الثلاثاء، 31 يناير 2012

ليلة الجن ... يوم رحيل محمد سعد

ليلة الجن ... يوم رحيل محمد سعد

في الدور الثالث من مبنى الوزارة يشغل السفير (المتقاعد) مكتباً موازياً لمكتب الوكيل المالي. يتربعان على طرفي مفتاح دبة غاز (بانه) مع فارق أن مكتب الوكيل أكثر رحابة ورهابة وإضاءة. بينما يتم الوصول إلى مكتب مدير شؤون الموظفين عبر نفق ضيق. في عز النهار احتشد المقهورون لسنين وأقاموا جلسة محاكمة معنوية لمن اقترف في حقهم مظالم لا تجبر. في نفس المكان الضيق والمظلم دوت هتافات حصحصة الحق، فكان الضوء يتدفق على النفق من عدالة مطالبهم وصدق أنينهم. تحول الوكر إلى منبر صدق أذَّن فيه من نُهِبت أعمارهم أو خُطط لهذا النهب الغادر في الظلام.

المدعو، يغلق باب مكتبه، يثبت المزاليج، يطلبها قسم الوفاء لحظة غرق، ينغمس بين أحشاء مقعده الكبير [بعض المقاعد كبيرة على شاغليها عندما لا يقولون كلمة صدق ولا يقيمون حق]، يتشبث بالطاولة، أوصاله ترتعد تحت دوي الأصوات اليانعة. يفقد بصره وبصيرته في لحظة يتصور أن النافذة غدت باباً، ولكن باب إلى الجحيم. تتأرجح نظارته بارتجاف والعرق يتصبب منه، تنتفخ عينياه ببياض الفزع.

الحناجر النقية تخلق فيزياء جديدة، تنشر كيمياء جديدة، تتغير الأحجام فيها ويستحيل الدم إلى ماء مالح لا أكثر.

يخرج المدعو من مكتبه ساعة غفلة، يركض وهو يجر خفيه بعد أن صارا اكبر على قدميه. في الرواق المظلم يعزف كعب حذائه رقصة الرحيل. في الطرف الآخر من الرواق تصفيق على إيقاع المغادرة، على ضربات الهرب.

- كيف سيكون ليله؟ يساءل أحدهم ببراءة.
فيأتيه الرد من الجدران التي نطقت بعد صمت أزلي:
- ضيقا مظلماً. إنها ليلة جن.

الجدران أيضا نطقت، اكتست بياض الطهر للمرة الأولى.
تهليل و تكبير، فرحة منقوصة لكن الأعناق تشرئب نحو الخطوة الثانية. سُلَّم النجاة يوشك أن يفلت من أيدي الهاربين. ستلتهمهم حرائق المقهورين.

ليست شماتة كلمتانا هنا ولكن، كيف يمكن جبر أعمارنا التي ذهبت في لعبة عبث المسؤول الذي لم يكن يُسأل؟ كيف يمكن إطعام ليالي أطفالنا عندما جاعوا ذات شتاء والجيب فارغ من راتب الإعانات؟
كيف يمكننا تعويض فرحة أطفالنا بعد خيبة عيد لم نشتر لهم بدلة جديدة؟
هذه هي أسئلتنا إلى المعنيين في المرحلة القادمة؟ 

الاثنين، 30 يناير 2012

بيننا من هو عدو اليمن وعدو الديمقراطية... بيننا من هو عدو عبد ربه!

بيننا من هو عدو اليمن وعدو الديمقراطية... بيننا من هو عدو عبد ربه!

نتائج حوارات اللجنة مع لجنة قيادة الوزارة تعلن بصراحة أن هناك حالة من تناوب الأدوار في استفزاز الموظفين والدفع بهم إلى غضب عارم. البعض أدمن على تقسيط حقوق الناس وتجزئتها وفقا لخارطة أهواءه ونوبات مزاجه وتوزيعها بالقطارة، ولم يفهم بعد أن المعادلة قد انقلبت وان شرعية موقعه من المسؤولية والمنصب الرفيع باتت موضع تساؤل وتقاس بمعيار التزامه بواجباته تجاه الموظفين وتحقيق مطالبهم المشروعة.
نحرص وغيرنا الكثيرون على المرور بـ ومع البلاد إلى يوم 21 فبراير بسلام واستقبال يمن جديد بينما من هم في الصف الأول من المناصب يعملون بخطىً حثيثة عكس ذلك. إذن يوجد بيننا من هو عدو إرادة اليمنيين وعدو الديمقراطية وعدو اليمن بالمرة. بيننا من لم يشفَ بعد من أحقاد التاريخ ومن قمقم المناطقية البغضية  

أنا عملياً ضد استمرار هذا الحوار العقيم ولا داعي أن تقيد اللجنة الموظفين وتمنعهم من ممارسة حقهم في الحصول على مطالبهم وارى ان دور اللجنة ينتهي عند تسليم محضر مطالب الموظفين بعدها نرى ما ستفعل قيادة الوزارة والتي في تقديرنا ترغب  في الاستمرار في سحق الناس واستعبادهم براتب لا يزيد عن أكثر من إعانة اجتماعية بخيلة من البطالة.
يستنقصوننا من حقوقنا المادية ومن حقنا في التأمين الصحي ويصرون على حرماننا من حقنا في التعيين في الخارج لنؤدي أعمالا توظفنا من أجلها ونذرنا أنفسنا لها.
ألف مرة طالبنا وطالبت أنا شخصياً بعرض كشف للقوى العاملة في الخارجة خصوصا العاملة في بعثاتنا في الخارج لنعرف معلومة هامة: من يعمل في هذه الوزارة؟ ومنذ متى؟ وكيف يجب توزيع فرص التعيين.
ترفض الوزارة وخصوصا شؤون الموظفين إشهار هذا الكشف وكأنها سترفع الستار عن عورة.
لماذا توظف الخارجية كل عام وهي غير قادرة على ابتعاثهم للعمل في الخارج؟ هل توظفنا لنعمل سفراء في رداع أو الملاحيظ؟

 بيننا من هم ضعيف فاجر. قوى يستنقص مسرعاً من حقوقنا ويرفض ان يطالب أية زيادة لصالحنا من المالية. نفهم توغله في فساد يمنعه من المطالبة. لكنا لن نسكت عن حقوقنا. ولن نسمح له بالتمادي أكثر. وسنوقف كذبه واستهتاره.  

الجمعة، 27 يناير 2012

لقاء خاص


لقاء خاص
يحدث وأن تجد نفسك في حضرة احد قيادي الوزارة في لقاء خاص وبعيد عن الدواليب والكراسي الرسمية.  لا يهم من يكون هذا القيادي الأول الثاني الثالث الرابع (هل فعلاً هناك تعدد في قيادة الوزارة؟) بقدر أهمية الحديث من حيث المضمون والنتيجة.

تأكد فقط انك ستخرج مثقلاً بوطأة الخيبة وترزح تحت نير المجهول والغامض.

تطرح همك وقضيتك، وقد تكون هموم وقضايا جمعية لا تخصك أنت على نحو مباشر، وأنت تتوسم الإجابة الشافية لما يدور في خاطرك من أسئلة.

تتكلم عن الفساد وشخوصه في الوزارة. وتتكلم عن التجاوزات القانونية وتعسف الحقوق. تتكلم عن حالة الرجل المريض وعن الترهل في أداء الوزارة. تتكلم عن مطلب التغيير وإصلاح الخلل المستفحل. تتكلم عن لجاجة المسؤول وتخليه عن مهامه وتقصيره في واجباته تجاه الموظفين وحقوقهم.

لكنك تتفاجأ بالتبريرات والدفوعات عن كل خطأ أو تقصير. يصدمك المنطق الذي تسمعه (فيما لو كان هناك منطق) وكأنه يريد القول: حيث أنت من الحركة أو السكون.

