الثلاثاء، 30 أبريل 2013

هموم دبلوماسية



نريد بدل مخاطر عن العنصرية

*هذا النص يحتوى على مشاهد عنف غير منصوح لمن هم دون الثانية عشرة.

قبل اسبوع ذكرت صحيفة اللوموند : الأعمال المعادية للمسلمين في تزايد للسنة الثالثة على التوالي".

تشهد أوروبا أزمة عميقة تتجلى مظاهرها المالية تباعا لكن مظاهر اجتماعية وثقافية أعمق لا يتطرق لها الإعلام اليومي رغم خطورتها: كراهية الاجانب، الخوف من الاسلام او الاسلاموفوبيا، سوء معاملة الاجانب، ترحيل قسري للمقيمين غير الشرعيين، تشديد قوانين الهجرة ومنح التأشيرات، عنف وجنح في الضواحي، عنف في المدارس وبين الشباب، صخب وعنف بين مشجعي الرياضة يصل إلى القتل.

تهيمن الشعوبية الديماغوجية على الخطاب العام في الغرب وفي أوروبا تحديدا حيث يتنامى اليمين المتطرف في كل اوروبا ويغذي نزعة معادية للأجانب بصفة عامة والعرب والمسلمين بصفة خاصة.

هل تتذكرون قضية منع الحجاب في حضانة الاطفال في فرنسا التي وصلت الى القضاء؟

نحن امام (دوامة جهنمية) بحسب الكاتب اليساري الفرنسي آلان جريش. حيث يورد في مقال له :ان ٨٤ في المئة من الفرنسيين يعارضون ارتداء الحجاب في أماكن العمل الخاصة التي تستقبل الناس (في المحلات التجارية والمخازن الكبرى وعيادات الأطباء والحضانات والمدارس الخاصة).

اين نذهب اذن؟

المعطيات أعلاه تشير الى أننا كدبلوماسيين –رغم تمتعنا بحصانات قانونية بموجب معاهدات دولية – نعمل في بيئة غير محفزة ومحفوفة بالمخاطر.

لا يمكنك تفادي نظرات الازدراء اليومية في الاماكن العامة. او حنق الموظف الحكومي وتجهمه لأن لون بشرتك وسواد شعرك لم يعجبه فيقول لك معلومة كاذبة او لا يتم لك معاملة إلا وقد ضاعف من تعقيداتها حتى تكره نفسك.

الكراهية تحيط بك في كل مكان، وبين كل عشرين متر ستجد من يطلبك هويتك ليتفحص شرعية اقامتك. طبعا لن تطبع على جبهتك انك دبلوماسي. سحنتك العربية لا تفرق بالنسبة لهم فأنت سلفا شبه مجرم أو قابل لان تكون إرهابي بالفطرة.

لست مبالغا في ما اقول. قبل عامين كنت في فرنسا، ذقت الأمرين في مدينة يصوِّت معظم ساكنيها لحزب لوبين اليميني المتطرف. لم اتمكن من فتح حساب بنكي إلا بعد اسبوعين رغم استيفائي لكافة الوثائق المطلوبة ولم احصل على بطاقة بنكية الا بعد شهرين بينما زملائي الاوروبيون والاسيويون حصلوا على البطاقة البنكية بعد اسبوع واحد. في دائرة السكن رفضت معاملتي مرتين بحجة انها غير مكتلمة. زارتني زوجتي هناك وبائع التذاكر في الميترو باع لها تذكرة الطفل بسعر تذكرة البالغ اي بفارق 50 يورو لمجرد أنها ترتدي حجاب. غرفتي في السكن كانت تخضع لتفتيش دوري في غيابي لتحسبات أمنية. بل لم اكن احظى في غرفتي تلك بالعناية الكافية من نظافة وتبديل ملايات إلا بعد الالحاح والشكوى والتذمر. عامل الاصلاح لم يصلح الاضاءة في الغرفة إلا بعد ان تقدمت بشكوى مكتوبة لادارة النزل وسبقتها بثلاث طلبات. جاري الروسي اشتكى من سجاد الغرفة فاستبدلوا له الارضية بواحدة جديد في غضون يوم. وزاد تذمره فنقولوه الى نزل افضل.

تخيل وانت دبلوماسي براتب محدود في بلد أوروبي كفرنسا على سبيل المثال. تضطر أن تبحث عن سكن في حي شعبي رخيص. تتعرض لإهانات متكررة يوميا. لا احد يوافق على تأجيرك بيته إلا بسعر مرتفع. اطفالك لا يقبلون بسهولة في المدارس العامة فتضطر الى مدارس خاصة باهظة الثمن. لا احد يرشدك الى الامتيازات في الاسعار او يعرض عليك فرص جديدة استهلاكية. بيتك يتعرض للسرقات المتعددة. لا تجرؤ على التأخر ليلا او الخروج في الجوار. جيرانك يتقدمون بشكوى لانك تزعجهم باطفالك وعاداتك الليلية في رمضان. يتذمرون من روائح الطبخ. وتجد نفسك واطفالك مستبعدين اجتماعيا: لا اصدقاء للاطفال ولا جيران. لا تستفيد من وجودك في فرنسا فلا يتعلم اطفالك اللغة ولا يستطيعون التعايش مع الناس، تذهب بهم الى حديقة الحي فينفر منهم الاطفال بإيعاز من آبائهم. تجد نفسك تعامل وكأنك أجرب.

هذه المعاملة العنصرية صارت أمراً حتمياً لكن الظروف المادية للمعين لا تسمح له بتفاديها او التخفيف من حدتها. هذا الشرط الاجتماعي المادي يخلق مخاطر اسميها "مخاطر عنصرية". ربما تحسين الشرط المادي للمبتعث قد يخفف من هذه المخاطر كأن يتمكن من السكن في حي اقل خطورة عنصرية وان يتاح له تدريس اطفاله في مدارس خاصة لا ترهقه التكاليف. الحقيقة المادية في المظهر والملبس والسكن يمكن ان تحول دون التعرض للمهانات.

