الأحد، 29 يوليو 2012

فرحة أفريقي

فرحة أفريقي

تظل افريقيا هي العمق الذي ينبغي التوغل فيه أكثر. فالصداقات هناك لها معنى آخر. لأن الكسل له معنى التأمل والمرأة لها الف عين والرجل يؤمن بها قبل كل شيء. المسيحية لم تغير كثيراً من وله الافريقي لصوت الطبل ويستبدل كل ايقوناته كما ان الإسلام لم يجاف لباس النساء عاداتهن و يوغل في تشريقهن. تأفرق وصار نبتة طيبة في الصحراء.

لكن هذا القارة عانت الكثير لذا فهي عندما تصرخ تستحضر معها قوة كل أسود الغابة. هل سمعتم بأن شعبا بدأ فعلا احتجاجيا ولم ينته الأمر بانقلاب على النظام واحيانا انقلاب على المصلحة بالمرة. كم عدد الانقلابات العسكرية والاطاحة بالحكام في العام الواحد في هذه القارة.

ما تزال عذابات هذا الانسان عميقة تسير بخط افقي وتتمد كثير وتحفر في كل شيء. تحفر في الذهب والماس واليورانيوم. وتحفر في الذاكرة. لكن الخوف ان نفقد الشعر، واهازيج الافريقي عندما يعمل، عندما يطرب، عندما يحزن.

آه لحزن الأفارقة. وآه من عنتهم.

الويل من غضبهم.

الافريقي عندما يتحدث من اعماقه تفترق عيناه وتبرزان اكثر ليظهر القلب.

وعندما ينهمك في العمل يغني، يدندن، يبدا بندول الطرب يلهو ويلعب في رأسه، يرقص بلا وعي، يمارس طقوسه الروحية.

ينسى كل شيء، كل من حوله. فقط يستحضر صوت الغابة وخرير الماء، وحماسة الرجال في ساعة اصطياد.

هذه القارة أكبر مما هي في الخرائط. أكبر من صفحات الكتب.

هي كبير كفرحة عرس. كبيرة كمأتم بعد وفاته سيدة القرية.

احزانها لم تسعها كتب التاريخ. وثرواتها مبددة كأموال رجل ثري عجوز من غير ذرية.

اليوم المسيحية صارت تعني الغربة والاسلام يعني الطلبنة والأفريقي يعاني الامرين في الزوايا الأربع.

الجمعة، 27 يوليو 2012

براق

براق

يجرفني شوق عارم إليك.

صخب الحياة كان كحرائق الغابات،

إذ يزهر رمادها ربيعا فتانا تتوق زهوره لمعانقة الفراشات والهيام بالشمس.

كذلك بعض صخبنا.
هل كان لا بد أن نتنفس حبنا بهذه الطريقة؟
أن يكون شهيقنا محطِّماً لهذا الحائط الجليدي؟
أحسنت الأقدار والأمزجة صنعاً إذن.
فبعض الغياب يحيي الحضور
وبعض الصراخ يبعث الحياة.
*
يدب في عروقي بعض من عطرك الآن.
وتسبِّح خلاياي بمجد لحظة جهنمية كانت لنا.
سأخلع عني هذه العتمة الباهرة
سأرتدي أحلامي إليك
أحلامي معك
أحلامي بك
أبعث صوتي في السماء
سيفا خرافيا يفصّل لنا ثوب عرس وراء السحاب.
سأعطِّف صبري كمنديل أنيق وأضعه في جيبي.
اطمئن عليه كل مساء،
وامسح به عرق حبين الصبح.
سأحيي به الشمس،
وأتحداها أن تسبح أسرع.
أن تركض قبلي إليك.






غازي اباد - الهند

من المذكرات الذهنية لصديق (5)

من المذكرات الذهنية لصديق (5)
لو كنتِ ملاكاً
لو كنتِ ملاكاً لما اختفيت في شهر الفضيلة هذا. فقط ذهبتي لأنك قرين شيطان لا يعرف الشفقة ولا يجيد الحب. ربما يتحدث عنه. يقول أشياء كثيرا يتوهم انه يحب كما توهمت أنك ملاكاً. ولم يكن عند الفقراء في هذه الشهر حسبان لأي فضيلة لكفاني في فقري ان عرفت خامتك.
سأذهب للصلاة في كل فرض. سألتزم أكثر سأؤدي فروضي كناسك يعرف نعمة التوبة لأول مرة. لأني سأتوب منك وعنك. سأنقلب على كل الدعوات التي ابتهلت بها إلى الله يوما ما.
اعترف أني سأشعر بانكسار ما، ولن اغفر لحماقتي حين كنت ابتسم في وجه السماء وأنا أدعو الله القرب والقران. لكني هذه المرة لن ارفع يدي إلى السماء وحسب، سأحلق سأطير. فأنا خفيف من ذنوبي كما لم أكن في يوم ما.
لقد نفضت عني الريش الزائف لجناحين كانا لكي في قلبي يخفقان. في الحقيقة كان شمعاً مصمتاً ليس أكثر.


23 يوليو 2012


غازي اباد - الهند

فلنتابع المشوار بلا يأس ولا قنوط.

فلنتابع المشوار بلا يأس ولا قنوط.


أحداث الربيع العربي أعمق بكثير من حرب الخليج . لان الحرب لم تعمل سوى على تدمير بلد وخلق القاعدة. لم تغير شيء في المجتمعات العربية غير تقليص الديمقراطيات الناشئة وتوريث السلطة مع زيادة فجوة الغنى والفقر في المجتمع الواحد وبين المجتمعات. اما اليوم نحن امام تغيرات كبيرة. كبيرة جدا. ربما في مصر على الصعيد السياسي. في اليمن التغيير أعمق وان كان أبطأ. في اليمن الناس يتكلمون عن شكل وجوهر البلد. الدولة كنظام سياسي. والجمهورية كقطعة واحدة ام فيدرالية ام اكثر. اليوم اصبح المشائخ وسلطتهم موضع نقد عميق. رجال الدين صاروا موضع تساؤل حاد ليسوا فقط في ذواتهم لكن في سلطتهم. المرأة صارت قاب قوسين من ان تقول كلمة تريدها هي لا دور تلعبه وفق مزاح المخرج.


هناك جيل برمته خرج ليقول أشياء كثيرة. لم تعرف اليمن سقفا مماثلا لحرية تصل إلى حد الفوضى. سيكون تنظيم القاعدة واحد من أهم الأسئلة في الذهن اليمني وستزول ضبابية الموقف تجاهه والتواطؤ الضمني معه. النتائج ما تزال متوالية. الربيع موسم متجدد يأتي كل عام. لقد وصل الربيع العربي إلى الممالك ولم يكن يصل إليها أي تغيير عميق وجوهري من قبل. السعودية تتفاعل وفقا لإيقاعها الخاص مع الديمقراطية والانتخابات. لكنها تتفاعل. كذلك الإمارات وكذلك قطر. ناهيك عن الأردن و المغرب حيث الخيارات كانت الأفضل. من كان يتصور أن مطالب التغيير ستصل الى بلد كالسودان. إسرائيل أيضا تأثرت بهذه الموجة العميقة وسيأتي دورها بتغيرات عميقة تقلب المنضدة وتكشف عن المستور في المجتمع. ربما القضية الفلسطينية تتجه نحو اتجاه جديد. الأصوات التي داخل إسرائيل المنادية بالسلام ستعلو أصواتها. سيتوقف التطرف عند حدود يمكن التصالح معها هذه الحكومات المتوالية والمتعاظمة الغباء والتعنت يتعرف حدودها. من كان يتوقع ان تتعرى (المقاومة) العربية إلى هذه الحدود او يتضح موقفها تجاه الحرية التي لا تتجزأ.
ايران وروسيا ليستا بعيدتين عن هذه التغيرات. محاولة روسيا كبت هذه الموجة وخنقها في سوريا يعني الدفاع عن نفسها وعن الدول المجاورة لها اولا وقبل أي شيء.
اليوم، احلامنا بلا سقف. الحاصل هو ان احلامنا تنمو بسرعة اكبر من إمكانية سرعة دوران حركة ترسات التغيير المربوطة بعقود من القهر والتخلف. ولهذا نشعر بالنكسة او يساور البعض الشك.
لنسال انفسنا: قبل ثلاث سنوات بماذا كنا نحلم؟
وماذا نريد اليوم؟
خرجت الناس في مصر في الأسبوع الأول تريد من مبارك ان يقبل ببعض التغييرات. ثم قفزت الى المطالبة بالرحيل. في اليمن كانت المعارضة تتجهز لماراتون هبة شعبية للضغط على صالح. اين صالح اليوم؟
هيا انهضوا فلنتابع المشوار بلا يأس ولا قنوط.
غازي اباد
22 يوليو 2012

فقر وبترول


محمد شكري روايته عربية الأحرف لكنها غربية الهوى. صحيح أنها تعري المجتمع، تقول المخبوء لكنها لا تمثل الذهنية العربية. سنواجه مشكلة بعد عقدين او ثلاثة او ربما لن تمهلنا سرعة الأحداث وثورة التكنولوجيا حتى ذلك الزمن. أقصد سنكون أمام قطيعة كلية مع من نحن. حتى مساوئنا لن نتمكن من استثمارها بشكل جيد. المستقبل القادم هو مستقبل الاقتصاد البنفسجي. وهو مستقبل يزاوج بين الثقافة والاقتصاد وهو الاقتصاد الثقافي. وطالما ونحن لم نوثق لما نمتلك لوم نستثمر عناصرنا الثقافية لنجعل كل وحدة رمزية قيمة ثقافية تدر علينا دخلا وتشعرنا بالامتلاء. ستحدث قطيعة كبرى. وحدها القوى السلفية هي التي تعمل بشكل حثيث على ادخال مدونتها (الفكرية) في النت. بمعنى لن نجد المغاير. لا يوجد جهد مؤسسي كافٍ لإدخال العرب والعربية وحياتهم اليومية إلى النت بشكل مناسب ومنقح. وبهذا سنكون فارغين ولن نجد سلعة نروجها ونتاجر بها في سوق الاقتصاد الثقافي. وسندخل في مأزق الاستهلاك. وأسوأ الاستهلاك هو الاستهلاك الفكري. هنا في الهند مثلا لا يعنيهم آخر الأفلام التي تنتجها هوليود. لان حياتهم الثقافية ما تزال قادرة على مدهم بالمادة الخام. صحيح ينتجونها بلون غربي لكن الهند عميقة في هذا المنتج. تخيلوا بعد كم سنة نصبح لا شيء. لا شرقيين عاطفيين، ولا غربيين عمليين. سويسرا تعيش على سكاكين وشوكلاته كماركة وطنية ونحن على ماذا نعيش غير الفقر والبترول.

من المذكرات الذهنية لصديق (4)



من المذكرات الذهنية لصديق (4)


غادرتني، رحلت مكرهة او برغبتها لكن البحار الآن صارت فاصلا عريضاً بيننا. لم يعد صوتها يجلجل كرنين القداس في كنسية القيامة. لم تعد أناتها تحكي عذابات المسيح. فقط عجالة في كل شيء حتى أشواقها. لقد تمتهت مع تلك الحضارة الرقمية التي لا تعرف الوقوف. ركض في كل المسارات، في اتجاهات القلب الأربع. أشواقها باتت تدلقها دفعة واحدة في مكالمة قصيرة وعليّ أن افرزها في ما تبقي لي من الليل.


بعُدَت عني ولذا لا احد يشاركها مشاقها العاطفية الآن غير طيفي الرمادي باهت الألوان


لا احد يشاركها أشيائها الجميلة سواه.


ثم تراسلني من قمة غضبها.


إليك:


رسالتك حادة كشفرات الشوق.


راجعتها مراراً


قرأتها للمرة العاشرة او العشرين لست ادري. تنفستها. تشممت عطرك فيها.


المهم صرت أحفظها عن ظهر قلب


في البداية غضبتُ منك


لم أكن أتوقع أن ترشقيني بهذا العتب


او ان يخطئ حدسك فيّ يوما ما


فقط الظرف صعب وأنت اعرف الناس به


لكني أدركت بعد ذلك انك كتبتها لانك صادقة. أو ربما لأنك وحيدة.