تقول لهم: يا جماعة
- لسنا ضدكم كأشخاص لكننا ضد هذه السلوكيات والممارسات المستمرة بعناد.
- تصحيح الفساد لا يتم بالفاسدين والمفسدين لذا لزم تغيرهم.
- قضايانا مطلبية حقوقية بامتياز فلا داعي للعناد والزمجرة ولا داعي لكيل التهم والتشكيك بالناس.
- لسنا نريد أكثر من تطبيق القانون على الجميع.
- أوضاعنا المعيشية ورواتبنا هذه في الداخل أو الخارج تقودنا إلى الموت البطيء وأحيانا السريع نتيجة لأمراض تفتك بنا ونحن بلا ضمان أو تأمين صحي.
- نرفض التمييز المناطقي والعنصري في توزيع الحقوق عند التعيين أو الترقيات أو التوظيف أو التمديد أو المشاركة في الدورات والفعاليات السياسية.
- نرفض الاستغفال والمتاجرة بحقوقنا.
- تهديداتكم لن تقتل فينا إلا الخوف وستكون النتائج وبالاً على الجميع.   

وماذا تتوقع ان يقولوا لك وقد سبقوك إلى الشكوى وتعيين المصاعب والعثرات؟

فقط انتظر ان يرموا بالكرة إلى ملعبك ويطالبوك انت بالحلول.

حسناً لماذا لديكم توزيع هيكلي للوظائف ومقاعد ومكاتب وليس فيها من يفكر ثم يعمل على حل المشاكل المتراكمة أمامه منذ سنين وأحيانا لعقود من الزمن؟

مختصر القول: بين أيدكم مصفوفة قضايا وشكاوى. وفي ايدكم حلها. ومعكم من الوقت ما يكفي.
وسنرى   

الأربعاء، 25 يناير 2012

إلى المستهتر.... سنقول لك من نحن!

إلى المستهتر.... سنقول لك من نحن!
25 jun

المستهتر- بكل مواصفاته وصفاته يتأرجح قلقاً على كرسي دوار وحوله بعض زبانية يشدون على إزر أعصابه المتهالكة - تجول أنظاره في الجدار تنتظر اصطكاك رماح الغضب على أضلاع مكتبه.
الزبانية - بعض من وجوه عابسة بالكذب، معفرة بتراب الخيبة وتنوء من حمل دسائس بلهاء- تواسيه، تقول له:
- هم واحد، هم إثنان، ثالثهم رابعهم بعض طيش تذروه الرياح. لقد انتهوا. لقد غادروا، وسحبوا معهم زوبعتهم.  
كلا ! نحن ليس ما ترون أيها العميان عن الحقيقة والغافلين عن الصدق.
نحن الصوت الهادر لكل الحقوق التي اهدرتموها لعقد من السنين وأكثر.
نحن الذين ابتلعتهم المقابر بعد غيض وغلب من افعالكم.
نحن الذين في الأروقة والمكاتب، في الداخل والخارج، في الأعلى والأسفل، بعيدون منكم وقريبون كل القرب.
نحن الذين غادروا العمل إلى صناديق التقاعد بقلوب مكلومة من إهانتكم لهم بلا تردد.
نحن من سيأتون بعد أن تذهبوا لينتزعوا حقوقاً لم تراعوا أحداً فيها.
نحن كل امرأة لم تتهاونوا في ابتزاز ضعفها وساومتم في رزقها.
نحن ذلك الشاب الذي صرختم في وجهه حين كان يطلب توقيعكم (المبجل).
نحن مصفوفة غير مغلقة من المقهورين والجائعين يوم أكلتم طعام أولادهم في مسغبة.

هل تستطيعون الآن تحديد عددنا؟

لكننا نستطيع أن نحدد من أنتم؟ وكيف أنتم؟ وكيف كنتم؟ وما ستكونون؟

فهل تستطيعون أن تحددوا كيف ستكونون؟

الفجر موعدنا، عارين من كل شيء سوى صرخة حق في وجوهكم، نسير بلا ركائز غير سنين من الظلم والقهر. ننظر في الأمام ونرى عين اليقين سوء مصيركم.     

الثلاثاء، 24 يناير 2012

عن مصر 1

عن مصر 1

28 سبتمبر 2011
القاهرة
"للنيل عادات وأني راحل.. "
هكذا قال درويش بعد تجربة مريرة واعلن رحيله عن مصر. ربما، بل كان يتناص مع المتنبي. لست درويشا ولاادعي شرف المتنبي ولن اقول الرحيلا. بل سأعلن انه طاب لي البقاء على هذه الأرض رغم ممانعتي السفر إليها منذ حوالي خمس سنوات.


****
من الدور التاسع في عمارة تنضح بالقدم وتنم على الحداثة يتراءى امامي فندق هليتون ومجموعة مبان رفيعة بينا يمر بين المسافة هذه ماء النيل على استحياء فلا اكاد ارى منه إلا انسحابه الهادئ هربا من الضجيج ليلقى بنفسه في فرحة ملاقاة البحر المتوسط.


*****
جوار مسكني (المؤقت) ينتصب تمثال نجيب محفوظ وكأنه يخطو خطوة للأمام على نحو حثيث وبهيئة بسيطة وتواضع الكبار ربما نحو جنة الأدب وربما نحو نار الإسلامويين. ويبدو ان مصر أُرهقت كثيراً فالشوارع تتعمد بأسماء الشهداء وكم هم الشهداء؟
 أما آن لك يا مصر ان تستريحي وتنظر إلى الحياة؟!


*****
في كل مرة ادخل محل لشراء شيء ما أجد حنفية مفتوحة تقذف الماء بسخاء. اشعر بانقباض شديد لأن الماء يذهب هدراً في بلاد يشقها النيل بينما انا القادم من بلد العطش الى الحياة لكن الكريم  من غبار (عجاج) السنين. في محل بائع الدجاج وددت لو اقفز على منضدة الذبح لاقفل الحنفية بحنق واترك له الدجاجة وإغادره شاتما عادته تلك. بينما في محل العصائر وقفت انا وزوجتي ننظر الى الحنفية. نحملق في الماء ولم نتمالك انفسنا فبادرت الزوجة بتنبيه البائع الى ان الحنفية مفتوحة. بينما زجرته انا يقولي له: لو أن هذا الوضع في اليمن لتسبب ربما بمشاكل! ووقفت على حرف اللام من المشاكل طويلا حتى باشرت زوجتي بالقول لتسبب بالطلااااااااااااااااااق.



*****
ولدي إلياس هذا الطفل الغض الغصن الذي لا ينفك يطرح أسئلة كبيرة. اراد ان نشتري سيارة لا يقودها خاله فقلت له عندما نعود إلى الديار سنحصل على مال وفير ونشتري سيارة صغيرة تكفينا وسنقودها انا وانت. اعجبته الفكرة وقرر شراء سيارة قبل العودة الى اليمن بل اراد شراء السيارة هذا المساء. حاولت اقناعه ان الأمر معقد واننا بحاجة الى مصاريف اخرى وان الفلوس ستذهب في غير شراء سيارة. وبعد اخذ ورد اتفقنا على ان نؤجل شراء السيارة ولكن ستكون سيارة كبيرة هذه المرة بالكاد وافق. ما أن مررنا من امام متجر لبيع السيارات حتى شاهد سيارة كبيرة وقال: 
- بابا نشتري هذي السيارة. 


هل تعلمون ماذا حل بي؟ 
ربما رغبة في البكاء. 
لماذا يا عرب ويا عجم؟ 
لأنها كانت سيارة بورش سوداء اللون تسر الناظرين. 
ومن الاطفال ما قتل!!!