الأحد، 28 أبريل 2013

بلبلة 2

بلبلة 2
اليوم الثاني في مشواري من كتابة نص روائي. كان امسي ثريا بعد ان كتبت البارحة (بلبلة 1) وقد حظي النص بنقاش جيد اذ طرح المعلقون افكارا هاما بخصوص ماهية الرواية وكيفية كتابتها. فكان ان اجمع اكثرهم على انها حياة نعيشها بتفاصيلها تنمو معنا وتاخذنا في مجراها. لعلي وضعت تعليقا مفاده ان الرواية لا تختلف عن الشعر فهي نص شعري طويل من حيث جماليتها وشعريتها اللغوية وليست مجرد حشو وتتابع للافكار وكان اعتقادي وكذلك للكثيرين ان الرواية مثابرة واجتهاد ايضا الى جانب الافكار. لكن احدهم اوعز الي بفكرة قيمة عندما طرحت سؤالا حول كيفية بناء الرواية فنصحني، من خلال تجربته الادبية ككاتب مسرحي وورش العمل التي حضرها في مجال المسرح والسرد ، بأن اشرع في كتابة هيكل الرواية كمسودة عمل في ورقة والشخوص التي ساستعيرها لروايتي في ورقة اخرى على ان تكون هاتان الورقتان بوصلة العمل في الكتابة الروائية كي لا يتوه الكاتب وكي لا تنقطع الكتابة او تصل الى باب مغلق.
اليوم شرعت بالعمل بنصيحته وبدأت في كتابة هيكل الرواية كمسودة اولى افتراضية. ربما اتكأت على الافكار السابقة وعلى افكار الامس التي طرأت علي عند بدايتي في كتابة اول صفحات الرواية لكني وجدت نفسي اتشعب في افكار عديدة كمفاصل للرواية الى ان وصلت الى نقطة مسدودة لاني بحاجة الى بناء مستوى يمثل الحبكة الرئيسة في عملي السردي وهنا توقفت علي اجد غدا افكارا تخرجني من نقطة التورط او الانسداد هذه.
لكن لي بعض اشارات اريد وضعها هنا بخصوص تجربة تشييد هيكل للرواية- علما بأنني لم اشرع بعد في رسم الشخصيات - اذ محورت الهيكل على سلوكيات وخواطر الشخصية الرئيسة التي في ذهني وكتبت خطوط عريضة لما يجب ان تكون فصول في الوراية بعيدا عن الجملة السردية وتقنياتها عن جمالية النص.
فقط تنقلات ومحطات اشبه بمسيرة حياة دون الخوض في تفاصيلها وتشعباتها.
لم اتمكن بعد من وضع النقاط والافكار التي ستمثل منعطفات جوهرية فيها من المفاجأت والتتابع السردي المتغير والمتصل في آن والذي يقود من دهشة الى اخرى او من انتظار الى اخر ويحفز القارئ على التنبوء والتوقع لما سيكون في قادم الصفحات.
اقر بأني شددت في الهيكل الذي اعمل على تشييده على المكان اكثر من الزمن ومن الاحداث نفسها. واريد معالجة هذه النقطة في مرحلة لاحقة ربما بعد خروجي من الانسداد في الافق الذي وصلت اليه - لعلي وصلت الى هذه الحال بسبب تركيزي على وضع عمدان هي في الاصل مكانية في اغلبها.
لقد تناولت اعلاه اشكاليات تقنية بحتة في العمل السردي وفي الاشتغال على رواية اظن ان كثيرين يقعون فيها ويصادفونها عند تشييد عملهم الروائي.
لكني اليوم اضعت من الوقت الكثير قبل الشروع في مواصلة العمل ولم اكن في موقعي في البيت اذا غادرت المنزل لزيارة صديق وقضاء بعض من الوقت معه في جلسة قات ثم عدت الى البيت مساء. على ان الجلسة مع صديقي لم تخل من مناقشة فكرة كتابة رواية اذ تطرق هو من جانبة الى محاولة له لكتابة نص سردي يتميز عن القصة القصيرة واظنه جاد فيما كان يقول وكانت تجربته مختلفة من حيث تصورته لمشروعه الروائي اذ انطلق من فترة حياة لفتهاة تعيشها في مراحل مبكرة من حياتها اتعرف فيها على من حولها وتتوسع دائرة معاريفها بينما تنهمك هي في ممارسة حياتها بتفاصيلها الصغيرة والتركيز على موقع ودور احد الشبان من ابناء حيها وكيف يتسلل الشاب الى منزل اهلها كضيف مرحب به ثم يكبر حضوره في حياتها لتعجب به وتركز انظارها نحوه واهتمامها به. تحدث صديقي كيف ان السرد يقود الواحد منا ويضعه امام تفاصيل صغيرة...
في بيتي بعد جلست قرابة الساعة على الحاسوب انظفأت الكهرباء فنغصت علي وقتي وبدد الظلام افكاري ووضعني في حيرة وقلق وقعدت انتظر عودة التيار لكن الفكرة فارقتني وتاهت في افكار اخرى.
هذه حصة اليوم من الحديث عن مراحل كتابة عملي السردي المنشود.

السبت، 27 أبريل 2013

بلبلة 1

بلبلة 1
منذ فترة ليست بالقصيرة وانا احلم في انجاز عمل روائي. وكلما قرأت رواية جديدة خال لي ان روايتي ستكون بمثل بناءها وحبكتها وسرديتها. واضع في ذهني مشاريع روائية عديدة ازرعها في الخاطر وسرعان ما تيبس وتجف. حتى بدا لي ان الحقيقة غير الحلم وان مشاريعي ستبقيى مشاريع لا أكثر ولن ترى النور.
واظنني لا اكتفي بالحلم بل امرس يدي على كتابة قريبة من السرد الروائي واضع كل الملامح التي اريد ان اكتب فيها في نصوص قصيرة متناثرة هنا وهناك ومختلفة المشارب والمواضوع. احيانا جرئية واحيانا رسمية متزنة.
القريبون مني لا يتفهمون هذه التمارين وقد ازعجهم بعض ما اكتب وكأنني استهدفهم لذاتهم. وكلما اخبرت بعضهم باني اريد ان اكتب رواية ترائى لهم الأمر وكأني سأكتب سردية في المجون والخلاعة او الفسق والخيانة. تجرحني (حبيبتي) مرارا برد فعلها كلما تكلمت معها عن رغبتي في رواية.
اليوم قررت ان اشق هذه الجبة واخرج ما فيها الى العلن وان اشرع في كتابة اول صفحات عملي الروائي الذي احلم به.
في راسي مشروع رواية مغلقة في موضوعها لكنها تكبر وتكبر وقد ملأت صفحات عقلي كل مساء اكون على السرير وقبل النوم.
اسطر قليلة وتبخرت الافكار ووجدت نفسي من دون جملة واحدة. كل الافكار التي حشوتها ذاكرتي في المساءات الماضية ضاعت فجاة. واجدتني امسك على مفاتيح الكتابة كمخالب قط على القطيفة.
انزعجت من حركة من في البيت وقربهم مني وتحريك اوراقهم حولي. اقترب مني البعض وشعرت بنفور كبير وكأنهم سيسرقون مني الفكرة قبل ان تتحول الى اسطر وفواصل ونقاط.
قرأ احدهم اسطري الأولى فاشعرني بخجل شديد.
على الفيس بوك وصلتني رسالة سمعت اشعاره الصوتي فهرعت اليها ووجدتها عبثية بلهاء. زاد هذا من حنقي. الخلاصة طارت الافكار وصرت اسير رغبتي الجامحة وقدرتي المحدودة. بعد تفكير وعناد كتبت صفحة ونصف.
الرواية مثابرة واجتهاد قبل ان تكون افكار ولغة.

كيف يمكننا بناء رواية؟ هل نبدا بتصور عام لها. ام نشرع في الكتابة ثمم ندع الافكار تستدعي نفسها وتقودنا من صفحة الى اخرى.
اريد ان اكتب رواية لكني ايضا اريد ان اكتب ما يصاحب كتابة الرواية من قلق ومنغصات

خوف

نحن في حالة جاهزية قصوى لاستقبال البلاء منذ فترة طويلة سيما في بلاد تمر بتدهورات متلاحقة.
ثمة سلوك نفسي يبدو انه تحول الى سلوك اصيل في شخصية اليمني الذي لا يجيد الفرح ولديه شكوك كبيرة وارتياب عميق من المستقبل لذا يكبح جماح فرحته مقابل صمت غير مبرر سوى انه الخوف من كبوة جديدة في المستقبل.
المستقبل بالنسبة لنا امر مجهول تماما. ليس مجهول نخشاه فقط لكنه شبه مؤكد انه يحمل عثرات عديدة.
حياتنا المليئة بالعثرات والخيبات جعلت مساحة الفرح العلني والقوى محدودة وهامشية جدا. لذا نخشى ان نفرح هنا ثم نبتلى في ما بعد ونقع في سوء اختيارنا الذي ارتضيناه لنا في بادئ الأمر.

فلامينكو

يتذكرها كسحابة في شهر ابريل. كثيفة ممتلئة مكتنزة الارداف. تلوح له صورة راقصة الفلامنكو التي شاهدها لأول مرة ترقص بعنق مشدود شامخ. كانت اول راقصة لا تميع ولا تنثني. كانت سردية الحب والرثاء معاً. وتذكر أول قبلة خاطفة كبرق قبل الغروب. عاصف شديد متوهج وسريع مباغت كصرعة حب مجوسي. قبلة طال البحث عنها حتى جاءت ثار الغضب واختلاط المشاعر المتناقضة. نعم كبرق قبل الغروب يثير الفزع والصواعق الرعدية.