احببت حميتك هنا. وأحببت غضبك. لكني مع هذا


لست اصدق انك تؤمنين بما قلتيه. أنت آخر من أتوقع منه أن يفكر بهذه الطريقة


لأنك أعقل من عرفت من المجنونات.


وعلى كلٍ :"عتابك حلو


حلو


يا محلى العتاب


ونارك جنتي


ما هي عذاب


ولو منك عتب جاني


...."


17 يوليو 2012


غازي اباد – الهند

كذبة الجدائل ... الرد لا يأتي من الشَعر


كذبة الجدائل ... الرد لا يأتي من الشَعر
عشر سنوات مضت. عرفتكِ حينها بنفس الارتجال والوجل، بنفس التردد والحيرة.
فرقتنا السنين وأعادتنا ثم فرقتنا وعدنا. ما تزالين حائرة. أمامي، لا تفعلين أكثر قضم أظافرك وسلخ صباغ التردد عنها. كم هي منهَكَة سبابتك اليمنى عندما تسألينها فلا تستطيع الرد عليك.
اليوم فقط شاهدتها وعرفت أنك كنت تحيلين كل الأسئلة إليها. تضعيها بين فلقتيك لتعوق تدحرج الكلمات من فمك.

**
اذكر يومها. كانت السماء ماطرة. بيننا كأسا كابتشينو يزبدان غضباً من طول الانتظار.
نظرتُ في عينيك وسألتك...
فقط شددتي إليك جدائلك. حكتي منهما  كل الأعذار. الردود لا تأتي من الشَعر سيدتي. فقط الصراحة والعزم هما الفيصل.

**
ستخذلنا الأيام في المنعطف القادم. وسترفض هذه الحانة استقبال الخاذلين مجدداً. محطات القطار هذه باتت تشيح لي بوجهها كلما وطأت قدمي سلم القطار، تستدير وتتنكر ما أن أُطلّ برأسي من الباب. قبل أن ادخل المقهى، المقعد الخشبي تذمر هذه المرة. تبلّل بالخجل ولفظني، ضربنا موعدا فضربني برد الخيبات.
ثمة نداء غريب نحو غربة البدن يأتيني كل مساء. فقط إجابتك هي الحاسمة لكل هذه المواعيد.
لا أريد إجابات الوسائد.. أو استشارات صديقات المدرسة. كلهم ذهبوا... بقينا نحن.
**
عقد الثلاثينيات مؤلم حائر. علمني الكثير عن خور القوى وتضائل فرص النجاة. ثمة قارب وحيد، قارب أخير. وطوق على وشك الانتحار. وانت لا تبالين بشيء.
ما تزالين تلك الطائشة المتهورة الخائفة. بعض من مشاعر متناقضة تنتابك عند كل حدث. ساعة كاملة لتكتبين لي سطر واحدا في رسالة الهاتف. ويوما كاملة لتصلني منك تحية من كلمتين على صندوق رسائلي في البريد الاليكتروني.
بالله كم مرة كتبتي ومسحتي؟ كم مرت خاطبتي نفسك: أقول أم لا أقول. صار أفقنا معلوم. وما بيننا من حواجز القول والكلم محصورة بابتسامة على قارعة فناجين القهوة والكؤوس المعتقة.
**
تهربين من أزمنة قاحلة إلى أقحل. تأخذيني من قميصي المقدد في محطات السفر وبقايا أحلام انتزعتها من لوحة ثكلى.
وكلما طلبتك الأصبع تقولين لي: بقي خالي.. بقي عمي. اطلبني من البيت.
لقد سئمت من كل هؤلاء. لست اطلب بيتاً لاستأجره وماذا عساه بيتكم؟ بعض غرف ومطبخ وخلاء وحديقة عطشى كروحينا. سور ومدماك من الحواجز والسنين. أريد دخول البيت الذي أمامي، البيت الذي أنت. أريد اجتياز عتبة هذا التردد والنكوص.
(*) أظنني سأكتب نصوص صاخبة كهذا في رواية لن أتمكن من كتابتها يوما ما.    
غازي اباد
15 يوليو 2012

ابن امه

ابن أمه

نظرت في عينيه ملياً بعد أن دلق في مسامعها كل الأعذار. لملمت حقيبتها الفاغرة الفاه في شهقة استنكار، لملمت كل قواها للحجاج وقالت:


- هل تدري ما هي مشكلتك الحقيقية؟


فتح عينيه أكثر، رفع يده ليعدّل من نظارتيه وفغر فمه ولم يتكلم.


- انك طيب مع كل البنات. لا ترغب بالفطام. تخشى حالة اليتم العاطفي. يعجبك أن تظل مربوطا إلى صخرتين وتدعي انك تحاول الصعود. أتوقع لك مستقبلا عائليا مشبعا بالاضطهاد.


شعر في نفسه وخز مكائد العرّافات اللاتي يلامسن بكذبهن كبد حقيقة كامنة.


واستطردت:


- إن عالمك النسائي صغير، لهذا كل الذي أمامك وحولك تحسبهن كل النساء.


ظل متبلدا جامدا بلا حراك. كأنها سلبية الفيلسوف المتذمر.


أغراها صمته وذهوله فأوصته قبل أن تضرب كأس القهوة على المنضدة وتنصرف.


- تحتاج أن تخرج من جلباب أمك قبل أن تعرف الحب.






غازي اباد – الهند


15 يوليو 2012

قفز على الواقع


قفز على الواقع
أشعر أننا نقفز على الواقع كثيراً بأن نحفر في تربة رملية بحتة دون أي مؤشرات عن وجود ماء يروى عطشنا للتغيير. بينما نترك البيئات المناسبة للحصول على ماء التغيير وفلاحة أرض المستقبل.
هناك حرث في البحر، أو تجديف عكس التيار.
لستُ أقلِّل من جهود الضغط الشعبي بالغ الأهمية لتقويم أداء الإدارة العامة في الوقت الحالي لكن قبل هذا ينبغي معرفة المهام المؤقتة الموكلة لهذه الحكومة بدل المطالبة بتقديم استقالات في لحظة بالكاد تمكن المجتمع الدولي من تشكيلها. ثم المطالبة بتقديم استقالات وزراء من طرف معين, بمعنى؛ بعد كل هذه الأشهر لم يحتج احدهم ويطلب من بن دغر أن يقدِّم استقالته على رداءة خدمات الانترنت في اليمن، أو يطلب من الدبلوماسية اليمنية تبنى خطاب يمثل الدولة ويواكب المواقف الحالية للنظام الذي افرزه التوافق.
مطلب مجزأ وهو على كلٍ مطلب يتجاوز قدرة اليمنيين بالمرة.
كما أجد أن النضال الفيسبوكي يقفز كثيراً على الحقائق وسبق وأن نوِّهت الشاعرة نبيلة الزبير عندما قرأت منشوراً عن مسير بالشموع على إثر جريمة كلية الشرطة في تاريخ محدد وساعة محددة ومكان محدد واستجابت وذهبت ولم تجد سوى نفسها وحيدة.
 أقرأ اليوم عن منشور في الفيس يدعوا أصحاب "البسطات" إلى مسيرة من باب اليمن إلى مقر مجلس الوزراء.
(يعني أصحاب "البسطات" هم لحقوا يعملوا لهم حسابات على الفيس ويتابعوا مثل هذه الدعوة).
فجوة كبيرة في التواصل... وافتقار لأفق منطقي للمناورة. أشهر عديدة وبعض التكوينات ترفض المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. وترفض الحوار. وترفض الحلول السياسية. مع أن كل هذه تمضي وتتقدم. لماذا هذا التعب؟
إذا كانت هذه الحلول الأخيرة ستؤدي إلى نفس النتائج فلماذا بهذه التغريدات العاطفية؟
الثورات الحديثة يجب أن تستمد من العقلانية النصيب الأوفر من ديناميكيتها ما لم فستكون أكثر تدميراً من سابقتها لأن وسائل التدمير أيسر من سابق وإمكانية التظليل الإعلامي كبيرة وعملاقة.  

مصطفى الجبزي
14 يوليو 2012

في المشفى


وصلت مدينة غازي اباد – خارج دلهي ببعض كيلومترات وكان درجة الحرارة عالية لكنها بحسب اقوال المقيمين هنا انها كانت لتوها انخفضت بفعل سقوط الأمطار، ثم ما لبِثتْ وارتفعت مجددا لتبلغ حدود 47 أو أكثر أو أقل بقليل بحسب دورة اليوم. وبعد أسابيع من الحرارة اللافحة الجافة هطلت أمطار فانخفضت درجة الحرارة واعتدل الجو بسرعة هائلة لتصل إلى تخوم الثلاثينات.
في جو من هذا القبيل كان التنزه في  الخارج امرأ صعبا عدى في الليل لكن الليل بطبعه غير مريح هنا. فهذه مدينة عمال والسقالات بها بعدد الآلهة هنا.
فما كان مني إلا البقاء في الغرفة. لكن المكيفات الهوائية بطبعها تكن لي خصومة مبطنة سيما وموجات الغبار متتالية ولا تستكين.
مع هذه الأجواء المتقلبة بين القيظ الشديد والرطوبة والغبار أصبتُ بنوبة سعال حادة كادت أن تخطف مني صوتي. وبعد أن صبرت عليها رابعة أيام ولم يزدها صبري إلا عتوا ونفورا قررت الذهاب إلى المستشفى.
هناك حيث وصلت في الساعة الرابعة عصراً وبعض دقائق إلى قسم الطوارئ. وقفت أمام الاستقبال وطلبت طبيباً. كان هناك سيدة قصير صفراء الوجه مع بعض جزر كلف، نظَرَت في جهاز الحاسوب وانهمرت منها أصوات حسبتها تعويذة لفتح الجهاز. رفعت نظرها نحوي وكررت نفس الكلام فقلت لها. لا أتحدث الهندية. بالانجليزية من فضلك!
قادتني إلى طبيب في غرفة مجاورة وفعل كما فعلت. فأخبرته بالهندية كلاماً فهمت منه انها تنبهه إلى اني لا افقه الهندية فانتقل إلى الانجليزية.
حيانا فرددت عليه وقلت لها أبدو هندياً لكني لست كذلك.
سألني من أين أنت قلت له من اليمن.
ثواني معدودة حتى تحلق حولي بعض الممرضين.
كان الطبيب يفحصني بسماعته وهم يفحصونني بنظراتهم ويقتربون مني. يتأكدون هل العيون التي في وجهي هي بالفعل عينا آدمي. تفحصوني بنظراتهم وكأني قرد. للحظة شككت وتوهمت أني مختلف جدا عنهم.
أخذني مساعد الطبيب الى سرير في غرفة ثالثة؟ لم يكن السرير في مستوى مقبول من النظافة. خلال محاولته لقياس الحرارة والضغط والنبض. كان يتلمس جلد يدي المشعر وكأني خارج من الغابة. ابتسم وقال لي: من اليمن. سألته هل تعرفها. فقال كلا لكني سمعت بها من قبل.
غازي اباد – الهند
10 يوليو 2012

