الأحد، 11 فبراير 2018

البردوني ... أنموذجا للعرافة ؟

يبدو اننا في اليمن على حافة الجنون. اذ يتبدى الجنون بتنويعات كثيرة منها جنون عسكري يتوق الى الاقتتال وجنون السياسة الجوفاء وجنون الأسعار. 
لكن جنون المثقفين هو الأكثر شقاء. وبالفعل الوضع المعقد والمتأزم دليل فقدان منطق. وعوضا عن تفكيك الصيغة المعقدة بالتحليل والتشخيص السليمين والاسترشاد بالتجارب التاريخية لأمم اخرى نجد ان الأغلبية تبحث عن وصفات جاهزة تستنطق المستقبل المجهول والعصي على الفهم.
لقد تقاعست الطبقة الوسطى عن اداء دورها المأمول في التحولات ووضعت نفسها رهينة للشحن والتجييش والاسترزاق والاسترهاب الطائفي والمناطقي الجهوي البشع. وبهذا فقدت قدرتها على توجيه المتغيرات وقدرتها على قراءة الواقع. وليس اكبر دليل على ذلك التخبط الذهني سوى موسم استعمال أشعار ذاكرة اليمن ومرآتها الشاعر الرائي عبد الله البردوني. لقد جعلنا منه مشعوذا وعرافا لأننا لم نفهم أشعاره كما أشار الى ذلك بشير زندال في منشور له حديث وشجاع وكنت قد كتبت في هذا الشأن قبل خمس سنوات في صحيفة الشارع بعنوان البردوني المتوفر غير المتاح.
بيد ان استعمالنا واستحضارنا لأشعار البردوني كتفسير سهل وجاهز ووصفة بسيطة لطبخة المستقبل دليل إفلاس ذهني وقبل هذا فقدان الذائقة الجمالية الأدبية التي تتعسف قراءة الشعر على شاكلة "نشرة بيت الفقيه" المشهورة بينما الثراء الحقيقة في الشعر يكمن في صنعته اللغوية والرمزية لا في قدرته على حمل المعرفة او التاريخ لان الوظيفة الشعرية تبدلت وتحولت كثيرا.
ينطوى الشعر على جماليات عامة من حيث التراكيب اللغوية والصور وتجسيد الأحاسيس وهو منهل للحكمة لكنه اذا كان مجودا فانه خلوده يكمن في اختزاله للتجارب البشرية واستلهامه لقانون حركة التاريخ والمجتمع بالتالي فان موضوعات الشعر تشمل الفعل الإنساني في س وص من الارض ويغدو مع هذا المنطق من المشين ان نختزل رؤية شاعر في حدث مستقبلي محدد طارئ على الحركة التاريخية الواسعة. وان اكثر الأفعال شناعة في القراءة الأدبية هو لي عنق النص لينطق بما نرغب في سماعه من تأويل. انها هرمونطيقيا متعسفة وضيقة وبلا أفق وهي ايضا ظالمة للنص ومفقرة له ولقائلة. فدعوا البردوني يعيش ويموت كشاعر وكاتب تجاوز حدودكم الضيقة ولا تجيروه لمشاريعكم التأويلية الكسولة.


من الكاسيت إلى الهاتف

بانتظار ان ينام صغيرنا بيننا نتمدد انا وأمه الى جواره يمسك كل منا بهاتفه ويقلب الصفحات بصمت. يفيق الصغير بين لحظة وأخرى ويلتفت عن اليمين وعن الشمال ويعود إلى غفوته. منذ أن جاء إلى الحياة وهو يرى أبويه ملتصقان بشاشتيهما وكأنهما اذ يفعلان يمارسان فعلا وجوديا بكل تضرع وامتثال. 
ستبدو له الحياة شاشة صغيرة لماعة يُستجلب العالم من خلالها.
أتذكر في هذه اللحظة الفارق الشاسع في التواصل قبل ثلاثين سنة حين كانت امي تجلس امام "المسجِّلة" تحكي لأبي في شريط كاسيت ما تريد وما تعاني وما عاشت في قريتها. تتحدث بتودد وتوسل وتنفعل وتغضب ثم تحنو وتشفق. وتبعث بشريط مرة كل ثلاثة أشهر الى ابي المسافر بعيدا. كنت انظر اليها وهي تتحدث وتفرك أصابع رجلها وقد زال عنها حناء الصيف الأحمر الداكن. وأقول في نفسي: إذا كان ابي قريبا في المسجل فلماذا لا يخرج منها؟
كانت امي تبدأ الحديث ولا تنتهي. تعيد وتكرر وتنتقل من شاغل إلى آخر. تلخص احداث قرية منسية في شريط واحد. تتحدث عن بقرتها ودجاجاتها. عن ارض صغيرة ترعاها وتنتظر المطر طويلا من اجل سنابل سبطة من الذرة الحمراء. تسجل وقائع المواليد والموتى. وتحكى اننا - الثلاثة الأبناء يوم كنا ثلاثة فحسب. كبرنا وأننا الأولاد قد حلقنا رؤوسنا وان أحذية العام المنصرم تمزقت وان جاكيتات الشتاء الماضي صارت قصيرة. تحكي له عن شوكة تؤلمني او جرح في ركبة اخي الأصغر. وكان رد ابي يأتي بعد ثلاثة أشهر. كان صوت ابي مجلجلا باذخ الرجولة والشهامة، صارما حانيا في ان. كانت الحياة بالنسبة لنا تتجمد في كل ثلاثة أشهر ننتظر ان تأتي قرارات أبي بالموافقة أو الرفض. لم يكن للقرية فصول ترسم فواصلها الشمس والرياح. كانت كاسيتات ذلك الزمن هي الزمن وتعاقبها هو دفة التاريخ.
لقد تشابه الليل والنهار في هذه اللحظة وتسارعت الأحداث وغاب التاريخ.


فصل الفعل السياسي عن القانون

لا استطيع استيعاب هذا التجريف الحاصل للسياسة في اليمن من خلال فصل العمل والقراءة والتحليل السياسي عن القانون عن الأخلاقيات والأخلاق وعن مقولات المنطق العام وحق الحياة.
اكثر الغرائب هي غياب رجال القانون عن هذا المسرح. اقصد غياب أدواتهم - عدا قلة بعدد الأصابع- قراءتهم تحليلاتهم.
تغدو السياسة في اليمن فهلوة، استخفافا بطاطا مهروسة ملمعة بالزبدة الضاربة في الـدوغمايية.
ان المساهمة الأكبر في الفساد والإفساد هي في عزل اي عمل متصل بالسياسة الاقتصادية عن القانون. فيغدو كل حديث متاجرة واضحة بمعاناة الناس بحقوقهم.
كل ما يتم الان هو تكريس قانون الغاب. تكريس الحق المقام بالقوة، بالقسر.
24 اغسطس 2014

