الثلاثاء، 13 مارس 2018

أي برابرة أنتم؟

تا الله ا ن أمي كانت اذا مرضت بقرتها فلا تقضي الليلة الا الى جوارها. تعمل لها لقمة دافئة وتغرزها أعشاب وأدوية وعسل وفوم وتمسد لها ظهرها. وكانت أمي تبكي وتقول: البقرة مريضة ولا أحد يدري ما بها هذه العجماء. كانت أمي تبكي لمرض بقرة كبكائها لمرض واحد منا. 
إني أتعجب لهذه الوحشية التي في نفوسكم. أي غول أمغر يسكن نفوسكم؟ 
دلفت المقهى هذا الصباح وكانت سحابة من الحزب الكثيف تظلل المكان. صمت كصمت الجنائز. لا أحد يجرؤ على النظر في وجه الأخر. خرجت المديرة الكبيرة من مكتبها واقتربت من النادل الرئيس. رجل طويل بحدود مترين في الخمسين من العمر وأكثر. متماسك القوام. شديد البنية النفسية. 
قالت: هذا مؤسف. ما الذي حدث له ؟
أجاب بصوت مخنوق: كانت أتنزه برفقته في حصته اليومية للتنزه وفككت عنه الطوق. وكان بشوشا فشرا يتقافز يكاد يطير من البهجة فانزلق من الرصيف ودهسته سيارة عابرة. 
ابتلع الرجل صوته واحتقن وجهه بالصمت فنظرت إليه ووجدت دمعه ينهمر كأم ثكلى. يبكي الرجل كلبه الذي عاش معه ثماني سنوات. 
لا نمتلك حدود الارتباط بالأشخاص والحيوانات. شيء يتجاوز الارادة. هكذا يقول الاسوياء. 
لملم الرجل دموعه وضم انفه المحمر بسبابته وإبهامه العريض ونظر في السماء وهو يترنح.
كم كان منظر مؤثر وأنت ترى رجلا يبكي بكل صدق. ينشج كالطفل. يعلن فقده بكل صراحة دون مواربة او تردد! 
أما انتم يا جنود الرب ومناصريه فليس أمامكم سوى أعداء وخصوم ترونهم ما دون الحشرات، لا قداسة لشيء لديكم ولا ترق عيونكم لوجع.

الأحد، 11 مارس 2018

خدعة

آه كيف تضيق الخيارات ولم يعد من الممكن ان يتحدث أحدنا عن قضاياه البسيطة. عربيا صار داعش هو الشغل الشاغل ويمنيا احتل الحوثي مكانة ومكانا أكبر مما ينبغي وأصاب العقول والحياة العامة بشلل. 
لدي انشغالات بسيطة وأريد الحديث عنها. اعرف أنكم لن تهتموا لشأنها. تبا لكم. فأنا سأحيكها. هذا لأني اريد ان اهتم بأشيائي الصغيرة وان اجد الوقت والمناسبة للحديث عنها. 
مثلا صار صغيري الياس مؤخراً يرغب في تربية كلب في البيت. وصارحني قبل ايام وأعربت له عن ارتياحي للفكرة لولا علمي اليقين أن أمه لن ترضى فهي لا تحب الكلاب. هي تخافهم وأظنها لا تحب الحوثي أيضا. حاول صغيري المساومة مشددا على ان الكلب سيكون صغير الحجم. لكني قلت له ان تربية كلب تعني الاعتناء به ورعايته واطعامه وفي هذا كلفة في المعيشة. فقال لي مستفسراً : الكلب كالطفل؟ 
ثمة نقطة أخرى وهي انه صار لدي صابون سائل برائحة الخزامى. أحب هذه الرائحة وأحب لون الصابون الليلكي القريب من أزهار الخزامى ذات الشكل القمعي. 
في الحياة ملذات بسيطة وغير مكلفة. هل تدرون بهذه؟ 
اما اهم ما اريد قوله وهو مزاجي في تناول قهوة الصباح. اريد ان أتناولها في ظل ضجيج غير مفهوم. ولا احب شربها في البيت. لذا فقد وجدت مقهى قريب العمل يرتاده برتغال وإسبان في الغالب. وهناك يكون للقهوة مذاق اخر وسحر كبير. يتماهى المذاق مع أضواء المكان حيث يتسرب شعاع الشمس كخيط فضي من الحرير وعلى إيقاع نبرات لغة الاسبان التي تجردها نظرات النادلة الناضجة كلما ابتسمت لتوشي عن بارحتها العاصفة. 
استيقظت هذا الصباح ووجدت ملاءة الصغار قد غدت لوحة بديعة. كان أصغر الأشقياء قد بلغ علبة ألوان اخوته وصنع منها هذه البهجة. 
لا تقاطعوني! 
دعوني اكمل! 
تبا ! 
انتم من سيندم يا من يحشو أيامه ببؤس القتل وأخبار الدماء وآمال لقاء الحوريات. ستعرفون ان الحياة برمتها خدعة. وان كل شيء خدعة. وقد لا تعرفون.