تكرَّر الأمس في عقم


تكرَّر الأمس في عقم
أكاد أصاب بالروع عندما أشاهد أعمالنا الفنية لما بعد الثورة والتي تفصح عن قطيعة غير معهودة بين الثورة ورافعتها؛ الشباب.
أكثر من عام ونصف ولم يخرج بعد عمل يليق بالتضحيات ويصوّر illustrate  هذه الفكرة النبيلة؛ الثورة على نحو قابل للتصدير والديمومة وله طابع كلي. لا اقصد أي تصوير ولا أتجاهل الأعمال الفنية من أغنانٍ وأشعار وأناشيد معظمها بالعامية.
ما نزال نفتقر إلا عمل روائي بحجم تلك الأيام الجملية – التي لم تنته بعد – وها هي ذاكرتنا توشك أن تضيع ولم نوثِّق لشيء. أسمع عن أن هناك من يهتم بمثل هذا الموضع وعمل على جمع معلومات حول الساحة، لكن الثورة أكبر من الساحة. صلاح الدكاك كان يثري العمل الثوري بقصائد درويشية لكنه فجأة انقطع. لا أتصور أن أحداثاً كالتي وقعت في أرحب يمكن أن تذهب سدى.
إلى متى سيظل الأدب متأخراً عن الأحداث.
كان الأمر أكثر مرارة في الرسم. فحتى جملة لون جدار شارعك، لم تكن تتمثل الفعل الثوري جيداً، وكانت عبارة عن خروج رسامين بأعمالهم إلى العلن بعيدا عن الإيقاع العام. وقد يلقي عليهم البعض اللوم لأنهم شطبوا شخابيط الثورة التي كانت عفوية والتي وثقت ببساطة لاحتجاجات واحتياجات الناس. أظن علي عبد الله صالح هو المستفيد الوحيد من الحملة.
وكم كان يراودني حلم بأن أمر بكاميرا تلفزيونية لأصور الجدران بكل عشوائيتها قبل أن تذهب. وكنت قد أفصحت لأحدهم بهذا الحلم يوماً.
وبما أننا في بلاد تخاصم النحت والمنحوتات فلن تجد نصباً يليق بالأبطال الشباب.
لدينا إشكالية فنية وجمالية عميقة. فمن غير المعقول أن يمر عام لم نخرج برمز وطني جديد نضعه على حاملات المفاتيح على الأقل.
من غير المعقول ان تذهب السلطات بعيدا دون ان تطبع دمغات وطوابع بريدية لعمل فني يجسد جدار جمعة الكرامة. هل كان اقل أهمية من سجن الباستيل.
ماذا عن الاقتصاد الثقافي؟ أين نحن. أفيقوا. تحول ميدان التحرير إلى مزار سياحي.
لكن ظللنا نلوك أغاني أيوب طارش بكل التسجيلات حتى ان القنوات اشبعتنا ضربا بسياط الأغاني بتسجيلات رديئة وصدئة وبنفاق العاجز عن الانتاج. لم نتمكن من تجاوزه وتجاوز خطاب أغانيه، تجاوز جملته الغنائية. هل لأنه اكبر من أن نتجاوزه أم أننا في عجز تام؟ لكن الأكيد أن الأمس تكرر بكل تفاصيله.
9 يوليو 2012
غازي أباد - الهند

فلاشات جسد


فلاشات جسد
الهند – الشهر الثاني
في الهند أشياء طريفة وجيدة، فإلى جانب فاكهة الأناناس هناك أصنافا لذيذة من العدس. ورائحة الشواء يقهر كبرياء المعدة.
قد يصادف أن تشاهد كلباً يتجه من الرصيف إلى طريق سيارات بثلاث خانات ويتمركز في الوسط ويفرج رجليه و"يعملها" بكل طمأنينة ثم يعود إلى الرصيف. بينما هو في خلائه تعبر من جانبيه أنواع من العربات فلا يكترث لها.
يصادف أن تمر عربة خشبية يجرها جاموس ضخم. يتوقف السير ويزدحم الشارع وتستشعر ان سائقي السيارات يطلبونه السرعة. اثقل ما في العربة الجاموس. غير ممكن!
تمر في الشارع فتجد شجرة كبيرة عُقِدت عليها حبال دقيقة طويلة وبألوان عدة. يمر البعض ويعلق قطعة قماش. ويضع قربانا بسيطا. وبهذا تصبح شجرة مقدسة.
بعد الظهيرة يستريح سائقو درجات هوائية بثلاث عجلات، او سائقو الدرجات النارية ذات الثلاث العجلات (ركشة). المكان ضيق وقد تكيَّف هؤلاء على النوم بطريقة توظف المكان المتاح. يطرحون ظهورهم على المقاعد ويرفعون أرجلهم لتسند السماء. وينامون بكل وداعة.
***
سيظل الشرق شرقا والغرب غربا. لقد انفصلت بينما الاتجاهات قبل قرن ونصف ولم يعدا في وضع توازٍ. وسيظل سحر الشرق في عشوائيته وتلقائيته ومفارقاته والتداخل الاجتماعي. بينما يكمن الجمال في الغرب وتحديدا في أوروبا التي اعرف بعض منها في الانتظام واللوائح والتعقيد والحرية الفردية. لتبقى النظرة الفولكلورية هي المسيطرة تجاه الشرق.    
مثال بسيط على هذا الفارق. في الصالة الرياضة حيث الفندق الذي نزلته هناك ثلاثة مدربين على الأقل، وعندما تنتهي من ممارسة رياضتك لا يجيء على خاطر احدهم أن يعطيك نصائح ما قبل الانصراف. ويكمن حرصهم على الاستجابة بكسل لطلبك والتشديد على الملابس التي دخلت بها إلى الصالة. هم ودودون على كلٍ. لكن في أوروبا دخلتُ صالة مماثلة برفقة زميلة دراسة كانت أكثر دراية منهم. تشعر أن الفرق الجوهري هو منسوب الوعي الجمعي بالمعلومة والتدابير.
***
هذا غير مهم. الأهم أن كل فتاة أعدَّت للزواج من اليوم الأول الذي خلقت فيه. ليس هناك رابطة أقوى وأقدس من الزواج في هذا البلد. سيما وللأب سلطة مطلقة على الأبناء. أحيانا تقاسمه الجدة في اتخاذ قرارات عائلية. لكن كيف أصبحت الهند أكبر ديمقراطية في العالم رغم وجود بذور استبداد راسخة ابتداءً بالمعبد ثم سلطة كبير العائلة. مع هذا يظل للدولة هيبة كبيرة.
أكثر الناس نحافة وتبلداً تجدهم من يقومون بأعمال الحراسة في المتاجر والمنشآت المالية كفروع البنوك. في هذه الأخيرة يقف رجل قصير القامة يحمل بندقية عتيقة تكبره في الطول. هذا إذا كان واقفاً فهو في العادة يستند إلى الحائط ويناااام. أوشششش! لا توقظوه!
***
ثلاث مناطق في جسد المرأة الهندية تعتني به كثيراً:
الوجه والرقبة وأسنان بيضاء بارزة للأمام بفضول، العضلات الخلفية للساعدين، ما فوق الكاحل. ما دون ذلك فهي تفاصيل وإضافات غير هامة خصوصا البطن. مع هذا تتجلى الطبيعة في هذه الثلاث المناطق وكأنها في امتحان أزلي وفي مسابقة جمال. 
***
بالأمس أمطرت سماء الهند. وقبلها كذلك فعلت بيوم. سماء الهند واسعة وعملاقة كأنها شهقة الأرض في دهشة الكون.. مطر دلهي سكّاب غزير به بعض عنف لكنه رحيم, هذه السماء كالأسد حين يلاعب صغاره. فالمطر لا يخلو من مداعبة الأشجار التي تترنح مع كل زخة كغنجاء تنتظر التشبيب. مطر يدغدغ كل شيء حتى الأجساد، لأن الرياح تذروه في كل الاتجاهات فلا يجد من يسير تحته أو يقف إلا الضحك. عندا يهطل المطر لا تنسى السماء أن تقدِّم عرضاً بطولي من البروق والرعود. تفرح الطبيعي بالتماعات البرق حد إثارة الخوف.

غازي اباد
8 يوليو 2012 

فخ اقتصادي


فخ اقتصادي
كعادته، يرغب الزنداني عبد المجيد أن يبقى في منصة المشهد وان تسلّط عليه الأضواء، وهذه مشكلة النجومية التي عاشها الرجل منذ زمن، ليست نجومية فقط، هي خليط منها مع تبجيل وتقديس.
وكنت أخشى بالفعل أن يتمكن الرجل من توفير دواء للايدز - مع تقديري لمجهود إنساني من هذا القبيل - لأننا كنا سنصبح أمام ظاهرة خارقة وبالتالي سيصبح الشيخ بمنزلة من التبجيل والتعظيم والقداسة لا تقل عن النبوة.
وقد أحسن صنعاً.
وبعد أن أزاحته الثورة التي حاول أن يسترضيها ويسترضي فاعليها بأن وصفهم بمفردة من قاموسه الخاص - عندما قال لهم تستحقون براءة اختراع، وربما هذا ما يصبو إليه الرجل في خلده - وكأنه رجل معملي بحق.
نعم أزاحته الثورة لأنها لم تقم على كارزمية فردية بل تجلت في كارزمية جمعية لا تستقبل الشخصيات ذات الأنا المتضخمة.
ها هو الشيخ يحاول اليوم العودة بمفاجأتين. الأولي تأكيداً على حضوره في صدارة الابتكارات وعدم تخليه عن مهنته. والثانية عبارة عن قراءة ذكية للمرحلة وتلمس حقيقي لأوجاع المواطن. انه الفقر.
نعم لا يستطيع الزنداني العمل في إيقاع الثورة. لقد تجاوزته.
لذا سيدخل من باب آخر هو الفقر ويقدم حلاً. وبحلول من قاموسه الآخر: الكتاب والسنة.
هذا فخ جميل يقع في الزنداني لأنه يريد الثأر لذاته التي تجاوزتها الثورة. كان مصدوما عندما لم يجد له مكانا محجوزا في صدارة صفوف الشباب.
نعم سيصدقك الكثيرون عندما تتحدث عن معجزات ابتكارات وأوامر ونواهي. لكن لقمة العيش لا تعني ان تبيع لهم الوهم.
ولذا أيها الشيخ الجليل سقطتك هنا ستكون حتفك الأخير في هاوية بيع الوهم.
ها هو الشيخ يضع نفسه في محك حقيقي يستطيع الناس من خلاله التفريق بين بيع الوهم ولقمة العيش.
وله تجربة اقتصادية سابقة وهي مجموعة شركات انتهت وتكفلت لعنات الناس المخدوعين بمواراتها الثرى.
فمن أين سيدخل هذه المرة؟


5 يوليو 2012


غازي اباد – الهند

ليكن الحوار مع الأفكار وليس مع الشباب

بما أننا في ورطة حقيقية في مسألة تحديد من يمثل الشباب في الحوار الوطني وهذا ورطة ستدوم نتيجة خلل بنيوي في الساحات هو نتيجة مباشرة لعدم القدرة على الانتظام كمشكلة متجذرة في المجتمع اليمني، لم يسبق وفكرنا في أضرارها إلى ان وصلنا إلى هذا النقطة. فمثلا لم يفكر احد في مخاطر أننا لم نلتزم بإشارة المرور أو اننا لا نحب الطابور في تسديد الفاتورة او تعبئة الوقود وهذه اكبر انعكاسات هذه الفوضى وأتوقع أشياء أكثر منها عدم نجاعة العمل الحزبي في الفترة القادمة خارج الأحزاب التقليدية لأننا غير قادرين على الانتظام وراء الفكرة بقدر ما ننزع إلى الاصطفاف وراء الأشخاص.


الساحات الثورية وضعتنا كشعب أمام امتحان حقيقي باعتبار الثورة فكرة وليست شخصاً (أو على الأقل هكذا انطلقت).


وبما اننا أمام استحقاق تاريخي برعاية دولية وهو خطوة هامة نحو الاستقرار وتحديد مصير البلد برمته لذا علينا أن نبتكر حلولا ناجعة قادرة على تجاوز هذا المأزق المكون من كثرة الادعاءات والتشتت.


وبما ان الثورة هي مجوعة أفكار وضعها الشباب تمثل تطلعاتهم وتعبر عن سخطهم من الوضع السابق وقد أعيدت صياغة هذه الأفكار عدة مرات حتى بلغت موقع الأهداف السامية للثورة ولم يكن للثورة جسد مادي يمكنه الاتكاء عليه كصيغة نضالية (بالطبع عدا الدماء الزكية) فليست الثورة الساحات فقط. وليست القضية الجنوبية معارضة الخارج أو المنصورة.


