الاثنين، 9 أبريل 2018

ذاكرة الصراع السايسي

يمتلك اليمن ، وتعز تحديدا، ذاكرة مريرة في الصراع السياسي مع القوى الاجتماعية المختلفة، خصوصا ذات البينة العصبوية المسلحة بالجغرافيا، في بداية النصف الثاني من القرن المنصرم. كانت احداث 68 نموذجا ارشاديا للمسار السياسي لما بعد الثورة، اي ثورة. بعيدا عن السلوك الميلاشوي القابل للاستحضار بقوة. هناك حقل دلالي مروع جدا يتم توظيفه في مثل هكذا مخاضات، من قبيل التخوين والتكفير والشيطنة. طريق الرهائن مسألة مألوفة وقد ذاق المصريون منها الامرين. وأحيانا كانت يتم اخذ رهائن مقابل تبادل الطعام. يمكن العودة الى مذكرات اندريه روشا مندوب الصليب الاحمر بهذا الصدد. لكن الامر المشين هو التصفيات والتمثيل بالجثث.
دائرة العنف القائمة على اسناد تحركات القوة الى امر الله لا تقف عند حد ولا تدخر احدا. ولهذا لا بد من مراجعة الذاكرة لتحديد اي فعل يجب ان يتخذ في مثل هكذا مواقف. ليس ببعيد ان تثور اب وتعز في مثل هذه المواقف وترفض هذا الطغيان الاعمى.23 يناير 2015

معادلة السكان والأرض


في العام ٢٠١٠ كان محمد العلائي قد كتب مقالا بعنوان "في اعادة ربط الخيط بين صحفي وكلمة وطن". تناول فيه نقاطا كثيرا منها الوطنية والوطن وموقف الصحفي وذاته ومطالب الانفصال في الجنوب واستحضر استبصارا من مقال "ثأر الجغرافيا" ل فروبرت كابلان. "للجغرافيا أحكامها التي لا رجوع عنها".
كان العلائي يحاجج - على ضوء ما قدمه الصحفي الشهير في العلاقة بين الكثافة السكانية وشحة الموارد وعدم الاستقرار- على انه من غير الممكن إقامة دولة تنعم بالثروات في الجنوب حيث السكان قلل بينما شمال شمال - وهذا توصيفنا نحن - يغص بالفقر والحرمان والصراعات في ظل كثافة سكانية.

هل كانت فكرة الأقاليم معالجة لهذه الوضعية ؟ وهل كانت الأقاليم بصيغتها المقدمة معالجة مثلى؟
ثم هل ما يحدث الان في صنعاء هو نتيجة لجنون الجغرافيا غير القابل للكبح؟

عموما يا صديقي محمد، الشمال الذي يهمنا لن يسمح بالانفصال لكنه ايضا لن يسمح للجنوب ان يحكم.
21 يناير 2015 

اين انت من أوف لا دبُم


أبشع ما فينا التندر بالجريمة وتسطيحها وجعلها شيئا قابلا للبلع.
لم تكن احداث باريس الاخيرة كارثية لأنها قتلت عددا كبيرا من الناس بل لأنها تنال من حرية التعبير ولأنها عمل في غاية الوحشية.
بالمناسبة، وسائل الاعلام هنا لم تعرض صورة قتيل واحد من ضحايا الصحيفة ولم تُظهر صور للدم المسفوح حتى لا يعتاد الناس على الجرائم وعلى مشهد الدماء وتغدو المسالة أمرا مألوفا لا يحرك ضمير ولا يشد عاطفة.
ها انا اجد تندرات كثيرة على حادثة اختطاف بن مبارك.
وقبل ايام شاهدت تسجيل فيديو يقتل فيه حارس مشفى من قِبٓل ثلاثة أشخاص مسلحين يقال انهم يتبعون الحوثي. كان قتلا في غاية البشاعة ولم يتحرك له ساكن.
يستغرب الناس لماذا قام العالم ولم يقعد لمقتل ١٧ شخصا في فرنسا بينما المئات يقتلون يوميا في العراق وسوريا واليمن وباكستان.
والسبب هو اننا نسترخص الحياة ونهدر الانسان. وهذا هو الفرق الجوهري.
ستتوالى موجات الغضب في العالم الاسلامي من شرقه الى غربه انتصارا للرسول وتنديدا عنيفا للرسومات الجديدة التي يراها البعض مسيئة. وهي برأي أكثر انصافا له من كل افعالنا.

هم يرسمون ونحن نقتل. نقتل ونحرق وندمر لنقول ان اتهاماتهم لنا بالعنف والارهاب غير صحيحة. وهذا يذكر بالطرفة اليمنية عن قاتل لوالديه ذهب يستفتي في جرمه فقال له مفتيه : اين انت من أوف لا دبم؟.
اما بيننا البين فنحن في أشد حالات المرض وانتزاع الانسانية.
في فرنسا على سبيل المثال لو تم اختطاف سايح فرنسي او صحفي فان البلاد تقوم ولا تقعد ويغدو تحريره اول الاولويات. ويصبح الامر رهانا انتخابيا ومعيار نجاح او فشل الحاكم. نعم، فشل الحاكم لانه لم يفك أسر مواطن ما.
اما نحن فاننا تتندر بالاختطاف.18 يناير 2015

2015


يا هذا العام المتجهم منذ البداية.
رفقا بي.
لقد جئتني بغتة ولم ألقمك امنيتي.
تعرف جيدا اني استبشر بالجديد. لكنك مختلف جداً. او ان أحلامي المعلقة ما تزال هناك ترفض الانتقال. ألن تفسح لها مقعدا صغيرا؟
ها انا اجرجر حلما منذ ما لا يقل عن ثلاثة سنوات. أخفيه حتى عن نفسي وأخجل ان أبوح به اليك. لكن حاجة تحقيقه غدت ماسة. ما عاد القلب يحتمل كل هذا العبء.
بالله ماذا تريد؟
ها هي القربان البشرية تصلك تباعا من الشرق والغرب.
انت الاخر لا تتغنج كثيرا وتتعبنا.
كن كريما لمرة واحدة ودع امنيتي تتسلل.
بالمناسبة اليوم ذهبت الى ندوة كبيرة كان منظموها قد اختاروا موسيقا عربية هادئة حديثة. للأسف كانت كئيبة جداً. ومنفرة جداً فتذكرتكٓ. 17 يناير 2015

الدفن والموت في تغطية صحفية

اريد ان اكتب عن الصحافة الفرنسية ليس من باب النقد ولكن من الملاحظات التي اجمعها في لحظات متفرقة عن طريقة معالجة الصحف الفرنسية للأحداث. لا اريد الخوض في الخطاب الصحفي ولا في التقنية اللغوية. فقط اسلوب التغطية ورفده بما يشكل معرفة بالنسبة للقاري.
هذه احدى الحلقات:

الأسبوع الماضي ماتت مولودة غجرية في مدينة شرق باريس. والغجر لا يعتبرون مقيمين شرعيين في فرنسا. فرفض عمدة البلدية دفنها في مقبرة المدينة. اَهلها يعيشون في مدن صفيح متنقلة بين المدن وبعضهم يعيشون على التسول والسرقة.
تأجل دفنها يومين إلى إن تم التنسيق مع المدينة المجاورة وتم دفنها هناك في المقبرة. هذه القصة أثارت الرأي العام الفرنسي كثيرا واعتبرت حادثة عنصرية ونهضت الجمعيات المناهضة للعنصرية للتصدي لهذا الموقف.
عمدة البلدية تعذر بأنه لم يعد هناك متسع في المقبرة. صحيفة ليبراسيون في الاسبوع الاول من 2015 نشرت الموضوع وصور لحظة الدفن في صفحة كاملة من صفحاتها وفي الصفحة الأخرى مقابلة مع متخصص في تاريخ وسوسيولوجيا الدفن.
طبعا المقابلة مدهشة من حيث معاني الدفن ومواجهة الموت اجتماعيا ودينيا وانتقال الدفن من يد الكنيسة الى يد الدولة في فرنسا ودلالات الدفن وكيفيته وهيكل القبر في المجتمع الفرنسي في القرون الاخيرة.
ثم دلالة ان المهاجرين ينقلون جثامين موتاهم او يتركوها هنا وعلاقة ذلك بالاندماج الاجتماعي. وما معنى ان الدولة ترفض دفن شخص. اي الاستبعاد الاجتماعي او الإقصاء لما بعد الموت.
كانت مقابلة مدهشة وصادمة لي وان يكون هناك متخصص في تاريخ الدفن من منظور اجتماعي صرف. كانت دهشتي مضاعفة بسبب التناول الصحفي للموضوع. لان الصحيفة لم تتعرض للحادثة فقط كخبر. لكن القارئ يجد معرفة حقيقية الى جوار الخبر.
من المعلومات الصادمة او الشائقة بالنسبة لي هي:
ان الكنيسة كانت ترفض دخول جثمان المولود لأنه لم يعمّد. ولم تكن تشارك في التشييع.
ان المرأة التي توفي مولودها تعود الى العمل سريعا ولا تحظى بالمواساة الكافية.
ان الموت كان حقيقيا وكانت الحياة الجنسية زائفة في المشهد العام. اما اليوم فإننا لا نعرض لحظة موت في الافلام او في وسائل الاعلام، بالمقابل يمكننا ان نعرض لحظة جنس
رابعا في المجتمعات الغربية كان الشخص يعيش ثلث حياته حدادا اما اليوم فالحداد سريع وبالتالي الموت زائف.
في المجتمعات الغربية كان الشخص يموت بين أهله اما اليوم فيموت وحيدا في المستشفى.14 يناير 2015

حرية التعبير تعني الحياة.


يتهيأ الشعب لمقابلة المارلين. يذهب الشعب الى ساحة الجمهورية place de la république حيث ينتصب تمثال معدني لسيدة متكتنزة فاتنة ذات وجه حصيف وخجول وعيني طموح. إنها رمز الجمهورية. هكذا أراد هذا الشعب ان تكون امرأة هي أيقونته. 
في هذه الساحة الشاسعة التي يحرسها مبنى كبير للجندرمة، يتجمع الفرنسيون للتعبير عم يختلج من مشاعر؛ اكانت غضبا او تضامنا او فرح.
هذه المرة كان الحشد مختلفا جداً.
فرنسيون من كل الفئات العمرية، من كل الطبقات الاجتماعية ومن كل الألوان خرجوا تلبية لنداء الوحدة الوطنية. خرجوا لنبذ العنف والتطرف، لرفض الاٍرهاب، لنفي الخلط بين المفاهيم والعقائد والانحرافات.
لعل اكثر ما شد انتباهي هو ان الجميع لبس افضل ما لديه وتأنق بما يستطيع ليقابل الجمهورية ويقف عن اقدام السيدة المارلين رمز الجمهورية.
طفتُ في مربع الحشد لأكثر من ساعة اتفرس في وجه المحتشدين اقرأ في عيونهم الحزن على الضحايا وعزيمة مواجهة العنف والارهاب والاصرار على وحدة الصف واكبار دور رجال الأمن والشرطة.
قليلة هي اللحظات التي اعتراني فيها شعور بالالتحام مع الجموع، وسَرَت في جسدي حمى التأثر وصعدت قشعريرة في عمودي الفقري كما حدث لحظة تلاوة النشيد الوطني الفرنسي ( المارسيلية ) وانا انظر في الأشداق الملتهبة حماسا سيما وهي تلهج ب لفظ : ايها المواطنون
تقدموا
تقدموا.

طوفان بشري متماوج يتهادى. الشوارع الضيقة كـ جداول تصب في الجادات الكبيرة: كلنا شارلي.
يتبدد الشتاء في دفء هذا الالتحام الجمهوري، في قيمه العلمانية، ويغدو رذاذ السماء مباركة الاله من عليائه.
في زحمة الزحمة، تسقط بطاقة شخصية لسيدة. يُنادى باسمها وتأتيها البطاقة سراعا.
لا مجال للسرقة. الجميع مشغول بهم وطني اكبر. انه الوطن. انها الجمهورية. انها القيم العالمية.
لم تحرق الاعلام. ولم تتصدر الشتائم. فقط مجسمات لأقلام الرسم والمزيد من الرسوم الكاريكاتورية.
حرية التعبير تعني التنفس اي الحياة.




11 يناير 2015

شارلي ايبدو بعيون الصغار

صغيري إلياس، ذو السبعة الأعوام، عاد مساء الأمس من المدرسة يحدث أمه ان ١٢ شخصا قُتلا في باريس وان المدرسة وقفت دقيقة حداد كل في فصله الدراسي.
أما اليوم فقد رافقته انا من المدرسة وقال لي بالفرنسية: أبي! لا يوجد سرق في باريس ولكن هناك قتلة. لقد قتل رجلان اثنى عشر شخصا بينهما شرطيان. قتلا صحفيين.

قلت له نعم اعرف. لقد طاردتهما الشرطة وقتلت المجرمين.
اندهش وسألني: كيف تعرف كل هذا يا ابي.
فأجبته : من الاعلام. من الصحافة.
في البيت بعد ان عدنا ولم نتمكن في لعب كرة القدم هذا المساء لان الملعب مغلق، فتح لي دفتره المدرسي وعرض علي ما قرأه. صفحة مصورة من جريدة خاصة بالاطفال من عمر ٦ الى ١٠ سنوات.
يتصدرها عنوان رئيس. في باريس، رجلان هاجما صحيفة شارلي ايبدو وقتلا اثنى عشر شخص بينهما شرطيان.
وعليها رسم كاريكاتوري يوحي بطابع المجلة ويكتسي لمسة حزن.
صديقي اليمني ايضا اخبرني ان ابنه الذي بعمر الياس او اقل طلب من عائلته في المساء الوقوف دقيقة صمت وقت للعشاء لنفس الامر.
إلياس يعرف شيء اسمه صحيفة ، حرية تعبير. وبينما كنت اشاهد نشرة الأخبار على التلفاز مر ذكر اسم شارلي ايبدو فصرخ الياس : اعرف هذا الاسم.

انها حادثة هزت وجدان هذا الشعب الحي وواجهها بوحدة وطنية رائعة.
الأجيال ليست معزولة عن بعضها هنا. والدرس ينتقل بإتقان.
10 يناير 2015 

المناطق الوسطى مجددا.



