الاثنين، 2 أبريل 2018

هيلين في تونس




تعلق الأحداث في ذاكرة المرأة على نحو سحري. وكما يكون التخزين بعناية يكون الاستحضار والسرد. تبدو ذاكرة المرأة كصندوق من خشب اللوز مدهون ومزخرف مخصص لحفظ وثائق العقار في منزل إقطاعي كبير منضبط سبق وعمل في السلك العسكري ردحا من الزمن.
الأوراق ملفوفة متراصة تفوح منها رائحة العطور الزيتية. انها كسب السنين وهكذا هي الذكريات بالنسبة لسيدة شب البنين والبنات وذهب كل واحد منهم في سبيله ولم يتبق لها الا ان تربي هذا الشجن. 
هذا ما كان ينضح به وجه جابريا، السيدة الستينية، إسبانية الحروف وبلمسة امريكو لاتينية مع ملمح عربي غابر. ليس ما يثير فيها هو تفخيم الحروف فقط. بل كذلك تبجيل الشكر ورطانة الشكوى والأنين المصاحب للتذمر. 
تعمل في مطعم صغير في حي فرعي في أحد أحياء الميسورين في باريس. تستقبل المرتادين بأدب القسيسات وحفاوتهن. 
كانت تحكي لرفيقتها ضخمة الحجم والصوت عن زيارتها الأخيرة إلى تونس حيث تحب ان تقضي إجازتها السنوية كل عام منذ عقود. لعلها احبت تونس لاستقرار الظن ان شطرها العربي يأتي من هناك. 
تكلمت عن وليد، بايع الشيلان الحريرية الذي تعرفت عليه ذات زيارة قبل دهر وما يزال يرسل لها ببطاقة بريدية في عيد ميلادها ويكتب بفرنسية ركيكة : مامي! صحة دايمة وعمر مديد. 
كم هي حنونة هذه الرسالة القصيرة!؟ 
تنعم جابريا بحس المكان جيدا وهي تتصفح في بصيرتها شوارع العاصمة تونس حيث نصب مهيب لبابا بورقيبة. هكذا تقول: بابا بورقيبة. وكأنها صبية في الثامنة تنتظر منه قبلة حانية وحلوى القادم من السفر. 
انها جابريا او هيلين، بوجه مستدير سافر عن تعب السنين مفروقة الشعر الذي تطوق خصلاته الأمامية وجهها الى حيث ملتقى الفكين. تتحدث ورأسها تميل وهي ترزح تحت وطأة احلام الصغر التي صارت ذكريات معبئة في أواني البوح النحاسية.

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...