الجمعة، 26 أبريل 2013

مذكرات مدرس



مذكرات مدرس

الخجل...

15 أغسطس 2012 
 

حظي سيء بأشياء كثيرة عدا زميلتي في العمل وطالبة تركية لم أتمكن من تحديد علاقتي بها.

أمر بأصعب مرحلة حيث التناقض بين الرغبة والأخلاق. أنا في ورطة عشقية جديدة مبطنة باسم الأخوة

أنا في ورطة.

وجدت من يهتم بحالي ويسأل عني يفرح لمجيئي ويأسف لرحيلي

لكن مع هذا لا مجال للوصال، ينبغي أن أكون عند مستوى هذا البعد الإنساني. غير أني متوحش من الداخل.

في الحقيقة، ثم حصان يركض ويرفس في الداخل.

ربما الخطأ في التصور الذهني الذي وضعته لعلاقتي بالآخرين. أردتها أن تكون شفافة جدا وتلبي احتياجاتي المرحلية. وهذا وجه الأزمة الحقيقي. سيما وعندي تعريف محدد للاحتياجات وطريقة تلبيتها.

أغبط نفسي احيانا كثيرة. لأني وجدت من يربت على كتفي عندما أحسن أداء الواجب. ومن يبتسم في وجهي إجلالاً وتقديراً لمهاراتي الشخصية. ويكبرني في نفسه أيما إكبار.

لكن كل هذا يجري من دون لون. فقط في المنطقة الرمادية حيث لا استطيع الوقوف. هذه أزمة بالنسبة لي. كما أني سعيد بان أجد شخصا أهتم به. اسأل عن مشاغله واقلق لتغيبه واسعد لصحته. انتظره في الصباح. أود الجلوس إلى جواره. اشتم رائحة النسيم من وجنتيه.

ثم يأتي السؤال الأعمى. يداهمني على حين غرة. فيكون:

ما المطلوب مني؟ ما المطلوب من هذه العلاقة؟ إلي أين النهاية؟ ماذا أريد أنا. ماذا يراد مني؟

الشرق شيء أخر. وجدت في السابق في هذه الأرض من كن على استعداد لعبادتي. لم يلتصق شيئا من الحنين بعد كل هذا، كان هراءً أشقر، وتكلّم الجسد كثيراً. في الشرق يظهر الحب أحيانا بلبوس الخجل. هذا الكبت اللذيذ الذي يكبح القلب حين الطيران. ومع هذا هناك تحليق لكنه شفاف. وأحيانا غير مرئي. نظرة أخيرة على سلم الدرج. التفاتة متكررة مسروقة بين النظرات. التأكد من الملامح عن قرب. بريق في العينين. إنه مدخل عارم للحب.

كل هذا من دون كروت تعريف business card

لهذه العلاقة المعقدة.

تكون المسألة أكثر تعقيداً عندما تجد شخصاً لديه الاستعداد لأن يغير كل التزاماته ليتوافق مع توقيتك أنت. يذهب حيث تريد. متى ما تريد. يخلق من كل مناسبة فرصة ليعمل كما تعمل ويسعد بما تسعد. ويحزن لما تحزن. يسألك وينتظر الجواب. يستمع إليك باهتمام بالغ. وهو يعرف سلفا. ثم يقول لك في الأخير كنت على علم، و لكن...

يفعل كل هذا لأنه يريد أن يستمع إليك. أحيانا يطلب منك أن تعيد ما قلته لأنه كان مسافراً في بحر عينيك.

هذه التوافقات نادرة. وتكون اجمل عندما تحدث بتلقائية مفتعلة. أو بكيمياء خارجة عن السيطرة.

شخص يحتفظ لك بكلمة قلتها قبل شهر او شهرين أو ربما سنة وربما تكون كلمتك الأولى التي وجهتا إليه . قلتها ككلمة عابرة لم تلقي لها بال. لكنه يضع لها ألف حساب. يتردد. ثم يتردد. ثم يتكلم نصف كلام وبابتسامة يعرض عن الحديث. يهرب من عينيك إليهما. تشعر حينها انه التجأ إليك. سكن تحت ذراعك. معه تكتشف أن اللغة ليست حاجزا كبيرا للتعبير عن اختلاجات النفس. يمكنك ان تضحك وتصنع الضحكات بالقلم الذي بين يديك. بعود كبريت قبل و بعد بعد إشعال سيجارة. بورقة سقطت لتوها من الشجرة لم تصل الأرض بعد وظلت تعوم بغنج رومية. الحب يعلمك مهارات جديدة لم تكن مستعدا لاكتسابها. كان ترسم. كأن تدندن. وترقص. نعم ترقص. بجسد كان محنطاً. لكن الحب أشعل فيه قوة إلهية. كل الأشياء فيك تتحدث. ألوانك. تشميرك للقميص. أو عطفة البنطال. أو حذاؤك الفاغر من الدهشة...

زغب نشوان

تتنازعني نفسي الى شغف كبير. وتدفع بي بتفانٍ غير معهود نحو فرحة حرصت على كبتها زمنا طوبلا. وجدتني وقد استمرأت الانتظار ومخاتلة الأمل بالتصبر وامتحان النفس امام قرار الغد الذي يقترب كموجة سائحة بلا قرار.
هل ينبغي ان أقسّط بهجتي كأقراص الدواء؟ وهل يمكنني اليوم التغلب على نفسي الحذرة من جرعة مفرطة من الحبور.
اثمل بخبر يغازل قرين الفرح. لكن دين الاحزان فائض عبر الأيام. قد لا يكون حزنا إنما افتقار لتمارين الضحك الصادق المباح والمتاح بيسر ومن غير مشقة استعمال كابح الحيطة ككل مرة .
انظر الى الضوء البازغ من كوة الترقب. ثمة افراح تسبقها الرياح المبشرة بالمطر والرواء.
تنتشر اطياف روحي كبتلات منتشية. تطير كزغب العرعر النشوان.

عقاب لا يتأخر



عقاب لا يتأخر

18 ابريل
نفقد سماتنا البشرية بمجرد نفيها بالتقدير المبالغ للذات. وهنا يكمن الخطر الماحق الذي يتمثل بالقفز على الواقع والادعاء المنفوش بريش الوهم. تتوهج الذات من غير سبب سوى تغذتنا لها بانها مثالية المزاج والتكوين ومتفردة في الطباع بينما الاخرون صلصال منقوع.
....

ثمة جمال زائف تصنعه المساحيق وتبدده الرياح. جمال ركيك لا يقوى على تحمل امتحان الجمال الداخلي وصفاء الروح. ولا يحتمل الضوء ولا يقف على مزاج الماء. فقط يقود الى نرجسية كائدة.
....
ثمة مكان للهلاك ينبع من الذات وبلا موصلات أو نواقل. يحمل الفرد نقطة فنائه اخلاقيا عندما يعجب بنفسه بلا كابح ولا مبرر. فقط زهو وغرور يتعاظم حتى يصبح مرض عضال. يدخر المعجب بنفسه كل اشكال المفاخرة الواهية وينخرط في استمداح اجوف ويتورم الذات ويغرق في صفحة السراب. هكذا تحكي اسطور نرسيس الذي قضى وهو يتأمل صورته على صفحة الماء. هذه ليست معادلة بمجاهيل.
....
في الحياة نماذج محزنة جدا من هذا القبيل. فمعظم الحسنوات يمتن من غير زواج وينتهي الحال بعارضات الأزياء الى عنوسة مبكرة وفقدان للقدرة الجنسية. بل وبلا معجبين ايضاً. في حالة الغرور والنرجسية لا يتأخر عقاب السماء.
....