لكل هذا وحيثيات أخرى اقترح ان يتم التعامل مع الشباب لا كذوات مادية انطلاقا من الساحة ستصيبنا بالدوار لأنها ميثولوجيا اغريقية متعددة الرؤوس لا تعرف بعضها البعض وإنما كأفكار الثورة وذلك بالرجوع إلى مدونة الهدف الثوري المكتوب على أكثر من وسيلة.


ونكتفي بالتمثيل القائم للفصائل الثورية عبر اللجنة التنظيمية على ان نعطي هذه الاخيرة فرصة لإعادة ترتيب أوراقها. هذا يعني تقليص الفجوة القائمة وإعادة تجميع الصفوف ودمقرطة اللجنة التنظيمية ومن لا يستطيع العمل مع اللجنة فهو غير قادر على العمل خارجها خصوصا إذا أعيدت شروط دمقرطة تشكيل اللجنة بالتالي فإن شباب المؤتمر غير معنيين بالعمل في اطار هذه اللجنة لانهم من خارجها ولديهم تمثيل رسمي .


ويتم الحوار بصورة علنية وشفافية يتم في كل مرحلة استعراض موقف المتحاورين من أهداف الثورة وتكون الحركة الثورية هي مقياس القبول أو الرفض لهذا الموقف.


هذا الحل هو الضامن لديمومة تداول الأهداف الثورية ضمن محاور الحوار
http://www.algomhoriah.net/articles.php?id=32011

معفرة بالعار أيضاً

معفرة بالعار أيضاً
يبدو لي أن وهم النقاء العرقي هي اكبر مشكلة قد تصيب الإنسان. لأنه يحاصر نفسه ويستبعد نفسه اجتماعيا دون أن يدري.
هذه نتيجة غير مباشرة.
لكن الأسوأ هو تفاقم أمراض نفسية بلا حدود، يتحول التاريخ إلى أسطورة متورمة بالانتصارات والأمجاد. ويتحول الجسد إلى خرافة من الكرامات والطهر، كل شيء مقدس حتى مخرجات الجسد.
فوقية واهية يمكن أن تجيز لحاملها القتل.
أحيانا يحسِّن المظهر من شكلها وتخفف البدلات والأقنعة من وطأت هذه المصيبة. وهي تحاول التظلل بالابتسامات.
ومجرد كلمة عادلة في وجه هذه السُتر حتى تزول كل الأقنعة. يتبدى الوجه الحقيقي.
وتخرج أمراض الدهر كافة. تجلب معها تفاصيل قديمة تأتي معفرة بالغبار. لكنها معفرة بالعار أيضاً.
لم نسأم بعد من إمكانية الأنسنة الواجبة علينا.

مفلس اليدين وسائر الأعضاء

مفلس اليدين وسائر الأعضاءلم اعد أرغب تماما في سرد تفاصيل يومياتي الرتيبة سوى أني شاهدت حرباء وسنجاب في حوار نزيه على باحة الفندق، قبلها كنت قد شاهدت في المسبح طفلاً هندياً مربع الشكل من فرط السمنة وهو كما يبدو لم يتعدَ الرابعة.أما جديدي أنا فأني أصبحت بتعبير الشاعر العربي درويش "مفلس اليدين وسائر الأعضاء". كما أني اشعر بانزعاج كبير من أخبار الوزارة وقدرتنا على ابتكار مسلسلات مكسيكية (برتابة الفصحى وغموض الدبلجة المغربية مثلاً في هذه المسلسلات طبعاً) سواءً أمر الدرجة الشاعرة في نيويورك أو موضوع الجمعية التي ما تزال جمعية ملالي على نظام تجار مكة لما قبل الإسلام أو عصر الجاهلية (ولكم اختيار التسمية التي تروقكم أو التي ترونها تعبّر أكثر عن الوضع و أظن الجاهلية هي الأفضل).فلست افهم لماذا لا يحق للأعضاء في الخارج المشاركة في ظل تطور وسائل الاتصال. اعرف أن معظم القائمين على إدارة الجمعية هم مواليد ما قبل الجمهورية ولهذا طبيعي ألا يفهموا هذا الطلب وقد تكرر لأكثر من مرة ومن أكثر من زميل.أجمل من هذا أن الصورة الجميلة التي التقطت لأحد اجتماعات الجمعية العمومية كانت في غاية الغموض ولم يظهر منها الأخ علي قاضي وقد غطى كأس بلاستيكي وجهه (ربما حياءً) وأبنه يتحدث إليه - هل ابنه عضوا في الجمعية - وقليل من وجه الاستاذ احمد العماد. صحيح عصر العجائب/ الاستاذ محمد حاتم وأولاده، الأستاذ علي قاضي وأولاده (مش عارف كم معاه أولاد في الوزارة). يعني ما فيش واحد طيب غير الوزير. ليس لديه ابناء في الوزارة. لكن طيبته أكثر من اللازم فسمح لكل هؤلاء أن يدخلوا الوزارة زرافات (هل سيقول معاليه انه وضع موروث.؟ لا أظن لقد انتهى زمن الأرآينة (رضوان الله عليهم)).مصطفى الجبزي 26 يونيو غازي أباد درجة الحرارة 47

الاثنين، 25 يونيو 2012

مجموعة أساطير وهوة الإيمان!

مجموعة أساطير وهوة الإيمان!

قضي كلود ليفي شتراوس ما يقارب ثلاثة عقود من عمره يدرس أساطير جماعات هندية في أمريكا اللاتينية ليخرج بمجموعة كبيرة من المؤلفات المتناثرة والتي تمثل نقلة نوعية في علم الاجتماع من حيث النظرة الثقافية إلى الآخر. وليس بجديد القول إن الأساطير والخرافات ما تزال تمثل ترساً كبيراً في عملية التفكير لدى المجتمعات واختلاق فرص توهم الخير والشر، والانتصار والهزيمة، والعمل الصالح وسوء العمل.

وبعيداً عن الحروب المقدسة والرغبة في الجنة عبر القتل، كيف يمكننا تفهم الاستمرار في بعض العادات كالتدخين أو تناول المؤثرات الذهنية إن لم تكن طواطم تتخذ أشكالاً جديدة. وكيف هو الحب والتصوف؟ لا أتحدث عن التغييرات الكيمائية في الجسد. فقط حديثي عن جوهر العاطفة وانعكاسها على مجموعة معتقدات وسلوكيات. في الأخير المحصلة واحدة. كل الأديان تتشابه في خلق هذا الجوهر وقدرتها على التغلب على عقلنة الأفعال الإنسانية.

بالأمس صادف وان حضرت عرساً هندياً باذخاً. كان أكرم ما فيه طقوس دينية تبارك العرس. بكل ما فيها من غموض بالنسبة لي كشخص تراجعت لديه القدرة على الإيمان المجاني لكنها ملهمة جداً من حيث مثابرة الكاهن وصدقه في الأداء مع عدم إغفال حركة واحدة. رغم ان الكاهن يبدو متوسط الثراء لكن امتثال الناس له كان أمراً عجيباً. ثم بعض حركات في مراسم العرس من قبيل أن يلُبس الزوجان بعضهما عقدين من الفل تبدأ الفتاة فيحاول الهرب العريس، أقلة من ثانية تتعلق الأبصار وتشرئب الأعناق لمثل هذه اللحظة وصراخ قبيل العاصفة ثم يأتي الفرج بأن يعلَق العقد في ريشة العريس بينما تمتثل المرأة لقدر كهذا وتستكين إذ يلبسها عريسها العقد.

هذه الحركة بكل ما فيها من روحانية ولدت لدي غصة كبير هي خليط من الفرح والدهشة وحالة حزن عميقة وغموض تجاه مدلولات الطقس.

كنت أسأل نفسي لماذا ما يزال الرجل يحاول الهرب من لحظة أظنه اختارها بعمق. في الأمر "خزعبلات" بتعبير احد الصديقات وقد قالت ذلك تخفيفا عن حزني لحظتها. هل هذه خلاصة كافية لإغلاق هذا الحديث بجواب عملي.

اليوم جمعني لقاء عميق في لحظة نشوة روحية بصديق من مملكة بوتان الآسيوية. تحدثنا عن الأديان: افتتح الحديث وقال: اعرف أن المسألة شعوذة لكننا مرغمون على الاعتقاد بها.

هناك تشابه بين الدين الإسلامي ودين هذا الشعب (الديانة البوذية) التي تؤمن باليوم الأخر والجنة والنار. كاد لسان حال صديق يقول :"وإن منكم إلا واردها". ففي دياناتهم لا يخلو أحد من الذنوب والأخطاء ولذا كُتِبَ على الجميع المرور ولو سريعاً بجهنم قبل الانتقال إلى الجنة.

تحرص هذه الديانة على سلوك البشر المتوائم مع البيئة؛ البيئة الصالحة للتعبد لهذا فهي تجرم بأعنف الألفاظ تدخين السجائر وقد تبنت الحكومة تدابر صارمة تجاه التدخين بينما الكثيرون لا يزالون يدخنون الماريونا ويشربون بكثرة المشروبات الكحولية.

لكنه في سرد طريق تحدث عن يوم الحساب وقال ان ملكا يزن أعمال الناس هو في الأصل قرد كبير - لكنه بقلب طيب - يؤدي هذه المهة ويودع من حددت أعماله الذهاب إلى النار ويسلم من حددت أعماله الذهاب إلى ملِك الجنة. في الجنة ملك وفي بلاده ملك أيضا.

من نفس البلد لدي زميلة أخرى – قصيرة رقيقة غضة - أكثر تعبداً ولديها محظورات كثيرة في الأكل والشراب والكلام. وكلما هدأ الفصل أخرجت من حقيبتها كتاب ديني بالانجليزية تقرأه بعنوان الاستعداد للموت. تتحدث كثيرا عن الانسجام مع الذات والطبيعي ولديها في هاتفها صورة طفل تقول انه إعادة تجسد لإله كبير ولديه معجزات وأعمال خارقة. لا تريد أطفالاً كغاية دينية لأنها لا تريد أن تجلب للحياة طفلا يتعرض لكل هذه الآلام الدينيوية.

لكنها في أول امتحان دراسي لم تتورع عن الغش. فقررت أنا بدوري الاحتفاظ برصيدي من الإيمان. هذا ليس تغلبا أخلاقياً لكنه نافذة جديدة لهوة السؤال والحيرة.

لست هنا أوشي بسلوك زملائي. لكني اسأل أين مكانة الدين من سلوكيات الإنسان. ما هي قدرته على تقرير الحقيقة وما هو شكل الحقيقة التي تتولد عنه. هل هي بالضرورة مجموعة أساطير؟

مصطفى الجبزي

25 يونيو 2012

غازي أباد

الاثنين، 18 يونيو 2012

دخلنا الحالي...

دخلنا الحالي...

"حتى تخوم العقد الثالث من العمر تبدو النساء في الهند خصوصا في الشمال حيث أشاهد ذوات قوام استثنائي لرجال الشرق والغرب على السواء. فهن بأحجام صغيرة ومتوسطة ممتلئات الصدور وبعجوز ناهضة وذات همة."

ما من موضوع يثير الاهتمام للرجال والنساء أكثر من موضوع المرأة. حتى الصفقات التجارية يتم تأنيثها. وتبتكر أعظم المجازات ليكون الكوكب وما عليه أنثى.

أقول إن الموضوع شائق للرجال والنساء وإلا ما قضت النساء ساعات في الحديث عن امرأة إما جميلة أو قبيحة أو متغنجة أو..

لكنه من أكثر المواضيع إثارة للمشاكل وكأنه حقل ألغام خصوصاً بين زميلات العمل أو تلاميذ الدراسة أو بين الأزواج. ومع هذا يظل يقدّم إغراءات كبيرة وقاضية للخوض فيه.

مع هذا سنخوض غمار هذا الحقل غير الآمن. وسأعود الى حديثي من حيث توقفت.

"لكنهن (نساء الهند) يمتلكن بشرة طرية تتجدد كل ساعة رغم شدة الحرارة وعراء السواعد. ولا تهتم النساء في الهند بالزغب المتناثر برقة وانسيابية على الوجوه الرقاب والسواعد.

