الأربعاء، 26 يناير 2011

جلال الموت والضحك

جلال الموت والضحك
 24 نوفمبر 2010
المناديل الصغيرة les petits mouchoirs
هكذا كان عنوان الفيلم الذي شاهدته هذا المساء. انتهيت من يومي الدراسي الثقيل وعدت بعد مغيب الشمس لالقي بتلك النفسية على طاولة الغرفة واستل منها نفسية جديدة مستعدة للذهاب الى السينما. برفقة عشرة من الزملاء والزميلات كان برنامجنا لهذا المساء توزعنا ثلاثة ثلاثة في الطريق وتقاسمنا لعناتنا على الدرس الذي مضى. ثم وقفنا في طابور التذاكر كل منا ينظر للآخر كأطفال أمام بائع الحلوى يتبادلون التهاني بصمت و"يحانكون" بعضهم بعضا بأن كل واحد منهم سيحصل على حلوى ألذ من حلوى الاخر. اكثر من ذلك كنا نهيئ انفسنا لمشاهدة الشاشة الكبيرة.

ظهر الفيلم في شهر اكتوبر من هذا العام وفيه اسماء معروفة في السنماء الفرنسية منها ماريون كوتيلار، فرانسوا كلوزيه، ليلوش، فرانسوا داجيميل . وهو من كتابة واخراج غييوم كانيه. الفلم اصدار فرنسي حديث وهو من العائلة الفرنسية السينمائية بامتياز يحمل اسمها عن اصالة. اجتماعي نفسي في المقام الاول يتعرض لقضايا عامة وحرجة في آن. يبدأ الفيلم بحادث مروري يتعرض فيه احدهم لحادث سير وهو على دراجته النارية يجتمع الاصدقاء لزيارته في غرفة العناية المركزة تقترب منه حبيبته وتضحك بهستيرية امام وجهه المشوه، و تنزلق نظرةمن بين جفني الجريح خلسة. ثم يخرجون خارج المستشفى يتشاورون: هل نذهب لنقضى اجازة السنة؟
في البداية تمنعهم عاطفتهم لكنهم يظهرون حسا عمليا أكبر. " هو الآن في العناية المركزة لمدة شهر ولا نستطيع الحديث اليه، لنذهب في اجازتنا السنوية كالمعتاد واذا حدث شيء ما سنكون هنا بعد ساعة".

في عيادة طبيب العظام يتشاور الطبيب الشاب وصديق له عن الامر. ثم ياتي مشهد في المطعم. يطلب الطبيب الشاب زبونه وصديقه الى تناول الطعام ليخبره بانه سقط في غرامه رغم صداقتهما التي لها اكثر من 15 سنة ورغم الوضع الاسري للطبيب فهو متزوج ولديه اطفال. من هنا تبدا حبكة الفيلم في تعقيد العلاقات القائمة بين الاصدقاء والمقاربة الحميمية التي قد تتولد. اثر صدمة هذه المفاجأة يحدث شجار بين الطبيب وصديقه الذي يكبره في السن بعدها يعتذر الطبيب الشاب ثم يطلب من الرجل ان يوافق على ان يرافقه هو واسرته في اجازتهم السنوية في شاطي جميل في الجنوب الغربي الفرنسي.
 يحضر الاصدقاء وعائلاتهم، يستمتعون، ويمرحون كالاطفال . تظهر مكائد كبيرة لئيمة بينهم . ضحك وسخط،
غضب وتسامح. تمازج احاسيس وتحفظ. يبدو صاحب المنزل اثراهم واكثرهم شقاء واكثرهم خضوعا لاوامر زوجته التي تستمتع بمشاهدة افلام اباحية كرتونية نظرا لبرودة زوجها.

رغم المرح والشباب يظهر على الجميع مأزق عاطفي ليبيدو. يكذب اثنان منهما ويتعذرا بالذهاب الى مدينة بورودو لكنهما يذهبان إلى باريس كل على حدة لملاقاة نفس الحبيبة التي يستقر بها الحال للذهاب مع احدهم وهو الأكثر سذاجة فيما الرجل الزير لا يجد  فرصة معها رغم استجدائة لها وهو في حالة ثمالة. يقرر زيارة المريض في المستشفى ثم يعود الى الشاطىء بمفرده يلحقه صديقه وقد اصطحب معه حبيبته القديمة الجديدة الوفية المتأرجحة. في الجنوب يجتمعان برجل كبير الحجم والسن هو اكثرهم كارزمية وعبثية واطيبهم قلبا. يقرران ان يعرضا على الزائرة الجديدة مقاطع من اجازات سابقة كان يشاركهم فيها مريضهم قعيد الفراش في المستشفى حتى يصلوا الى لحظة تنبثق فيها لفظة مُخَّنث امام الاطفال . احد الاطفال يسال عن الكلمة فيوصى بأن يسال اباه ( الطبيب ) ليقدم له توضيحا كنوع من الفضح. يتأزم الموقف  يتبعه تفسير للطفل اشبه برسالة في الفيلم إزاء التسامح مع المثليين. ثم شجار و انسحاب الطبيب و عائلته من المصيف. في الايام اللاحقة يتصل الطبيب بالرجل ذي القلب الكبير يخبره بموت المريض.
تأتي عليهم لحظة حساب ومراجعة لمفهوم الصداقة بعيد عن المال والمظاهر الزائفة. يبدو الجميع في لحظة تكون دموع الرجال غالية وصادقة. يعودون الى باريس كما هو متوقع. في مراسم الدفن يبكي الجميع كالاطفال فيما الرجل ذو القلب الكبير يقطع المسافة بسيارته ويحمل معه كيس رمل يصل في اللحظة الاخيرة يواري جثمان المتوفى برمل الشاطي حيث كانوا جميعاً يقضون الاجازة السنوية فيه. تمتزج اللحظات بالبكاء والفرح. في مراسم التشييع داخل الكنيسة تعترف حبيبة المتوفى بانها تحمل له في بطنها ولدا. وبينما يتتابع المعزون بالبكاء وكلمات التأبين ، الى جوار الجثة في الصندوق الخشبي الانيق، يجلس قس بملابس زاهية ووجه بارد كالخشب الميت. لحظتها يتصالح الشاب الطبيب والرجل صديقه القديم الذي فضحه.

انا لم اتمالك نفسي فلقد اسلمتها للبكاء لاني وجدت ان من واجبي كمشاهد وكإنسان طبيعي الملكات ان ابكي. غلت علي دموع الرجال والمواقف المماثلة للحقيقة وتماهي المشاعر والغربة في الحضور والموت في الحياة والحياة الزوجية الديكورية وصداقة الغفلة. بكيت من اعماقي، ولو كنت احمل لحية لابتلت، ولكن مبالغة، ابتل الشال الذي الفه حول عنقي. اجد ان الفلم من الناحية الفنية كان جميلا. فلا تُمل مشاهدته رغم انه لمدة ثلاث ساعات تقريبا لكني لم احبذ ظهور موضوع المثلية على نحو غير مبرر وخاصة من رجل في وضع اجتماعي معقد.

تتقاطع في الفيلم مشاهد في منتهى الكوميدية لكنها ايضا لا تتجاوز جدية بعض المواقف التي يتهمر فيها الدموع كصك اعتراف ناهيك هن مشاهد محدود لكنها تعكس حنق الفرنسين على من يخطيء في استعمال لغتهم حتى وان كان طفلاً؟

للموت والضحك جلال مماثل اذا تزاوجا كتعبير لقهر الانسان لهذه الاوقات الصعبة.

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...