حين ينام أنمار



في مثل هذه الساعة يكون أنمار في عهدة مورفيوس. هذا الإله الحنون. 
ينام أنمار. لحظة لا تعوض ولا تقدر بثمن لمن أمكنه مرافقته في رحلته هذه والاستماع إلى هسيس أنفاسه وشخير كلحن خنساء. 
أنمار ينام وانا احرس احلامه وارعاها. 
اسمع في أحلامه حفيف أشجار الخريف وتدفق الماء من نافورة صغيرة. الفراشات تعاكسه وتقبله من حين لآخر. أراه يركض كبطريق وليد يطارد حمامة غنجاء.

الليل أنثى




بودي الحديث عن ليل هذه المدينة المختلف. المختلف أساسا عن الليالي التي عرفتها وخبرتها في مدينة كصنعاء. شهدتها لسنوات طويلة حتى كادت تبدو هذه السنين من كثر طولها لكأنها الأزل دون نقصان. انا هنا لا أخشى حلول الليل أو انسكاب الظلام في هذا المدينة رغم التصاق سكني بغابة مترامية الأطراف كطمع راعي أغنام في الكلاء. في صنعاء كان الليل عجيبا ومصدرا للقلق الكبير والمفتوح. تبدو صنعاء ساعة الغروب كفكي حوت أزرق في قفزته ليتنفس. ليل عجيب حيث ينطفئ النهار بلا سابق إنذار ويختفي قرص الشمس كلص محترف في منعطفات أزقة ضيقة. في صنعاء يحل الظلام فجأة كما لو أن الشمس مصباح زجاجي هش وبالٍ قذفه صبي مشاكس بحجر فتكسر لينسدل الليل ستارة ثقيلة مترعة بالغبار وخيوط العنكبوت. في صنعاء يأتي الليل مبشراً بأضواء صفراء فيها فظاظة وجحود. في الحقيقة، يعيد الليل ذكرى موعد العودة إلى البيت وهي عودة محمولة على أكف التوسلات لكل طفل تأخر في لعب كرة القدم في شعاب القرية ويتمنى لو أن شيئا ما أو أن أحدهم قد شاغل أباه كي لا ينتظره في ركن الدار وهو يحمل عصا نحيلة خضراء أو من الخيزران المتغنج. ها انا أتحدث عن ليل صنعاء وليس ليلي انا هنا. ثمة ما يعاندني الآن. على الأقل بطارية الهاتف التي تنذر بالنفاد. هل يكفي ان أعيش الليل هنا. انا لا اعيشه. انا أعب من الآمال والمنى واغترف من احلام ليالي الخريف حيث يبدأ شفق أرجواني سليب. يبدأ الليل في أيلول كدروس أولية في الغزل والجاذبية. الليل في الفرنسية كلمة مؤنثة وهذا يكفي.


خطاب الرئيس


شاهدت واستمعت صباح اليوم الى كلمة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بمناسبة افتتاح العام الدراسي الجديد الذي القاه في احدى المدارس في ضاحية شمال باريس.
وددت لو ابكي لحظتها. صار لي اكثر من عشرين سنة استمع الى خطابات رؤساء جمهورية وملوك عرب بالصدفة او عن قصد. وكم تجرعت خطابات للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الذي كان يتكلم وملؤه ثقة. لست ادري ما مصدرها؟

كان خطاب الرئيس الفرنسي صباح اليوم بسيطا شفافا مرحا جاد مباشرا بلا تلافيف ولا هزات للكتف وتضخيم مسرحي. كان يتحدث الى الطلبة. تصوروا رئيس الجمهورية يلقى كلمة الى طلبة اظنهم ما دون الثانوية بكلمات تصل اليهم دون تعقيدات سياسية ولا مديح راجف. رئيس جمهورية يتحدث عن المستقبل ببساطة شديدة ويلقي نكات بشكل طريف وانساني دون تهكم وكأنه يتحدث عن نزوة في نفسه عندما كان طالبا. قال : من الجميل ان نفكر في المستقبل ونحسم خياراتنا في هذا الشأن ونؤثث المدارس بأجهزة حواسيب ومعدات رقمية. لكن الاهم هو تدريب الطلاب عليها واعداد العاملين عليها وتوفير محتويات فيها. هي هنا من اجل التعليم وليست من اجل اللعب. صحيح ان اللعب على الحواسيب يمثلا اغراء كبيرا - قالها مبتسما. 
لم يهدد لم يزمجر لم يكن ذاك الاب الممسك بالعصا. فقط كان فرانسوا هولاند.