بعد هذا العمر تنتهي ضمانة (التصنيع) وتكون المرأة قد تزوجت فتهمل حالها لأن الزوج صار في الجيب.

لكن يلاحظ الزائر، خصوا في المعابد حيث يتكدس المتعبدون فتيات يحملن على جنوبهن أطفالاً عراة من النعم. فتيات صغار قادمات من أرياف الفقر والكدح وكأن المسألة طفل يحمل طفل.

من بين آلاف من النساء غير الجميلات تجد شابة وكانها ضرب أو استثناء وراثي. فحواف الوجه قدت بعناية فائقة. وانسيابية الملامح تجعلك تغرق في رهافة التشكيل.

وأجد أن الهندية لتشاهد فقط لا لترسم أو تكون في صورة. بالطبع الرجال أكثر وسامة وتباهي من النساء. لكن الغريب أنه لا يوجد في هذا المجتمع تطفل على أي من الجنسين. وبالرغم من الازدحام وحضور المرأة في كل شبر فلا أحد يكترث لأحد. فقط الكادحين هم طويلو الأعين. لكن الهنود يسمحون لأنفسهم بالتلصص على الأجانب خصوصاً النساء.

وصحيح أن الهند تدهش الزائر، لكنها أيضا تندهش من الزائر أكثر.

أسير في تجوالي برفقة زملاء الدراسة ونحن من قارتي آسيا وأفريقيا وبيننا الأبيض والأسود والأصفر والشقراوات.

ونمر بين الصفوف فتتوجه إلينا الأنظار على نحو جماعي لا يستطيع كبح جماح فضوله. لا يمتنع الهندي البسيط عن الضحك في وجهك إذا كنت غريبا ومدهشا بالنسبة له. وقد يحملق فيك كماعز بلهاء.

من بين الرفاق فتيات من الخاصرة الإسلامية لروسيا وينظرن إليهن النساء رغم احتشامهن وكأنهن في غاية التبرج بينما تكون الناظرة ببطن وظهر عاريين في لباس الهند التقليدي.

بالنسبة لي لا أثير اهتمام أحد لأني هندي كامل الملامح، وكثيرا ما يسألني الناس عن كيف يصلون إلى وجهتهم. وربما يتعجبون لماذا أنا بين هؤلاء الأجانب. أهز راسي وأقول: "نو هندي، انغليش اونلي"

قبل يومين ذهبنا إلى معبد أكشهردام. وهو واحد من المعابد الحديثة لكنه من أكثر المعابد أناقة ودقة في التمثيل والتصوير. كانت معنا زميلة جامبية من أفريقيا الساحل. وكان يوم جمعة وهي لا تتردد في كل جمعة أن ترتدي لباسها التقليدي وتعتمر عمامة معقودة للأعلى. سمراء طويلة نحيفة بعينين مقبلتين على الحياة ببهجة. المهم كانت الرحلة "زفة" في الذهاب والإياب.

في هذا المعبد يقام عرض في المساء. عرض موسيقي على إيقاع نافورة ماء بديعة. تظهر مخرجات الماء وكأنها هي مفاتيح الأورغ. بالطبع الموسيقى ناعمة صوفية بامتياز. روحانية قدرت على مزج القديم بالمعاصر. هناك الحان جيتار وجاز وطبل. وقبل العرض يبدأ توشيح بديع كموالد ابن علوان في جبل حبشي. هذه الطقوس جعلتني أتساءل في أصول الطقوس الديني الشعبية في اليمن وفي تعز وحضرموت وتهامة على وجه التحديد.

تسارع الإيقاعات يشعرك بعبثية الحياة ولانهائية المصائر. لكن العودة إلى الهدوء يضع قدمك على شرفة الإيمان.

الأضواء متعددة بين الأحمر والأزرق وهي تجسد النار والربيع والغابة والغموض وسر الحياة والتيه وطريق الهداية. لكن حركات الماء تتدافع كتدافع البشر وشرههم ثم تنساب وتعكس تعاوناً وتآلفاً بديعاً.

العرض درس روحي بسيط يحتاج إلى مشاهدة عشرات المرات حتى يستطيع المشاهد تفكيك شفراته الغامضة. ليس في الأمر إثارة. ليس فيها متعة عابرة. فقط مجموعة أسئلة. نادرا ما يطرب الجسد. لكنه يقشعر وينتفض، يثب من نافورات الماء المتصاعدة حد السماء والتي تهبط كمصير تاجر جشع أو صقر شره. يمنع التصوير بالطبع. دقائق معدودة يخرج منها المشاهدون معظمهم ممن قدموا للعبادة في حالة ذهول وابتسامات مبتسرة لأنها مخنوقة بقوة السؤال."

مصطفى الجبزي

18 يونيو 2012

غازي أباد

الثلاثاء، 12 يونيو 2012

خجل في عمامة سيخي

خجل في عمامة سيخي

غازي أباد – 12 يونيو 2012

في دلهي، تغفو المدينة مدثرة بالغبار وتنسحب الشمس كالحة باهتة اللون كشقاء الناس، تبدو وقت الغروب كأنها تائهة تبحث عن نزل غرب المدينة كقروي غار لحاجة في المدينة وضاعت عليه الدروب. الكل يركض متنكراً لنفسه، متنكراً للآخرين. في المترو يتنفس الناس بشرهِ عن قصد كأنهم لن يلحقوا نصيبهم من الهواء غداً. يتلاصقون بالأجساد في تمرين أولي (بروفة) للحشر. منسدل من خلف الظهيرة والأمس، يتمدد المساء ملتوياً حول رقاب المهرولين في طرق الحزن والبهجة كرداء امرأة هندية. وتنكمش النساء من الخجل واللهفة بسلاسة عمامة سيخي أصيل.

وحدهم أبناء الأغنياء يضحكون بفجور. أما الباقون، كطالب مشاغب يتهكم على الغباء المدرسي، تتلعثم ضحكاتهم وتتعثر بصدق الأسى فيخاتلون الضحكة بالكلام، وتكون بين البين كلقمة يابسة من غير ماء.

اطفال يلعبون الكريكيت بأقدام حافية. فاغرة تتنفس الحياة، تلهو أطراف أكمامهم أكثر من لهوهم باللعب. روائح غير طيبة تنبعث من كل الأطراف، أحدهم يتبول واقفا يلعن التراب الذي تتمدد عليه سكة حديد المترو برحابة بينما تضييق به الحياة بما رحبت فيستغيث بالصفيح.

في (المولات) يرفل التبجح ببطن جوفاء. تلتمع أعين النساء والأطفال نحو حلوى الشراء. كل شيء هنا أمريكي الطابع عدا ركن واحد من المبنى خاف المصمم ان يلعنه التاريخ فاستجار بتعويذة من نقش المعابد وتركها الحصن الحصين لحضارة يبتلعها السوق والشره.

الإجراءات الأمنية مشددة للغاية، يقف طابور طويل من البشر والآلات البشرية الصامتة ينظر دوره في التفتيش عند مدخل كل محطة. نفس آلات تفتيش المطار تتواجد على كل مدخل في المحطة.

في الخارج جندي يقف كتمثال مشدود الأكتاف مصلوب إلى بندقية خشبية بطلقة واحدة. كل شيء نحيف أو يميل إلى النحافة عدا البقر ونساء عجائز.

في متجر للحلويات الغربية بأسم السير جوهان. أقف أمام الباب الكهربائي بانتظار أن يُفتح يفاجئني فأر أسود متخم، راقصاً يركض إلى الخارج يعبر عن غضبة من تجاهل كهرباء الباب لكبريائه. لا أحدٌ يضايق أحدَ. فشعار المترو انه صديق البيئة وكذلك الناس أصدقاء للفئران. أظنه فأر مقدس يبتاع حلو القداس لهذا المساء.

السبت، 9 يونيو 2012

شيخان وذكرى



شيخان وذكرى

في كل مرة نسعى لترتيب لقاء شفاف، تحول أمطار استوائية، وتجرفنا الذكريات إلى حقول الشوك، وكأن اللغة تتعمد إسقاط حرف القاف من عربة الشوق والحنين وتلقي بنا في الشوك. إنها أرض ملغومة بالأسئلة التي تفجرت مساء أحد وبعثرت اشلاء ابتسامتنا يومها كجرح مفتوح يتعذر تضميده.

صمت طويل طوى من أعمارنا سنين. ضعنا كمقاتلين أوفياء في جبهة الخذلان والعمالة. ثم بعد سنين من الحرمان والتشرد، التقييا في مقهى ريفي بسيط جمعهما تسول إجباري على أنفة فضت بكارتها يوم نزال غير متكافئ وطعن في الخلف.

ألواح خشبية خشنة تجرح العابرين عليها بذكرياتها المؤلمة. وكراسي تتمايل إعياء وتحسرا على النزلاء.

يتفادى كل منهما مصادفة النظر في وجهه المتغضن، في رفيقه القديم. يتنكر لأزيائه وتعاريج الشماتة الصامتة على خد الهجر والضياع. أنه خوف البوح بالحقيقة.


الجمعة، 8 يونيو 2012

لذة الخمول

لذة الخمول

9 يونيو 2012

غازي أباد- الهند

مساء الأمس تصفحت بريدي الاليكتروني فوجدت رسالة من شاب سويدي تعرفت عليه حين كنت إلى جواره في الرحلة من الدوحة إلى دلهي. أثنى فيها على الرفقة في الرحلة وتمنى أن نلتقي في القريب العاجل.

وبعدها بقليل تلقيت رسالة أخرى منه يخبرني بأن جدول أعماله قد تغيّر وأنه سيرجع إلى ستوكهولم ولن يكون لقاءنا قبل نهاية الشهر في أقل تقدير.

بحدود ثلاث ساعات قضيتها في هذه الرحلة على طائرة ممتدة كسمك القادوس مكتضة بالركاب من كل صنف هندي بالطبع، وأنا أتحدث إلى شخص سيذهب في مهمة دراسية في الهند بعثه جامعته لمدة فصل دراسي واحد في مجال التنمية وقد أبدى اهتماماً ومعرفة واسعة بالقضايا السياسية والحراك الاجتماعي في كل من القرن الأفريقي والجزيرة العربية والشرق الأوسط بصفة عامة. جال بنا الحديث ألى طرق باب النظام المالي الإسلامي وجدواه وحقيقة النظرية الاقتصادية الإسلامية.

كل هذا كان بالانجليزية، تصوروا. لا ادري كيف كان يفهمني أم أنها ضرورات الرفقة وإكراهات الكرسي المجاور.

اعرف نفسي جيدا واعرف أن انجليزيتي تعاني من حالة تشوه عميق وقد أصيبت بإعاهة دائمة وضمور حقيقي وتحتاج إلى تدخل علاجي عاجل وإلا ما جئت إلى الهند أصلاً.

صُدِمت عندما شاهدت في جواز سفره انه من مواليد 89 سيما وكان قد طرح علي أسئلة جوهرية من قبيل مستوى علاقة اليمن بإثيوبيا التي زارها الصيف الماضي ويعرف عنها الكثير والكثير خصوصا مستوى تقدم الديقراطية والتنمية في هذا البلد العالم ثالثي أو المستقبل السياسي لليمن بعد خروج صالح.

قبيل مغادرة المطار عرض عليّ أن يقلني بالسيارة التي جاءت لأجله هي بيك أب، فشكرته وقلت له إن المعهد الذي سأدرس فيه سيجعل من ينتظرني.

لم أجد أحداً من المعهد وكل الأوراق التي في حوزتي لا تحمل عنوانا. لكني - والله سريع الحساب - وجدت الصديق عبد الرقيب أو عبالرقيب كما يرد على لسان هاني (الذي لم يتخلف عن تقديم الواجب وأجاد).