بعيدة



بعيدة

17 ابريل

يحكي لها عن آخر النوائب. لا بأس! فالوصل غاية الشارعِ والعين باب الغريب التواق.
لا الحرف يروي الضما ولا همس الكلمة المفتوحة على جرحها يسد رمق.
مَن منا يسبق الأخر الى القِبلة ويطوف قدوم الهوى المتصل.
مَن يضفر بلقاء عين النبع الصافي في ربيع الشمال وزهرة الاقحوان الجذلة.
ما زلت على العهد. غير ان البرق يلمع في الجوار كهارب من صدفة الايام المنشودة. والجو ماطر بالمفاجأت اللدنة. العمر يمضي مع برق اخر النهار وفاتحة الليل الغائم.

موجة عطر بلا وجهة



موجة عطر بلا وجهة

14 ابريل 2013
استرق النظر إليك من بين الاعمدة. اطيل النظر في وجهك حين تمرين علي اتفرس شيئا جديدا او انتزع اعترافا من بين قسماتك الجادة ومسحة الحزن الرقيقة.
تذهبين وتسحبي معك عطرك .
تجتاحني موجة العطر. تأخذني بعيدا بلا وجهة . تعيدني الى حيث انا وتغيبين انت وابقى لوحدي انا. ترن في مسامعي اغنية لفيروز لا افهمها جيدا لانها محكية لبنانية لكنها تردد وتقول: يا ريت.
واتخيلك تقولين يا ريت.
او اتخليني اقول يا ريت.
امنيتي ان اعض على شفايفك.
لا بأس لن نبحر بعيدا.
فقط اريدك ان تتأكدي انك الأحسن وكفي عن عقاب نفسك بالبطو والعض على النواجذ في فراغ المواعيد.

فقدان ثقة



فقدان ثقة

12 ابريل 2013




في احدى المرات قلت باني لا اثق بالتكنولوجيا. اليوم اكرر هذا القول. فهي متوفرة وتتيح امكانيات كبيرة جعلتني لا اجدك إلا على التشات ولا نتكلم وجها لوجه، خصوصا في اكثر مواضيعنا الأكثر حساسية وعذوبة.
ليس هذا فحسب . هي ايضا مصدر ازعاج على الدوام لانها اكثر وسائل الرقابة فعالية لانها تعمل بحيادية كبيرة ومنطق احصائي لا يخور من اصابعه الماء.
افضل الوشاة غير الاليكيترونيين. واستريح للحكايات التي تنطلق من الخيال والتوجس والحدس المتفتق بحس الخيانة والشك. على الاقل هناك يمكنني ان اضحك منه واتالم منه ايضا. لكن مع التقنية لا مجال للضحك والمخاتلة . هناك ألم جامد حاد.

ثمة وحشية مفتعلة في الآلة غير متوقعه. فهي لا تجيد تمرير العاطفة من ناحية لكنها ايضا معادية للادب والروح الشعرية. انها تدفعنا الى اعتبار الكلمة الصادرة احادية البعد موجهة عن بعد وفقا لرغبة القارئ المتحيز والمرتاب.

تشكيل الرغبة

تشكيل الرغبة 
7 ابريل 2013
يتميز عالمنا الحديث بانه عالم الفُرجة spectacle. فقد تم، ويجري بغزارة، تسخير الوسائل التقنية لصياغات عروض عن الحياة وعن تصورنا لمجرياتها، تركيبنا لماضينا او تخيلنا لمستقبلنا. نحن امام عملية تكثيف شديد للرموز والصيغ التعبيرية حتى ان الحياة لتبدو فُرجة. الاغاني التي نستهلكها - او تستهلكنا - تصور لنا ان الحياة حفلة راقصة ومنها تبدأ الحكاية. حفلة تبدأ بلقاء مباغت ومُلِّح أيضا في الحصول على شريك، من ثم قد تنشطر المشاعر أو تتآلف.حفلة راقصة بكل ما فيها من تفاصيل شديدة التعقيد من حيث الالوان والاصوات والتباهي والاستعراض والحاجيات وصولاً الى تشيؤ أو تسليع العاطفة والجسد.
الجسد محور التفكير البشري منذ الأزل. لكننا الآن أمام وسائل ميديا جماهيرية اجتياحية. للجسد موقع اهتمام مركزي في صناعتها. نحن امام ثقافة استهلاك تقوم على الإغواء والإغراء ولا يُدخر الجسد فيها كوسيلة لبلوغ الهدف.
المرأة في غاية الفتون والفتنة والرجل في صورته الرياضية المثلى. الرجل شباب دائم والمرأة أنوثة لا تتهدم. هكذا توحي لنا الفيديوهات والكليبات والاغاني السريعة المغدقة في الموسيقا الشحيحة للكلمة. نحن نفقد سيطرتنا على الكلمات لنستبدلها بالرموز وصولاً الى العجز عن التعبير الدقيق.
لقد تحولت الاغنية الى مرجعية في التعبير ليست في موسيقاها فحسب بل في ملحقاتها السلعية التي تؤلف المشهد وكلماتها الركيكية في العادة لانها تهدف الى توصيل فكرة بسيطة سريعة مدعومة بأشكال تعبيرية صوتية وضوئية أخرى ولا تكتفي بذاتها كأعنية عمادها الكلمة واللحن.
الإعلانات الدعائية هي الأخرى سيطرة ذهنية تكرس الاغواء وخلق الرغبة. حالة تكثيف شديدة تكبح أي محاولة للتفكير والتدبر. مناورة تدفع المشاهد إلى اتحاذ قرار بالاستهلاك دون تمحيص لحاجته للمستهلَك. يجعلك الإعلان تستشعر الحاجة من عدمها.
إذن نحن في حضارة التلفاز والوسائط المرئية.
مؤخرا، في صنعاء، قابلت صديقا انجليزيا تعرفت عليه في فرنسا وصار يقيم في نيويورك. سألته عن فارق المدن بين نيويورك وباريس. فأجاب: "إنها مدينة مختلفة، حديثة لكنها سطحية. فيها جهل كبير وتنوع شديد لكنها تكرس الرغبة على نحو مختلف عن باريس. الرغبة في باريس اكتشاف ومهارة وتأن وبحث, الرغبة في نيويورك جنسانية ليبودوزية بحتة حيث الجسد هو الآمر والناهي".
اقدّر له هذا التعريف بمدينته الجديدة باعتباره شابا يحب الحياة ولا يرفض عروضها الساحرة. لكنه أضاف: "في نيويورك ليس لدي تلفاز في شقتي. الانترنت يقدم لي ما احتاج معرفته من أخبار وأفلام أشاهدها أحيانا عوضا عن السينما. وعندما غادرتها قليلا اضطررت لمشاهدة التلفاز ومشاهدة القنوات الأمريكية تحديدا. إنها مساحة إغراء شاسعة. أجسام متقنة الصنع ونواهد فتانة."
ولا مجال للحديث عن صنعاء بين المدينتين لأنها في أحسن الأحوال نقطة تأثر خجول بأشكال الحداثة دون الإسهام في صناعة الحداثة. فالأمر في ابسط الحالات لا يتجاوز ان اكتب هذه الأسطر بينما الكهرباء مقطوعة.
وهكذا عرفت كيف تتشكل الرغبة في مدينة حديثة استسلمت لثقافة الاستهلاك والتنوع والتعدد.

المرأة والشارع



المرأة والشارع

8 مارس 2013
يكاد الشارع يخلو من المرأة إذ لا تسلكه سوى كعابرة مسرعة لا تستطيع التوقف فيه. بل انني وجدت الشارع يخلو تماما من المرأة صباح الجمعة.

سيقول احدهم وماذا عن النساء اللائي في البيوت؟

يهمني الشارع باعتباره فضاء عاما يمكن فيه قراءة المشاركة المجتمعية. البيت شأن خاص وهو الى جانب دلالة السكن والاستقرار هو ايضا دال على السكون. لكن الشارع مفتوح بالتالي هو الحرية والمشاركة والوجود وليس الاختفاء. سأوضح الفكرة بمكانة وجود الجنسين في الحقل ودلالتها الاجتماعية حيث المرأة شريكة في العمل وفي المؤسسة الاقتصادية وعليه يمكن قياس وضع المرأة في الشارع.