خريج جديد

ظهرت نتائج الثانوية العامة. ولي اخ حصل على ٨٣ ٪ علمي. وقد لاحظت آن طلاب هذا الموسم حصلوا على غلة وفيرة. معظم أبناء القرية نالوا معدلات رفيعة تتوزع بين التسعينات والثمانينات. وأصدقائي ومعاريفي ممن لهم أبناء وبنات ضمن هذا الموسم يتبادلون التهان بفرح عارم. 
ساتظاهر بالفرح لأخي. بل اني فرح. بالمناسبة اخي وهو السادس في الترتيب في العائلة والرابع من الذكور اسمه موسى وهو أكثرنا نبلاً وأدبا ومثابرة وتكن له امي حبا نوعيا لأنه على الأقل جاء نقيضا لأخيه الذي يكبره مباشرة.
لا تخفى حقيقة ظروف امتحانات الثانوية العامة للعام المنصرم وكذلك البيئة التعليمية برمتها في اليمن. وهذا لا يمنعنا من الاحتفاء بالنتائج. وأخي هذا تموضع في موقع/ معدل مناسب فهو على الأقل حصد أفضل نتيجة قياسا بثلاثة أخوة له انهوا الثانوية العامة ولم يبلغ أحد منهم ٨٠٪. لكن أختا لنا تكبره نالت معدلا أعلى منه وما تزال نتيجتها رقما قياسيا في العائلة وعصا غليظة نوجهها في وجه الأولاد ونعيرهم بها على فشلهم وعدم اكتراثهم. والحقيقة ان اخي هذا لو كان قد نال أكثر من ذلك لعرضنا لإحراج شديد فلن يقبل ان يدرس غير الطب او الهندسة وكيف لنا نقنعه ان يدرس في الداخل وانه ليس من السهل الحصول على منحة دراسية الى الخارج. اذكر جيدا ان اصغر اخوالي ما يزال يتحامل على عائلته لأنها لم تساعده في دراسة تخصص يليق بذكائه وبنتيجته في الثانوية العامة وانه الان لا يفتقر للعذر والحجة ان اخفق او أهمل.
انا مع ان يُعطى كل تلاميذ وتلميذات الثانوية اعلى المعدلات وأفضل النتائج. نحن في بلاد تحتاج الى تعميم النجاح ودمقرطة الفرح على ان يتوقف التوظيف بالثانوية وان يخضع كل متقدم للدراسة في الجامعة لامتحانات قبول وتحديد مستوى.
نتائج هذا العام ستفسد الفكرة التعليمية الانتهازية والحقيرة المتمثلة بالتعليم الموازي. فهي تتنافى ومبدأ الاستحقاق لأنها تدفع الاسرة الى ان تدفع أكثر للطالب الأكثر فشلا بينما المتفوق يتعلم بسرع أرخص. أظنني أتحدث عن مشكلة شخصية اعيشها مع اخ وأخت لي.
سأهنئ كل أبناء قريتي وخريجي الثانوية العامة لهذا العام واتوعدهم بامتحانات القبول في الجامعة. يجدر بهم في هذا العام تلقي دورات مكثفة في اللغة الانجليزية وتعلم ما كان محذوفا من مقرر التعليم في الثانوية خصوصا المواد العلمية واهنئهم على انهم ان فعلوا فلن يخضعوا لابتزاز مدرسي مواد القران والتربية الاسلامية. انه العام الوحيد التعليمي الذي يمكنهم ان يعلموا أنفسهم.

معلق إلى غيمة

أوليس يأتي من هذي السماء وحي فهيم ؟ 
إنها حالة حصار أيضا. وودت لو ارفع يدي عاليا وأبلغ السحب واغرس سبابتي المعكوفة في غيمة هائمة تحملني معها إلى البعيد وتضعني هناك كقطرات لدنة تسقط على سطوح الورق أو تغور في الأفواف. ترتطم بجاكت جلد نسوي خمري اللون لسائحة روسية في إيلات. سأتوسل الغيمة ان تحملني إلى البعيد أو تتركني أسقط على ورقة مانجو ملساء مطوية كرغبة أرملة طازجة.
يا صديقي القابع في الطرف القصي من افريقيا! هل تسمع صوتي وصدى الأصفاد كصنجات وزّان نزق يبيع التمر الحضرمي في باب اليمن؟
السجن قاسٍ وأقسى منه هذا الصمت والثبور. أيامنا الحبلى تلد خدائج قميئة من الآمال والمنى. العمر لص لئيم.
يا صديقي في البال اهزوجة في فم راعية عجوز في جبال سُمارة أو تلال جبال العَود. "مَهجَل" ينادي الأجداد في أرض حِميَر. في البال "ملالاة" لعروس بعد زواجها تقف على قمة جبل المقاطرة وتضع كفها الأيمن فوق حاجبيها تنظر "زعيمة" قادمة من جيبوتي تحمل الحبيب المفارق، وعلى ابطها حزمة من العوسج والعرار.


النهر والبداوة

لا تعجب لمن لم يروا النهر في حياتهم ان يتقاتلوا. النهر أصل الحياة وحبلها السري. وهو شريان الرغبة والاشتهاءات. من يسكن الصحراء لا يعشق إلا الظل في الظهيرة او شرارة نار في الشتاء. والموت عنده كالحياة. تفصيل ناتئ. لم يعرف من الطبيعة غير انتظام النمل في جحافل وارتال. يغريه السُّكر ويدخر الملح. يحتضن خنجرا عند النوم ويتوسد حجرة صماء ويفارق زوجه. يكدس بنيه كما يجمع أغنامه. وحدها بعيره ونوقه حرة. أوليس من كل هذا تأتي عداوة الحياة؟


عنف وتطرف

ذهبت صباح اليوم الى مقهى في الحي ابحث عن قهوة الصباح. 
في اغسطس، الجميع في اجازة ومعظم المحال مغلقة. كما ان اليوم هو الأحد.
لثلاثة أسابيع وانا لم اطلع على صحف فرنسية كنت فيها في اجازة في اليمن ساعدتني انطفاءات الكهرباء على الانقطاع عن العالم.
نعمت ببعض ايام بهدوء غير مسبوق وعدم اكتراث حد البلادة. عدا بعض انشغالات وترتيبات عائلية صرفة.
صحيح ان مجالس القات تضخ في عروقك جرعة كبيرة من الهم اليمني اليومي ومن لوك السياسة الكثير والكثير.
في الصحيفة الفرنسية كانت اخبار الرياضة هي السباقة وقضايا الصيف والملابس والطبخات. ربما وقع اختياري على صحيفة لا تهتم كثيرا بالشؤون الدولية وصفحات الكلمات المتقاطعة اهم من صور جرائم داعش او تفاصيل المواجهات في أوكرانيا.
الحقيقة اني وجدت الجريدة مطوية على صفحة الكلمات المتقاطعة.
قرات في الصحيفة عن خبر تحرير عن تلاميذ او تلميذات - لم أتأكد - نيجريا المختطفين على يد بوكو حرام، وشاهدت صورا لليزيدين المشردين بسبب الدولة الاسلامية. جرائم المسلمين هي التي تتصدر القبح في هذا العالم.
خلت نفسي فرنسيا لم يعد يكترث للدين ذهب في اجازة في احد جزر المحيط وتنعم بالبحر والشمس مع حبيبته ثم عاد الى باريس مبتهجا وطالع هذه الصحيفة وامتقع لان العالم البشع يصنعه إسلاميون. الجميع يتحدث عن انتخابات ومفاوضات وعمليات من اجل السلم الأهلي بينما هؤلاء الوحشيون لا يعرفون غير لغة الذبح والقتل وال اختطاف.
تشهد أوروبا تصفيات رياضية حاليا في رياضات العدو. ونحن نتحدث عن العدو والعدوان والموت والفدى.
الفارق كبير.
التقط صورة لهذه الخريطة التي يشير اللون الأخضر منها الى مناطق انتشار داعش هذه.
انه انتشار خطي بمحاذاة نهري دجلة والفرات. مجرد خط على خارطة دولتين لكن جرائمها صورتها وكأنها العراق وسوريا في ان.
أخطا من صنع هذا الصورة في اختياره للون الأخضر. انها بقعة من القبح والبشاعة لا يعادلها شيء سوى دين زائف.