لقائي بهذا الصديق السويدي ذكرني بقصة طريفة. فقد كنت في أحد الايام من العام 2008 قد جلبت معي صديق يمني (دودة كتب ومحب للقراءة) إلى حفلة توديع ولم يكن يتحدث سوى العربية وفي الحفلة أحباش وفرنسيون. صديقنا كان يمرح ويسرح ويضحك من أعماقه معهم. أكل وشرب وغنى ورقص وعند منتصف الليل قال لي: "تصدّق! لا ادري أي لغة تشكلت بيننا هذا المساء. لقد تحدث بالفرنسية والحبشية وشعرت بتناغم كبير مع هؤلاء البشر". قالها وزفر مرتين.

أظنني قرأت في (زوربا اليوناني) قوله انه كان إذا تعسر عليه التفاهم بالكلام قام يرقص.

***

وصلت مباشرة من المطار ولم انم سوى ساعتين ثم إلى الفصل الدراسي مباشرة.

مضى اليوم الأول وكنت قد خرجت لاستطلاع المكان والسير حوله.

في الهند كل خطوة تعلمك درسا في الكفاح من اجل لقمة العيش. وتشعر ان هذه البلاد لن تتمكن من الالتزام بقوانين عمالة الأطفال مثلاً. وتشعر ان في شارع هايل لكما استدرت من شارع لأخر. لكن الأشجار تغريك بأن تتصور أنك في نيل القاهرة وشوارعها المحتجبة بالخضرة والفوضى.

أجساد نحيلة صلبة وسمرة الوجوه هي من قداسة الإنسان الأول.

شعرت بوحشة مبدئية. فللهند اتجاهها الخاص في كل شيء ابتدأ من قيادة السيارة. "السكان يمين، أين شتسرح؟" هكذا تلكلّم عبالرقيب.

الهنود لا يتحدثون بصوت مرتفع. بل ان الحديث في أحد محطات الميترو يعرضّ صاحبه لغرامة مالية.

لكنهم عندما يفتحون أفواههم للكلام يتدفق الحديث (بلا بريك)، بلا فواصل ولا علامات تنقيط. يقولون جملتهم وكأنها الجملة الأخيرة. وتنتفض لها أجسادهم وإلا ما اهتزت رؤوسهم في الحديث.

***

ذهبت خطوات بعيدة عصر اليوم ابحث عن بعض أغراض. شارع بجانبين، أحدهما في منتهى النظافة والآخر في غاية الـ...

عائلة تسكن الشارع وتعمل فيه. احدهم يحلق لزبون في الشارع ويتفنن ويتحرفن في الحلاقة بينما الزبون ماطا شاربه الممسد يجلس باسترخاء تام على الكرسي. عائلة تناثر أفرادها لكواية الملابس بكاوية حجرية أو حديد تعمل بالفحم. نساء يعلمن في البناء. المدهش أن كل مبنى من المباني الكبيرة قيد الإنشاء محاط بمدينة صفيح هي في الأصل للعاملين والعاملات الذين يتخذون منها مقر عمل وإقامة إلى أن ينتهي العمل. لا أظنه سينتهي بالنسبة لمشرد وجد عمل وفرصة سكن، أو هكذا يتمنون. في الهند عندما يذهب أحدهم للعمل في الإنشاءات فإنه يحضر كامل عائلته وكل واحد يضطلع بدور ما؛ رجال، نساء، أطفال...

في الشارع تضطجع الكلاب بطمأنينة منقطعة النظير. الجو حار والكلب مستلقٍ على أرض موحلة يتلمس الرطوبة والبرد. حسبته كلب نافق مرمي على قارعة الطريقة مغروس في الطين واقتربت منه فإذا به يحيني بأن فتح عينيه ولم يكترث لوقوفي على رأسه. بل لم يرفع رأسه بالمرة. إنها لذة الخمول في الصيف أو ضجر الحياة!؟.

وللرفاق الأفارقة حديث شائق...

الخميس، 7 يونيو 2012

موت الصورة

موت الصورة
7 يونيو 2012 - غازي اباد -الهند


هذه هي المرة الأولى التي أسافر فيها بعيداً عن الديار ولم أحمل كاميرا. اهوى أخذ الصور لكل شيء. نعم، كل شيء، كل ما تقع عليه عيني.

لكني اليوم اشعر بمرض ما حال دون ممارسة هذه الهواية العزيزة على نفسي. وقد صادف ان شاهدت أشياء كثيرة منذ يومين. لكن لم تقودني الرغبة إلى الاندهاش بها.
وهذا مرض ثانٍ.

أنظر الى الاشياء من حولي واتفرس ملامح الناس، تجول في خاطري أفكار كثيرة. ولا يظهر منها شيء.

ليست قلة الاهتمام هي الداء. ولكن عدم القدرة على رد فعل؛ بسيط، ربما غوغائي، ربما ساخر، ربما متأفف، ربما متألم. لا شيء من هذه الاصناف.

فقط مطبق على شفتي كاني أخشى البوح.

وفي المساء اكتشف ان لا مفاجأة.

المفاجأة الوحيدة هي احساسي بتلك الداءات تنخر في الأعماق وتجردني مني. تسلخ الأنا التي عرفتها فيّ. أنا الفضول والدهشة كفلاح يدخل السوق الاسبوعي ويلتقي جاره بلهفة وحنين كأنه لم يشاهده منذ أمد. كطفل في العيادة جاء بصحبة أمه وأفلت من يد أمه مسافرا في العيون المنتظرة؟


الأربعاء، 6 يونيو 2012

في مديح الآلة

في مديح الآلة
(5 - 6 يونيو 2012 )
كان موعد الرحلة الثالثة والنصف عصرا لتنطلق الطائرة من صنعاء إلى الدوحة ثم في التاسعة والنصف ليلا من الدوحة إلى دهلي (يقال إن اسمها عند العرب كان كذلك ثم تحولت إلى دلهي).
لكن سوء الأحوال الجوية وموجة الغبار حالة دون ذلك فتأخرت الرحلة إلى موعد غير أكيد.
لذا، عليك يا مصطفى ان ترجع بسرعة الى عند عبد الرحمن تأخذ منه المؤنة وتفر إلى بيت وليد.
في الساعة السادة والنصف تتصل بي زميلة الدراسة وضابطة طيران القطرية بأن موعد الرحلة سيكون في التاسعة والنصف ليلاً.
في المطار أطرح عليها، بوجه مكسور لأكثر من سبب: وماذا عن رحلتي الثانية الى دلهي؟
قالت: سيكون وصولك بعد غد الساعة الثالثة وخمسة عشرين دقيقة صباحا. "يعني عتجلس يوم كامل في التوحة".
"أصحابنا" الذين يقولون إن بند بدل السفر موقف تماماً على الموظفين من أمثالي يتعاملون معنا وكأنهم لم يسافروا أبداً. صحيح، تكفلت السفارة الهندية بالتذكرة لكنها لم تتنبه لطارئ كهذا وهي لم تعرف أني سأقعد ليلة ويوم في الدوحة وبما أني يمني الجنسية فلن أتمكن من الدخول إلى فندق، وإن كان كذلك. فمن أين لي مبلغ الدخول إلى فندق؟ ثم ماذا؟ هل سأقعد في المطار 24 ساعة كالمبعدين الذين ترفض المدن ابتلاعهم وتلفظهم المطارات واحد تلو الآخر.
***
الرحلة هادئة. لا يوجد ركاب كثر، وجبه خفيفة في المساء إلى جوار عربي (عربي بالمعني الانثروبولوجي والثقافي الغربي، يلبس ثوباً ابيض وعقال وشفاتين متدليتين كشفاتي البعير) لم يكف عن دعك وجهه المتغضن كفصيلة كلاب البيتبول. لم أتحدث إليه، كنت مرهقاً وممتعضا من أشياء كثيرة منها قدرنا على هذه الأرض. ربما فكرت كثيرا في أن الطبيعة ما تزال أقوى من البشر.
من نافذة الطائرة نظرت إلى الأسفل بين حين وآخر وجدتنا نحلق فوق حدائق نور باهرة بعد رحلة من ظلام الجبال والصحراء. بالمناسبة الصحراء ليس مظلمة. إبراهيم الكوني يقول إنها من طهرها لفظت الإنسان غير الطاهر ولم تأويه.
***
قبيل أن نخرج من الطائرة التفت إلي (العربي) وقال لي: الحمد لله على السلامة. بادلته التهنئة وسألته : يبدو أن الغبار هنا أخف. قال: نعم كبل يومين كان أكثر. بس الآن أخف. خلاص راح على اليمن. وابتسم.
بالفعل الخليج يقدم لليمن أشياء كثيرا منها الغبار أيضاً.
قلت له تكررت موجة الغبار هذا العام. فقال لي: بالفعل ما كنا نعرف الغبار من كبل. خلاص الدنيا تغيرت وما في أمطار والتصحر زاد.
شردت عنه لحظة أفكر في المخاطر الاقتصادية والبيئية والصحية لمثل هذا الوضع الذي يزداد تعقيدا. حركة النقل تسوء. أطفالي (وكأنهم صرّة الكون) منذ أشهر يعانون من التهابات حادة في الصدر تمنع عليهم رقادهم.إلي أين؟؟؟
نهضت لأحضر حقيبتي الصغيرة فرأيت صديق فرنسي يعمل في اليمن. تظاهر بنسياني تماماً. أفهم لماذا. لكني واصلت معه الحديث بالفرنسية.
أظن أن الحديث بلغات أجنبية يجعل الناس أكثر شجاعة. هناك كاتب جزائري كتبَ: أكتب بالعربية، وأصرخ بالفرنسية.
لا تنكروا حقيقة ان الكثيرين ما ان يريدون الحديث عن موضوع حساس وملفت للنظر (من قبيل الجنس مثلاً) إلا ويلجأون إلى استخدام الكلمة الانجليزية.
تشعبنا في مواضيع كثيرة فالرجل "لطيف" وكنت اعرف هذا من قبل. وربما نسيانه لي كان من حركات "اللطفاء" أمثاله.
ألا تلاحظون في حقيقة الأمر؟ يوجد "لطفاء" كثر يقدمون على اليمن من الأوروبيين والأمريكان" خصوصا في السلك الدبلوماسي.
هذا الفرنسي يحب الدوحة ولديه فيها أصدقاء كثر أكثر من حبه لدبي رغم سفره إليها مراراً. كانت أهم جملة لهذا الصديق أنه يجد دبي مدينة بلا روح. قلت له الأصدقاء هم روح الأماكن. حديثه ذكرني بصديق امتدح شرم الشيخ وكأنها مزار للحجاج.
نعم، كل يحج إلى قِبلته.
***
مطار الدوحة واسع جدا. لم أتعرف على ملامحه في الليل. لكني شعرت أنه كفيل بابتلاع نصف قطر.
انتظرت طويلاً في صفوف الركاب العابرين أو ركاب الترانزيت. بما أني سأبقى في الدوحة اكثر من 20 ساعة كان لا بد من مكان للنوم والأكل والشرب. طلبت ان يبعثوا بي إلى فندق. فرفض الموظف الفلبيني الشكل واللكنة.
سألته: أين مشرفك؟ فقال: هو ذاك.
ذهبت إليه. أسمر قصير شبه أصلع بشارب اسود نافر منضبط الاصطفاف كجوقة. هندي بالطبع.
سيدي...
أوكيه، ستذهب إلى الفندق ولكن انتظر، اجلس!