عام 62 قامت ثورة في الشطر الشمالي، سنوات من الاحترب الاهلي اختلطت فيها معاير الخير والشر، الحق بالباطل، الجمهورية بالملكية، التقدمية بالرجعية، وآلت الامور إلى سيطرة قطاع جغرافي على زمام السلطة وكان على المناطق الوسطى ان تواجه هذه الغطرسة. ومن هنا نشأت حروب المناطق الوسطى كوسيلة مقاومة وجدت من الايديولوجية اليسارية ودعم الشطر الجنوبي سندا.
اليوم التاريخ يعيد الكرة بنسخة اسوأ. خطوط التماس تطاد تكون مماثلة لتلك.
فهل تعود حرب المناطق الوسطى لمواجهة هذه الغطرسة الملتفعة برداء الحوثية. لكن البديل الايديولوجي التقدمي غير متوفر. سيكون البديل الاسهل هو التشدد السني، أي لحاف القاعدة و"الدعشنة".
حروب المناطق الوسطى في اليمن لم تنل قسطها الكافي من التوثيق والدراسة. وهي ليست بعيدة تاريخيا. انها تجربة قابلة للاستدعاء بسهولة.


5 ياناير 2015 

عربيد



سأتجشأ بأعلى صوتي كعربيد فظ. اذ ليس في يومي عربدة أشد من ان يسألني صديق "كيف الأوضاع؟"، فابتسم بسذاجة معتوه وأقول له "الدنيا هدوء، تمام".
كيف يمكنك ان تتصالح مع موقف غدوت فيه رجلا بلا مهمة وعاطلا عن قضية وتغرق رويدا رويدا في وحل الإحساس بخيبة الأمل.
يشفق عليك صديق بعيد قائلا:
"نصيحة اخيرة قبل ان تنفق كفقمة مشلولة، ان كان لديك حبيب فلا تغضبه".
تتحسس جبينك الندي اذ لا مناديل جديدة تمسح بها عرق الندم ولا توالف عندك الاعتذارات.
ابصق في المرآة ونم ان استطعت.


5 يناير 2015 

الشرق في كنيسة

في الخامس والعشرين من الشهر المنصرم من العام المنصرم وعند المساء بعد أن انتهيت من مرافقة، حتى الفندق ، زائرة جاءت الى باريس، عرجتُ على كنيسة سان جرمان دي بري في قلب باريس في الدائرة السادسة المحاذية للحي اللاتيني.

كان الجو باردا وانا اعرف جيدا ان دفء الكنيسة قادر على اعادة الدفء والحياة الى أطرافي المتجمدة فأغرتني الفكرة ودلفت باب الكنيسة.

في الحقيقة كان ذلك اليوم عيد ميلاد المسيح ويقام في تلك الكنيسة قداس عيد الميلاد وهي كنيسة تقع في موقع سياحي بامتياز مما جعلها عامرة بالمرتادين من سكان الحي والسواح على السواء.
قطعت خطواتي الاولى على وقع صوت الأورغ التي كانت تتخلل ترانيم المساء المضمخة ببخور العرفان.

الكنيسة تحفة فنية وهي دار عبادة ملكي متنوعة الطابع المعماري لأنها بنمط روماني وقوطي وكلاسيكي في آن وقد مضى عليها قرابة الف عام منذ التأسيس الثاني والكبير. انها أشبه بقفص خشبي مسجى رفيع وبرج شاهق.

الاضواء شبه الخافتة حيث السقف البعيد والمظلم يجعلك تتخيل السماء بعمقها بالاضافة الى توزيع الأصوات ورجع الصدى المنتظم المموسق مع صوت الخطيب الرصين وكامل ادعاء الورع والرطانة، كل هذه العناصر تبعث روحانية فريدة.
استمعت الى الخطبة كاملة وشهدت مراسم الصلاة الخاصة بعيد ميلاد السيد المسيح.

لفت انتباهي صوت الخطيب المليء بالوقار ككل المؤمنين في كل الأديان وخطاب الكنيسة الغاص بالود والوصي على التراحم والإخاء.

تذكر الخطيب مخاضات ميلاد المسيح وعذاباته وسيرة حياته التي كرسها من اجل الحب والجمال والتسامح والغفران.

تمنى الخطيب الخير لأبناء الرب وتلى عليهم بعض آيات من الكتاب المقدس وأوصاهم خيرا بأنفسهم وذويهم وأبناء جلدتهم في الدين وذكّر بواقع المسيحيين في الشرق ونوه الى محنتهم داعيا لهم بالرأفة والنجاة.

لم يتهم احدا ولم يدعُ الرب ان ينزل بالعقاب على المسلمين العوام منهم او الدواعش.

قال للحاضرين: افشوا السلام بينكم وتصافحوا حبا في المسيح.

4 يناير 2015


الأحد، 8 أبريل 2018

فاصل بين عامين

على حافة عام وفي الفاصل بين عامين، أعد ما استطيع من الطعام والشراب. اطبخ عشاي لوحدي وفي البال أغنية لست اعرفها تماماً. 
أقف أتأمل في المقلى صوري التي تنضج واستشعر غصة كبيرة في الحلق وفرحة اكبر هي نصيبي من ٢٠١٤، أعض على شفتي نشوة وجذلا. 
يا صوتها الخمري وطعم غناء عصافير الصباح. 
استذكر قصيدة "عبد العليم اذا مات" لأتحقق من أعداءه. 
هاتفت اختي قبل يومين وما زال رنين ضحكتها في أذني. 
طفت في الشوارع كثيرا ابحث عني حتى حل الظلام كثيفا يدثرني بالهروب الى الهروب ورجعت بمحصولي من البرد وصور السائحات الجميلات في ليلة رأس السنة. 
كل الشوارع سواء والوجوه متساوية عدا خضاب على أظافر سائحة إسبانية وقفت الى جواري في الميترو. 
في هذه الليلة يتحول كل من في باريس إما الى مبتهجين او لصوص. حتى المشردين والمتسولين يبدلون جلودهم هذه الليلة. 
الأمنيات منثورة كحبيبات سنبلة دخن. والفرح متراص كاكواز الذرة. بيد ان البرد قارس والدم مهدور في بلادي.

استحواذ على الرسول وعلى القرآن


يتسابق الجميع في إثبات غيرته على النص القرآني في ماراثون إثبات ولاء تجاه المرجعية وتأكيد مكانة من نفس الموقف مع تعمد تجاهل نقد الذهنية التكفيرية من استخدام الآية الكريمة. 
بهذه الطريقة لا مجال لقداسة الانسان لان حياته لا معنى لها امام خطا في ذكر المرجعية او السورة. 
نعلم جميعا ان اللغة ليست بريئة وأننا من يشحنها بالمعنى. وان انتهازية البعض تجعله يقتطع الآيات والنصوص ليستخدمها في ترهيب الآخرين دون الإشارة الى سياق التنزيل. 
وما هذا الا تجسيد عملي وحي للطريقة التي انتشر بها هذا الدين.

ان محاولة الاستئثار بالرسول هو نسف لمثابرة بقية المؤمنين والاتباع وتسفيه ورفض لإخلاصهم. 
ولم يعد امام الطرف المسلوب في هذه الحالة سوى الدخول في صراع من اجل تثبيت ملكيته الرمزية وانتماءه او الكفر بها والانسلاخ منها ومواجهة الرفض بالرفض.