لتوه خرج من غرفة العمليات

لتوه خرج من غرفة العمليات
 القاهرة
الفاتح من أكتوبر 2011 

بملامح جافة، ترفس الممرضة الباب الزجاجي الذي يصل الغرفة حيث انتظر  منذ أكثر من ساعة وغرفة العمليات الباردة بطبعها، وبين يديها طفل لا يتعدى الرابعة يرتدي (تي شرت) اسود بحواشٍ بيضاء في الاكمام والياقة وسروال رياضي كحلي اللون مقصب في الجوانب بلون احمر داكن.
تتقدم الممرضة إلى السرير على عجالة بينما تتدلى قدما الطفل كبندول زمن مهترئ
كانت تعرف أني والد الطفل الذي بين يديها وان أمه هي الاخرى ترقد في الغرفة البادرة تحت رحمة مباضع طبيب ما.
رمت (الأبلة) الممرضة بالصغير على السرير والتفتت نحوي وقالت لي بلهجة مصرية : "لسه ما فأش". أي لم يصحُ بعد.
كانت كلماتها جافة ككرسي خشبي مغروس على قارعة الكلام انهكته الشمس والمطر.
اقتربتُ من إلياس وانحنيتُ نحو جسده المسجى اتأمل وجهه واصغي لما يقول. لم يكن يقول شيئا، مجرد حشرجات لا أكثر، كان راقدا على جنبه الأيمن بوجه شاحب وعينين شبه مفتوحتين.
كانت عيناه مقلوبتين إلى الأعلى فلا يظهر منهما إلا جزء يسير من سواد القزحية في خليج من بياض منهك.
عميقة هي جشرجاته ومتكررة بانتظام بينما كانت دمعة تتشكل على الجفن وتتدحرج  برشاقة كطفل عاري يسحب قميصا ابيض لجده الغائب. تسكن الدمعة عند ملتقى الجفنين ثم تتكور وتثبت في مكانها بلا حراك إذ تخذلها قوانين الفيزياء التي لا تعرف تأثير (البنج).
لبرهة وأنا أحملق في الدمعة وأرى فيها صورتي ضئيلة ليس لها حول ولا قوة في تلك اللحظة.
مرات كثيرة استقبلت فيها شخصا يقرب لي لتوه خرج من غرفة العمليات. لقد كان الأمر لأربع مرات مع أمي ومرة مع اختي ومرة مع أبي.
أمي، رغم سمرتها البشوشة، كانت تخرج بوجه اصفر شاحب وشفاه جافة بلون التراب وتلوح بيدها في السماء. وفي المرة الأولى كانت تئن وتئن وتناديني: أخوك سيسقط من الشرفة.
أما اختي فقد احتضنتها من يدي الممرضين فشممت رائحة (البنج) وشعرت بالدوار وكدت اسقط انا وهي. لكن ابي خرج متأخرا وقد عاد إلى وعيه بينما كان جسده يطفح برائحة المخدر حتى اني تحاشيت الاقتراب كي لا اهوي على الارض.
مع إلياس كان الأمر غريباً فقد وقفت الى جواره وانحنيت عى جسده؟ انحنيت كشجرة طلح قصفها البرق للتو ولا تزال خضراء مبتله لكنها مكسورة من المنتصف. هكذا كان احساسي حينها. مررت يدي على جسده الصغير، كان يرتجف كجرو مبتل.
يده اليسرى ممدودة على الفراش كعصفور سقط على الارض ويحشرج وهو يرقص رقصة الألم.
طابقت يدي براحت يديه الباردة الناعمة وشددت على ساعده ثم انزلقت يدي على ظهره وادرجت راحتي من اسفل الـ تي شرت الانيق حتى الرقبة. شعرات كالعطب تسكن رقبته النحيلة. شددت على ساق قدمة ووضعت يدي على اخمص القدم التمس الدفء والحرارة المعهودة فيه. اقتربت اكثر لاتشممه.
كانت رائحته هي اللارائحة وتسائلت حينها : آلهي هل للموت رائحة؟ وهل للحياة رائحة؟
اخذتني ذاكرتي إلى نحو قبل عامين وقلت لنفسي:
سامحني يا صغيري؛ ما إن اكملتَ عامك الثاني حتى هرعت احملك الى الاردن لتخضع لعملية فتق إربي وها انت تشرف على الانتهاء من عامك الرابع وتجد نفسك على سرير عليل في القاهرة بعد عملية انتزاع اللوزتين. فماذا ينتظرك بعد عامين من الآن؟
هل صرت اختزالا لوطن ولد هشاً تنتابه الجراح بشكل دوري؟

اتذكر قبل سنتين عندما كنت اشرح لأحد الاصدقاء عن اعراض مرضك يومها وقلت له عنك: عندما يبكي تنتفخ خصيته اليمنى على نحو مفجع.
لم تكن حينها قد اكملت العام الثاني وكانت خصيتك تنتفخ وتصبح وردية اللون تثير الهلع كما قالت لي امي ؟
يومها فقط لم يكن اللون الوردي يثير البهجة والانتشاء.

صمتَ صديقي ذاك هنيهة وقال: يأتي الناس إلا الحياة ويدخلون معتركها وينتهي بهم الحال إلى تورم خصيهم أما ولدك هذا فقد جاء لتوه إلى الحياة بخصية منتفخة.

عن مصر 2 - خمول

 عن مصر 2  - خمول

9 نوفمبر 2011
 
تقابلنا بأمزجة متباينة ولكن بشوق ولهفة جمعانا ورفضا فك رباطنا. هو رباط هش ومتين، هش لأنه بعمر فراشة ومتين لأنه بقدر شوق معتمرٍ بعد حجه الأول. عندما ارتفع صوت أذان الفجر كأن كاس الشاي بارداً مراً والتبغ حارقاً يذبح الصدر بينما البعوض ينهش من قدمي العاريتين، ربما لم تكن المرارة والآلام الحقيقة، ربما كانت أحاسيس كنتيجة طبيعية لما طرحناه من أسئلة بحجم قبة السماء وبهول صمت مدن المقابر، ربما لأننا تسائلنا عن السماء وفي الحياة والممات، ربما لأننا ضحكنا كثيرا ليلتها لنداري الحزن المكثف عندما طرقنا باب الأحلام المؤجلة وطريق السعادة التي نلاحقها في مارثون العمر. 

****
في مشهد صوفي لا يمكنك الجلوس بحياد روحي ما لم ستتمزق في أعماقك اوتار الإحساس أو سيحدث لك ثقب في اسطوانة مشاعر العزف على المنطق والجدل.
لا أستطيع أن أسطر أكثر من هذا بعد أن حضرت حلقة صوفية بين الحسين والأزهر.

****
أمسية شعرية هي بين الشفع والوتر وقصائد عشر أولها فاتحة الثورة ثم آيات عن دماء شهداء طهر في يمني المذبوح وأخرها صوت أنثى ترسم النوم بريشة أثيرها. من امسية شعرية للسفير الشميري 


****
الساعة السادسة والنصف صباحاً.لم أنم بعد، لقد تصفحت بعض صفحات من رواية شهية كعصير قصب السكر. نشرب منه ولا نرتوي ومرة نشربه دفعة واحدة ومرة نشربه على مهل.
انهض من سريري أزيح الستار افتح أبواب الشرفة واحداً تلو الآخر، صباح القاهرة غريب مألوف؛ تنهض من النوم هذه المدينة متثائبة وتفصح عن وجه سافر ضبابي كعروس تحاول إخفاء ملامح وجهها عندما تستيقظ في أيامها الأولى من الزواج خشية أن يراها من حولها بلا رتوش ولا أصباغ بعد أن غطت في نوم ليلة حافلة بالمتعة وآلام البكارة.
أنظر في الشوارع ثمة عربات وحافلات تسير الهوينى كامرأة تلملم اطرافها وتتنقل بين الغرف والممرات تبحث عن حذاء الحمام ساعة نعاس.

لم يعد في الجيوب الخلفية أمل!

لم يعد في الجيوب الخلفية أمل!

18 نوفمبر 2011
[تحذير:
- غير منصوح بالقراءة لمن هم دون – 18 أو من لم تتكلل حياتهم بعقد نكاح مدموغ بالأطفال.
- في حال استعصاء تصنيف النص أدناه، يمكن اعتباره بيان بؤس موظفي الحكومة.
- البينات والأحداث أدناه من خيال المؤلف، ومن يجد تماثلا في النص مع حياته يتحمل مسؤولية ذلك.]