لا اقصد الفرجة فلدي ما يكفيني لكني اشير الى واقع اجتماعي حيث تقلص الشارع واصبح ملكية خاصة أولا للرجل ثانيا للسلطة المحتكرة لمساحته وطريقة شغله بالتالي تنخفض المشاركة الجماعية والاجتماعية ويبرز التسلط والهيمنة والانفراد بالقرار.

في هكذا حالة يصبح الفضاء العام حكرا على رجل الأمن المدجج بالسلاح او على فاقدي العقل والمشردين.

اريد الحديث عن قابلية رؤية المرأة في الحياة العامة، في المشترك العام، في الشارع. حضورها المادي الدال على شخصيتها وكينتونتها وليس على حضور اسود هارب او مطارد.
امكانية وقوف المرأة في الشارع للحظات يعني قدرتها على المشاركة في الرأي العام والتعبير والاختيار.
حضور المرأة في الشارع من خلال هوام سوداء متحركة يعني غياب تفاعلها الاجتماعي وفاعليتها الاجتماعية.

ان موافقة المرأة على حذف وإخفاء وجهها يعني قبولها بإلغاء مكانتها وموقعها الاجتماعي. فحضورها في الشارع كخرقة سوداء طائرة يعني عجزها عن الوقوف بالتالي عن التمكن بالمعنى الوجودي والفاعل. فهو حضور ولدته الضرورة وليس الارادة.

توهم التكوين الوديع



توهم التكوين الوديع

21 فبراير 2013
.....
تتصاعد حمى اشكال الحراك المناطقي وتمتد شمالا فلا تقف عند ابناء تعز بل تصل الى تهامة وغيرها من المناطق. لكن من الغريب جدا ان فكرة ما تغددغ عقول بعض ابناء تعز وربما إب ايضا بان انفصال الجنوب يعني ايضا خلاص تعز واب من هيمنة شمال الشمال لانهم شيتشكلون تلقائيا في تحالف مريح ووديع مع دولة الجنوب القادمة ليكونوا نواة لدولة مدنية انموذجية في المنطقة ستشهد ازدهارا كبير بفضل سواعد تعز واب وثروة الجنوب بينما سيبقى الشمال حظيرة كبيرة للتخلف والجهل والاقتتال.
انها طريقة للهروب من مواجهة الواقع والتمعن في الحقائق وربما انسحاب من المسؤولية وفقدان خصوبة في توليد افكار تشاركية بناءة وتحمل هذه الارهاصات التاريخية للثورة بجدارة.
......
فالانفصال، وفقا لممعطيات الاقتصادية والاجتماعية لا يعني العودة الى وضع ما قبل العام 1990. والجنوب المدني المتحضر الذي تحضر فيه الدولة والقانون في اذهان الناس لم يعد كذلك على الاطلاق. كما ان الجغرافيا تغيرت ايضا وشبت عن دولة اليمن الديمقراطي وخلقت تكوينات جديدة لا يمكن الامساك بها ووضعها في خارطة سياسية واحدة كما كانت.
هذا يعني ان استيعاب ابناء تعز واب في دولة الجنوب المأمولة سيكون اقل بكثير مما كان عليه الوضع قبل الوحدة لاسباب كثيرة اقلها ان هناك خطاب اصطفائي واهم يتجذر بين ابناء الجنوب نتيجة لحساسية مفرطة تجاه كل ما هو شمالي بحيث تتعذر معه اقامة علاقة موضوعية بين ما تعرض له ابناء المحافظات الجنوبية والشرقية من ضيم وحملة العداء لكل ما هو شمالي بالمرة.
.....
في طريقي الى العودة الى صنعاء من القاهرة كنت قد التحقت بركاب يمنيين يغلب عليهم ابناء المناطق الجنوبية واستمعت الى خطاب عدائي مقرف وغير مبرر ضد الشمال وفوقية هوياتية جنوبية منتفخة وبزهو حضاري غير اعتيادي مكرس عبر ادانة وتوبيخ وقدح لكل ما هو شمالي، ما يفقد القضية الجنوبية اي تعاطف من قبل من هم غير جنوبيين.
لم المس ان هناك شيء يوحد رفاقي في الرحلة من الجنوبين سوى بوحهم المستفز بالمظلومية وعدائهم للشمال بكل الوانه ومكوناته والافتقار الواضح لرؤية مستقبلية موضوعية للأمور. وكأن الانفصال هو الخلاص في ذاته لتعود دولة الحزب والرفاه الاشتراكي وطيران اليمدا.

فرحة



فرحة

27 يناير 2013
لتوي وقبل لحظات انتهيت من عمل مراجعات وتشتطيبات كثيرة اظنها الاخيرة في ترجمة كتاب من الفرنسية الى العربية عن التمويل الاسلامي كانموذج للتمويل الاخلاقي للكاتب فرانسوا غيرانجيه . وقد عرضت الكتاب لاكثر من مُراجع لن يكون شكرهم سهلاً علي. اخذت مني الترجمة قرابة اربعة اشهر. مرضت خلالها كثيرا واستمتعت كثيرا ايضا لكني كنت منقطع عن العالم إلا قليل من بعض الهذيان. سبق وان ترجمت كتابا قريبا من هذا التحصص وفي نفس الموضوع لكنه تناول مختلف. هذا الكتاب اكثر عمقا وفلسفة. ولكن من دون نقد للتمويل الاسلامي بينما كان الاول متعدد وسهل التناول وناقدا ايضاً. انتظر ان يخرج الكتاب الى النور بنسخته العربية قريبا عن دار نشر خليقة بنشر مثل هذا النوع من الكتب. لمست في الكتاب براجماتية الغرب ولكني ايضا لمست فيه مركزية الاوروبي. فالتمويل الاسلامي رغم حداثة ظهوره كمؤسسات لكن الكاتب يرجع اصول الجانب الاخلاقي فيه الى فكرة الاخلاق في الاقتصاد عموما وفي التمويل في الغرب. وكانت هذه النقطة مثار نقاش بيني وبين الاصدقاء واخصهم الدكتور حميد عمر الذ افادني كثيرا. يؤسفني اني لا استطيع نشر الكتاب على هذا الموقع. فقط اروج لترجمتي واشير الى الكتاب.
كما اكتب لاشارككم فرحتي بهذا العمل وبازالة ما كنت ارزح تحت نيره لفترة من هم وانشغال.
غدا سأكون فارغا وسأغازلكم بصلف كبير.


*الكتاب الاصلي يقع في 270 صفحة وهذه صورة الغلاف الخلفي للنسخة الاصل بالفرنسية.