لولو

دخلت محلا لغسل الملابس وتجفيفها قصد تجفيف ما حملته من البيت للتجفيف. وكان هناك سيدتان احداهما تبدو كبيرة في السن قليلا والأخرى اقل منها كما لو أنهما فتاة وامها او وحماتها. 
في مثل هذه المحلات المخصصة لهكذا خدمة يقوم المستخدم بالتعامل مع الآلات مباشرة في اختياره لما يريد ودفع النقود والانتظار حال الانتهاء من الغسيل او التجفيف او الاثنين معا، وتكون هناك مقاعد وحولها كتب ومجلات كما ان المذياع يبث عبر الأثير اغان وحوارات شائقة تمزق اشداق الصمت المعقود بين الناس في المدن. 
كانتا تتحدثان بلغة لا افقهها وتصدر عنهما جملة فرنسية من حين لآخر. تفرست في ملامحهما ووجدتهما تبدوان اقرب الى القادمين من أوروبا الشرقية او من بولندا كما يتضح من الأنف الحاد المنتصب والشعر الاشقر المائع. 
وفجأة نهضتا وخلعت العجوز عنها معطفها ووضعته على كلب صغير كان بينهما ولم أفطن اليه في بادئ الأمر. 
ذهبت إحداهن لجلب الملابس من ماكينة التنشيف وقمن بترتيب وثني الملابس ووضعها في حافظة قماشية بينما كنت جالسا على حافة الأريكة التي كانت تجمعنا ثلاثتنا ورابعنا كلبهن. 
اخرج الكلب الصغير راْسه وتطلع الي فتقدم نحو وأستأنس وجثى الى جواري. 
نادته العجوز معاتبة: 
لولو!
ثم تحدثت اليه المرأة الشابة بالفرنسية:
لولو! اين أنتِ ذاهبة؟ دعي الرجل بأمان!
تبين لي انها كلبة وديعة وأخذت امسد شعرها الناعم الطري. وقلت للسيدة: 
انها وديعة واسمها جميل. ثم أردفت ممازحا: واقترابها مني دليل اني رجل طيب. 
ضحكت وسألتني : 
هل لديك أطفال ؟ 
أجبتها بنعم وان لدي ثلاثة من البنين. 
هنأتني وقالت: الكلاب تشعر بالأبوة لذا اقتربت منك. 
ثم سألتها عن فصيلتها وكيف تحيا معهما فأوضحت انها كلبة فرنسية من فصيلة يوركشاير وهي كلاب ملتحية صغيرة الحجم ذات شعر ناعم متعددة الألوان حيث اللون الاشقر في الناصية والرأس ثم الرمادي في الظهر وصولا الى ذيل اسود. وشرحت لي السيدة ان كلبتها تتطلب عناية شديدة اذ ينبغي لها ان تخرجها للنزهة واللعب وعليها غسلها بالشامبو مرة كل أسبوعين وتقص لها شعرها في السنة ثلاث مرات على الأقل. وان لـ لولو مزية وهي انها لا تنبح وهذا فضيلة في المدن حيث الناس لا يبحثون عن الإزعاج لكنها تتطلب دلالا كبيرة فبعد كل حمام ينبغي تنشيف الكلبة واستخدام آلة التجفيف التي تستخدمها السيدة لشعرها حينها تنعم الكلبة بنوم كالطفل وتأبى الا تنام الا في حضن سيدتها. 
انتهت السيدتان من ترتيب الملابس وكانت المتحدثة بالفرنسية قد أوضحت ان العجوز ألمانية وأنها في فرنسا لتقضي اجازة رأس السنة. كانت الكلبة لحظتها رابضة الى جواري في تماس مع جسمي فرحة من تمرير أصابعي على فروة الرأس حيث تعتلي رأسها ضفيرة بحلقة زاهية. 
غادرت السيدتان والكلبة وانا أغبط الكلبة على نعيمها.


وحيدا في نويل

تتدلى دمى بابا نوبل من النوافذ من الخارج تتطلع الى دفء الداخل بفضول ناقةٍ في مدينة. انها أعياد الميلاد حيث يشتد البرد. لكن النهار كان ذا شمس ساطعة تلمس الأسطح بحنان أبوي. سأتنزه على حافة النهر او ادخل الغابة. أشجار الغابة شاحبة عارية من الأوراق والأغصان تشرئب نحو سماء زرقاء صافية. الأشجار محمرة الأطراف كأنها السنة لهب وقت الظهيرة. اتصفح هاتفي فأقع على صور قديمة لي على الفيس بوك واجد تعليقا لصديقي احمد الذي خطفه الموت مني قبل عام. 
اغتم ولا ارى لطفا في بقية التعليقات الظريفة. يزداد الرصيف قتامة وكدرا. 
الشوارع خالية منذ يومين عدا من بعض مٓن يصطحبون الكلاب الصغيرة التي تتسكع بحرج كبير. 
لا معنى لان تحتفظ بهندامك بينما الأصدقاء غائبون. ولا عزاء في الكتابة الأنيقة حيث لا يأتي الرد ساخنا كمشروب شتوي. 
امضي في الشوارع الضيقة داساً كفي في جيبي اتبع ظلي الهارب او أنظرني منكسرا في فترينات ساكنة تمتصني بشرهٍ كبير. 
وفجأة اخري يدي أتحسس أرنبة انفي التي يقضمها الصقيع. 
يشممني كلب بدين ويستشف وحدتي وينصرف مغمغما.


أوجه الصباح

سطوع الشمس بعد ثلاثة ايام من الغيوم الكئيبة، 
ضفيرة الشقراء اليافعة المنتظرة عند مخرج الميترو انفاق، 
جريدة الميترو الرابضة كقرص خبز عند السحر الخريفي،
قنينة البيرة المركونة منذ المساء في زاوية ناصية الشارع، 
رائحة تبغ سيجار عجوز انيق يقف مقابل صحيفة اللوموند في الكشك، 
"السيكل" الاسود الخالي من رفوف الاطارات المركون الى سور حديدي اخضر، 
عامل المرآب الشاب وهو يتفحص هاتفه بعد ان غازل كل فتيات محل الكوافير،
غصن السرو المزمع جلبه كشجرة ميلاد هذا العام البارد،
تمثال جورج واشنطن المنتصب في ساحة إياّنا حاملا سيف الانتصار.
...
للصباح ألف وجه غير قاع كأس القهوة الصغيرة الفارغ للتو،
او الابتسامة المقصوصة في فم النادلة الجاف.