عدة أيام وانأ انتظر حفنة نقود تنقذني من الغرق في الاستدانة وتبعد عني شبح غول الحاجة. فقط انتظار لقافلة تنقل الوهم صناديق عبر طريق الحرير تعثرت ذات شتاء ونفقت الجمال وصعد صوت الحادي إلى السماء، أو توسل لمراكب توابل أمخرت عباب المحيط من الهند غربا ً فخذلها الموج عند أقدام شواطئ الشِحر. لا شيئا يقودك إلى اليُمن/اليَمن، لا مجال للفرح. أنما بعض أهازيج الحادي تنفع للعزاء.

****
لم تعد تنتابني رغبة في الظهور على طفليّ الذين لم أرهما  منذ أربعة أيام على الأقل، أقول على الأقل لأن إدراكي للوقت صار من الهشاشة بمكان. لقد فقدت الرغبة في زيارتهما خشية أن تغامر عفويتهما وتطلب مني ببراءة الأطفال (جُعالة) وبعض حلوى لا يستطيع جيبي إليها سبيلاً ففضلت البقاء بعيدا عنهما درءاً للحرج. كم هي كبيرة شهية البقال للنقود في العيد؟

****
بينما يزعق هاتفي الجديد يطلب الكهرباء أجد وجهه شاحبا مصفر يتضور لبعض وحدات يسد بهن رمق اللياقة في هذا العيد ليرد على رسائل التهنئة. حمداً لله ما يزال هناك من يبعث لي برسائل تهنئة في الأعياد أملاً في ردٍ جميلٍ رغم انقطاعي عن المناسبات منذ ثلاث سنوات تقريبا. لقد خاصمت الأعياد وأعلنت فيها الصمت. الصمت فقط، حتى الحداد لا أستطيع لأنه على الأقل يتطلب لبس الأسود. ومن أين لي شراء الأسود الجديد؟

****
لم يعد في الجيوب الخلفية أمل. مررت على كل الجيوب لكل ملابسي التمس بعض ريالات ربما ادخرها لي النسيان والإهمال في زاوية ما لجيبٍ داخلي لكوت أو معطف أو في جيب خلفي لبنطال جينز. مررت أولا وثانيا على بعض الملابس ثم اكتشفت أن لا أمل في الجيوب الخلفية هذه المرة.

****
كما مررت على جيوبي، مررت على (الجبوبي/أمين الصندوق) فكان أفرغ من الجيوبِ. لكني لم استثنِ أصدقائي، فشفطت من كل واحد ما مدني به النَفَس؛ ألف من بن طه، ألفين من نعمان، ألفين من بلال، ألف من عمّار. كان النَفَس قصيراً وكان الشفط بالريال على كل حال. أفرغت الحصالة المعدنية حتى تقيأت خمسة ريالات بعد أن كادت قبلها أن تُخرِج معدتها. خَرَجَتْ بطني أنا لا سواي.
بالله من يستطيع تبليغ هذه الرسالة لمعاليه. مع العلم أنني من ميسوري الحال في الوزارة. اللهم لا حسد. هل تودون معرفة اسم هذه الوزارة؟ حاشاكم، حاشاكم!

عن مصر 3 (اصدقاء طيبون)

عن مصر 3 (اصدقاء طيبون)

21 novembre 2011,

سأتحدث عن بعض خواطر عابرة التقطتها من مصر ولم يتسن لي كتابتها والبعض منها كتبتها على صفحتي في الفيس سابقا،

على كلٍ . أول ما أثار انتباهي في مصر هو الماء المتدفق في كل مكان وعبث الناس بالماء خصوصا وان الكافتيريات تترك حنفياتها مفتوحة. ثانيا: أن هناك إجماع على جعل نغمات الموبايل دعاء دينيا وبصوت قوي جدا بينما يتباطأ صاحب الهاتف في الرد كما لو انه بالفعل يستعذب النغمة. معظم الناس لديهم هواتف الصغار والكبار. جميل أن تجد امرأة عجوز بالكاد تنحني او تدور او حتى تتحرك بينما في جيبها هاتف تصل رنته إلى أقصى الآفاق. تنتبه الحاااجة للهاتف وترفعه مقابل عينيها لترد وبما أنها لا ترى جيدا تقرب الهاتف نحو الوجه وتتفحص وتحملق وما ان تتعرف على المتصل يكون الاتصال قد انتهى.

كما أن معظم سائقي التاكسي يشغلون أشرطة قرآن. لكن هذا الادعاء الزائف بالتدين لا يتوقف هنا. بل امتد إلى العيادات ودور الاستطباب. وعندما سألت أجاب معظمهم بان السر وراء هذا العمل هو إبعاد العين الشريرة، المدهش حقا هو ان اكثر الناس استعمالا للقرآن هم أكثر الناس استعدادا للسرقة والابتزاز.
لكن من الأشياء الجميلة في مصر هي جهلهم بالسياسة وبحثهم عن لقمة العيش. ما لم فيكون الأمر إفراطاً في تناول السياسة وبلوازم لهجوية دون اكتمال العبارة. وكذلك فائض اللياقة التي لا نحتملها نحن اليمنيون (فالمجاملة هي الاهانة الوحيدة التي لا نستطيع الرد عليها).

وجدت ان مصر تسعى لان تكون مرجعية دينية مقارنة بالسعودية او ايران او العراق، لذا فلديها اعداد كثيرة من اذاعات القران والعلوم الدينية. في مصر هناك تعمد في تجاور دور العبادة بين مختلف الاديان والطوائف. ولأشكال واحجام الدور دلالات رمزية خصوصا علو المآذن إلى جوار الكنائس العريضة. من المفارقة أن المسيحية اقل انتشارا والاسلام أدنى همة. رغم انتشار مظاهر التعبير عن التعبد إلا أنني وجدت المسجد لأكثر من مرة شبه فارغ من المصليين وهذه مفارقة كبيرة مثلا مع المساجد في اليمن. فمظاهر التعبد اقل لكن المصليين أكثر.

مصر بلد اعلانات اكثر من بعض البلدان الغربية خصوصا البلدان الاوروبية وربما هذا يدل على فوضوية الرأسمالية أو سياسة الانفتاح.
هناك لا مبالاة كبيرة في الحياة العامة تجاه التفاعل الجماعي. كله حال نفسه. بينما تقاعس المجتمع عن عمد مع بعض الاختلالات الاجتماعية كتواطؤ مقصود مع ما لم يروقه من الحرية الاجتماعية. والدليل على هذا هو وفرة المعاكسات واشكال التحرش كعقوبة جماعية تجاه السافرات. في مصر ايضا الناس لا يعرفون سوى مصر وامريكا والقليل عن الاخرين.

في مصر حيث الامتداد الاستراتيجي هو أفريقيا تجد اقل اهتماما بهذه القارة وهرولة نحو الشمال ونحو الغرب.
كرة القدم هي المزاج العام الذي يجمع المصريين، لكنهم مع هذا يقبعون في ثنائية التضاد؛ يا اهلي  يا زمالك. كما يبدو لي لا خيار لطريق ثالث.

في مصر أصدقاؤك من المصريين يستقبلونك على نحو طيب. أطيب من ذلك أن تجد كل واحد منهم وقد جد في حياته شيء جديد خصوصا ما يدل على تحسن وضعه المادي كشراء سيارة مثلا. لكن لا تتهور بتوقع ان يتزوج  مثلا.
في مصر ايضاً كل شخص يستطيع ان يفتيك في أي سؤال تطرحه عليه عدا العسكر فهم لا يعرفون على الدوام.
في مصر ايضاً اذا كنت ليبيا ستجد الحي كله من ليبيا واذا كنت خليجيا ستجد الحي كله من الخليج، واذا كنت يمنيا (حدث ولا حرج) ستجد الحي كله من اليمن، أو ان الحي على استعداد ليكون كذلك.

في مصر العناوين واضحة لكنها اكثر ارتباطا بأسماء الشهداء. كم هي متعبة الذاكرة الوطنية لهذا البلد! في هذا البلد الرئيس انور السادات يحتل مكانا رفيعا في ذاكرة وعواطف الناس. مكانه تتجاوز موقع عبد الناصر.
في مصر اللغة اليومية روائية بامتياز وان كانت تخلو من السردية والخطابية لكنها تعطيك انطباعا كهذا. فالناس يتقنون جعل من الحبة قبة.
هذه بعض ملاحظات وانطباعات عابرة. قد تكون الحقيقة غير ذلك.  