***
جلست من الساعة العاشرة ليلاً حتى الساعة الثالثة والنصف بعد منتصف الليل. تأخر الرحلة القادمة من صنعاء وتفويتي الرحلة إلى دلهي يعطني الحق بالذهاب إلى نزل. فأنا اعرف قواعد العبور وسبق لي وان عملت بهذه المهنة لأكثر من عام. أحببتها لانها عفوية وسريعة وليس فيها ملل. لأنك في اليوم الواحد تقابل آلاف الصور. لكنها مؤلمة عندما تصطدم باللوائح وتجبر نفسك على إزاحة مشاعرك الإنسانية. في المطار لا أحد يحب أحدا أو يكره أحدا. كلهم عابرون في وطن بلا عنوان. حتى عمّال المطارات لا يشعرون بالانتماء للمطار. فقط ينتمون لرواتبهم وفرص العيش والراكب الذي قد يدفع بقشيش. بالطبع هناك تميز بين راكب وآخر. مثلا الحسنوات والمتغنجات يحصلن على معاملة أفضل من الذكور بينما الرجال الوسيمين وذوي الملابس الفاخرة يلقون معاملة حسنة من الإناث وهكذا.
المهم القاعدة تقول إن لي الحق بالذهاب إلى فندق. لكن جوازي اليمني يحول دون ذلك. فقط لأني يمني.
سيدتي جوازي دبلوماسي وأنا ذاهب إلى منطقة أخرى ولست هنا للـ..
اعرف لكن هذه هي اللائحة.
في كل الأحوال حتى لو سُمِحَ لي بالدخول إلى فندق فمن أين سأدفع رسوم الفندق؟
الساعات التي قضيتها في المطار كانت لغرض مراجعة مصلحة الهجرة التي قد تسمح بدخولي إلى فندق فيما لو اقتنعت بجوازي الأحمر الداكن والتأشيرات التي عليه خصوصا إقامتي في أوروبا.
تصوروا مجرد الحصول على تأشيرة إلى أوروبا يمنحك امتياز. كل صفاتك الأخرى لا معنى لها. أوروبا أولاً.
لدينا مثل يمني جميل: حُبَة (قُبلة) من المليح ولا .... من الخيبة!
***
في الساعة الثالثة والنصف فجراً جاءت الموافقة بدخولي. لأني سبق وحصلت على تأشيرات دخول إلى أوروبا وأقمت فيها. أنا ما زلت يمني وجوازي أحمر.. ولكن تلك مبررات كافية للسماح لي.
وصلت إلى الفندق الساعة الرابعة والربع فجراً. من نافذة الغرفة أتطلع إلى حقل عمل وأصوات الآلآت يتكرر. نقّار الصخور يعوي ويدق في الأرض كساعة سويسرية.
استيقظت في الظهر وهرعت إلى النافذة لأتأكد من مشهد الليل. بالفعل أنا في مشهد من برنامج (مشاريع عملاقة).
***
في المطار أجانب كثر أقصد العاملين. العرب يوشكون على الاختفاء، العرب كل العرب. بدأ بعض الهنود يتحول إلى عرب بعض الشيء، أم هناك تقارب في الأشكال ومورفولوجيا الجسد بيننا. فقط مجموعة مغاربة يعملون في أكثر من مجال. يبدو ان مصر توقفت عن إرسال عمالة إلى الخليج. المغاربة أكثر حضورا. أجسامهم رشيقة، يتحدثون أكثر من لغة. وجوه جادة وبملامح قاسية في نفس الوقت.
بيتر، مصري واحد فقط التقيت. شاب مرح بنظرات واسعة وكأنه طبيب. هو بالفعل طبيب في ابتسامته بالنسبة للمسافرين الذين فاتتهم رحلتهم. من يمكنه مواساة شخص فاتته الرحلة وكل ما فيها من أحلام ومواعيد وتطلعات.
لم ننته بعد!

الاثنين، 4 يونيو 2012

اللجنة الخاصة


اللجنة الخاصة
القائمة التي صدرت اليوم عن صحيفة الشارع، وكانت قبلها قد اشارت بعض المواقع الاليكترونية هي تبشر بنشر هذه القائمة الى ان اجمالي المبالغ التي تتلقاها شخصيات مدنية وعسكرية يمنية تبلغ 145 مليون ريال سعودي شهريا.
وحاصل جمع هذه المبالغ على امتداد السنة يكون 1740 مليون ريال سعودي اي ما يقارب 464 مليون دولار سنوياً. بمعنى قرابة نصف مليار دولار.
 
بالنسبة لي هذا الرقم يفسر مستوى المعيشة ويمثل واحدة من مؤشرات الاقتصاد الخفي. ربما يليق بنا ان نطلق عليه الاقتصاد القذر ضمن تعريفات الاقتصاد الخفي لانه يمس قضية انتهاك للسيادة الوطنية.
لماذا نستغرب اليوم ان هناك مبالغ تسلمها السعودية ليمنيين في الدولة وضمن التركيبة الاجتماعية ولم نساءل من قبل كيف يسير الاقتصاد اليمني وكيف تدير الدولة الشؤون الاقتصادي لهذا البلد.
هل يعقل ان ما يزيد على 20مليون مواطن يتم تلبية احتياجاتهم بميزانية تتراوح بين 5 الى 7 مليار دولار سنويا بينما مظاهر الثراء لم تتوقف يوما واحدا عن الاستفزاز؟
هل تعلمون ان البلد كان يحوي قبل عامين على اكثر من 120 سيارة بورش. وهو سقف لم تكن تتوقعه الشركة المصنعة نظرا للقيمة الباهظة للسيارة وتصنيف القدرة الشرائية لليمنيين.
بعيداً عن الآثار القانونية لمثل هذا الخبر، وعن التهافت في التخوين والتبرءة. دعونا نتساءل عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية لمبالغ تدخل البلاد بهذه الطريقة.
لم تتطرق الصحيفة إلى مواضيع اخرى ذات صلة من قبيل منذ متى تسري هذه المبالغ حتى نتمكن من استنتاج التراكم الذي حدث وحجم نمو هذا الاقتصاد المنفلت من اي رقابة او متابعة او رصد.
علينا ان نتساءل عن عائدات اثمار هذا المبلغ ودوره في توزيع الثروة واعادة توزيع الثروة.
وكيف ان القيادات العسكرية والمشائخ كونوا ثروة طفيلية تتجاوز ثروة التجار. بالتالي ما اسهام هذه المبالغ في القضاء على الطبقة الوسطى في المجتمع، على اعرافها التجارية، على سلوكها المديني، على الاسهام في تحضير المجتمع، على الاعلاء من قيم العمل والجهد والمثابرة.
هذه الاسئلة ستقودنا حتما الى التساؤل عن دور هذه المبالغ في غرس ثقافة فساد متنامية.

الأحد، 3 يونيو 2012

النضال الرخو

النضال الرخو
----------------
لقد عبرنا عن غضبنا مرارا على صفحات الفيس بوك وعلى صفحات اخرى غير هذه. وأياً كانت النتيجة.   
لا تنسوا ان الفيس البوك يعمل على خلق وعي (نسبي) تجاه القضايا وان ادارة الحياة لا تتم في كل مرة بروح ثورية تنشد الصفاء وتبث روح الاستشهاد.
لا يزال يوجد هامش من الشد والجذب كحوار ايجابي دون اكراه اي من الاطراف على استخدام اعتى اوراقه لاننا سنفسد حياتنا ونحوّطها باسلاك شائكة لا تخدم حاجتنا الى التواصل  وتنوعاته من التجريب والتمادي والاعتراض والاحتجاج وربما رد فعل غاضب وغير متوقع.
لا بأس ان نمرن الناس على سلوكيات حضارية تغرس فيهم قيم التفاوض والعرض والطلب والاصرار على الحق والتمسك بالقانون لأن راهننا ما يزال يفتح ابواباً واسعة لتوظيف ادوات بالية من قبيل الوساطة واحيانا وسائل ضغط وعنف ايضاً. 
الراغبون في أنمذجة الفعل ورد الفعل يعانون من قصور في الحكم وشمولية في الرؤية ربما نتيجة انفصالهم عن الامكانيات الحقيقية المتاحة لكل الاطراف. 
فمثلا الاصرار على تجاهل لوائح القانون لا يعني سوى حالة غياب عن المشهد الحالي المتغير وانفصال عن متابعة مجرياته والاصرار على تجريب المجرب. 
بالمقابل الذين يطمحون برد فعل عارم تجاه كل تجاوز يبالغون في تقدير الموقف ويتسرعون في نيل النتائج. 
ربما قبح التجاوزات يستدعي انفجاراً كونياً. لكن القفز في درجات سلم المتاح من الادوات والتسرع في استعمال ادوات قهرية يعني الهروب من تكريس ثقافة احتجاج صحية، تساعد بالنهوض في وعي المتجاوزين.  
لا تنسوا ايضا اننا نمارس فعلا اخلاقيا وقيميا يمحو ذهنية وينمي ذهنية اخرى.
 كل الخيارات واردة. لكن اذا لم تقم خياراتنا الاحتجاجية على تعميق القناعة بضرورة القضاء على الفساد فهذا يعني انها موجة عابرة من نفس قوة فعل التجاوز او المخالفة او التعسف. 
على عاتقنا واجب اكبر من مجرد نيل الحقوق ونشر العدالة وتكافؤ الفرص.
نحن جيل جديد احسن تشخيص المشكلة ووجد انها في الاصل شرور النفس الانسانية كبذرة كامنة، لكنها في حالتنا انفلات من العقد الاخلاقي وتشويه لقيم مجتمع باكمله عبر ماكينة فساد منظمة ومتشعبة أو فول ابشن.  
نحن نحاول ايجاد معجزة وهي اعادة تشكيل ذهنية فاسدة لجيل متكامل ما يزال يمسك بمفاصل الإفساد. 
يجب اولا ان نشعره بالهزيمة الاخلاقية ثم نروضه ليعود الى جادة النبل. 
من منكم لا يغريه هذا النجاح. 
لا نستنفد ادواتنا. 
خياراتنا واسعة ومتدرجة.
القسر لن يكون سوى انتحار جماعي. لذا لن نجعل انفسنا في أمام هذا الخيار مبكراً.  

الجمعة، 11 مايو 2012

مشاتل








مشاتل




19 ابريل



كأعقاب سيقان الذرة الرفيعة، مضى عليها الزمن بعد الحصاد، وامتصت مضارها الدبابير والنحل وابلتها الشمس، سهلة للنزع من جذورها تُنتشل مني الذكريات. احشائي ارض مشاتل تطلب ماء سماء حنانك.






عيناك


24 ابريل


عيناك والبحر وساعة السحر... متاهاتي الكبرى اللذيذة. اقترافك للغياب لن يكون اكثر من مد افاق الحنين في المدى. ساترك لي راية العشق من الجبل الى البحر.ضحكتك هي براق السفر. والليالي المطيرة الباردة كفيلة بارجاع لحظك كل لحظة.
لستِ هنا. فليكن!
من سحر الحياة اننا لنا منام نرى فيه من نريد وكيفما نريد. صحيح ان التوقيت لا يكون بأدينا بالضرورة. لكن للسماء عدالتها.



اخضر وأحمر


28 ابريل


عندهم : الأخضر وصل. عندي الاحمر وصل. من دون شك، هذا اعلان غامض بقدر سذاجة ذلك الإعلان على التلفزيون اليمن. لكن احمري استشفه من شفق الغروب حيث كالمتني. حيث صوتك منقوع بصوت الموج. حيث نسائم عطرك محمولة على رذاذ الشاطئ المدغدغ.
للأحمر مذاق مختلف. فهو مخملي ككساء عروس من القوقاز. وهو داكن متصالح مع نفسه كبن يمني حمادي. انه الامتلاء بالحياة كجلسة قهوة على الطريقة الاثيوبية.
وانت خليط من كل هذه الاجناس. انت زعفران افغاني ونشوة مبتهل في روابط الصحراء الكبرى. أنت أنا في ثمالتي لحظة صلاة على صخرة عارية من الخوف.

أرجوحة العمر


أرجوحة العمر


10 ابريل


......................
ان تجودي، فصليني
اسوة بالعاشقين
او تضني فذريني
في ظلال الياسمين...
)خمرة الروح القُبل)


رغم اني معلق الى أرجوحة العمر، الحكاية معك لذيذة، لم ارغب يوما ان اضع نقطة على السطر وأقول : انتهى. وكلما وصل بنا الحال الى منتهى السطر انعطفت مهرعاً نحو السطر القادم. انها سردية بنكه متعبد موحّد. انها تراتيل ومزامير. لكن التبريح أمضى. ولن يطول بي المقام في محراب الألم. ستكون هذه آخر المناجات. وسيكون حلم البارحة اخر الطيف الذي يزاورني.
هل تدرين ماذا رأيت في منامي؟
رأيت أننا نأكل مجدداً حبة الخوخ التي تقاسمناه وقت عصر. ما ألذها!
قبل هذا لقد تضاعفت احلامي في الليالي المقمرة من هذا الصيف. الليل قصير وأنا اركض وراء الحلم فلا أصله. لماذا يا تري هذا الركض في الليل والنهار؟
وقبل ذاك. اعرف جيدا ان صفحتي طويلة بلا نهاية. فاستعجلي السطر تلو السطر. انتقلي بي من حرف لآخر.
ماذا؟ هل لقيت من سفرك معي نصبا؟
غير معقول! هل كنت لا تعلمين انك بمحاذاة تاجر يماني له قدم في الجنوب وقدم في الشام؟
لا بأس سنعلق شيء من الحكاية على جدارن مكة. وبعضها سنغنيه للجبال.