* الصورة غير مرفقة هنا 

من ذمار

من ذمار, من سوق الربوع يوم الاربعاء حيث سانحة ان تطل على التاريخ وتجده من دون رتوش. المدينة القديمة في ذمار انسجام الطبيعة واصرار البشر، انها عبقرية العشوائية التي غدت تنظيما ودقة. روائح البهارات وصراخ الباعة على الطريقة الذمارية واصطدام الاكتاف في الازقة الضيقة هو تثبيت للذكريات عبر كل الحواس. الدرجات النارية التي تذرع الأزقة العتيقة وهي تدوي بأزيز المحركات وغناء وموسيقا متداخلين بين آخر الصرعات العالمية وأكثر الاغاني اليمنية أصالة. عبق المدرسة السمشية وهالة القداسة التي تحيط بها هي الجائزة الثمينة لكل من أراد زيارة ذمار أو التوقف فيها فيما لو كان عابرا. تختلط المشاعر لكل من وقف في فناء المدرسة حيث المنارة العجوز التي تقف بإباء وشموخ وهي مفصولة عن جسد الجامع وإلى الجوار كوى صغيرة كانت فيما مضى سكنى الرعيل الأول من الفقهاء والشعراء. وجدتني اتلصص على حكايات البردوني والمقالح والحضراني. استحضرهم عسفا واتصور انهم مروا من هنا واجمع صدى قهقهاتهم. يتحلق ثلة من فاقدي البصر في حزام المدرسة من الداخل. صامتون تتحرك اعينهم دون بصر وافواههم دون كلام. صمت كالعتاب او الشكوى من الاهمال. نعم المدرسة مهملة وهي تستحق عناية أكبر واهتمام أعلى. هي ليست جدران وطلاء ابيض. هي ذاكرة اليمنيين ووعاء حضارتهم. اكملت دورتي في السوق ووجدت بعض المنازل المهدمة وقد نبتت عليها اشجار تين شوكي وصارت شاهدا على ضريح. ضريح التاريخ اليمني. تبدلت الحِرَف والسلع. لن تجد شيئاً في سوق شعبي يدل على أصالة السلعة سوى محلات الحدادة أو تشكيل الحديد حسب احتياجات المزارعين. بالمناسبة الحداد الرئيس في السوق كتب على بابه " رحم الله الإمام". إنه شقاء مركب أو انقطاع عن الاحداث. لم يتغير شيء ولم تصل الجمهورية او ربما حنين الى تلكم الايام البسيطة. وجدت عجوزا يبيع "سليط ترتر" من قناني بلاستيكية بينما معصرته مغلقة حيث كنت انتظر رؤية جمل في المعصرة يدور وتدور معه الذكريات والاشجان. 
لن اتحدث عن شارع الحب في عالم تهترئ فيها الافراح. لن أتحدث عن مظاهر الأعراس وتجهيزاتها التي تقتل الفرحة بفرط الزينة السطحية. مكان بعث في نفسي السرور وكان كافتيريا لبيع العصائر. وفيه شاب انيق يقف مبتسما ينتظر عملاء جلهم مجانين يبحثون عن شاهي احمر في قصاع الفول. واجهة المكان من الداخل مزينة بلوحة جمعت عليها عملات ورقية ومعدنية من شتى دول العالم. يشير الشاب بفخر الى بعض العملات ويضع اصبعه بزهو على صورة غاندي او صدام حسين. يتعمد تجاهل ورقة الدولار الواحد لكنه يشير بامتلاء الى ورقة من فئة عشر بقشات يمنية كما ينافح في القول وهو يشير الى " الدينار العدني" كما ورد على لسانه. كان العالم محشورا في زاوية ضيقة. لا تنتهي المتعة برفقة الاصدقاء هنا ولا يقف الكرم عن حد لدى اهاليهم.


ضجر

ستخرج من مقيلك بعد السابعة مساء وانت في خدر أليف. بالطبع ستكون أقرب ما تكون أعشى. خطوات قليلة تبعدك عن أقرب ركن للشارع حيث كيس الضجر والكآبة ينتظرك برصانة وجمود رجل التحقيق. لن تفكر في الإفلات. ستأخذ نصيبك من الهم اليومي بكل تفانٍ وامتثال وتضعه تحت ابطك الأيسر. 
صنعاء في المساء خزانة شاسعة للأحزان والبؤس. وجوه الأصدقاء تحكي فزع الهارب من اندلاع حروب الفقر والعصابات.
ستكون قد أفرغت جام غضبك من الوضع الى جارك في المتكأ حتى وان كنت لتوك قد قابلته. ستلعن كما تحب وتبصق في الهواء.
انه طقس يومي يكمله صمت الخطوات على رصيف اجرب في حارة فرعية مظلمة.
لا مفاز في حالتك الا لو كان لديك حبيبة تحتمل صوتك النزق قبل النوم وآهاتك الغريقة. ستتطوع هذه الحبيبة لتمسح عنك سحابة داكنة من البؤس المسرع.
ماذا لو كنت وحيدا او مفارقا او بعيد؟
يجدر بك ان تحمل كيس الهم على ظهرك وتمضي.

عن جدائل صعدة

العزيز مروان 
انتهيت من قراءة الرواية. أقصد روايتك أنت " جدائل صعدة". قرأت الجزء الأكبر ظهر الجمعة. قبل وأثناء الخطبة ثم انصرفت لأداء الصلاة. يمكنني أن اقول إنني في منتصف العمر ولمرة واحدة أديت صلاة الجمعة كما يجب لأني اخترت الخطبة المناسبة.
"جدائل صعدة" عمل بديع استحق كل ذاك الاحتفاء واكثر. سبق وقرأت لك من عملين روائيين سابقين. لكنك في الرواية الأخيرة أثبت قدرة كبيرة على التجاوز بما في ذلك تجاوز نفسك الكاتبة. انها مانفيستو حقيقي لإدانة الحرب، للحديث عن المرأة، عن الأرض وعن السلام. وهي أيضا قصيدة شعرية بسلاسة الريح ونفاذ الماء.
الرواية وثيقة أنثروبولوجية اجتماعية وثقافية هامة تمكنت فيها من الإفلات من كماشة الآني والظرف الراهن والانحيازات الضيقة.
ولا أخفيك أني كنت أتوق الى قراءة الرواية بعد ان وضعت رهانا مع نفسي مفاده ان مروان سيكتب سياسة وليس أدبا او على الأقل ستترجح لديه انحيازات ظرفية. والصدق أنك نجحت في إفشال رهاني. او لنقل اثبت انك مروان الأكبر من التحيزات والمتجاوز للراهن والاني.
أدب الرسائل من اعقد الأجناس السردية لأن الكاتب امام امتحان ابقاء القاري على نفس مستوى الاهتمام من البداية إلى النهاية كما أن الإمساك بالخيط السردي الموّلد للشغف أمر ليس بالهين. لكنك نجحت نجاحا باهرا. لقد ألهبت خيالي إثر قراءة السطور حتى أنى وددت لو ان الرواية لم تنته.
سأصدقك القول إني مع قراءتي للرواية انحزت كثيرا للتصوف وللحب والى الحق المطلق في الحياة.
هذه فرصة لتشكيل الوعي والنفاذ به من أطر التنشئة الاجتماعية العدمية.

حضورك كسارد ومتلق وشخصية في العمل هو معادلة بارعة.
استعمالك للصوت الأنثوي الذي يتحدث عن الحرب ومناخاتها واستقبال أخبارها وتبعاتها كان فذا. وهو الصوت المفقود. لقد أنجزنا تصورا مغلوطا مفاده ان الحرب ليست الا للرجال وعلى هذا الأساس وضعت المرأة في موقع هامشي رغم انها المتضرر الاول من الحرب في النصر او الهزيمة.
لقد وجدت الرواية - حيث الحرب فيها شيء محوري - حربا ايضا. اذ يكتمل مناخ الحرب حين يتنقل القاري بين السطور ويضع إصبعه على جملة هي أشبه بلغم وما ان يمر البصر حتى تتفجر الأفكار والبديهيات في الذهن دفعة واحدة وبصاعق واحد هو الإبلاغ والتأمل.
سيكثر القول في الرواية من متخصصين وغيرهم وانا هنا أدلو بما استطيع كقاري بسيط.
سأعمل على ان تٌقرا الرواية اكثر بين أهلي لأنها تنطوي على حمولة أخلاقية في السلوكيات الفضيلة لا يمكن ان نتعلمها بسهولة. كما انها تقدم درسا تربويا في التعامل مع قضايا الشرف وأمراض المرأة. انها تضعنا امام مفاضلة الموت بكل أشكاله وتنويعاته او الحياة مع اجتياز صراط العيب والعار وادعاءات الشرف الزائفة.
باختصار وجدتني أعيش في الرواية لا اقرأها فقط. أهنئ نفسي بصداقتك وأهنئ الوطن بإنجازك السردي المتفرد. 