أسطورة "الستارة"

أسطورة "الستارة"

قصة قصيرة
ديسمبر 2011

وحشي هو كانون الأول هذا العام. على سرير السهر أتشبث بلحاف سميك. تستبد بي الأفكار هذا المساء، تجرجرني وراءها نحو جرف بلا نهاية، وجبال بلا صدى. ازحف بالذاكرة إلى أعوام خلت. ربما عشر، ربما خمسة عشر من السنين. ترنوا بعض صور من عمر المفاجآت.
لا أدري لماذا يحضرني الآن مظهر تلك الفتاة ذات 19 ربيعاً تقريباً. كل شيء فيها يستدعي أسطورة الستارة (غطاء) بألوانها المتداخلة ونقوشها الفوضوية. أكثر ما يشد أحاسيسي الآن هو رائحة الستارة /أو رائحة الفتاة.

أسطورة الستارة ماثلة أمامي: تقول أن الستارة ما أن تنتفض من ترتديها تنسدل منها "دحرة"؛ هالة من الضوء اللزج برائحة الحُلبة. تطير الهالة كريش الحمام بعضا من الوقت وما أن تلامس كبار السن من الرجال تمنحهم بعض ملامح الفتوة؛ في وجوههم ومفاصلهم على الأقل.

أتذكر تلك الفتاة التي قدِمت من احد الجبال المجاورة لصنعاء. لكنها تطبعت كثيرا بطبائع صنعاء.
ترتدي ستارة تغطي ظهرها وتنفتح على بعض من واجهتها. على الرأس تتكئ الستارة من غير دبابيس تثبيت. تنزلق على الرأس نحو الخلف مع كل خطوة تنفذها الفتاة فتعيدها حتى مقدمة الرأس. انها تدليك لفروة رغبة الدهم. لا تنفك الفتاة تقبض على طرفي الستارة بكلتا يديها فلا تعمل شيئا آخرا غير ذلك. بلثام شفاف تحكي الفتاة مواسم المغامرة التي تضج في أعماقها. ما تزال تخرج إلى البقال لشراء "شيبس". ترتدي حذاء عمتها القصيرة المكتنزة ذي الكعب الرفيع. تسير الهوينى أحيانا و(تتأرنب) أحايين أخرى. بالكعب تنقش على أحجار أزقة معتقة في المدينة القديمة نص الرغبة القادم مع قوافل سبأ. بعض خصلات من الشعر الأشهب تطل من الرقبة تختلس الحضور من اللثام وتغمز بفضول أنثى تستعجل قدرها اللذيذ.
تحت الستارة تتململ اشتهاءات بعفوية طفلة وجرأة غانية. يديها المرمريتين سحر بخطوط العروق الخضراء لخرائط الحمى وغيبوبة الآه.
صار أمر التحكم بالستارة اعقد طالما وهي تحمل في يدها اليمنى كيس البطاطا. يتأخر عنها أخوها الأشقر، تتوه عيناه العسليتين بين أكياس بلاستيكية تائهة تتحرش بالجدران.
ترمقني، لا أتحرك، أنا تمثال من البرونز المصبوب ساعة دهشة.
 - هيا ! أسرع! بصوت حاد.
لا يأبه الصغير لأمرها. الفتاتير تغريه أكثر.
وأنا ابحث عن فتاتير العيون اللوزية. استمع لنداء جامح.
يتحرك داخلي حصان. يرفس أضلعي خوفاً و....     
- سليم، أخطى يا حمار! تكرر الأمر بنزق المخذولة.
شهقة هائجة تقول لها:
- إنه حصان يا فتاتي.
في غرفتي، بعد هذه السنين يزفر حصاني في ساعة برد.




موظفو الخارجية ... خارج العذابات ، داخل الإفقار والتنكيل

موظفو الخارجية ... خارج العذابات ، داخل الإفقار والتنكيل

 22 ديسمبر 2011


الأخوة رئاسة الوزراء
الأخوة وزارة المالية
الأخوة وزارة الخدمة المدنية
الأخوة وزارة الخارجيـــة

هناك من يتصور حياة الدبلوماسي على أنها استمرار لإعلان تلفزيوني لشكولاته فاخرة أو فيديو كليب لأغنية عصرية مع مغنية بكلمات قليلة وحفل راقص ونظرات إعجاب متبادلة. مشهد الإعلان التلفزيوني أكثر إغراءا للسرد. سيارة سوداء لامعة تقف عند مدخل أنيق. ينفتح الباب الخلفي. يخرج منه شاب وسيم يرتدي (بدلة) سوداء ورباطة عنق بابيون، تأخذه من يده اليمني شقراء رفيعة المهوى بفستان مخملي كستنائي اللون وأخرى نسخة منها تاخذه بيده اليسري. تمتد رجله على بساط أحمر ملكي على جانبيه حشد من الحضور. تدوي تصفيقات حارة ويصل بطلنا إلى منضدة تتربع عليها قطع شوكولا بغلاف ذهبي. الجميع ينتظر لحظة يخلع فيها صاحبنا غلاف الشوكولا ويقضمها.فتنهال عليه التبريكات والتهاني والضحكات الزائفة.
هكذا ينظر البعض إلينا ولا يتردد بعض منهم ان يقول: أنتو التبلوماسيين، بتسافرو الخارج وتستلموا بالدورار. لا باس إن كانت من سائق تاكسي. لكن كم هي مؤلمة هذه الجملة عندما تصدر من مسؤول يؤمل عليه ان يرسم استراتيجية بلد. ليست اكثر من ذهنية انتقامية حاقدة فقط قادرة على التلفظ بمثل هكذا جملة.
نقول لا وألف لا. فحياتنا مقسمة بين عذابات الخارج وإفقار وتنكيل الداخل.
قبل كل هذا لم نقضِ ستة اشهر على بوابات وزارة الخارجية نتسول وظيفة ولم نجلس القرفصاء أمام البوابات الحديدية لمنازلكم. لقد اطلعنا على إعلان في الصحف الرسمية يطلب ملحقين دبلوماسيين. لا أظن أن الإعلان كان يقصد طلب ممثلين لليمن في يريم أو جبلة أو الحبيلين. لذا فإن خروجنا إلى الخارج في إطار عمل هو الهدف الأول من توظيفنا. ولا داعي أن تمنوا علينا بأننا نخرج الخارج ونستلم بالدولار. فرواتبنا ليست مكرمة ولا هي هبة مجانية. ثم إننا ندفع ضريبة خياراتنا تلك وثمن قراراتنا للالتحاق بوظيفة كهذه.
يريدون أن يقولوا لنا: في الخارج تستلمون بالدولار، لذا عليكم أن تأكلوا التراب في الداخل. الوزارات الأخرى تتحدث بهكذا منطق لأنها تستكثر ما يقبضه موظفو الخارجية من رواتب.
نقول لهم ان الراتب الذي يتقاضاه الملحق الدبلوماسي في الداخل هو 39500 ريال لا أكثر، مبلغ قاطع مقطوع (ما أرخصهم من موظفين وما أرخصها من مهور) أما في الخارج فهي بحسب توزيع فئوي لمناطق جغرافية وهي لا تختلف أبدا عن القيمة السوقية لمبلغ 39500 ريال. قبل كل هذا لا يزيد عدد موظفي الخارجية من دبلوماسيين وإداريين عن 1200. فلو قسمنا هذا العدد على إجمالي موظفي الدولة والذين لا نجد عنهم احصاءات دقيقة فنقدرهم بمليون موظف أي اقل من 5% من إجمالي السكان فإن نسبة موظفي الخارجية من نسبة العاملين في جهاز الدولة هم:  من اليسار؛ صفر، فاصلة، صفرين، ثم اثنى عشر (0.0012) بالتالي ما هو الثقل الذي نمثله على الميزانية العامة علما بأن ثلثي عدد الموظفين يتواجدون في الداخل. ألا ترون أن هذه الأرقام مدهشة! لا باس اعرف أنها لا تقود إلى قناعة. ويجب علي أن أوضح لكم بعض الحقائق.  
العمل في الخارج يعني:
راتب يلبي الحاجات المادية الضرورية ويتيح الأداء الجيد في إطار بيئة هي في الأصل تنافسية وتتسم بالمباهاة والندية.
الحصول على تامين صحي (لأن القوانين في تلك البلدان تلزم التأمين الصحي لأنها توفره لمواطنيها)
توفير سكن يليق بطبيعة المهنة ويتيح القيام بالمهام الموكلة.
اعتماد آلية تكفل تعليم الأبناء.