هاتف طيني



سياتي علينا صباح جديد نفتح فيه اعيننا على منظر الشمس بعد غياب قصير. سنصيخ السمع لحفيف الشجر ونستذكر اغنية شجية تروق لنا صباحا. لن نتذكر كلماتها تحديدا لكنا سندندن باللحن على نحو عاجل ونغني بصمت كما لو اننا نفعلها امام جمهور موجود في الذاكرة فقط. بعض العادات حميدة لكنها لا تنفصل عن الالم بصيغة او بأخرى. الذكريات مؤلمة والبين فتاك. ومضى العمر وتبددت معه الاحلام. ليس للوصل سبيل. ولو كنت هذا الطفل لتصورت هاتفا من طين. هاتف يأتي بالبعيدين وينقل ضحكاتهم ونشيجهم في آن.

الحب حماية وصون

الحب حماية وصون. اما الكراهية فهي تشهير ونشر غسيل اسمال أرواحنا البالية المهترئة. كم هو شنيع ان نمجد اللاحب متدثرين بغلالة واهية من العفة والشرف. بينما نحن في الأعماق عراة نرفض ان ننظر الى تلك الهوة السحيقة من خواء الروح حيث لا صدى الا للأنين وتأوهات وجيعة في هجعة الليل. 
ليس غير الحب يوفر لهذه الفتاة عالما موازياً تنسى معه ضجيج هذا العالم وتنغمس فيه كلذة حمّام بارد في ظهيرة ذات قيض وفتور.
اجزم انها تكاتب حبيبها وتناجيه بالحروف والضحكات الكتومة. ترتشف قبلات أثيرية. تتوحد به وتسافر إليه. هي لا تجلس بعيدا عن ساعة انتظام تردد الترام واي. الساعة فوق رأسها وعلى مرمى نظرها. لكنها تحتضن حبها وتلفه بشعرها تهرب به بعيداً عن هذا العالم الراكض نحو الجنون. تلوذ إلى عالمها الغض، إلى زمنها هي حيث سلطان الحب والوله.
الهي. ها هي قلوبنا تسبح في صدورنا فاغرة الفم هلامية الإيقاع كقنديل البحر.


الرقصة الاخيرة



الرقصة الاخيرة
هكذا هو العنوان في أغنية يقول صوت المغنية تباريح القلب واللوعة. بالرقص تحيا القلوب المكلومة بالبين ويتوالد الأمل كعشب في جدار على حافة النهر او كحشائش صلفة بجانب الجدول على طين راضية مرضية. انه تحليق مفاجئ ونزوع نحو الطيران. تغلب على اليأس والألم. على الشر ومرارات الذكرى.

شغف جديد



بعد ان استيقظت من النوم بقليل تساءلت فيما لو كان من الممكن أن يملأ الواحد منها حياته بشغف جديد. تمضي الأيام رتيبة ويقنع الواحد منا بتفاصيل صغيرة تؤثث يومه دون أي شغف. اريد ان يكون لي هووس ما؛ في ملابسي من حيث الالوان مثلا. أو في الساعات أو في الأحذية. جمع خواتم براقة من العقيق أو الخزف. شيء ما جديد يشعرني بأني ارتبط إلى عالم صغير من اللامعقول هو هوية منفردة دون الذوبان في الخيارات العامة المجحفة التي تهجم علينا كجحافل مغولية دون هوادة ونجدنا بعدها بسنوات مروضين قانعين ننقاد دون أدنى استفسار. ربما رغبة في التمرد وحياة يعيشها الكثيرون في سن السابعة عشرة او الثامن عشرة. هذا الجنون الإضافي والجموح اللين.
لكن نظرتي في الصباح إلى الجريدة دفعتني إلى تغيير لون هذا الشغف المشتهى اذ وقع نظري على صور لحصان فاتن. أغبر لامع واقدام موشاة بالابيض مع حدوات صغيرة داكنة.
مرات قليلة هي التي وجدتني فيها المس جسد حصان دافئ ناعم. علاقتي بالأحصنة محدودة واستغرب بشدة من ولع المقامرين في المقاهي وهم يتتبعون حركة الأحصنة المتسابقة من اجل كسب رهان. وجدتهم وقد طوروا لديهم فراسة كبيرة وحقل دلالي كامل للتعامل مع الأحصنة التي يرونها كتربية أبناء يكابد الواحد من أجلهم ثم يخذلونه في المنعطف الأخير.
نعم. لماذا لا يتملكني شغف بالأحصنة؟
هكذا خطر السؤال في بالي. كان حصانا أنيقا يرقص بخيلاء وتفان. كيف للحصان ان يتقمص روح وعزيمة من يعتليه ويمتثل للرغبة في الفوز ويحرن او يمرض بسبب الخذلان أو عقوق الحواجز؟
هووس كهذا يحتاج إلى رأس مال كبير من العزيمة والمثابرة. لا يحتاج إلى تراخ أو وهن وإلا سيغدو نزوة عابرة لا تمنح ادني شعور بمقاومة تقدّم الأيام وصروفها. يجد الواحد منا لذة في قهر الأيام وطيها. يشعر بفرحة غامضة لمجرد ان عمره امتد قليلا كما لو انه فارس مقاتل في الجبهة أخطأته السهام وتفادته الرماح. يضحك بغرور وتفنق. هاعا هاعا هاع. لقد نجوت.

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...