القرية جملة حواس

في صنعاء مجددا بعد ايام قلائل في القرية مسقط الرأس والذاكرة. 
لا شيء في القرية أجمل من الليل المستكين الموشى بالنجوم وعواء الكلاب في وجه القمر. وأصوات
حشرات ساعة الغروب وما يليها او عصافير الفجر. رائحة الارض اول سقوط المطر او ندى الأشجار بعد المطر او في الصباح الباكر. نهيق الحمار وقت الظهيرة وخوار الأبقار عند الضحى. الأطفال الذين يدقون طبول الفرح المؤجل بالآواني "والدبيب" بعد العصر. اما دموع الأمهات ووجل نساء القرية ورائحة الجدات عند اللقاء فهذه فوق الوصف.
القرية جملة حواس.
تحية لكل الطيبين الذين قابلتهم.


السبت، 10 فبراير 2018

عن صنعاء والقات

من صنعاء، تحية كفرحة في وجه طفلة في صباح العيد. 
من صنعاء، حيث تلك الزوايا التي لم تتبدل في المجالس ووفاء مقيل ما بعد العصر الدافئ. هنا حيث ثقوب الأسفلت عند كل منعطف إلى شارع فرعي. حيث غبار خامل يخيَّم على المدينة وحيث أشجار "الفوت بات" تربي الأمل وتحرس البهجات المخنوقة. حيث ملامح الشباب تنبثق كعشب من شقوق جدار الشيخوخة واليأس.
حتما، سيمر الداخل في شارع حدة ويجد مطعم الشيباني مفتوحا بحنو كباب أم.
لقد لقيت في يومين من الضجيج ما يمكن أن يتراكم في ثلاثة أشهر في أي بلد أوروبي.
تبدو الحياة هنا وكأنها تجارة قات، هلع ونشوز وصراخ ومخاتلة ومفاوضات سقفها "جِر وناولني، وصدقني انك الرابح".
لا يصدق المرء كيف أصبح القات مكوناً مركزياً في ثقافة اليمني وصوغ شخصيته. لأنك في اليمن لن تخرج عن قطبي بائع القات أو مستهلكه. وعي ثقافة لا تحدث أي تراكم ولا ينتظر منها اي تقدم وتحديث.
احاديث صنعاء مكثفة للألم والأحزان وذكريات حول من داهمهم الموت وما أكثرهم لكنها لا تخلو من فرحٍ مسافر.
انتظار الأهل فوز عظيم وفرحة الأخوات بالقادم من سفر لا تضاهيها فرحة. نزق الأطفال و"فشرهم" مصباح آخر لليالي المظلمة.
لا شيء تقدَّم. كما أن التراجع محدود. وتكرار الأزمات قادها الى ألفة سلبية. شيء وحيد ينمو على نحو مخيف إنه زيادة أسعار السلع. مع هذا، فهذه الأزمات أوجدت فرصاً ايضا وازدهرت بعض تجارات وبارت أخرى. المهم الحياة مستمر ولا يهم منحنى الاتجاه او انعطافه.

الجمعة، 9 فبراير 2018

البنك الغذائي


مع كل موسم شتاء في أوروبا وعندما يشتد الصقيع والبرد يخطر على البال المشردون والذين بلا مأوى ويتحرك المجتمع لمساعدتهم.

ثمة مبادرة بعنوان البنك الغذائي وهي ان السوبرماركتات الكبيرة بالتعاون مع جمعيات معينة تعد لهذه الفعالية. في مدخل المتجر تجد شابا او شابة بلباس الكشافة يقترح عليك كيسا بلاستيكيا وبداخله ورقة تشرح فكرة البنك والغذائي وقائمة السلع المرغوبة وهي : أرز، مكرونة، دقيق، سكر، شكلاتة ...
تخصص بعض الارفف للسلع التي يمكن المساهمة بها وتجمع في مخرج المتجر فورا.
معظم المشردين من الذكور والبالغين او كبار السن وقد يكون بينهم أزواجا. لكنك لن تجد لهم أطفالا.
يدركون بووسهم ولا يا يتهورن ويظلمون أطفالا لهم.
وهنا يحضر الفارق في الوعي. اليمني كلما كان فقيرا تزوج وأنجب. والأوروبي يمتنع عن الزواج ولا ينجب أطفالا.

1 ديسمبر 2013

"كل عام وانت سارق"



في المحصلة لم يعد لدينا مجال لصوغ امنيات حقيقية قابلة للتنفيذ في عالمنا هذا وفي بيئتنا غير التماهي التام مع القانون المفروض كمعادلة ناجعة للنجاح. نريد ان ننجح ونبذل قصارى جهودنا لكن احلامنا تتبخر لأننا لا نمتلك القدر الكافي من ممارسة الرذيلة الجمعية كسلم وحيد.
اقتراب عيد الفطر منحني فكرة جيدة لتهنئة ممكنة وقابلة للتصدير الى اصدقائي الذي يشاركوني في احايين كثيرة خيبة الامل وفي احايين اكثر امل التوق والانعتاق من هذا البؤس الجاثم.
يأتي كل عام ونقول تهانٍ كثير من قبيل" كل سنة وانت طيب" و"كل عام وانت بخير" و"كل عام وانت متفوق". "كل عام واحلامك تتحقق" وحاج  وعريس وسيارة وبيت".
عدى العافية المتدهورة لا شيء يتحقق. وكلما خطونا الى الامام خطوة ارجعتنا البيئة عشرات الى الخلف.
لا شيء يزدهر غير الدواعش والدواحش وجرائم باسم الله وباسم نبيه. حتى يكاد الفرد يتساءل فيما لو ان الايان جلابة للشر المقدس.
كموظف حكومي اجد ان افضل أمنية هي "كل عام وانت سارق" هذا لان سارق او لص حكومي او حتى في القطاع الخاص - اذ لا فرق ، كل يسرق بطريقته، فاذا لم يسرق رب المال سرق نفسه او ساهم في سرقة الناس عبر الاحتيال والغش والتهرب من دفع الضرائب والجمارك والزكوات - لم تعد جريمة شنيعة. الجميع متصالح معها وصارت هي سلم الصعود الوحيد.
اخبروني ! من منكم لم يعرف لصا في وظيفة عامة يترأسه ويصعد إلى الأعلى أكثر فأكثر.
لا فائدة في شهادتنا الورقية التي نحصل عليها. فالشهادة كلما كانت أكثر عمقا وتخصصا كانت اقل جدوى ووبالا على صاحبها بالمقابل الشهادات المزورة هي الاخرى جلابة للحظ والمنصب والمال ايضا.
ربما ينبغي علينا ان نكون اكثر صراحة مع انفسنا ونحدث ازاحة حقيقة للمعنى والدلالة لهذه المفردة. فسارق تعني مديرا كبيرا يصعد أكثر وأكثر في الوظيفة وتتسع موارده واملاكه وتنتفخ اوداجه من المال العام دون حسيب او رقيب.
خواتم مباركه وكل عام وانتم سرق.