في الثمانين

كنت قد صعدت الى مقصورة الترام واي، وبعدها بمحطة صعد عجوزان؛ رجل وامرأة. 
كانا كبار سن. أعمارهما لا تقل عن ٧٥ سنة. 
جلسا متقابلين. الرجل بشعر ابيض منحني الظهر قليلا حليق الذقن. ملابسه مكوية وحذاؤه لامع. والمرأة بشعر مصبوغ ذهبي قصير. 
وكانت السيدة أنيقة تلبس جبة طويلة بلون زهري غامق وتحتها كنزة صوفية بنفسجية داكنة مطابقة للون شال الرقبة الصوفي والجوارب والحقيبة. على السيدة وجه وضاء وأسنان مستحدثة محكمة الرص وعليها غبب طري لدن في رقبتها. 
كل منهما ينظر الى الاخر ويبتسم بابتسامة تشع نورا يكفي ليضيء مدينة. يتكلما النزر القليل ونظراتهما إعجاب وافتتان. تشيح العجوز بوجهها وتنظر في الزجاج ثم تعود الى النظر الي الرجل وتنفجر ضاحكة.
ما يزالا في بداية تعارفهما ويبدو أنه اللقاء الاول. اذ بعد مكالمة هاتفية اجرتها العجوز اكتشف الرجل انها تتحدث لغة كورسيكا وهنا تعسر على من حولهما متابعة المحادثة. لان الرجل العجوز يتحدث الكورسيكية ايضا. كانا قد تحدثا عن عادات كل منهما ونشاطاته اليومية. عن تفضيلاته وكيف يقضي الإجازة الأسبوعية وماذا اذا كان يحب المشي. 
استعدت العجوز للنزول وكان كل منهما يتمنى للآخر وقتا ممتعا ويعبر عن امتنانه للآخر على الوقت الذي قضاه سويا. وقبل ان تنهض السيدة لمس الرجل ذراعها وودعها وعينه مسافرة معها.

كانت السيدة ضعيفة السمع تتحدث بصوت عالٍ وتطلب اعادة ما قيل لها. وكان الرجل قريب منها يتحدث بصوت ضخم خفيت وهو منفوش كديك متمرس. غادرت السيدة الترام واي وعيني الرجل تودعها أمل لقاء قريب. انه الحب في الثمانين.


حلقة تكميلية

كانت ستينيات القرن المنصرم عقدا مميزا على اليمنين في شطريهما. اذ كان كل شطر يعاني من صراعات خلاص ولكن في إطار قضية واضحة المعالم. نتفق او نختلف مع القضية لكنها كانت بملامح سوية وظاهرة ويمكن للناس ان يصطفوا حولها او ضدها. كان في الشطر الشمالي هناك خطاب لا يقل استقامة وتماسكا عن خطاب التحرر من المستعمر في الجنوب. الا ان الاحداث لم تنضج قضية الشمال فتميعت وذهبت كماءٍ في زلط. في الحقيقة لم تكتمل حلقات الصراع بين الجمهورية والملكية. الا انه كان هناك تفهما لقضية الجنوب في الشمال وتفهم لقضية الشمال في الجنوب. وتجاوز الامر التفهم الى المساندة وتعظيم المشروعية للقضية وإعطاءها بعدا وطنيا وإدماجها ضمن الاولويات الوطنية ضمن الهم الوطني الجامع. 
اليوم ما يحدث في شمال اليمن هو حلقة تكميلية لذلك الصراع مع فارق جوهري وهام وهو ان لا أطراف متكافئة في الشمال في ظل غياب قضية وطنية تحظى بامتداد عابر لكل حدود الوطن. الجمهورية هي الامر الغائب والذي يفتقد لمناصرين. والجنوب يعوم في عبث.


الوطن لا يبكى عليه، الوطن يفتدى.

يصعب علي التعاطف مع هذا الرجل. هذه صورة تعكس المؤسسة العسكرية وذهنيتها. 
رجل متخم، متهدل، مرتخ وبفم فاغر ويد لا تمت للتحية العسكرية بصلة. 
اريد ان أرى صورة جندي يمني ممن نراهم في الأطقم او في المواقع. 
هؤلاء نخبة تعيش في المكاتب المكيفة وتسافر الاْردن او ألمانيا لأبسط مرض وتعيش بأموال مشبوهة. 
ليس الدموع هي ما ابحث في هذه اللحظة. اريد موقفا وتنشئة وطنية. 
هذا التمثيل والمزايدة لا يعني شيئا. انها اضافة جديدة لسلسلة الاهانات التي تتعرض لها المؤسسة العسكرية. 
هو لا يبكي على وطن. لأن الوطن لا يبكى عليه. الوطن يفتدى.


تشابهت الايام

انتهى الاسبوع الماضي -أسبوع أوروبي يبدأ الاثنين وينتهي الأحد- ولم يك يحمل لي غير الأخبار السيئة. ومع بداية هذا الاسبوع ومنذ اللحظات الاولى كانت تباشير الخير تهل بدءا بالمكالمات الهاتفية. 
انا علاقتي بالوقت سيئة إجمالا. ولست أدرك متى البداية وأين النهاية. ربما لاني. لا احتمل التفكير الخطي. وسبق واعترفت لأصدقاء مقربين بهذا الشأن. 
وكنت اعجب بعد نوبة ضحك من صديق يسال بعد تخزينة قات قوية ويقوًل : يا شباب في ألفين وكم احنا السنة هذي. 
كان صديقنا يضيع في السنة برمتها. 
عمليا تشابهت السنوات والشهور والأسابيع والايام.


وهم التدين

ظللنا نردد وهما كبيرا حول "العقل على النقل في الزيدية" الى ان جاءتنا الحوثية كثمرة. وامتدحنا، توهما، الاجتهاد في الشيعة ضدا للجمود في السنة. 
عشر سنوات كانت كفيلة لإزالة كل هذا اللبس وادراك أنهما انية فخار من طينة واحدة. 
لا مجال للتردد الان في ان الحل التاريخي لمشكلة هذه الأمة المنكوبة يكمن في تحييد الجذر لهذه المشكلة. مثلا عندما نشكو من الطائفية وهي داء استفحل قرون لم ينفع معها توسل ترشيد الخطاب فان الحل العاقل يقتضي التخلص من جذر المشكلة. 
ودون مواربة، يصبح التدين شأنا شخصيا وسلوكا روحيا ليس له سلطان في المعاملات والتنظيم الاجتماعي. مع إمكانية الاهتداء به والاقتباس. 
ما لم فانه دائرة مغلقة وتجريب المجرب.

عن رضوى عاشور ...الكتابة بروح أم

ينتهي يوم حافل بالمنغصات واحتقان الدماء وتكون الخاتمة خبر وفاة رضوى عاشور. 
قرأت لها "ثلاثية غرناطة" وقبل عام من الان كنت اكتب عنوان هذه الرواية لدبلوماسية إسبانية شغوفة بالأدب. 
ما ان انتهيت من قرات الرواية قلت في نفسي : كأن الأندلس كانت بالأمس القريب وكانت في متناول اليد والبصر حتى يكتب أحدنا عنها بكل هذه التفاصيل وينقل إلينا ذاكرة الجراح العميقة. 
لكني قلت ايضا إن من يقرأ بعض صفحات من الرواية دون ان يلتفت الى غلاف الكتاب جاهلا اسم الكاتب فلن يتردد في الجزم بأن الكاتب إمرأة. 
كانت هناك نكهة نسوية خالصة. وكانت هناك روح أم بين السطور وهي تسرد الم التشرد والصبر ومعاناة تربية الصغار وحب الأحفاد. 
لا اخفي افتتاني بالسطور العديدة التي كانت تتحدث عن الطعام وفنون صنعه وتقديمه. يا الله كم سال لعابي وانا اقرا واستحضر المذاق والرائحة. 
اما تفاصيل التفاصيل فقد كانت صنعة امرأة بلا شك. 
رحمة الله عليك يا رضوى عاشور.


انا في مارسيليا الان.

