الخميس، 8 فبراير 2018

موال الجبل ورائحة البربرية.

قبيل الظهر خرجت من البيت، في الخارج كانت حركة الناس بطيئة. لا توجد سيارات كثيرة. 
كانت السماء تمطر بغزارة وانا تحت وابل المطر أستحم من أوضار السنين بلا شمسية.
انه الفاتح من مايو. اليوم العالمي للعمال.
كانت شوارع باريس غير مكتظة. فالمدن الكبيرة تحتفى بالأعياد على طريقتها الخاصة. تخلو المدن من قاطنيها ويسكنها الفراغ.
تهجع قليلا.
واصلت المسير الى ناصية الجادة. انها دوار كبير وعند كل ركن يجلس اثنان على الأقل لبيع زهرة عيد العمال. انها زنبقة الوادي.
لإداري لماذا خرجت مع أن يقيني كان كبيراً بأن لا محلات تجارية فاتحة ـبوابها اليوم.
ولا مقاهي ايضا.
في ناصية الشارع تقف فتاتان تحت مظلة عريضة بلون زهري يبعن أزهار الزنبق المغلفة.
أشارت الي إحداهن بيدها فاقتربت.
- سيدي، اشتر واحدة. واحدة لأمك.
- أمي ليست هنا.
- اشتر لنفسك.
- لنفسي؟ الا يجدر بك انت ان تفعيلها.
- سيدي انا هنا لأبيع.
- حسنا سأعود. سأذهب في مشوار قصير وأعود.
- لا تحنث بوعدك. انا هنا وان طال انتظاري.
كانت الاخرى تستمع باهتمام. بينما انا غادرتهن على ذلك الوعد وانصرفت.
كنت ابحث عن رغيف. انحدرت في شارع فرعي وظلت كلماتها المواربة تجرس في أذني.
وجدت مخبزا فاتحا تفوح من رائحة الخبز الطري. شريت رغيفين دافئين كعفوٍ من السماء. وضعت البائعة السمراء باقي النقود في يدي وعلى وجهها ابتسامة مشعة كنافذة لسجين.
ثم عرجت على مقهى وشربت قهوة مركزة مرة.
استلذذت ذلك الطعم في فمي كعجوز يؤنب نفسه على فرص أهدرها في شبابه.
في الجوار كان شباب عرب يتحدثون بجلبة وحركات مشجعي الأندية الرياضية.
البعض فرح لنتيجة مباراة الامس ومسرور لأنه ربح الرهان. والآخر يبحث عن سلوى الخسارة.
امرأة تقف جانبا وتشرب قهوتها وتلوح بـ سيجارة في يدها لم تشعلها كدعوة لفاحشة لذيذة. يتغزل بها عامل المقصف ذي البنية الشديدة ويتحرك كفرس سباق. يتحرش بها احيانا وعي تغضب غضباً كذوباً.
عدت ادراجي ومررت ببائعة الزنبق.
- ها انا عدت.
- مرحباً. انت لا تكذب إذن.
رفعت راسي عن الورد فوجدتها تنظر ملء عيني تنتظر التأكيد او تنتزع القسم.
اي اجابة تليق بهذا النهار الذي تباركه شمس خجولة بعد مطر ناعم.
- كلا. انا لا اكذب.
- سأجزيك عرضا مربحاً. اشتر باقتين بسعر اقل.
التفت الى جارتها التي تبدو وكأنها ربة العمل. وقلت لها:
-أهنئك. لديك بائعة بارعة ومتمرسة.
أستدرك البائعة:
- انها المرة الاولى أبيع فيها.
- ماذا كنت تبيعين قبلها؟ كلاما معسولا؟
- انا طالبة. ادرس التسويق.
- انت في المكان الأفضل لممارسته. انا كنت بائعا مثلك قبل فترة. والآن أودّ مواصلة دراستي.
تشعب بنا الحديث فأخبرتها اني من اليمن وسألتها عن نفسها.
- ان من أصل جزائري، من البربر من منطقة القبائل.
- يبدو ذلك جلياً. عليك لمسة من جمال الجبال.
شريت منها باقتين من زنبق الوادي ووردة في كل باقة.
الباقة الاولى بها وردة وردية اللون ملمومة البتلات كوقفة صبية وجلة. اما الباقة الثانية فكانت بوردة برتقالية البتلات بقاعدة صفراء. كانت بتلاتها مفتوحة كعروس تبتهج بالحياة.
غادرت المكان وانا أضم الورد الى انفي وأشم. أشم كما كنت افعل بيدي أمي بعد ان تغسل يديها بصابون معطر واخرج وجهي المبلل من كفيها واراها تبتسم.
مضيت في الطريق استرجع صوت الفتاة البربرية كموال جبلي شجي يتصعد الى السماء وينحدر نحو البحر.
قلت في نفسي: ان لم يكن للمدينة شمس لكان وجه الفتاة أوفى.

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...