على اعتبار أن ما يستلمه الدبلوماسي في الخارج يكافئ مبلغ 39500 ريال يمني، سواء كان المبلغ 3000، أو 4000 أو 5000 ألف او حتى 5500 دولار فهل يوفر هذا المبلغ كرامة للموظف وإحساس بالسيادة، حتى وان كانت هناك اعتمادات خاصة بالسكن والتامين وتعليم الأولاد تصل إلى ضعف المبلغ، أي 79000 ألف ريال. بالله عليكم ماذا تصنعون بهذا المبلغ في اليمن مع اخذ الاعتبار لفارق المعيشة والقدرة الشرائية؟

المالية في بلادنا تعلقت بعملة واحدة كراتب للعاملين في الخارج وعليها يتم تحويل الراتب من عملة إلى أخرى وبين فوارق الصرف وحذلقة المالية يخسر موظفو الخارجية ما يقارب 1000 دولار في كل ثلاثة اشهر.

نعم البلد تمر بظروف اقتصادية صعبة منذ سنوات ولذا يلزم التقشف. لكن التقشف لا يعرف طريقاً غير وزارة الخارجية. اتفقت المالية والخارجية على تخفيض ابتعاث الكادر الدبلوماسي بنسبة 10% ويتم توريد نصف مبلغ التوفير من هذه العملية والنصف الآخر يُدفع لموظفي الداخل كحوافز وبدل وفق آلية عادلة تحددها الوزارة.
تريد وزارتنا أن تكون أنموذجا مثالياً في تنفيذ خطة التقشف حتى انها رفعت نسبة الخفض إلى ما يزيد على 20%، ولكن لم يرَ موظف شيئا من المبلغ الموّفر كما لا يعلم كم المبلغ المورد للميزانية العامة. لا ادري لماذا تمارس قيادة الوزارة جلد الذات على موظفيها للتتطهر من تهمة الفساد بينما يعيث الإفقار والبؤس بين موظفي ديوان الوزارة. نقولها بصراحة: من يلتمس في نفسه الخطيئة ويريد أن يتطهر، فعليه أن يبعد عنا أوضاره وسواد درنه.        

ولكن ماذا عن البعد الاجتماعي كضريبة يدفعها موظفو الخارجية؟ نقطة لم يلتفت إليها أحد وربما يجدر بنا التطرق إليها. مشهد قصصي ربما كفيل بتوضيح هذا البعد وليكن على حساب زميلنا أحمد المنحوس.
بعد أن أكمل احمد المنحوس دراسته الجامعية ودخل قفص الزوجية بفتاة من القرية وجد فيها حسن طالع لأنه تقدم لوظيفة ملحق دبلوماسي في وزارة الخارجية وتجاوز سلسلة امتحانات تضمن تكافؤ الفرص. نجح ومضى يدرس في المعهد الدبلوماسي وفي منتصف الدراسة جاءه مولوده الأول (مُتعِب). الراتب الذي يتقاضاه لمدة عامين من دخوله الوزارة لا يزيد عن 31500 (قاطع مقطوع لموظف بدرجة مستجد لم يدخل بعد القائمة الدبلوماسية لأسبقية التعيين) فكيف سيؤمن نفقات التوليد والأدوية ولقم وماء. ينتابه ضمور ذهني وينخفض وزنه وهو ينتظر عام التعيين. في ظل خلاف تفسيري للائحة التعيين، يتوجب عليه أن يقضي من 3 إلى 6 سنوات في الداخل. يا لها من سنوات تمر لا يعبِّر عنها سوى مثل شائع يلوم عائلة توكل أمر غذاء دوابها إلى الحشائش التي ستطلع بعد موسم الحصاد فيقال (شتطلع الزيلة (الحشائش) وقَ مات الحمار). بمعنى يأتي قرار التعيين وقد مات الــ.
أول تعيين سفر الى الخارج يذهب به إلى روسيا. ستة اشهر من البرد والغربة والعمل مع سفير يجيد ممارسة حلقة القهر الهرمية بتعبير فوكو. يطلب منه في الأجازة الاسبوعية أن يشتري له حفاظات للاطفال أو يذهب للخفر في السفارة انتظارا لفاكسميل يرسله ابن سعادته يبلغه عن وصول الأحذية الجديدة. ليست من باب المبالغة هذه الفقرة فهناك سفير لم يتحمل وجود أي من اعضاء البعثة إلى جواره فانصرفوا عنه واحدا تلو الآخر كمن يهرب من الجرب. بعد أقل من عام تلد زوجته الطفل الثاني (قاصم) قبل أن يصله التأمين الصحي فيدفع من جيبه نفقات المستشفى، سيما وراتبه قليل يضطر لان يكون هو القابلة إذ لا مجال لجلب أمه أو حماته. بعد ثلاثة أعوام عليه تعليم طفله الأول فلا يدري أي مدرسة يبعث به. بالعربي بالانجليزي بالروسي. ثم ماذا عن الرسوم الدراسية.
يعود صاحبنا إلى الداخل وقد خرجت روح الزوجة، يدخل في دوامة الاستلاف على ذمة التعيين القادم، تتفاقم المشاكل لان لا احد يتفهم طبيعة عمله ولا راتب يعينه على الوفاء بالتزاماته. تتركه الزوجة ثم يرجعها، فيتعيَّن في كينيا ويحزم الأمتعة ويجر العائلة إلى بلاد الملاريا وأمراض المنطقة الاستوائية. تقرر الزوجة العودة إلى اليمن. تتوتر العلاقة أكثر، تتمزق العائلة بين الداخل والخارج، ويأتي قانون الخلاص الطلاق. تنتهي مدة التعيين فيعود إلى الداخل. لا أطفال ولا عائلة ولا مبالغ مدخرة.
ماذا عن الدبلوماسيات؟ إما من عائلة محافظة تمنعها من السفر إلى الخارج أو تغامر وتسافر. فلا قانون يتيح لها الزواج من اجبني ولا فرص للزواج من ابن البلد. لعنة العنوسة وقلة الحيلة وشماتة الزملاء فوق كل تلك المشاكل المالية.
بالمناسبة العنوسة لا تصيب الإناث فقط. اعرف من الزملاء ممن ابيضت رؤوسهم، ومات الحِـ...
ثم يأتي أحدهم من وزارة أخرى ويتلف أعصابك: انتو التيبلوماسيين مرطاحين، تسافرو الخارج وتستلموا بالدورار!
المهم شكوى في الداخل شكوى في الخارج. مثل شائع في تعز يصف هذه الحالة: "عِراب صرور، اللي فوق يصيح واللي تحت يصيح" أي سفاد طيور العقاب، مجمله صراخ في صراخ. قبحه الله من وضع.
ربما هذه المعانات لا تمس إلا ذوي القلوب والجيوب البيضاء. اعرف جيداً أن هناك مرضى بحاجة إلى علاج. بعض ممن استمرءوا أكل السحت وما أهل لغير الله. يذهبون إلى الخارج لاستقبال مسؤول يعربد من المال العام. يبلغون سعادتهم عندما يجلسون ككلاب حراسة المنازل إلى بوابات التسول، يفردون أذرعهم ويسندون عليها أفواههم بانتظار لقمة مسمومة. ولكن كل يتحمل وزره.