المناخ بين الخريف والشتاء. لنقل انه شتاء هذه المدينة الدافئة والحميمية والفوضوية النزقة. انها من المدن التي تشعرك بالانتماء اليها وأن مولدك كان هنا في لحظة ما. او بدقة اكثر. جزء منك ينتمي الى هذه المدينة؛ قد يكون عروبتك او جانبك العشوائي او تمجيد الاسترخاء والانتقال من مقهى لآخر او رائحة الشواء. انه مدينة القهوة والسجائر ومشروبات اخرى تليق بالبحر وبالسماء متقلبة المزاج ورياح بفتوة مراهقة. 
كم اشتاق لصديقي وأستاذي عبد الاله القُدسي. ملامحه هنا في كل الوجوه الناحلة وطريقته في المشي هي إيقاع حيوية وحكمة وارتحال متأمل منكسر غير آبه يمقت الاشرار والأدعياء. 
كنت اليوم قد زرت السوق الاسبوعي المسمى سوق الشمس. جبت، برفقة زميلي ورفيق الرحلة، في الأزقة الضيقة بين الروائح الشرقية وملابس رجال ونساء المغرب ومحلات تجهيز العرائس، مخابز الحلويات ومجالس شاي الصحراء. 
بيد اني اندهشت وانا اقرأ "مكتبة دار الفكر " على محل تجاري يبيع الجلابيب الرجالية والحجابات النسائية. 
في مارسيليا لا تحتاج للغة الفرنسية كي تعيش. او انك تحتاج اللغة العربية - فصحى ودارجة- ان كنت اوروبيا لتعيش في هذه المدينة. 
ما اجمل ان تلتقي أبناء بلدك من الجالية اليمنية في هذه المدينة. تصافح أحدهم فيحتضنك بقوة كمن يقبض على صرة ملابس وصلته من أمه. يتشممها بعمق ويبتسم ببراءة.

ثم كان الليل، حيث تقودك أقدامك مهرعة الي الميناء القديم. تقف على حافة الرصيف تقتفي أثر اول يمني قَدِمَ إلى مرسيليا على باخرة عتيقة. أول الفاتحين في أرض الزيتون. وتتنهد. أنت تقف على ارض متعددة الألوان والثقافات. هناك بعض من عبق روما. هنا للشِعر مسرح.


ابن الماء

هذه السفينة الرابضة على شط السين لا توزع صدقات في عيد ديني لأحد ولا ترتجي منها القوارب الصغيرة رضعة. بل اكاد اجزم انه لا توجد صلة دم بينهم غير الماء. 
انا ايضا انتسب الى الماء لكني مشبع بالعقوق فأنا لا احب الرطوبة، خصوصا ما كان لدناً منها. 
وبما اني ذو حاسة شم حادة فإن الماء لا يغريني في حياديته الشديدة. 
هذه الصورة التقطتها بهاتفي ومازلت احلم بشراء كاميرا تليق برغبتي في التقاط الصور. ويوم اشتريها سألتقط صورا عديدة وقبل ان اسحب الصور سيكون منسوب النزق لدي قد بلغ مداه وسأغضب - كمعظم الفنانيبن- وأحطم الكاميرا وابصق عليها. 
موقف كهذا سيذكرني بالرجل الذي رايته في احد شوارع القاهرة وهو يزعق في الهاتف مخاطبا زوجته طالبا منها بغضب، يفيض حتى الحي الثالث، الا تستغفله. كنت أودّ لو امتلك نصيبه من الغضب لأصرخ في وجه الأيام المغافلة لي حتى تلك اللحظة.


الخريف

الخريف خشية ان تهوي كورقة جافة معذبة بالحرمان والانتظار. وهو خوف السقوط الى وحل الأيام حيث اقدام اليأس تدهس بلا شفقة. 
تمضي الأيام كانزلاق عجوز بلا عكاز على درج ممطور لبد، يختفي الصراخ وتصر العظام وتتهشم بصمت. 
أتدرون ما الوقت الان ؟ انه احساسنا باللحظة. يا لها من وحشة المصير وانتكاسة مرض؟ وكأن أحدهم يحشر آمالك في شق في الجدار. بصورة أوضح: كأن العمر كيس بلاستيكي او صفحة من جريدة يحشرها جاهل في جوف حذاء يابس. يدفع ويدفع ولا يبالي للصرير.
في الموسيقى دواء. وفيها ايضا ناقوس ضخم يوقظ الذاكرة. الحنين لاذع كمذاق حبيبات الذرة الحمراء المقلية المملحة اول الحصاد؛ لذة ولذعة. 
الصبر يتمطى كقط كسول. ورصيف الشارع تصفعه امطار الشتاء القاسية.


مع الحروف

يلعب إلياس وإياد بالحروف العربية الملتصقة على الثلاجة في المطبخ. وكلما لمس أحدهما حرفا سرت في نفسي قشعريرة. 
هما يلامسا طفولتي ويذكراني بخالي حين كان يقرص أذني مشددا على حرف ما. 
ترعرعت مع هذه الأحرف لكن صغيري يترعرعان مع الحرف اللاتيني. إلياس كان قد بدأ بتعلم العربية في اليمن لكنه نساها بعد اكثر من عام وأجده قد برع بالفرنسية كثيرا. وسبق وان طلب مني ملحا ان اعلمه العربية التي كثيرا ما يراني اقرأها في هاتفي او كتبي. 
لا اريد ان أعجل من هذه اللوثة الجميلة التي اسمها العربية. 
الاغرب أنهما يشكلان بهذه الأحرف أحرفا لاتينية مع استمزاج جمالية الشكل العربي.
هما اليوم في البيت اذ حال مرضهما دون الذهاب الى المدرسة.

ما الصبح يا ليلى؟

هو خشية مواجهة النهار بعد ملاذٍ مخادعٍ في الليل من احداثٍ كافرةٍ بالحياة. هو وجومٌ في وجه الشائخ بعد جلوسه للتو على كرسي بالٍ. الصبح وجه رضية المكسور بعد وفاة ابيها الوطن. 
ستقول امرأة لا اعرفها جيدا: للصبح عيون. وهو فاتحة النهار البشوش.
نعم انها عين كصفار البيض على مقلى في عين جائع ملهوف كالذي ينتظر الشمس في صباح غائم وبارد. فلا اخبار الوطن تبعث السلوى ولا قهوة صوفيا تعبق بالشجن المعتق. تذوب ايامنا كقطعة سكر في الكأس الصغير ولا يتغيّر المذاق. 
الصبح باب للأمل موصود مدجج بالحديد القاسي. ورغبة في الرحيل بعد ان امتلأ بريد القلب بالدعوات المرسلة من مجهول.


