاوز لقانون السلك؟
لولا ثورة الشباب لما تجرأ احد ورفع دعوى ضد الرئاسة وما تراجعت الرئاسة عن قرارتها. لكن يبدو ان الثورة لم تصل وزارة الخارجية ولم يصلها التغيير حتى الى الاذهان لم يصل.

اذ يظهر موظفو الخارجية برجوازيين متعطنين ذهنين وبيروقراطيين ينعمون خلسة بخيرات البلاد في معزل عن حاجاتهم المعيشية الواقعية. حالة مداهنة ونفاق تجاه الرسمي وانفصال عن الحقيقة.

عمليا ليس التاجر او رأس المال جبانا فحسب. الدبلوماسي ايضا.

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...