معالي الوزير برئ ساحتك

معالي الوزير
من حقك علينا التضامن... ومن حقنا عليك ان تبرئ ساحتك.
4 مايو

ما تطالعنا به الصحف بشكل متتابع، خصوصا كتابات الصحفي منير الماوري التي يبعث بها من واشنطن تمس كيان الخارجية وتزعزعه وان كانت في معظمها موجهة نحو معالي الوزير. فهي معلومات تتجاوز قدرة الكثيرين على التصديق فكيف بمن اوصلها الى واشنطن. صحيح ان واشنطن عاصمة العالم الحقيقية وبالتالي فهي مركز المعلومات الحقيقي.
ومن يعرف هذه المعلومات او قادر على توفيرها او خلقها هو شخص من جيل معالي الوزير لانه على اطلاع ومتابعة واهتمام وربما خصومة معه. وهنا من حق معالي الوزير علينا ان نتضامن معه ونحن نتضامن مع انفسنا أولا. لكن قبل هذا من حقنا على معالي الوزير ان يبرئ ساحته من هذه الاقاويل. وهو رجل دولة يتفهم ما نطالب به هنا سيما وهو يؤمن بالشفافية.
اعتذر لمعالي الوزير واعتذر للزملاء على ما ساقول. فاذا كنت لا استطيع تصديق هذه الاخبار. لكني لا استطيع ايضا تكذيبها. واعرف جيدا القاعدة التي تنص على ان المتهم برئ حتى تثبت ادانته. انا هنا اتخاطب مع معاليه من هذا المنطلق.
معظم ما نشر مؤخرا هو عن معالي الوزير لكنه على ارتباط مباشر بالمال العام والاداء في السياسة الخارجية. وهذا امر يخص كل مواطن وانا إذ اطالب معالي الوزير توضيح موقفه مما نشر فلأنه يخص الشأن العام. ولا اظن ان الصمت هنا سيكون أمر مجدياً
كما ان الرد المنشور على صفحة مجموعة معالي الوزير لا يفي بالغرض بل هو اشكالي اكثر منه توضيحي لانه ينطوي على الكثير من الديماغوجيا (الشعبوية). وذلك للآتي في رأينا:
المجموعة لها مسؤول اداري غير وزير الخارجية وبالتالي الرسالة ليست ممهورة باسمه او بتوقيعه ولهذا فهي ليست صادرة عنه شخصيا.
الرد فيها يقول ان الامر تجاوز العام الى الخاص وهذا غير صحيح ولا ينطبق على معظم ما نشر في الصحف والمواقع. مع اننا نتفق من حيث المبدأ ان الخاص لا ينبغي ان يكون موضعا للبيع الشراء رغم ان الشخصيات العامة لم تعد تمتلك حيزا خاصا.
الرد يقدم تبريرات لنشر الاخبار ولا يقدم دحضا يتناسب ووقعها واسباب نشرها او بنيتها الخبرية سيما وهي تتعلق بقرائن عيان. وتتصل بعمل السياسة الخارجية او طريقة الادارة.
الرسالة تقول ان الوزير سيعمل في الوزارة ما تبقى له من الوقت وهذا يتنافى مع تصريحات سابقة للوزير اعرب فيها انه يرغب في مغادرة الوزارة وليس متمسكا بها. اما الحديث عن البناء المؤسسي فحدث ولا حرج.
اختتمت الرسالة بالحديث عن تدمير اخلاقيات الشعب اليمني واثارة الفتن فهل ينظر معالي الوزير الى نفسه بانه الشعب اليمني وهل نشر رسالة من هذا القبيل يمثل تدميرا لاخلاق الشعب اليمني واثارة فتنة ام هي في أسواء الأحوال نيل من شخصه.
نثق كثيرا في قدرة معالي الوزير على معالجة هذا الأمر بما يعزز هذه الثقة.

عسل عسل

عسل عسل
9 ابريل

اثار فضولي منشور لصديق على صفحة الفيسبوك يستغرب من ثراء بائعي العسل وازدياد ثروتهم. وكانت لدي معلومات ان حجم التجارة في هذه السلعة كبيرة وان العسل ثروة قومية بالنسبة لليمنيين خصوصا ولديهم جيران يبحثون بشتى الوسائل عن اشباع رغباتهم وتحقيقي ملذاتهم بما لديهم من اموال.
وبعد بحث عن ارقام واحصاءات وجدت ان حجم التجارة يصل الى 14 مليار ريال يمني, مع ان بعض المواقع تقول انها 3 مليارات ريال فقط. وقد بلغ انتاج اليمن من العسل ما يصل الى 2700 طن في العام 2010 . بينما مواقع اخرى تنسب لمسؤولين يمنيين ان الانتاج وصل الى 5 الف طن من العسل.
وبالصدفة وجدت ان بلدا كالجزائر ينتج 55 الف طن من العسل سنويا وانه بحاجة الى رفع الانتاج وتهدف الدولة الى ان ينتج النحالون 100 الف طن في السنة. بينما فارق عدد الخلايا غير كبير فلدينا 1.2 مليون خلية بينما في الجزائر 1.5 مليون خلية. مع هذا لم يتغن الجزائريون بانتاجهم للعسل كما نفعل نحن. الاهم ان الدولة في الجزائر لها استراتيجية وسقف لهدف الانتاج المطلوب. بالتاكيد الاستراتيجية تعني توفير وسائل.
ما يهم ليس كم هو انتاجنا ولكنا لماذا لا يزد انتاجنا من العسل؟ فوجدت ان خبيرا يمنيا في العسل قد تحدث في محاضرة عن اخطاء مربي النحل وان الافتقار لثقافة تربية نحل جيدة والالتزام بأخلاق المهنة والصدق هو السبب في محدودية الانتاج. فإليكم رابط المحاضرة
http://www.attagammua.net/index.php?action=showDetails&id=1549
اهم من هذا هو النظر في توزيع الثروة الناتجة من تجارة العسل. فمثل هذا القطاع يمكن احتكارة في مافيا وتوظفه لاغراضها الخاصة.

ازمة هوية واسر للوطن... الجزء والكل

الجزء والكل: ازمة هوية واسر للوطن
9 ابريل

البردوني، في احدى كتاباته معلقا على فشل الديمقراطية في بعض اقطار الوطن العرب ودفاعا عن الحزبية والعمل الحزبي في اليمن الذي كان يجرّم تحت طائلة مقولة "من تحزب خان"، يقول ما معناه ان الاحزاب السياسية اخذت لباس العمل السياسي وهي ذات بعد مذهبي وطائفي. ويؤكد في قراءته للمشهد السياسي في لبنان ان الاساس الذي استندت عليه تلك الاحزاب هو الاقصاء من خلال ادعاء النقاء الوطني فكل حزب يقول هو لبنان وهو جيشها الحر وهو شعبها وهو الوطن اللبناني. بمعنى حصر الهوية الكلية في صيغة معينة ورفض سواها، والحكم عليها بالخيانة والعمالة.
وعليه كيف يمكننا فهم الخطاب الذي توجهه بعض الوسائل الاعلامية والقنوات سواء التابعة للجماعة الحوثية او الحديثة النشأة مثل قناة اليمن اليوم. فقدت افتتحت قناة المسيرة التابعة للجماعة الحوثية عملها بمجموعة اناشيد وطنية لأيوب طارش ولم تنوع من هذه الاغاني وتبث اغان وطنية لفنانين يمنيين غيره رغم انهم كثر. ناهيك عن خطاب هذه الجماعة منذ ان دخلت في العمل الثوري وانخرطت في الساحات كان يدل على حرص في تثوير الثورة ويبث تحذيرات من اختطاف الثورة وسرقتها. وعندما جاءت المبادرة الخليجية بادرت اسماء تنتمي الى هذه الجماعة اليمنية العزيزة الى رفض المبادرة باعتبارها خيانة لدماء شهداء الثورة فكانت هذه الاسماء الحامي الوحيد والوكيل الحصري لدماء الشهداء. واليوم تعمل هذه القنوات على التصدي للاحتلال الامريكي لليمن وتولت مهمة التحذير والاستبسال في الدفاع عن السيادة اليمنية.
برأيي ان هذه الحركة منذ ان وجدت ودخلت في صراع دموي مع السلطة السابقة وخاضت حروبا عديدة راحت فيه انفس غالية من صفوفها ومن صفوف الجيش وابناء القبائل ولم ينته الاقتتال بعد فهو متواصل في محيط محافظة صعدة باتجاه البحر الاحمر، ولا احد يعرف السبب الحقيقي لهذه الحروب وحالة الاقتتال الدائم، وقد كان من المنتظر من المتحدثين باسم هذه الحركة توضيح اسباب الحرب تستند الى رؤية ذات بعد وطني فيكون لهم اصطفاف كبير بين بقية القوى الشعبية والسياسية اليمنية باعتبار ان الحوثيين يخوضون صراعا عادلا مع سلطة غاشمة بسبب موقفهم من قضايا الوطن من حالات الظلم والتعسف وتدني سقف الحريات وشدة الفقر وحالة الفساد.
وقد وجه البعض نقدا لهذه الجماعة وقالوا كنا ننتظر منكم توضيحا لتلك الحروب يدل على انكم مع الجميع وفي قضية واحدة وأنكم، على عكس ما يروج عنكم وعن مشروعكم السلالي الضيق ورغبتكم في استعادة النظام الامامي، تحملون هما بحجم الوطن ولصالح ابناءه كافة.
وعندما لاحت التباشير الاولى للثورة وجد الحوثيون فرصة ليخرجوا من القمقم الذي وضعوا فيه او وضعوا انفسهم فيه، فكانوا اكثر غلوا في الدفاع عن القضايا الوطنية ونقاء الثورة ووتذكيرا بدماء الشهداء تطهرا من غموض الفترة السابقة. ربما كان النقد يأتي من مناطق الجنوب والجنوب الغربي خصوصاً من انباء محافظة تعز. لذا كان الحوثييون يتعاملون مع ابناء تعز بإجلال وكأنهم شباب خلق للثورة فقط باعتبارهم قد تعرضوا للظلم والتعسف لفترات طويلة. وكان ذلك جليا في مسيرة الحياة القادمة راجلة من تعز الى العاصمة صنعاء. فكان حديث بعض المحسوبين على الحوثييون عن ابناء تعز حديث اشفاق اكثر منه حديث ندية. ولكن لماذا يفضل الحوثيين تلميع شخصيات تعزية شابة وطرية وليس لها عهد طويل بالعمل السياسي؟ ولماذا ما يزالون يفضلون الحديث عن دماء الشهداء بينما ضحايا القاعدة في ابين سيتجاوز قريبا عدد شهداء الثورة؟ وماذا عن التجريم الدائم للفرقة واشهار كل خطا يرتكبها افرادها مع افعال الحديث عن عراقيل تنفيذ المبادرة؟ ثم لماذا كل من تعرض لأذى وجد في الاصلاح واعضاءه ضالته؟
فهل يمكننا القول بان الخطاب الحوثي يسقط في نفس زلة الاحزاب اللبنانية؟ او انه بالفعل يرتكب نفس الخطأ الذي لن يخلق سوى حالة اقصاء وإقصاء متبادل فتتعطل الحياة السياسية وتتعثر اعمال الخروج باليمن الى ضفة آمنة بدل من الغرق. .

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...