لعبة الموت او امام قبري احمد وعبد الله



مر عام، عامل كامل على رحيلهما؛ احمد وعبد الله. عام بتوقيت هذه الشمس، اما بتوقيت القلب فالمسألة مختلفة تماما؛ انها عقارب البين والفقد هي التي تدور في الثنايا.
لم تتح لي فرصة كبيرة لمعرفة عبد الله وان كان ابن قريتي ويصغرني قليلا في السنين لكني عرفته هادئا كالبحر متسامحا ساميا كالسماء. كنت اذ التقيه أجد نفسي في سكينته وفلسفته الصوفية الزاهدة. 
بينما كان احمد صديقا وأخا وابنا. على الأقل مع احمد رضعنا نفس اللغة –الفرنسية-والهم والأفكار. 
قبل أشهر ذهبتُ إلى قبريهما كل على حدة. كان القبران متباعدين. ما هذا؟ لقد ماتا في الحادث المروري نفسه. جمعهما الموت/القدر وفرّقت بينهما أيدينا. المسافة بينهما اقل من كليو متر او أكثر بقليل. أظن انه وضع لا يسمح لهما باستمرار الثرثرة حول خيباتنا وهزائمنا ونكرانا لهما. لن يكون بمتسعهما النميمة حولنا. 
تقف أمام القبر، تقرا الاسم جيدا، وتنظر في الشجرة التي تنمو الى جوار الشاهد. تتكور الكلمات غصةً في الحلق ويغدو الصمت أمير اللحظة. من غير المجدي أن تبكي أمام ضريح من تحب. عليك فقط أن تبتسم وتنكر اللحظة فقط لو استطعت: تمازح المصير البائس وتنادي صاحبك: هيا! اخرج. بالله يا رجل! اخرج! لقد سئمتُ هذه اللعبة. يكفيك "غُمَّاية". اخرج. ها انا قد اتيتك في الصباح الباكر. الجو رائع هذا الصباح والطل وافر على الأشجار. الأرض ندية يا احمد. أنت لا تخشى الضوء. أليس كذلك؟ 
تقف متسمرا تنتظر ان ينتفض هذا المأوى الصغير ويخرج صديقك يضحك بصخبه المألوف عند كل شَرك أو "قفشة". 
لا باس . لم يخرج هذه المرة. ربما يجدر بك العودة لاحقاً. بعد عام، بعد عامين او ان تأتي لتلعب معه اللعبة ذاتها.

الاثنين، 2 أبريل 2018

هيلين في تونس




تعلق الأحداث في ذاكرة المرأة على نحو سحري. وكما يكون التخزين بعناية يكون الاستحضار والسرد. تبدو ذاكرة المرأة كصندوق من خشب اللوز مدهون ومزخرف مخصص لحفظ وثائق العقار في منزل إقطاعي كبير منضبط سبق وعمل في السلك العسكري ردحا من الزمن.
الأوراق ملفوفة متراصة تفوح منها رائحة العطور الزيتية. انها كسب السنين وهكذا هي الذكريات بالنسبة لسيدة شب البنين والبنات وذهب كل واحد منهم في سبيله ولم يتبق لها الا ان تربي هذا الشجن. 
هذا ما كان ينضح به وجه جابريا، السيدة الستينية، إسبانية الحروف وبلمسة امريكو لاتينية مع ملمح عربي غابر. ليس ما يثير فيها هو تفخيم الحروف فقط. بل كذلك تبجيل الشكر ورطانة الشكوى والأنين المصاحب للتذمر. 
تعمل في مطعم صغير في حي فرعي في أحد أحياء الميسورين في باريس. تستقبل المرتادين بأدب القسيسات وحفاوتهن. 
كانت تحكي لرفيقتها ضخمة الحجم والصوت عن زيارتها الأخيرة إلى تونس حيث تحب ان تقضي إجازتها السنوية كل عام منذ عقود. لعلها احبت تونس لاستقرار الظن ان شطرها العربي يأتي من هناك. 
تكلمت عن وليد، بايع الشيلان الحريرية الذي تعرفت عليه ذات زيارة قبل دهر وما يزال يرسل لها ببطاقة بريدية في عيد ميلادها ويكتب بفرنسية ركيكة : مامي! صحة دايمة وعمر مديد. 
كم هي حنونة هذه الرسالة القصيرة!؟ 
تنعم جابريا بحس المكان جيدا وهي تتصفح في بصيرتها شوارع العاصمة تونس حيث نصب مهيب لبابا بورقيبة. هكذا تقول: بابا بورقيبة. وكأنها صبية في الثامنة تنتظر منه قبلة حانية وحلوى القادم من السفر. 
انها جابريا او هيلين، بوجه مستدير سافر عن تعب السنين مفروقة الشعر الذي تطوق خصلاته الأمامية وجهها الى حيث ملتقى الفكين. تتحدث ورأسها تميل وهي ترزح تحت وطأة احلام الصغر التي صارت ذكريات معبئة في أواني البوح النحاسية.

عسكري لا يجيد القراءة

في المسافة الفاصلة بين محطة القطار وقصر فونتين بلو قادمين من باريس اخذنا حافلة عمومية. ظللنا واقفين أنا ومروان نتحدث بصوت مرتفع عن اليمن المنكوب بالجغرافيا وغباء العسكر وجنود الرب.
كنا على مقربة من باب المنتصف في الحافلة وكنا نقف على رأس سيدة عجوز ما انفكت تنظر إلينا فبادرتها بالحديث: معذرة سيدتي. يبدو اننا ازعجناكِ.
لا. لا بأس. هل أنتما إيطاليان ؟
لا. جغرافيا، نحن بعيدون جداً عن ايطاليا لكن لا مانع ان نحمل بعض طباعهم وضجيجهم في الحديث والتلويح بالأيادي. نحن في الحقيقة من اليمن.
وإذا بها تشهق: حقاً أنتما من اليمن؟ 
وشرعت تحكي قصتها مع اليمن وانا أترجم لصديقي بعد ان عرّفنا بنفسينا إليها.
يا إلهي. لقد زرت هذا البلد قبل اثنتي عشر سنة. كنت حينها أقوى على السير. وقضينا في رحلة سياحية ما بزيد على أسبوعين. كنا في سيارة رباعية الدفع. وكنا على الدوام مع السائق نفسه. طفنا في البلاد. مررنا على كل المدن، شمالا وجنوبا. ذهبنا الى حضرموت وزرنا عدن ومشينا في حراز. 
أسهبت السيدة في الحديث عن رحلتها إلى اليمن وتذكرت فجأة أحداثا مضى عليها عقد من الزمن. كان تواجدنا في الحافلة كقدوم قميص يوسف. استنهضت العجوز ذاكرتها السحيقة. كانت تسرد لنا مواقف حصلت لها وتضحك كصبِّية. كانت تضحك وتضع يدها على فمها تلجم جموح الذاكرة. تحدثت عن القات وعن صديقتها التي خاضت التجربة ثم تقيأته في المساء. وعن السائق الذي لم يتبدل طيلة الاسبوعين وكان في النهار يجلس على كرسي القيادة برفقة ربطة قات كبيرة وكلاشينكوف. 
تتذكر السيدة العجوز صنعاء جيدا. لأنها أحبت هذه المدينة بمناخها الطيب وطابعها المعماري المتفرد ولأنها كانت نعيما في صيف مدن الساحل والصحراء. بيد ان أغلى ذكرى تثير لديها سلسة هستيرية من الضحك عن المدينة كانت انهم تاهوا في الطريق فاستنجدوا بعسكري يمني ليرشدهم الا انهم اكتشفوا ان العسكري لا يستطيع القراءة. 
نحن ايضا انفجرنا ضاحكين لأننا منذ ثلاثة أيام ونحن نؤكد على بلادة هذا العسكري تحديدا الذي اضاع البلاد والعباد. 
قلت للسيدة، نتمنى ان تجددي زيارتك لليمن وان تعيشي ذكرياتك مرة اخرى. فقالت : ما عاد بوسعي السفر. لقد تقدم بي العمر. فسألتها كم عمرك الان؟ التفتت عن الشمال واليمين وقالت : ٩٢ سنة. سأنزل في المحطة القادمة. لدي موعد مع طبيب الأسنان. 
- سيدتي. أيمكننا ان نلتقط معك صورة؟ 
- ماذا ؟ 
نريد صورة معك من فضلك؟ 
- بكل سرور. 
ثم انصرفت الى موعدها عند طبيب الأسنان. بينما سرحنا في العسكري الذي ما يزال لا يجيد القراءة.