كهوف مقيتة



انه تباكٍ جزئي على هيبة الدولة وإدانة غير بريئة لبريرية القادمين من كهوف شمال الشمال. وكلما حدثت حادثة بشعة كـ اقتحام مدينة وتفجير مساكن وقتل جماعي وتهجير - في إطار حروب الجماعة المريضة بالاصطفاء والإقصاء - حدثت جريمة في حي من احياء صنعاء كـ اغتيال لفرد او تفجير وكأن هذه تمحو تلك او كأنه الطعم اللازم لغض الطرف عن الجريمة السابقة وعليه سيتدافع المدافعون عن "الحكوك" والحريات وستتوالى الادانات وتلصق الجريمة بطرف ما رغم علم الجميع أنه لم يتبن العملية.
نحن أمام عمل منظم جيدا.
مقابل عدم توقيع أنصار الله على مخرجات الحوار تم اغتيال الدكتور شرف الدين ومقابل تجاوز احداث عمران يتم تفجير عبوة ناسفة وإصابة شابين.
هذا عبث لكنه منتظم جداً.
من لديه ذاكرة حية لتتبع الأحداث واستنتاج ما هو أدهى ؟.
كلها كهوف. كل طرف لديه كهفه الخاص. لعن الله الكهوف المقيتة.



ثقب يتسرب منه الشجن

عجبي. 
عجبي كيف يغدو الوقت مقيتاً وعقارب الساعة هي الرمح المغروس في الخاصرة. وكيف يغدو الواحد منا عاطلا عن البهجة منصرفا عن افتتاح الصباح بحلم مراوغ ورغبة نابضة. على غير الموعد وكورقة توت تجرجرها رياح أيلول، يتسكع الغريب مستطرقاً أرصفة الخيبة. لا نجاعة في شيء ولا حافز من البسمة. فقط عليه أن يخصص وقتاً لرصد المواعيد وعد إشارات المشاة. ما أثقل " بُكرة" حين يأتي. فلا جديد يحدث ولا قديم يرجع. هذا الخواء هو ثقب في الداخل يتسرب منه الشجن. لا طائل من عد الأنخاب والقداحة تشربت ماء الخمول. الذاكرة مبلولة بالشمع. واسفلت المدينة يغطي الذهن وتدوس عليه عجلات الايام.


شطح خيال

حلم يقظة 
صورة لاحد الأحياء الشعبية في مدينة عمران القديمة وقد زينت بلدية المدينة هذا الشارع الرئيس بمناسبة عيد الحب.
الصورة التقطت وقت الظهيرة ويبدو الشارع يخلو من المشاة عدا نزر قليل حيث يتواجد معظم مرتادو الشارع في مسرح يقدم عروضا في هذه اللحظة ثم يعود الشارع مسرحا مفتوحا للفرق الموسيقية.
الجدر بالذكر ان فرقة هارمونية من فتيات المدينة من فرع المعهد القومي للموسيقا ستقدم عروضا في الساعة السادسة مساء مع حلول الظلام وستعزف مقطوعات موسيقية عالمية مع دمج ألحان يمنية صرفة لتعزيز الطابع المحلي المعروف بأدوات عالمية وحديثة ايضا.

طفل مجرد رقم



لمن كل هذا الحنين لمن؟ ما تزال في فجر ايامك يا صغيري. لا تتسرع. ادخر الحنين للحظة اخرى مناسبة. ونظرة الاطفال هذه لن تجديك ولن توفر لك غير المتاعب والقليل القليل من التعاطف.
هل تدري ما يحدث في بلدي؟
يحدث شيئا مشابها للذي تعرفه انت. هل تعرف انك مجرد رقم. واني ربما الوحيد الذي لفتت انباههه نظرتك يومها وقلت فيك ما يشبه الشعر. في بلدي الاطفال ليسو اكثر من رقم في كشف من يوزع السلاح او الموت. او من يهدي النزوح والتشرد.

في اضرار الصوم أيضا

 من منا ليس له قريب ما مات في رمضان؟! 
بسبب ممارسات دينية غير صحية وفي بلدان لا تهتم بمتابعة احصائية لحالات الوفاة وتبحث في أسبابها وتقدم صورة صحيحة لعلاقة الممارسات الدينية بالصحة فإن أعداداً كبيرة من الأنفس تقضي في رمضان.
مرضى سكر او أشخاص يعانون من سوء تغذية او مشاكل ذات صلة بالقلب او الكبد.
كل هذه حالات مرتبطة بنوعية الغذاء وتردد تناوله.
في المناطق الحارة يتعرض الأطفال وكبار السن لحالة فقدان حاد للسوائل.
لكن لا الأطباء يتحملون مسؤليتهم ولا رجال الدين يخافون الله في الناس. يكتفون بما يحصلون من عسل وتمور كهدايا ويشددون الخناق على الناس.
ليست تعجبني طرفة افضل من " ما بش على بني معدن صلاة ولو كُعَلهُم [خصيهم]من حديد".
لقد تم تعطيل مفهوم القياس وجعله منهج مقارنة مخصص للتزمت وتعطيل العقل.
غاية الدين صون الحياة وإلا فلا داعي لالصاقه بالخالق اذا كان دينا يبتغي الانتقام والإجهاز على الأنفس.
شهر كريم. 

"خيلت بارق لمع"


"خيلت بارق لمع"


كم تسكنني هذه الاغنية. انها على قدرة عجيبة استيطانية في الخاطر. لحنها خلّاق وهو خليط من تراتيل/أناشيد الحرب وأهازيج مواسم الفلاحة أو الحصاد. تلاوينها من أغاني شرّٓاح الحقول الخضراء. وتماوج الأصوات يمنح الأمل استمرارية وخصوبة وليس أجمل من براءة الأصوات النسائية وانثويتها المتهادية البدائية دون تصنع أو تكلف. كما أن رتابة في الإيقاع بادية تجعله متواضعا سهل الإمساك به.
صحيح أن الاغنية بصوت محمد عبدو زيدي اتخذت حضورا أبهى وانصع.
الا ان طوفان من الشجن والحنين لا يقاوم في هذه الاغنية التي ظننا انها لم تولد الا في أوبريت السنوات القليلة الماضية في ذكرى ١٥ سنة من الوحدة.
كم كنا منهوبي الذاكرة.

20 juin 2014 ·  

قلب ميت

من أمس وأنا أفكر بك. وكيف ان الحياة اخذتك منا بعيدا. لقد نالت منك مجريات الحياة وافسدت سريرتك وجعلتها حقلاً أجرد لا يصلح إلا للمعارك يا صديقي. أنت لا تستوعب كمية العنف اللفظي الذي ينبع منك. كلماتك تمثل حقلاً دلالياً للصراع والعداء. أنت أقرب إلى الكراهية من الحب. تبا لهذه التجارب المقيتة التي تميت قلوبنا قبل اجسادنا. وتبا للحب الذي ينقلب الى كراهية زعاف.

في قدح البالطو

بالطو العقل اقبح من بالطو الجسد. 
هذا الوجه السافر وهذه الزينة وثيقة الصلة بالأرض-الأم هي البيان والتبليغ عن العفة والكفاح. هكذا عرفنا امهاتنا. هكذا عرفنا نساء القرية وكن جميهن امهات لنا. إن كن أكبر سنا من امهاتنا فهن جدات لنا وإن صغرن عن امهاتنا فكن أخوات لنا.
اليوم البسناهن القبح عبر بالطو أسود ممجوج، لباس اخرس لا ينطق الا بالعنف والاقصاء، فامتد القبح الى عقولنا. وكأن العفة هي التي كانت تنقصنا.
لم نكن نبحث عن عفة في القلوب. ربما كانت متوفرة وببذخ. فتغافلنا عنها وصرنا نبحث عن عفة في الشكل. اخطأنا الطريق فأضعنا عفة القلوب. تلبسنا البالطو في عقولنا فتأبلسنا.
اعيد النظر في الصورة فأجدها تنطق بالطهر والنبل. ثم استذكر اشباح البالطوهات فابصق في الارض والعن اليوم الذي دخل فيها هذا اللباس القميء المليء بالتشكيك والامراض النفسية.
اكرر النظر فابكي. ابكي على تلك البراءة والعفوية التي نفقدها يوما تلو اخر.