موظفو الخارجية ... خارج العذابات ، داخل الإفقار والتنكيل


الأخوة رئاسة الوزراء
الأخوة وزارة المالية
الأخوة وزارة الخدمة المدنية
الأخوة وزارة الخارجيـــة

هناك من يتصور حياة الدبلوماسي على أنها استمرار لإعلان تلفزيوني لشكولاته فاخرة أو فيديو كليب لأغنية عصرية مع مغنية بكلمات قليلة وحفل راقص ونظرات إعجاب متبادلة. مشهد الإعلان التلفزيوني أكثر إغراءا للسرد. سيارة سوداء لامعة تقف عند مدخل أنيق. ينفتح الباب الخلفي. يخرج منه شاب وسيم يرتدي (بدلة) سوداء ورباطة عنق بابيون، تأخذه من يده اليمني شقراء رفيعة المهوى بفستان مخملي كستنائي اللون وأخرى نسخة منها تاخذه بيده اليسري. تمتد رجله على بساط أحمر ملكي على جانبيه حشد من الحضور. تدوي تصفيقات حارة ويصل بطلنا إلى منضدة تتربع عليها قطع شوكولا بغلاف ذهبي. الجميع ينتظر لحظة يخلع فيها صاحبنا غلاف الشوكولا ويقضمها.فتنهال عليه التبريكات والتهاني والضحكات الزائفة.
هكذا ينظر البعض إلينا ولا يتردد بعض منهم ان يقول: أنتو التبلوماسيين، بتسافرو الخارج وتستلموا بالدورار. لا باس إن كانت من سائق تاكسي. لكن كم هي مؤلمة هذه الجملة عندما تصدر من مسؤول يؤمل عليه ان يرسم استراتيجية بلد. ليست اكثر من ذهنية انتقامية حاقدة فقط قادرة على التلفظ بمثل هكذا جملة.
نقول لا وألف لا. فحياتنا مقسمة بين عذابات الخارج وإفقار وتنكيل الداخل.
قبل كل هذا لم نقضِ ستة اشهر على بوابات وزارة الخارجية نتسول وظيفة ولم نجلس القرفصاء أمام البوابات الحديدية لمنازلكم. لقد اطلعنا على إعلان في الصحف الرسمية يطلب ملحقين دبلوماسيين. لا أظن أن الإعلان كان يقصد طلب ممثلين لليمن في يريم أو جبلة أو الحبيلين. لذا فإن خروجنا إلى الخارج في إطار عمل هو الهدف الأول من توظيفنا. ولا داعي أن تمنوا علينا بأننا نخرج الخارج ونستلم بالدولار. فرواتبنا ليست مكرمة ولا هي هبة مجانية. ثم إننا ندفع ضريبة خياراتنا تلك وثمن قراراتنا للالتحاق بوظيفة كهذه.
يريدون أن يقولوا لنا: في الخارج تستلمون بالدولار، لذا عليكم أن تأكلوا التراب في الداخل. الوزارات الأخرى تتحدث بهكذا منطق لأنها تستكثر ما يقبضه موظفو الخارجية من رواتب.
نقول لهم ان الراتب الذي يتقاضاه الملحق الدبلوماسي في الداخل هو 39500 ريال لا أكثر، مبلغ قاطع مقطوع (ما أرخصهم من موظفين وما أرخصها من مهور) أما في الخارج فهي بحسب توزيع فئوي لمناطق جغرافية وهي لا تختلف أبدا عن القيمة السوقية لمبلغ 39500 ريال. قبل كل هذا لا يزيد عدد موظفي الخارجية من دبلوماسيين وإداريين عن 1200. فلو قسمنا هذا العدد على إجمالي موظفي الدولة والذين لا نجد عنهم احصاءات دقيقة فنقدرهم بمليون موظف أي اقل من 5% من إجمالي السكان فإن نسبة موظفي الخارجية من نسبة العاملين في جهاز الدولة هم:  من اليسار؛ صفر، فاصلة، صفرين، ثم اثنى عشر (0.0012) بالتالي ما هو الثقل الذي نمثله على الميزانية العامة علما بأن ثلثي عدد الموظفين يتواجدون في الداخل. ألا ترون أن هذه الأرقام مدهشة! لا باس اعرف أنها لا تقود إلى قناعة. ويجب علي أن أوضح لكم بعض الحقائق.  
العمل في الخارج يعني:
راتب يلبي الحاجات المادية الضرورية ويتيح الأداء الجيد في إطار بيئة هي في الأصل تنافسية وتتسم بالمباهاة والندية.
الحصول على تامين صحي (لأن القوانين في تلك البلدان تلزم التأمين الصحي لأنها توفره لمواطنيها)
توفير سكن يليق بطبيعة المهنة ويتيح القيام بالمهام الموكلة.
اعتماد آلية تكفل تعليم الأبناء.

على اعتبار أن ما يستلمه الدبلوماسي في الخارج يكافئ مبلغ 39500 ريال يمني، سواء كان المبلغ 3000، أو 4000 أو 5000 ألف او حتى 5500 دولار فهل يوفر هذا المبلغ كرامة للموظف وإحساس بالسيادة، حتى وان كانت هناك اعتمادات خاصة بالسكن والتامين وتعليم الأولاد تصل إلى ضعف المبلغ، أي 79000 ألف ريال. بالله عليكم ماذا تصنعون بهذا المبلغ في اليمن مع اخذ الاعتبار لفارق المعيشة والقدرة الشرائية؟

المالية في بلادنا تعلقت بعملة واحدة كراتب للعاملين في الخارج وعليها يتم تحويل الراتب من عملة إلى أخرى وبين فوارق الصرف وحذلقة المالية يخسر موظفو الخارجية ما يقارب 1000 دولار في كل ثلاثة اشهر.

نعم البلد تمر بظروف اقتصادية صعبة منذ سنوات ولذا يلزم التقشف. لكن التقشف لا يعرف طريقاً غير وزارة الخارجية. اتفقت المالية والخارجية على تخفيض ابتعاث الكادر الدبلوماسي بنسبة 10% ويتم توريد نصف مبلغ التوفير من هذه العملية والنصف الآخر يُدفع لموظفي الداخل كحوافز وبدل وفق آلية عادلة تحددها الوزارة.
تريد وزارتنا أن تكون أنموذجا مثالياً في تنفيذ خطة التقشف حتى انها رفعت نسبة الخفض إلى ما يزيد على 20%، ولكن لم يرَ موظف شيئا من المبلغ الموّفر كما لا يعلم كم المبلغ المورد للميزانية العامة. لا ادري لماذا تمارس قيادة الوزارة جلد الذات على موظفيها للتتطهر من تهمة الفساد بينما يعيث الإفقار والبؤس بين موظفي ديوان الوزارة. نقولها بصراحة: من يلتمس في نفسه الخطيئة ويريد أن يتطهر، فعليه أن يبعد عنا أوضاره وسواد درنه.        