لجنة الحوار والاستبعاد الاجتماعي



إلى الرئيس هادي ..... لجنة الحوار والاستبعاد الاجتماعي

19 يناير 2013
يمر البلد بحراك سياسيي واجتماعي كبير وحدث أن فتح باب المشاركة في صياغة وصناعة المستقبل. لكن هذا الباب يظل محجوزا لذوي البطاقات الخاصة وتغدو قوى الماضي هي المتحكمة في المستقبل والممسكة بزمام الأمور وكأن شيئا من الثورة ومحدداتها وحيثياتها لم يكن.
في ثورة كان الشباب شرارتها الأولى ووقودها الدائم، يكون السؤال: أين موقعهم اليوم من كل هذا؟
وكواحد من أبناء تعز غير المنتميين تعصبياً لأي تنظيم سياسي أو قبلي أو عسكري أو جماعة دينية ومذهبية أو كشف خاص أتساءل:
أين أنا؟ ومن يمثلني؟ وكيف يمكنني إسماع صوتي؟
"ما زالت المساواة وما زال العدل بعيدين عن الواقع وعن الناس". بهذه الجملة يكون استهلال كتاب (الاستبعاد الاجتماعي). فأين موقع هذه الجملة اليوم من واقع يمن ما بعد الثورة؟
ضمن انشغال الكتاب بمسألة التعريف الإجرائي للاستبعاد الاجتماعي يقدم بعض عناصر للاستبعاد ويدرس التداخل والتضافر فيما بينها من الظروف الاقتصادية كالفقر، الظروف الاجتماعية كحالة العمل والوضع المهني، نظام الرعاية والظروف النفسية إلى الظروف الديمغرافية والسكنية...
وكل عنصر من هذه العناصر خليق بان يدرس في تفصيل واسع وإسقاط للواقع اليمني وواقع الشباب المستبعد من كل الحسابات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. لنفرض أن احدهم بالكاد تمكن من الانتهاء من مرحلة الثانوية بسبب مكابدة ظروف الحياة الصعبة والعمل في بوفية ليل نهار لينتهي به الأمر الى تحصيل شهادة ثانوية قسم علمي بمعدل متدنً ثم بعد تقديم الخدمة الإلزامية في معسكر لا يعلِّم غير العبودية والإذعان والبلادة التحق في الجامعة بتخصص غير محمود في نظر العامة وهو الفلسفة لينتهي به الأمر مدرسا لمادة العلوم الاجتماعية في مدرسة خاصة حيث لا تحترم حرمة التعليم ولا يكون للمدرس صوت امام ضجيج وصلف أبناء الذوات غير المهذبين. دخله المادي محدود بالتالي لن يملك سكناً إنما سيستأجر في مدن الليل المنتشرة في أرجاء العاصمة زلن تصل دوريات معرفية او مجلات وجرائد غير الثورة الباهتة اللون. لكن المشكلة الكبرى هي انه من ابناء تعز هذه المحافظة ذات الكثافة السكانية الكبيرة الكفيلة بطمر أبنائها وإغماط حقوقهم السياسية والاجتماعية.
أريد أن أتحدث عن مكانتي ودوري المفقودين كفرد كمواطن عليه واجب ومسؤولية في الأسرة والمستوى المحلي والمستوى الإقليمي ومن ثم المستوى الإقليمي والدولي وفقا لمعطيات ذاك الشخص الذي اتخذ منه مثالا توضيحياً لمسألة الاستبعاد التي أعاني منها كشاب ومثلي ملايين أخرى.
بينما يتحدث الكتاب عن مغالطات منهجية لتبرير ودراسة الاستبعاد الاجتماعي تحت مسمى الحتمية الوراثية يمكننا الحديث عن الحتمية الاجتماعية كصانع أساسي للاستبعاد الاجتماعي في هذا البلد.
في الأسرة الأمر للأب أو للأخ الكبير وفي المستوى المحلي فالأمر حكرا على المشائخ ورجال الأعمال وضباط الجيش أما في المستوى الإقليمي فأن دول الجوار لا تهتم إلا بالقبائل المسلحة والمحتشدة للتحرك في الغارات والغزو او لتخريب المصالح العامة وقطع الطريق وإثارة البلابل وعن المستوى الدولي فلست أمينا عاما لحزب سياسي كبيرة أو مؤدلج ومبرمج على العداء المجاني أو قائد عسكري لميليشيات متأهبة.
إذن، وفقاً لهذه الوقائع، أين أنا من اتخاذ القرار والسياسات وتوجيه دفة الحياة؟ ومن سيستمع لي؟
أريد أن أكثر وضوحا وسأضع رغبتي في هذه اللحظة وأمام باب المشاركة المفتوحة والمغلقة في آن بين أيديكم. أريد أن أكون عضوا في لجنة الحوار لأسهم بما لدي من أفكار وما تعلمته من دراسات ومفاهيم وتجارب مهنية وما اكتسبته من لغات أجنبية (الانجليزية والفرنسية) وقراءة عقد من الزمن بعد الجامعة في صناعة حاضري ومستقبل أطفال. أو أريد أن أكون عنصرا فاعلا تتجسد وطنيته في المشاركة في مكافحة الفساد وأن أكون عضوا في هذه الهيئة.
إنها تطلعات مشروعة ومكفولة في كل الشرائع لكنها غير متاحة وليست في متناول اليد سيما ولا توجد آلية سليمة تكفل المشاركة الواسعة وتحقيق تكافؤ الفرص.
يكرر الكتاب في مقدمته أن المقصود بالاستبعاد الاجتماعي العام - النوع الأول من الاستبعاد - هو "استبعاد أولائك القابعين في القاع والمعزولين عن التيار الرئيسي للفرص". وهنا سأعترف أني أحد أولائك القابعين في قعر هذا المجتمع ومعزل كليا عن التيار الرئيسي للفرص سيما في هذه المرحلة الراهنة حيث يشهد البلد حالة استقطاب حادة وفرز اجتماعي وجهوي وفق ثنائيات لا أجدني فيها ولا أجمل بندقية صدئة وليس لدى سوى قلمي الجاف جداً من أي موارد.
الرغبة في الحديث عن لجنة الفساد أمر شائق وشاق نظراً للاجراءات المتبعة في الاختيار والتي ليست أكثر مؤهلات محدودة تكمن في شبكة علاقات اجتماعية كبيرة موروث اجتماعي وطائفي وحزبي. انا لست مشهورا ولا أعرف أحدا في البرلمان أو مجلس الشورى وليس لي لقب عائلي مثقل بتاريخ من الدماء والمهاترات و"النخيط". لذا، لن أتمكن من المرور من عتبة البرلمان أو الشورى لأصل إلى لجنة مكافحة الفساد وأكون عضوا فيها رغم نشاطي الدؤوب في مكافحة الفساد في دوائري المهنية والاجتماعية.
سأكون ساذجا أو حسن النوايا وسأتقدم بطلب ترشيحي في لجنة الحوار وأرسل الطلب عبر الفاكس لكن حالة الاستقطاب الحادة والصورة الذهنية للعمل الفاسد الذي اختمرت فيه البلاد يجعلني اشك كثيراً في فرص وصول طلبي والموافقة عليه باعتبار مستقلا من كل ولاءات وخارج عن كل ثنائيات غير هذا الوطن وأيماني بحاضر طيب ومستقبل زاهر لأطفالي وأنا على ثقة كبيرة بأن هذه الدوافع كفيلة بأن تصنع مني مواطنا صالحا ومحاوراً جيداً يمكنه المشاركة وطرح رؤى تتمع بفاعلية وإنصاف.

حالة فنية نادرة

حالة فنية نادرة 
8 يناير 2013
....................
هذه الاغنية القديمة اليمنية اليهودية تؤرخ لأحداث العام 48 ومقتل الامام واحداث نهب صنعاء.

اظنها حالة فنية نادرة يرتبط فيها الفن ارتباطا وثيقا بالحدث السياسي والاجتماعي بعيدا عن كلمات الهوى والحب المكرورة.
فإلى جانب اغان يمنية يهودية قديمة قادتني إليها الصدفة وجدتُ هذه الاغنية لكني أيضا وجدت اغان أخرى تعكس بعض الحقائق الاجتماعية.

إذ كانت - وما تزال - الصورة الذهنية لليهودي اليمني في الجانب الفني تعلق بمهمة واحدة وهي الامتاع، القريبة من مفهوم اللهو بالمعنى القرآني. لكن هذه الاغنية تكشف دلالات اخرى اكثر اهمية عن طبيعة الدور الاجتماعي ليهود اليمن في المجتمع اليمني. وهو دور مندمج كلياً. بل وأساسي من منظور التوثيق التأريخي والإخباري.

أداة العزف هي الاخرى تكشف مراحل تطورية مهمة في العمل الغنائي للتراث اليمني، ربما فقدت هذه الحلقة التاريخية بسبب طغيان استعمال العود والأدوات الموسيية الحديثة وربما فقدت النغمات غينها نظرا لاكتساح أنموذج غنائي ايقاعي معين في هذه المرحلة.