عشق تحت المطر

تبدو الحذاقة تحت المطر خائبة لعجزها التام. إما ان تستعد بما يكفي او تستسلم هانئا. 
المطر غزير وبقطرات صغيرة متقاربة. سآوي تحت شجرة مورقة كأنها مستقدمة من غابة استوائية. أوراقها عريضة منسدلة ويتساقط منها ماء بقطرات أكبر. تحت الأقدام تجمع ماء مستكين تتخلق فيه فقاعات شفافة تلتمع وتسافر لتلقى حتفها سريعاً تحت وابل المطر.
شمسيتي صغيرة منكمشة كـ عاشقة مخذولة. وفي الأفق شابة تمضي كالسهم، فارعة تركض كحصان.
وعلى بعد أمتار قليلة يجلس افريقيان بشرة فاتحة تحت سقف جاف. أحدهما جعله البلل يباعد بين ذراعيه وساقيه.
من المقهى المقابل، يخرج شاب وحبيبته يقهقان. بلباس صيفي، ترتجف الفتاة اصطناعاً، هي بين التذمر والتلذذ من قطرات الماء الباردة التي تسقط على كتفيها وصدرها العاري. يفرد الشاب قرطاسا بلاستيكيا ليظللها فيرفرف الكيس خفاقاً بالنشوة ويترك الفتاة تشهق.
لا مجال للحذاقة تحت المطر. دع إنسان الغاب الذي بداخلك يتصرف.
ها انا أتلمظ قطرات الماء التي عبرت وجهي.

اخبار البلاد



على بعد أمتار قليلة من رصيف المقهى حيث كنت، هناك كرسي خشبي فسيح مغروس في المسافة الفاصلة بين خطي الذهاب والإياب في الجادة. على الكرسي، يجلس كهل عربي بشارب ابيض كثيف. يتصفح هاتفه الايفون بلهفة. من نظارات سميكة يتطلع الى شاشة الهاتف الذي يفتحه ويطفئه بتواتر. ماذا يقرأ الرجل يا ترى!؟ اخبار الوطن المنكوب؟ او علوم قوارب الرحمة التي تغرق عرض البحر بين ضفتي المتوسط حيث أمل الخلاص من العذاب لشباب متوهج موعود؟ أيستقصي اخبار الأشبال في قرية تشكو عطش الأمطار وجور أسعار القمح وشجارات الجيران وتنتظر الزيجات الجديدة؟ ام جرائم العسكر وفتوى الرجال المنقوصة شهامة المكتملة فجورا؟
يتلهف الرجل للاطلاع على الرد كعاشق ولهان.

يا رجائي

خبر استشهادك كان فاجعة اجلتها طويلا. ورفضت التصالح معها او التسليم بها. 
فاجعة ما كنت ارغب بمواجهتها. كنت الحظ اسمك مكتوبا على لوحة ورقية في باب الجامعة الجديدة في صنعاء وأوفر لنفسي كل اشكال اللبس لأقول: كلا ليس رجائي الذي اعرفه. رجائي ببسمته تلك لا يمكن ان يداهمه الموت.

ثلاثة اعوام وانا اواعد نفسي بان التقيك الى جوار "القسم الفرنسي". التقيك وانت بهيئة مختلفة أكبر مما كنت وبهي كما كنت. التقيك هناك حيث كل الطيبين: عم امين وماجد وعم سعيد...
قبل عام من الان تحدثت الى صديقي وصديقك الذي يحبك كثيرا "جساس" وقلت له: الثورة قطفت منا أكثر ورودنا نقاء حتى أنى اشك ان "رجائي" في عداد المخلدين.
حاولنا يومها ان نداري الصدمة وكذبت على نفسي اذ قلت: لكن لست متأكدا ان كان هو فقد التبس علي الاسم.
رجائي!
ما يزال صوتك الحاد والطفولي مذ عرفتك قبل اكثر من عشرة اعوام يلح علي ان التقيك.
هاو هو محمد يأتيني بالنبأ اليقين والحزن المدّخَر. صورتك هنا تقول كل شيء. تقول اخلاصك وعصاميتك وبسمتك الخجولة ونكهة بن بني حماد الاصلية.
كلما نظرت في صورتك التي لم ارها منذ سنين امتلأت عيني بالدموع. ابتسم لابتسامتك واحاول خنق البكاء وغصة في الحلق تتعاظم.
رحلت باكرا كالصدق وككل قيمة نبيلة. رحلت لأنك أكبر من هذه الدنيا الضيقة. رحلت الى مكان يليق بك ويبعدك عن الخذلان والزيف.
ماذا يمكننا اليوم ان نقول لك. اي رسالة نبعثها اليك. عن اي شيء نطمئنك.
لا شيء سوى الامل الفاجر. امل ليس له نبع اخر غير بسمتك البريئة غير حركتك كترس ساعة سويسرية.
نم! نم هادئاً!


اليمن والسعودية: هل يبدأ التاريخ القومي قبل الاسلام ؟


هذا واحد من أكثر المقالات تنقيبا وغوصا في الهوية بين كل من اليمن والسعودية. وباختصار يستمد اليمن أبعاده الهوياتيه من التاريخ القديم لما قبل الاسلام تحديدا بينما لا تكترث السعودية إلى هذا الأمر لأنها لا تؤسس لهويتها إلا من خلال العهد السعودي.
بالمقابل يجد اليمن صعوبة بالغة في تشكيل هويته المتجذرة تاريخيا واعادة استخدام تاريخ اليمن لما قبل الاسلام لأن الغوص فيه لا يحظى باهتمام كبير في المرحلة الراهنة كما أن الفترة الاسلامية باعثة للخلافات بين التيارات الدينية المتعايشة في اليمن بالإضافة إلى المرحلة التاريخية الفاصلة والاعتماد على الاساطير والتقاليد فقط.
حتى ما قبل الواحدة اليمنية كان هناك اهتمام كبير بالتاريخ والتراث اليمني خصوصا في الجنوب حيث كانت هناك دورية باسم "ريدان" وهناك اعمال تنقيب وحفظ للمواقع الاثرية.
هناك مجلات علمية عديدة بدأت في السبعينات وتخصصت في التاريخ والتراث اليمني والهوية اليمنية منها الاطلال...
لا يوجد في اليمن سوى اسم شارع واحد يمجد شخصية يمنية تاريخية لما قبل الاسلام هو شارع سيف بن ذي يزن.

في المقال تفاصيل اوفر عن الموضوع وتناول منهجي وموضوعي. لكني شخصيا يمكنني ان اضيف ان الصراعات الدينية الحالية في اليمن قد تدفع بكثيرين الى استنهاض الروح اليمنية التاريخية مقابل تجاوز شرنقة الصراعات ذات الطابع الديني الاسلامي.
المقال من مشورات المعهد الفرنسي للشرق الاوسط


Yémen et Arabie Saoudite : l’histoire nationale commence-t-elle avant l’Islam ?
Yemen and Saudi Arabia: Does National History Start Before Islam?
Christian Robin
p. 193-207


ارحموا أولادكم وبناتكم.