ولكن ماذا عن البعد الاجتماعي كضريبة يدفعها موظفو الخارجية؟ نقطة لم يلتفت إليها أحد وربما يجدر بنا التطرق إليها. مشهد قصصي ربما كفيل بتوضيح هذا البعد وليكن على حساب زميلنا أحمد المنحوس.
بعد أن أكمل احمد المنحوس دراسته الجامعية ودخل قفص الزوجية بفتاة من القرية وجد فيها حسن طالع لأنه تقدم لوظيفة ملحق دبلوماسي في وزارة الخارجية وتجاوز سلسلة امتحانات تضمن تكافؤ الفرص. نجح ومضى يدرس في المعهد الدبلوماسي وفي منتصف الدراسة جاءه مولوده الأول (مُتعِب). الراتب الذي يتقاضاه لمدة عامين من دخوله الوزارة لا يزيد عن 31500 (قاطع مقطوع لموظف بدرجة مستجد لم يدخل بعد القائمة الدبلوماسية لأسبقية التعيين) فكيف سيؤمن نفقات التوليد والأدوية ولقم وماء. ينتابه ضمور ذهني وينخفض وزنه وهو ينتظر عام التعيين. في ظل خلاف تفسيري للائحة التعيين، يتوجب عليه أن يقضي من 3 إلى 6 سنوات في الداخل. يا لها من سنوات تمر لا يعبِّر عنها سوى مثل شائع يلوم عائلة توكل أمر غذاء دوابها إلى الحشائش التي ستطلع بعد موسم الحصاد فيقال (شتطلع الزيلة (الحشائش) وقَ مات الحمار). بمعنى يأتي قرار التعيين وقد مات الــ.
أول تعيين سفر الى الخارج يذهب به إلى روسيا. ستة اشهر من البرد والغربة والعمل مع سفير يجيد ممارسة حلقة القهر الهرمية بتعبير فوكو. يطلب منه في الأجازة الاسبوعية أن يشتري له حفاظات للاطفال أو يذهب للخفر في السفارة انتظارا لفاكسميل يرسله ابن سعادته يبلغه عن وصول الأحذية الجديدة. ليست من باب المبالغة هذه الفقرة فهناك سفير لم يتحمل وجود أي من اعضاء البعثة إلى جواره فانصرفوا عنه واحدا تلو الآخر كمن يهرب من الجرب. بعد أقل من عام تلد زوجته الطفل الثاني (قاصم) قبل أن يصله التأمين الصحي فيدفع من جيبه نفقات المستشفى، سيما وراتبه قليل يضطر لان يكون هو القابلة إذ لا مجال لجلب أمه أو حماته. بعد ثلاثة أعوام عليه تعليم طفله الأول فلا يدري أي مدرسة يبعث به. بالعربي بالانجليزي بالروسي. ثم ماذا عن الرسوم الدراسية.
يعود صاحبنا إلى الداخل وقد خرجت روح الزوجة، يدخل في دوامة الاستلاف على ذمة التعيين القادم، تتفاقم المشاكل لان لا احد يتفهم طبيعة عمله ولا راتب يعينه على الوفاء بالتزاماته. تتركه الزوجة ثم يرجعها، فيتعيَّن في كينيا ويحزم الأمتعة ويجر العائلة إلى بلاد الملاريا وأمراض المنطقة الاستوائية. تقرر الزوجة العودة إلى اليمن. تتوتر العلاقة أكثر، تتمزق العائلة بين الداخل والخارج، ويأتي قانون الخلاص الطلاق. تنتهي مدة التعيين فيعود إلى الداخل. لا أطفال ولا عائلة ولا مبالغ مدخرة.
ماذا عن الدبلوماسيات؟ إما من عائلة محافظة تمنعها من السفر إلى الخارج أو تغامر وتسافر. فلا قانون يتيح لها الزواج من اجبني ولا فرص للزواج من ابن البلد. لعنة العنوسة وقلة الحيلة وشماتة الزملاء فوق كل تلك المشاكل المالية.
بالمناسبة العنوسة لا تصيب الإناث فقط. اعرف من الزملاء ممن ابيضت رؤوسهم، ومات الحِـ...
ثم يأتي أحدهم من وزارة أخرى ويتلف أعصابك: انتو التيبلوماسيين مرطاحين، تسافرو الخارج وتستلموا بالدورار!
المهم شكوى في الداخل شكوى في الخارج. مثل شائع في تعز يصف هذه الحالة: "عِراب صرور، اللي فوق يصيح واللي تحت يصيح" أي سفاد طيور العقاب، مجمله صراخ في صراخ. قبحه الله من وضع.
ربما هذه المعانات لا تمس إلا ذوي القلوب والجيوب البيضاء. اعرف جيداً أن هناك مرضى بحاجة إلى علاج. بعض ممن استمرءوا أكل السحت وما أهل لغير الله. يذهبون إلى الخارج لاستقبال مسؤول يعربد من المال العام. يبلغون سعادتهم عندما يجلسون ككلاب حراسة المنازل إلى بوابات التسول، يفردون أذرعهم ويسندون عليها أفواههم بانتظار لقمة مسمومة. ولكن كل يتحمل وزره.

الاثنين، 16 يناير 2012

شطط المواقف.. فقدان للمناعة الاجتماعية

شطط المواقف.. فقدان للمناعة الاجتماعية
المجتمعات التي عجزت عن بناء دولة تقوم على المؤسسات أنتجت كياناً مشوهاً بين الدولة واللادولة وعندما تتغرض لهزة كبيرة، فإن الكيان المشوه ينتهي تماما ويتركا فراغا كبيرا في التنظيم الاجتماعي وحالة تيه يجد المجتمع نفسه في مواجهة اعصار الاشيء ومقذفا إلى الوراء، إلى مربع الهيولية (الهيئة الأولى) فيتمسك المجتمع عندها بتلابيب الماضي الخرافي وتحكمه عصبية الانتماء الأولي. على العكس من ذلك نجد المجتمع الألماني لم يقع في هوة العصبية واستعاد المؤسسات واستمر في مسيرة الحضارة. أما نحن، فبعد سنوات منذ انطلاقة العملية الديمقراطية والتي لم تتمكن من التقدم، لكنها تراجعت وفقا للمثل الفرنسي الذي يقال على الحمار (من لا يتقدم بتراجع)، فإننا نجد أنفسنا في مرحلة أطلق عليها الكاتب المبدع محمد العلائي مرحلة اليمن الخام. براي ان المسألة اكثر كارثية من ذلك يا محمد، لأننا لسنا في الخام فقط، بل في حالة من العصبويات والهويات الصغرى المصحوبة بهشاشة لا تعالج Vulnerability  وقد فقدنا المناعة المكتسبة وصرنا بلا مكافحات وتحت طغيان فيروسات التدخل الخارجي والاسترزاق وقابلية فقدان البوصلة لأننا نتراجع إلى مرحلة القاصرين عن إدارة شؤونهم بحكمة. لذا لا بد من الحفاظ على شبه الدولة هذه والإصرار على الانتقال بها إلى الدولة بمشاركة الجميع مع تفعيل تسوية تاريخية ترتكز على المصالحة والشراكة النزيهة. كانت حالة دولة الجنوب مجسدة لما أقول فقد تلاشت الدولة بكل أساطيرها وقضت على المكتسب من الخبرة والتراكم التنظيمي. واليوم وبعد سنوات من السير في طريق لا يقود إلى تقدم، نهضت قوى تشعر بالتيه والغبن لكنها لم تحدد بعد المسار المطلوب واستنجدت بالماضي بشخوصه وأدواته. أنا مع حق الأفراد والجماعات في تقرير مصيرهم. لكن المصير هو في الأصل رأسمال أساسي من الماضي والاسترشاد بمعادلات الممكن والمتاح. ولا أرى الحديث عن دولة الجنوب سوى استثمار بلا رأسمال في بيئة غير محفزة عليه. بينما الواقع يتيح إمكانات أخرى غير أدوات الماضي قد تقود إلى نفس النتائج وربما أفضل. وهذا يعرضني للتساؤل: كيف يمكن تفسير الشطط الحالي للمواقف شبه السياسية لبعض الجماعات؟
خارج إطار الدولة لا يمكن ممارسة السياسية واي جماعة قادمة من هذا الخارج تترنح مواقفها بين اللاسياسي والاجتماعي العصبوي (برباط عصبية الجغرافيا أو التاريخ أو الطائفة أو...) والحالة التي تشهدها اليمن هي أشبه بكعكعة لم تدخل بعد الفرن. فكيف نسارع على تقاسم العجينة لنأكلها؟
أن النزق وافتعال مثالية الموقف لا يسمح بالخروج بحلول. فقط افتكاك غير مسؤول وتعزيز للإقصاء والإقصاء المتبادل. ولدي في ذاكرتي مثال (بلدي) بامتياز لهذه الحالة ومثالبها وهو مشهد الأغنام التي تنتظر غصن من (السدر) يقتطعه لها الراعي. قد يفاجأها سقوط الغصن المثقل بحمولة الانتظار ويغطيها ويؤلمها وقد تتنازع مجموعة أغنام فتشده كل واحدة نحوها بقوة الصوت لا صوت الحق. وهذه الحالة أكثر تكرارا. وفيها تسقط بعض الماعز الضعيفة ضحية لمهاترات الأقوياء فتنغمس في الشوك؛ ينالها الألم ولا تنال ما تأكل.
16 يناير 2012  

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...