من المؤسف ان عناوين الأغاني وضعت بالعبرية لتحرمنا امكانية تصفحها والتعرف عليها او مقارنتها بما هو موجود في الذاكرة العامة وما هو متبقى قيد التداول الفني والغنائي. إلا هناك ترجمة جميدة إلى حد ما لمضامين الاغاني وهذا يساعد على فهمها.


http://www.youtube.com/watch?v=nPVDSoc6owE

عازف البؤس



عازف البؤس

26 ديسمبر 2012
..........................
تأبى تعز إلا ان تكون الشهيد على الدوام والواقف دوماً في خانة الدائن. وتبدو هذه الحالة الملازمة للسلوك الثوري في هذه المحافظة ومع ابناءها كطريقة لنفي الاستسلام والاذعان اللذين وصمت بهما المحافظة طيلة قرون من حكم الأئمة أو فترة الجمهورية المغدورة. لقد ولّدت الاحداث التاريخية نوعا من الذل والخضوع كصورة على هذه المحافظة التي كانت إلى جانب عدد من المناطق الأخرى مرتعاً وفيداً لغزاة السلطة والتحالفات العسكر- قبلية وقد حانت الفرصة لاثبات العكس لكنها فرصة تبدأ من مرحلة جلد الذات، واستجرار خيبات التاريخ.

يحبذ التعزي على الدوام أن يكون المغدور به ويستلذ بالصراخ والإدانة ويتنازل عن حصته المعقولة والمتاحة في كل الأحوال مقابل ان يكون الضحية الخالدة.
ولا يجد بأسا في أن يكون قربانا لمؤمن غيره من مكان ما. لأنه ببساطة يرفض ان يؤدي دوره الحقيقي في التاريخ ويكون صانعا له ومستفيدا من ثمار جهده. فقط تستهويه الحالة العذرية مع السلطة والحق في آن.
تعز، مدينة يجتذبها بهرج عكسي نحو الفخر فلا تهوا إلا ان تكون الضحية على الدوام وتقدم نفسها في كل مشهد كالمسيح المصلوب. لقد غدا مفهوم التضحية مقروناً بحالة انتحار عبثية بالنسبة لأبناء هذه المحافظة التي عقدت صك غرام مع مذبح القرابين واعتكفت في معبد العبث كمجذوب لا يفقه مصلحته ولا يجيد قراءة الاحداث.

لا أجد في مسيرة الحياة 2 -النبيلة في جوهرها - سوى مشهد مشابه لهجرة الثيران الوحشية التي تعبر النهر وتقدم بعض من شبابها قربانا للنهر في حالة قياس سرعة تياره، بعدها يقرر القطيع ان يواصل او ينتظر. في العادة يحترم النهر القرابين المقدمة ويسمح للقطيع بالمرور. في حالتنا يكون التعزي -بنزقه العاري من النفعية والعاري من البراجماتية والعقلنة أيضا - قربانا على الدوام، بينما يستفيد بقية القطيع من دون ابناء تعز.

ليس هذا أسوا ما في الأمر، بل ان الحديث عن تعز اصبح مصحوباً بنعرة شوفينية تدعي فوقية التضحية ورصيدا نضاليا باذخا لا يليق وثقافة ابناء تعز وتكوينهم الفكري. انها حالة تضخم للذات مستوردة في رأي من مناطق الجبال النائية في شمال الشمال. بل ان التضحية العبثية ذات العمق التاريخي تنبع من أدب كبير خاص بمذهب الشيعة وبعض ابناء جماعة سلالية معينة في اليمن تستغل هذه الفكرة من أجل تعميق استحقاقتها المرتكزة على التاريخ على حساب المستقبل وحساب الهوية الوطنية. فتريد مقايضة خلافات قريش باستحقاقات تاريخية في اليمن.

وهذه الحالة لا تخدم المشروع الوطني بشيء بل انها مفتاح للتشظي وشرعنة للمشاريع الصغيرة التي تتنافى ومصلحة التعزي الاقتصادي والثقافية والسياسية.

اعجب من الاستجابة غير المدركة لهذا المسار العابث الذي يضرب كل التضحيات الحقيقية وينسف المشروع الحقيقي للشباب. لقد خرج الناس في اليمن- وعلى راسهم ابناء تعز في كثرة كبيرة -يهتفون ضد العنصرية والسلالية والحكم الفردي والعائلي لنصل في نهاية المطاف إلى ان ابناء تعز ينادون بما خرجوا ضده في بداية الأمر.
هل هي قلة الحيلة ام الافتقار للصبر والروية وعجز في الايمان بالمشروع الأولي؟
هذه تعز التي لا نريد كمدينة تعزف البؤس وتقتات منه.

التغيير والقديم



التغيير والقديم

22 ديسمبر 2012
.......................
لقد أمتلئ القديمٌ وتَرَكَ لنا مساحاتٍ فارغةٍ في التعبير وحالة تَضخُّم في الخِطاب القائمِ على قِيَمٍ تبدو ساميةً وحمِيدةً، لكنها تعاني من سرطان التسلُّط.
إذ يحتوى هذا الخطابُ القدِيم على قوة تدميرية هي انعكاسات حالة القهر في دورات قهر متكرّرة ومتناسلة. وتظهر هذه الدورة القهرية من خلال الاحتفاء الضمني بالسلطة القهرية تحت اسم العقلانية والبيروقراطية المؤسساتية مع لبوسات متأنقة من قبيل الأخلاق والتأدب والمهابة (البريستيج) السطحية.
انها بيروقراطية توتاليتارية وانتقائية في الرجوع للقانون في مرات وإهماله مرات أخرى تولد استلابا وقلقا وتخلق تشظياً تدميرياً ينبغي وضع حدود لها في ظل الانشغال بتوفير الإبداع وتوسيع المشاركة.
لذا، في هذه اللحظة تحديداً، نحن بحاجة إلى قطيعة كلية مع هذا الخطاب وأشكال تمظهراته. لأن بقاء هيمنته الراغبة في التمدد اللانهائي يعني اختزال تطلعات الجديد. وأكثر ما ينفي الحاجة لبقائه هو انتقائيته للقيم، خاصة تلك التي تُرِكت هلامية دون إطار يحدد قيمتها النفعية ويتأسس على بُعد العدالة والإنصاف.
فالأخلاق والالتزام والانضباط، في ظل انفصالها عن العدالة وعدم دعمها للمشاركة والبحث عن القيمة المضافة، ليست أكثر من أداة قمعية.
نحن بحاجة إلى تأسيس وتفعيل تفكير تنويري يحرر الناس من ذواتهم المستسلمة والمذعنة ومن هرميات الاستسلام الجامدة وسلطة الأب الفاجر الذي، لصفته في الأبوة وفي الأبوة الفاجرة أحيانا، يستحق الطاعة.
إننا نشهد مرحلة تغيير تُحدث فعلها المنغمس في الزمن والمبحر نحو المستقبل ويتمظهر هذا التغيير في طرح، إن لم نقل فرض، صيغ جديدة في العمل والتفكير وتحول في أشكال السلطة وممارستها.
لذا فإن القبول بهذا التغيير والتصالح معه لن يكون دون صعوبات. لأننا نمضي بنفس الوتيرة الاعتيادية ضمن لإيقاع القديم بينما الجديد يصنعا أحداثاً تدفع إلى حدوث انضغاط للزمان والمكان – كأشكال للسلطة الاجتماعية – لتخليق ثقافة جديدة.
دأب القديم تكريس القار من تراتبية وأولويات بينما يسعى الجديد إلى إعادة خلق تراتبية وأولويات جديدة، ليست المثلى بالطبع، لكن هذا لا يحرمها من الوقوع.
على أية حال، (للتغيير والاختلاف جاذبية تتجاوز أحيانا جاذبية المباهاة والتجانس القار).