اللعنة! 
تربيتكم المتزمتة والعدوانية خربت علينا الفتيات حتى بعد الزواج. من كثر ما العائلة تغرس في راس البنت ان الشاب اي شاب هو عدو افتراضي وهو الاخر، تتزوج الواحدة وهي تعيش تربص وتوجس وزوجها هو الاخر. الاخر الذي تتوقع منه الغدر في اي لحظة.
هذه الذهنية تولد استعداد لتنفيذ الغدر ايضا.
تتزوج الواحدة وهي مشحونة عداء واستنفار وأنانية يا ساااتر.
طبعاً الشاب لديه موبقات أخرى فالمرأة ليست أكثر من وعاء رغبة (كنتيجة لتنشئة جمعية لا دخل للعائلة في الأمر؛ وعليها الطاعة (كمعطى اجتماعي تتحمل العائلة المسؤولية الأكبر).
لكن هذه التربية متناقضة جداً على مستوى النوع فهي تعطي صنفا تعليمات غير تعليمات الصنف الآخر من النوع، وعلى مستوى النوع الواحد. كيف يراد للبنت أن تكون طيعة ولنفس الوقت نشحنها عداء وكراهية.
الخلاصة هذا خراب ينال من الزواجة ايضا. 

فرحة مضاعفة




بالأمس كانت ذكرى تحقيق الوحدة اليمنية وهي فرحة غامرة لكل يمني رأى في ذلك اليوم تحقيق حلم اختمر طويلا في عقول الآباء الأوائل الذين كانوا يفكرون بقلوبهم وعقولهم ويعانون مساوئ التشطير.
لكن الفرحة كانت مضاعفة اذ حضرت معرضا للصور عن اليمن في الضاحية الشمالية لباريس؛ سان دوني، إقامته بلدية الضاحية وهو معرض للمصور كريم دي لا بلاين. والذي يظهر على يسار الصورة. لقد وجدت الصور تبعث روحانية كبيرة حيث التقط كريم صورا لكبار سن يمنيين يتلون القرآن بسكينة وسلام. او اطفال يلهون او رجلان يصليان على الشاطئ وقت الغروب
كانت تعكس صورة إيجابية عن اليمن - في لحظة صار من الصعب الدفاع عن صورة اليمن - بعيدة عن التشوية او تعظيم السوء الموجود في اليمن من خلال التركيز بشماتة على خدود اليمنيين المنتفخة بالقات او سواد ملابس النساء وانكسار نظراتهن او تنكب اليمني للسلاح المقيت.
التقيت مدربين للملاكمة كانوا سبب ذهاب كريم في رحلة الى اليمن العام المنصرم وبالتالي التقط - الى جانب صور للملاكمين - صورا للحياة العامة في صنعاء سقطرى.
والتقيت ملاكما عربيا سوري الأصل كان من ابطال العالم قبل اكثر من أربعة عقود وصار يعمل مدربا كما التقيت ملاكمين فرنسيين مصنفين عالميين احدهما من أصل جزائري والآخر من أصل أفريقي.
يمكنني اضافة شيئا آخر وهو أننا الشعوب المقهورة - لم يعد لدينا أمل في تنقيح صورتنا ألا من خلال الفن سيما وقد تركز الاعلام على عكس صورة الإثارة والترويع أحياناً.

23 mai 2014 · · 

السعودية والجامعة العربية


المرحلة الراهنة هي حصيلة لعقود من التغييرات بالتالي من فرز للقوى الاقليمية. السعودية تتصدر المشهد الان، على الاقل في الجزء الشرقي من العالم العربي، وفي الجهة الاخرى ربما الجزائر كقوة اقليمية.
كانت الجامعة العربية كأداة متعثرة جدا بسبب ارتفاع عدد الديكة في حلبة واحدة ضيقة. لم يعد هناك من قوى عربية اقليمية يمكنها ان تقود العمل العربي غير السعودية بحكم قدراتها وماكنتها الدبلوماسية ونمو مشروعها - كيفما كان ، ومهما اتفقنا او اختلفنا بشأنه.
هل سيقود هذا الى انتقال نوعي في عمل الجامعة العربية؟ وهل سيصب التحول في صالح الشعوب العربية؟ وهل سيقود هذا الى تحول جوهري في حياة الشعوب العربية على أكثر من صعيد؟ هل يمكن ان ترافق الديمقراطية وحقوق الانسان هذا التحول؟
في الاخير فان من الانصاف القول ان المملكة العربية السعودية في تجاربها السابقة ابدت ديناميكية كبيرة في التكيف وبراجماتية في الاداء. قدراتها مكنتها من الصمود وتثبيت مكانتها.
علينا ان ننظر الى المستقبل بطريقة مغايرة ونعيد تقييم الفاعلين.


مسرح في الشارع

كان ذلك في الظهيرة. قلت سأخرج لأتناول قهوتي في المقهى حيث الصيني آلان. بعد أمتار قليلة من مسكني سمعت جلبة ما. فتقدمت أكثر حيث حديقة صغيرة للأطفال في الحي. وجدت منصة مسرحية على الشارع بها حركة قليلة وخلفها جمهرة من الناس فخضت بينهم ووجدت أكواما من القش غرست عليها أعلاما فرنسية وحظائر صغيرة مستطيلة بداخلها بعض حيوانات اليفة. رأيت خرفان ونعاج وحمار وحصان وبعض بطات وخنزير اسود. لمست الحمار ودلكت له ظهره وشاهدته يستمتع ويسترخي. كانت نظرته حزينة بعض الشيء اما الحصان فقد كان ضخم الحجم بسيقان سميكة يتهدل منها شعره. كان حصان للجر يزخر بالعافية. حاولت إطعام بط كان يبدو عليه الاحتداد والغضب لكن مشرفة عجوز زجرتني بلطف. 
خرجت حيث المنصة.
اكتب الان ونفسي تجهش من فرط التأثير. لست أدرى لماذا تمالكني الإحساس بالبكاء. كان عرضا مسرحياً حياً تقدمه فرقة صغيرة في كلية للفن بضع شابات وشباب. كان عرضا عن الحرب العالمية الأولى. يجلس أحدهم على هيئة عجوز من المناضلين القدامى ويستذكر أمام حفيدته الرقيقة تلكم الحرب الملعونة ويجيب على اسئلتها وهناك فرقة تجسد الحديث من خلال مشاهد الحرب والمواجهة تارة أو الحزن والفقدان أو حالات الفرح القليلة مع تصوير موسيقي أخاذ من أغاني زمن الحرب والهدنة في عيد رأس السنة حيث يلتقي الجنود من الطرفين للاحتفال وقدح الأنخاب ثم العودة إلى الاقتتال في اليوم التالي.
وزعوا على الأطفال رسالة هي نسخة من رسالة الجد بعث بها من جبهة القتال إلى زوجته يحكي لها عبثية تلك الحرب وبشاعة النازية. دخلوا القرى هتك الحرث والنسل. بقروا البطون ونهبوا الطعام واراقوا النبيذ.
كان المشهد في ربع ساعة شديد البساطة وديناميكي لكنه مؤثرا جداً.
المسرح هو أعاد خلق الحياة بوعي جديد. والمجتمع يستفيد منه كثيرا في تقديم رسالة وغرس وعي عن تلك الحرب وذكراها.

غنج الصنعانيات

يحاول صديقي الاثير ان يقنعني بان صيف صنعاء - وهو يقصد الربيع - صار اكثر ودية ورومانسية. تسترخي أعصاب المدينة بعد العصر فيخرج الناس زرافات على الأرصفة يحتشدون في مظاهرة جمالية لا حدود لها.
هو لا يفوته أن يخبرني أن الفتيات صرن أليَن وأرق أفئدة. تفوح منهن روائح الزنبق وياسمين تهامة ويعزفن على وقع احذيتهن رقصة للحب.
مهرجان من الألوان ونواصي العازبات المصبوغة بالبهجة والفتون. وضحكاتهن تراتيل من سفر الوداد والعنج المبروم. ونداء النوافذ البيضاء.
إنه جهد يثير الحبور من صديقي هذا الذي يحاول أن يمنح الوضع صفة ملساء وناعمة. إن الحرير لا وجود له إلا في مخيلتك العذراء يا صديقي.
سواد البالطو ستار سميك من البربرية والنفاق المسدل على نعيم أرض بلقيس. وغنج الصنعانيات بددته الهواتف النقالة وتمطي اللام في لهجة الخليج.