اين الصورة يا مروان؟ وإلا سأبوح بسر صورة هذا المنشور.


خطبة الأحد

فرقة الموسيقيين هذه التابعة لجيش الخلاص تقدم في ساحة عامة معزوفات روحانية من نسيج الحياة العسكرية. اليوم احد، وهذه المعزوفة هي النظير الروحي لخطبة الجمعة. 
جيش الخلاص هي مؤسسة دينية مسيحية عنيت منذ اكثر من قرن حين تأسست في بريطانيا بتقديم مساعدات اجتماعية وماتزال تعمل كذلك حيث تنتشر في أوروبا. 
بيد ان اللافت في هذه المنظمة هو اشتغالها الكبير على مسألة النظافة الشخصية. 
النظافة والتطبيب من صميم العمل التبشيري بالنسبة للكنيسة خصوصا البروتستانتية والكاثوليكية بينما قبعت الكنيسة الأرثودوكسية في نمط التبشير الشرقي الذي لا تختلف عنه المناشط الدعوية الاسلامية. 
يمكننا ببساطة النظر الى خطوط التماس في النشاط الدعوي والتبشيري في افريقيا أو شرق اسيا. 
يقدم الدعاة الاسلاميون ذوو الوجوه السمحة خطابا تخديريا وطعام في أحسن الأحوال والنشاط يقتصر على الرجال إجمالا وهم لفيف من الأقل تعلما وربما أميون. بينما يقدم رجال الكنيسة ذوو الوجوه الصارمة خدمات تعليمية وطبية ويهتمون كثيرا بالنظافة الشخصية. هناك اخوات تبشيريات تشع وجوههن بالرضا والطيبة. في كل الأحوال، جميعهم ينشطون حيث الفقر. لكن الفرق واضح بين المجتمعات. فحيث يوجد المسيحين في افريقيا او اسيا مثلا يمكن ملاحظة انتشار اقل للأوبئة وظهور لافت وملموس للنظافة الشخصية ونزوع اقل للجهاد والحروب الدينية. 
من المدارس والجامعات الكنيسة تخرج كبار المفكرين والأطباء. ماذا تخرج من الجوامع او الجامعات الدينية؟ جامعة الايمان في اليمن انموذجا. 
ماذا عن تربية الجمال وتنمية الحس الموسيقي لدى الاتباع؟ 
عدا الصوفية فلا مكان لأدوات العزف في كافة الألوان الدينية الاسلامية. لنقل انه غير معترف بها ولا مدمجة كوسيلة تربوية. انها قضية بيداغوجيا. 
شيء اخر لافت في التنشئة المسيحية وهو تطوير فلسفة العمل الطوعي وانسجامها في سوق العمل ايضا. هذه الفلسفة التي تحولت الى فيما يشبه العقيدة لطفت كثيرا من وحشية الفردانية في أوروبا والغرب إجمالا. 
ان قيمة جوهرية مصاحبة للرأسمالية هي الفردانية ستصبح قاتلة في حال تغلغلها في المجتمعات الشرقية التي لم تفعل العمل الطوعي. 
يبدو ان المقطع المصور سيذهب بنا بعيدا في الحديث عن أزمات اخلاقية تستفحل بنا اكثر فاكثر. 
أريد قبل النهاية ان ألفت نظركم الى علبة الكوكاكولا التي تظهر على استحياء عند قدم العازف الثاني او الى ملامح قايد الفرقة الأبيض الشبيه بقبطان نبيل يقود فرقة عازفين مخلصة من السود. هذه ليس توصيفات تميزية او عنصرية انها مجرد ملاحظات اجتماعية. 
أحد مبارك.

a téléchargé une nouvelle vidéo.
26 octobre 2014 · iOS · Modifié · 

الصورة والحكاية

في محاضرة للمصور البلجيكي اللبناني سامر معضاد في نادٍ للمصورين هواة ومحترفين تحدث فيها عن تجربته الشخصية مع الصورة والاحداث التي مر بها ومشاريعه وكتبه حول البلدان العربية، وتطرق فيها الى زيارته الى اليمن في بداية التسعينيات، فوجدتني اخفض رأسي اتقاء لشر الكلمات عن بلاد اسمها اليمن. قال الرجل أشياء كثيرة عن الصعوبات التي قابلها في حله وترحاله خصوصا في ايران والسعودية الا انه والحمد لله مر مرورا سريعا عن اليمن واكتفي بكلمات قليلة جلها اطراء فتنفست بعمق.
إلا أن إحدى الحاضرات ذكّرته، في معرض حديثه عن استخدام المقاتلين المتشددين لمؤثرات عقلية مخدرة، بالقات واليمن وكأننا نقتتل في اليمن لأننا نمضغ القات. 
كان حديثا عن الصورة لكنه بإبعاد ثقافية هامة وقال فيه خلاصة مؤلمة: لن نقضي بهذه الحرب على داعش لأننا لم نقض بالحرب على طالبان ولا حماس ولا حزب الله. لا يمكن لدول تدين بنفس الشريعة التي بموجبها تحكم داعش ان تشارك في الحرب على داعش. يحب عليها ان تقوم بمراجعات فقهية قبل خوض اي حرب لإنهاء هذا اللبس وهذا النفاق.


عازفة التشيلو



واين تمضي العين والأذن مشدودة الى وتر رخيم؟ 
يأتيك اللحن يمسّد تجاعيد الآه وانت تقضم اصبع القلق القارض. 
انتَ لستَ جالساً على مقعدٍ. هي رمضاءُ الانتظارِ. 
التشيلو يحكي قصة النازحين. كبار السن الذين فقدو اصابع حفيداتهم في الحرب وتمزقت احذيتهم الجلدية في الهرب القائض. 
التشيلو انه ثلج مدغدغ يأكل الاطراف لذة وألم. 
سبحان من جعل عازفة التشيلو تثبّت ذراعها في نفس الزاوية وتتحرك كمزلاج مدهون تفرك فروة رأس طفلها النعسان. 
من تحت ذراعها تطير ملائكة من حمام بيضاء.

سعادة

الشاب الأسمر النحيل ذو الضفائر يقف امام معرض السيارات يتفحص سيارة البورش رباعية الدفع بيضاء اللون منهمكا يشرح لحبيبته الشقراء مزايا الكوابح في الإطار الرشيق والعاري. 
ينحني مع انسيابية الشكل الخارجي وينظر في عيني حبيبته ثم يفصح عن ابتسامة يسوعية تقدم الخلاص واليقين. 
كان يتحدث وكانه مالك السيارة فعلا. 
وبعد برهة، يلتفت بانتظار اقرب قادم على الرصيف ويتقدم نحوه بود يطلبه سيجارة وقداحة ايضا. منزوية تنتظره حبيبته كي تشاركه السيجارة قبل ان تلتهما النار والريح.

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...