دور القوى الثورية

16 ديسمبر 2012 
تتراجع القوى الثورية وقوى التغيير عن اداء الدور المناط بها إلى جانب عبد ربه وتكتفي -في أحسن الأحوال- بمطالبته بإحداث التغيير لوحده هذا إن لم تكن منقسمة ومتشظية في صراعات بينية من قبيل استقطابات بين الاصلاح والحوثي أو التركيز على هدم علي محسن بينما ما يزال صالح ينهض بشره يوما بعد آخر.
في هذا الوضع سيضطر عبد ربه الى استخدام ادوات الفترة السابقة، وفي إطار محاولته لم شمل حزب المؤتمر تحت جلبابه وسحب البساط على علي صالح فإنه سيعمل على استقطاب شخصيات سابقة او اخرى لا نرضى عنها 
نحن لسنا أكثر من ضحية لهذا السياق.
وهنا فإني حائر لان براجماتيه عبد ربه صائبة من جهة، لكني رغبتنا في إحداث قطيعة مع ادوات واساليب الماضي كبيرة من جهة ثانية.

الرئيس وتوكل الثورة



7 سبتمبر 2012

كلما تطاول صالح أكثر ومارس صلفه بحق هذا الشعب كلما ترسخت الثورة في الخطاب السياسي لتغدو الثورة بذرة وثمرة في آن. ومع الوقت تقترب أهدافها من رؤية النور وتصبح واقعاً يزهر يمناً أنصع وأبهى.

قبل أسابيع قليلة نوه دولة رئيس الوزراء الأستاذ محمد باسندوة إلى العودة إلى الخيار الثوري في ظل تعنت البعض وعرقلة الانتقال السلمي وتطبيق المبادرة. وما فتِئ يردد أن الثورة هي الخيار الذي امتطاه الشعب اليمن ليبلغ حياة يرتضيها لنفسه.

واليوم يلتقي عبد ربه السيدة توكل كرمان في لحظة تلاحم بين الرئيس والثورة دون مواربة. إن لقاء الرئيس عبد ربه بالسيدة توكل كرمان يدل على تقارب أكثر لعبد ربه من ذهنية الثورة في إدارة المرحلة.

ليست توكل التي نكن لها تقديراً كبيرة هي المعنية لذاتها بقدر كم هو مبهج أن تغدو المرأة أيقونة الثورة كنتيجة لنضال الشعب اليمني مغايرة لطريقة تفكير ذكورية.

لقد أنتجت الثورة الفرنسية الماريان أو صورة المرأة كرمز لحلم الفرنسيين. لقد كانت لوحة ديلاكروا البديعة التي تجسد الثورة الفرنسية من خلال “ماريان” التي تحمل العلم الفرنسي وكلمة “الحرية تقود الشعب” هي أيقونة ملهمة وذات دلالة على التغيير والتحول ليس على الصعيد السياسي فحسب ولكن على الصعيد الثقافي والاجتماعي.

واليوم لدينا في اليمن توكل وكل نساء اليمن الفتي، يمن الثورة.

وبهذا سننتقل الى التعبير عن التحول الذي يشهده اليمن من دون مواربة أو تستر وراء مفردات لا تفي بالغرض أحيانا وستحضر الثورة كذهنية وطريقة وخيار وخطاب حاسم في بعض الأحيان تجاه المشككين والترددين والطامحين بالعودة إلى الخلف.

لقد جعل البعض منا من كلمة توافق – خلافاً لما تتضمنه من حكمة وسمو – مدخلاً للممارسة استهتاره بإرادة الشعب ورغبته في العيش الكريم. لكن الثورة بحضورها الرمزي والفعلي ستحسم هذا الأمر لصالح تطلعات هذا الشعب الشاب.

ابتسامة الرمان



ابتسامة الرمان

15 اغسطس 2012 . غازي اباد-نيودلهي


كانوا أربعة، شابان وشابتان، يضحكون من أعماقهم في زحام المقصورة في المترو. تتبع ضحكات احدى الفتيات شهقة شهية. كان الشابان متوسطا الطول احدهم بوجه ممتلئ والآخر بوجه عيسوي وبلحية سوداء رقيقة. بينما الفتاتان كانتا أقصر، احدهما ممتلئة الوجه بشوشة والأخرى اقتصادية في بهجتها، كأن حزن قديم يكبح فرحتها، أو ربما خرجت من عزاء في أهلها فتخجل إن تضحك بوقاحة المتناسين. دفع بهم الزحام إلى عميق المقصور ليصبحوا تحت مرمى نظري الفضول. اقتربوا مني أكثر وأنا ملتصق بعمود معدني استند إليه وانتقل من سطر لآخر في رواية حديثة الإصدار سهلة الهضم.
لم أتمكن من الانتقال إلى الصفحة التالية، والوقت يمضي وأنا استرق النظر إلى ملامح الفتاة المكتنزة. تفاصيل وجهها فوضوية الرحمة وانتظام شعرها، سلاسته وانسيابيته كحقل من قمح قبل الحصاد، عندما تضحك فهي تسفر عن ابتسامة الرمان من الحمرة والبياض البراق. بعد محطات عديدة واسطر قليلة، خف الزحام فوجدتُ فرصة للجلوس على المقعد. كنت في حقيقة الأمر اجلس في مقابل الفتاتين اللتين تحصلتا على مقعد أمامي. ظل الشابان يبحثان عن مقعد جلس احدهم إلى جواري. نظر بشكل عاجل في كتابي، ثم هرع للجلوس إلى جوار رفقته. فاتته الفرصة فاراد العودة إلى مقعده السابق جواري وكان المقعد على وشك أن يذهب منه إلى شخص آخر لولا أني حاولت الإيعاز للقادم بان المقعد محجوز.
ما ان جلس حتى قلت له: هناك مثل بالفرنسية " من ذهب للصيد يفقد أرضه".
نظر إلي بدهشة. حاولت تفسير موقفي. أشعرني بأنه فهم ما اقصد وباشرني بالسؤال: هل أنت من القوات الجوية.
لم افهم. كرّر السؤال فقلت له
- كلا أنا من اليمن.
- لكنك أنت هندي جدا.
- للأسف لست، مع أن الكثيرون يقولون لي هذا.
فباشر يعرفني بنفسه وقال:
- أنا اعمل بحاراً وأتنقل كثيرا.
- إذن انت تعرف دبي؟!
- نعم. كثيرا ما ذهبت إليها.
- هل تعرف جيبوتي؟
- نعم.
- هل تعرف اليمن. هل تعرف عدن؟
- كلا لم أزرها.
فارا دان يؤكد لي صوابية حكمه علي بأني هندي وقال:
- دعني اسأل مجموعتي "من أين أنت"؟ دعني اسأل أختي.
كانت المكتنزة أخته. تقاطعت نظراتنا وابتسامة سريعة.
كانت ردودهم تجمع على أني من منطقة في الشمال الشرقي من الهند. فقال لهم: كلا هو من اليمن. من عدن.
ثم اخبرني أن أخته قضت فترة في مسقط. فسألته رغبة في أن يعكس الحديث إليها: - هل أحبت مسقط؟
أجاب بنصف تأكيد ونصف نفي.
فقلت:
- عُمان بلد جميل لكنه منغلق. ربما دبي أكثر انفتاحا. أليس كذلك؟.
وافقني الرأي بهزة من رأسه.
حاولت أن أعرب عما أراه في دبي قائلاً:
- لكني لا أحب دبي كثيرا. أحب المدن المزدحمة والضاجة بالحياة، المنغمسة في التاريخ والغاصة بالثقافة.
ابتسم وقال لي:
- أخي في جدة. لكنه يجد صعوبة هناك. لقد جاءت طفلته إلى الحياة قبل شهر وهو بعيد عنها.
ثم ذهب بننا الحديث إلى شعاب كثيرة.
ودعته عند مخرج المحطة مصافحاً. ولم أعرف اسمه...
..
...
....

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...