الخميس، 2 يناير 2020

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

(مقال مترجم من الفرنسية)

ترجمة مصطفى ناجي الجبزي

افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استثنائي عن الحب في قصر الاكتشاف Palais de la découverte في باريس. وتتقاطع في هذا المعرض المقاربات العلمية والفنية لهذا الشعور الذي كتب حوله الكثير والكثير. وقد خُصصت الصحيفة الأسبوعية الأول Le 1 وهي شريكة لمعرض قصر الاكتشاف ملفاً لهذا الموضوع.



"الحب هو أن تعطي ما لا تملك لشخص لا يريده". بهذه الصيغة المشهورة، كان المحلل النفسي الفرنسي جاك لاكان يناقش دور الخيال في العلاقات الغرامية، والكيمياء الغامضة للقاء.

اليوم، المقاربات المجتمعة من علم النفس والعلوم العصبية وعلم الاجتماع تزيح قليلاً من ستار هذا السر.

بالنسبة لـ أورور ماليه-كاراس، دكتور في العلوم العصبية وعلوم الجنس "يبقى وعينا الباطن مرتبطاً بالأسطورة الافلاطونية لتوأم الروح؛ نصفان يشعران بأنهما غير مكتملين وقد اجبرا على أن يبحث كل منهما على نصفه الآخر. وبهذا فإن خيالاتنا الغربية، المتمثلة في الأدب والسينما ما تزال تتغذى من فكرة أن الحب هو نظير للاندماج، للتبادل الكامل والمطلق للمشاعر".

ولمراجعة أوجه التشابه، والاختلافات على السواء، في الأداء العصبي للجنسين، فإن ثلاث جزيئات تهمين على الحب والرغبة: الأوكسيتوسين، فاسوبريسين والدوبامين. هذا الأخير "هو ناقل عصبي ضروري للمتعة والمكافآت والإدمان". وهو مكلّف "بتعزيز استذكار محفز ماتع" على غرار المتعة في احتضان المحبوب ويترجم في الذاكرة كشفرة على هذا النحو. كما أنه يطلَق بكميات اثناء العلاقة الجنسية خصوصاً في لحظة النشوة الجنسية. أما الاوكسيتوسين الذي اكتشف اثناء دراسة آليات الارتباط بين الأم ورضيعها لحظة الرضاعة الطبيعية فيعتبر "هورمون الصِلة". وهو يحفّز استرخاء العضلات ومرتبط بالفاسوبروسين الذي يضبط الوظائف الكلوية والقلب والأوعية الدموية، كما أنه يبعث الإحساس بالراحة والاسترخاء في حضور المحبوب.

ولننظر إلى لحظة النشوة الجنسية: لدى الجنسين، يتم تعطيل منطقتين، من جهة القشرة الأمامية الجبهية، والمشاركة في ملكات التفكير المعرفي والمعقّد، ومن جهة أخرى اللوزة الدماغية، والتي تنظم معالجة العواطف. سيسمح هذا التعطيل المزدوج إلى اطلاق الإحساس بالنشوة الجنسية. "



للقلب معاذيره

والآن إلى الاختلافات: والمقصود بذلك هرمون التسترين على وجه التحديد. يتواجد هذا الهرومون عشرة مرات أكثر لدى الرجل من المرأة، فإنه على نحو غريب يتعطل لدى الرجل في بداية العلاقة في حين أنه يتضاعف لدى النساء في هذه المرحلة. الخلاصة الأولية: قد تتولّد لدى النساء رغبة أكثر في المراحل الأولى من العلاقة. إنها صيغة من صيغ "إعادة التوازن"، بالمجمل، في لحظة الحب الخاطف في حين أن الأمر لدى الرجال يظهر على أنه نوع من الترتيب مع الذات: ليكن الغرض هو ان يظهر الرجل " جميلاً جداً، وجديداً جداً ولطيفاً جداً". باختصار، إعطاء ما لا نملك لمن، في تلك اللحظة، لا يريده...

تصف عالمة الاجتماع ماري بيرغرستروم في تاريخ الذهنيات histoire des mentalités "التقدم البطيء الحاصل في الحب" للمتحاربين المنهمكين. أذ تذهب الى تأكيد تأثير مواقع المواعدة على الزواج المتكافئ – مواعدة شركاء من الوسط الاجتماعي والثقافي عينه – الذي أحدث تغييراً طفيفاً نحو الزواج غير المتكافئ من حيث الوسط الاجتماعي. يضاف إلى ذلك نتيجة أخرى متمثلة في الانكفاء على الإطار الخاص بعد أن كانت العلاقات تبنى في إطار العلاقات الاجتماعية حيث تتم اللقاءات في المقهى أو في العمل أو في الاجازات: " في الوقت الراهن، يتم التواصل شبكياً من البيت. تستطيع مواعدة شخص وأنت في صالونك، وأنت وحيداً وبعيداً عن أعين الناس".

يتحدث دافيد ساندر، مدير المركز السويسري للعلاقات العاطفية في جامعة جنيف، عن ظهور مجال جديد من الابحاث يهتم بالانفعالات من وجهة نظر حقول منهجية متعددة. في العادة يكون الحب موضوعاً لهذه العلوم العاطفية لأنه "يجعلنا نشعر على نحو أكثر كثافة بجملة من العواطف".

منذ العهد الاغريقي، هناك تمييز بين أنواع مختلفة من الحب عبر صيغ ما تزال ملائمة" إيروس (الإثارة الجنسية أو حب العاطفة)، أغابي (حب القريب أو الحب غير المصلحي) وفيليا (الصداقة أو حب العائلة). واليوم، فإن البحث "مهتم بالعمليات المتعلقة بهذه المفاهيم، وخاصة تلك المعنية بالحب العاطفي، ولكن أيضًا بالحنان أو الرحمة أو الإحسان أو حتى أساليب التعلُّق". حتى الخصام يميّز أولئك الذين يحبون بعضهم البعض، كمسعى عاطفي للمحادثة الدائمة.

في معجم العواطف الذي ينشر اليوم لدى دار زولما، تتطرق تيفاني وايت سميث إلى الحب، وهي ترغب في التأكيد والالحاح على صعوبة الإفصاح عنه، على الرغم من المحاولات الأدبية والفلسفية التي لا حصر لها. تناقش مؤرخة الثقافة بطريقة مفارقة الحب الرفيع أو الحب الفروسي (حب أزدهر في العصور الوسطى وكان مترفعاً عن الشهوة) "وهو أصل عدد من نواميسنا العاطفية في الوقت الراهن".

كان الشعراء المتجولون أو التروبادور "يتغنون عن رغبة جامحة في محبوب ممتنع لا يمكن الوصول إليه"، حالة، في بعض الأحيان، يمكن لتنهيدة أن تعرب أفضل ما يمكن عن هذا الحب: " إننا نفتقر إلى ما لا نملكه وليس بأيدينا، هذه هي أشياء الحب والرغبة " يقول افلاطون في المأدبة. هذا يحيلنا إلى لاكان مجددا...



عن موقع فرانس كيلتير France culture، من صحيفة الأفكار التي يعدها الصحفي جاك مونييه. نشر المقال في 10 أكتوبر 2019.

العنوان الاصلي 

Vertiges de l’amour

ترجمة مصطفى ناجي الجبزي

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...