16 مايو 2014

الخميس، 8 فبراير 2018

إسلام جديد... وإلا فلننته


مع بوكو حرام وأخواتها، لا يوجد مجال للدفاع عن الاسلام وقيمه الحضارية أو أي بعد مشرق في تاريخه. وكلما قال الواحد إن وسائل التعليم والتقنية يمكنها تصحيح الصورة وتغيير العقليات لدى ابناء الدين الاسلامي في المقام الاول، ظهرت جماعة في اليمن او في الجزائر او في سوريا في منتهى الوحشية والبشاعة لتعيد ترسيخ صورة واحدة عن الاسلام، هي الاسلام "المجاهد" المقاتل البشع الذي لا توجد له أية ملامح جمالية أو روحانية أو رفع لقيمة الانسان.
هذه الوحشية تصب بشاعتها على الاطفال أولاً وعلى النساء اجمالا.


يتساءل الواحد: من أي مرجعية قبيحة ينهل هؤلاء؟ هذا غير معقول ان يكون اسلامهم هو اسلام الاخرين او انه الاسلام الذي وجد منذ اربعة عشر قرن. حتى انه يصل الى نقطة تفكير مؤلمة: هل كان الاسلام على هذا النحو من التدمير طيلة القرون الماضية؟
اطلعت سريعا على كتاب بعنوان" المعافريون في الاندلس" لـ سناء الترب. كتاب مهم يعطي صورة كبيرة عن دور اليمنيين في اهم بقعة ضمن خارطة الحضارة العربية الاسلامية الا وهي الاندلس- وياله من دور! . وقبل هذا يعطي صورة لدور "الجهاد" في تكوين ذلك التاريخ. نقول في كل مرة عن الامير فلان او الملك فلان انه كان زاهدا مجاهدا ولم نقل مرة واحدة انه اهتم بمنشآت عمرانية او مستشفيات او...
شرعية الحاكم كانت تأتي من قتاله الاخرين. شرعية تأتي من الدم.
مفهوم الجهاد بحاجة ماسة الى مراجعة وتمحيص، الى تحديث لدلالاته. الى زحزحته عن الدم والسبي والاسترقاق.
نحن بحاجة الى نشر تصور بين ابناءنا عن الاسلام وفقا لثيمات مختلفة بعيدا الصورة النمطية المكرسة عن الايمان والكفر فقط من خلال الصلاة والصيام والجهاد. ينبغي علينا ان ننظر الى الاسلام من خلال رؤيته للحياة وللموت، للعمل، للنجاح، لمفهوم العائلة، لمفهوم الخير، لمفهوم الصلاح. لا ان ننظر اليه باعتباره مسطرة يمكننا من خلالها وضع حد فاصل بين المسلم والكافر.
التشدق الكاذب في الدين والصورة البشعة للإسلام يدعوان الجميع الى نزوع نحو اللاتدين.
سنكون امام موجة ليست ملحدة فحسب او علمانية في احسن الاحوال. لكنها عدائية تجاه الدين الاسلامي. ان الاكتفاء بادانة افعال هذه الجماعة او تلك هو تواطوء ضمني مع جرائمها. لاننا - كما درج الامر منذ بروز هذه الجماعات الدموية - نتوقع اننا في منأى من شرور هذه الشياطين الملتحية المتعفرة بالسواد. كان العدو اوروبيا او امريكيا. مسيحيا او بوذيا, نحن في بلداننا بعيدين عنهم.
لا. في بلدان العالم عدد من المسلمين يقارب عدد الموجودين في البلدان العربية والاسلامية. هم عرضة لردود فعل وثارات. هم ضحايا في مصادر عيشهم وفرص نجاحهم. ان فشل المجتمعات الاسلامية لا يتوقف عند حدودها الجغرافية بل ان هذه اللعنة تنال ممن هم خلف الحدود ايضا.
ثمة امر اكثر دهاء. الا ترون ان الاسلام السني هو اكثر اشكال التدين الاسلامي اجرامية؟ من يتحمل مسؤولية هذا الامر، في التاريخ الحديث على الاقل؟ ما هي جذور هذا التدين السفاح؟
لم يعد مجديا على الاطلاق ان ندفن رؤوسنا في الرمال. كل الحضارات اصبحت قادرة على التكيف والمرونة مع المتغيرات دون ان تتخلى عن جوهرها. عدا الحضارة الاسلامية التي تبدي تصلبا شكليا مريعا وتفقد جوهرها تدريجيا. نحن امام مفترق طرق اما اسلام متصالح مع الحياة او نصنف كحضارة محكوم عليها بالزوال.

عزيزي سارتر


اكتب إليك في صباح احد ماطر ورياح خانقة.
كتبتَ يا عزيزي عن "الغثيان" يوما ما.
ترى ماذا كنت ستكتب لو علمت بما يجري على حواف أوروبا وشرق أوكرانيا تحديدا؟
او ماذا كنت ستكتب لو كنت من بلاد اسمها اليمن؟
الرجل الكبير!
اعرني شيئا من كلماتك يمكنني ان أصب فيها لعناتي جملة على هذا الوضع.
اعرف انك لن ترد علي. سترى في الامر صفاقة.
ستستغرب اني اكتب إليك.
حسناً. لا تستيقظ. واصل نومك السرمدي.
وسلام على روحك في الأولين والآخرين.



الرقص


يصعب علي تصور رقص من دون موسيقا. فالتوافق بينهما سحري وولاّد للتساؤل. وحركات الجسد أكثر من استجابة عفوية أو مقصودة للإيقاع والنغم. انه التجسيد الشغوف لرد فعل الروح امام إصرار ومثابرة الإيقاع المصنوع باليدين.

لكن الرقص هو الصيغة الأكثر حيوية للبرهنة على ثبات الإغواء كمعطى عابر للحضارات.
استمع الان لاغان أفريقية راقصة من الساحل الغربي لأفريقيا. وقبل هذا تعود بي الذاكرة الى رشاقة الثلاث النساء المرافقات لـ بوب مارلي وقفزاته مشحونا صوفية وتجلٍ.
الرقص هو مبادرة الروح الطليقة والحرة المنفكة من قيود الصرامة وادعاء العفة. الرقص هو طفو الروح على الجسد وهو خفة ونزوع نحو التحليق.
والجسد الذي لا يرقص هو جسد مأسور ومصاب بإعاقة روحية.
الرقص، في حضوره العصري، قيمة ثقافية مضافة لأفريقيا.
كل الثقافات أنتجت ألوانا عديدة من الرقص. الحضارة الغربية أعطت بديع ما لديها من الرقص لكنه رقص يعكس تراتبية اجتماعية ونفاقا بشعين. كان رقصا مليئاً بالرتابة والانضباط والسيطرة او جنونا جامحا منغمس في الفوضوية.
وحدها الرقصات الافريقية تحررية. حيث الجسد متحدث بليغ امام بدائية اللحن والإيقاع.
يتعجب الفرد، اذا لم يبلغ به الحال الى النفور، من الأغاني العصرية المجسدة بالرقصات. في الغالب تأتي غانية سمراء بشعر منفوش كسنديانة في الرياح تتلوى وتتمايل تضرم نار الرغبة.
انها تجليات ثقافة الإغواء وتنويعات تعابير الجسد امام تراجع الكلمة وتكرار اللحن وقصره.
وما الرقص في أغانينا الا تمايل وميوعة محببة وتأنيث للطبيعة القاسية.
الرقص هو التعبير المضاد للحرب.

8 مايو 2014 

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...