الأحد، 8 أبريل 2018

لولو

دخلت محلا لغسل الملابس وتجفيفها قصد تجفيف ما حملته من البيت للتجفيف. وكان هناك سيدتان احداهما تبدو كبيرة في السن قليلا والأخرى اقل منها كما لو أنهما فتاة وامها او وحماتها. 
في مثل هذه المحلات المخصصة لهكذا خدمة يقوم المستخدم بالتعامل مع الآلات مباشرة في اختياره لما يريد ودفع النقود والانتظار حال الانتهاء من الغسيل او التجفيف او الاثنين معا، وتكون هناك مقاعد وحولها كتب ومجلات كما ان المذياع يبث عبر الأثير اغان وحوارات شائقة تمزق اشداق الصمت المعقود بين الناس في المدن. 
كانتا تتحدثان بلغة لا افقهها وتصدر عنهما جملة فرنسية من حين لآخر. تفرست في ملامحهما ووجدتهما تبدوان اقرب الى القادمين من أوروبا الشرقية او من بولندا كما يتضح من الأنف الحاد المنتصب والشعر الاشقر المائع. 
وفجأة نهضتا وخلعت العجوز عنها معطفها ووضعته على كلب صغير كان بينهما ولم أفطن اليه في بادئ الأمر. 
ذهبت إحداهن لجلب الملابس من ماكينة التنشيف وقمن بترتيب وثني الملابس ووضعها في حافظة قماشية بينما كنت جالسا على حافة الأريكة التي كانت تجمعنا ثلاثتنا ورابعنا كلبهن. 
اخرج الكلب الصغير راْسه وتطلع الي فتقدم نحو وأستأنس وجثى الى جواري. 
نادته العجوز معاتبة: 
لولو!
ثم تحدثت اليه المرأة الشابة بالفرنسية:
لولو! اين أنتِ ذاهبة؟ دعي الرجل بأمان!
تبين لي انها كلبة وديعة وأخذت امسد شعرها الناعم الطري. وقلت للسيدة: 
انها وديعة واسمها جميل. ثم أردفت ممازحا: واقترابها مني دليل اني رجل طيب. 
ضحكت وسألتني : 
هل لديك أطفال ؟ 
أجبتها بنعم وان لدي ثلاثة من البنين. 
هنأتني وقالت: الكلاب تشعر بالأبوة لذا اقتربت منك. 
ثم سألتها عن فصيلتها وكيف تحيا معهما فأوضحت انها كلبة فرنسية من فصيلة يوركشاير وهي كلاب ملتحية صغيرة الحجم ذات شعر ناعم متعددة الألوان حيث اللون الاشقر في الناصية والرأس ثم الرمادي في الظهر وصولا الى ذيل اسود. وشرحت لي السيدة ان كلبتها تتطلب عناية شديدة اذ ينبغي لها ان تخرجها للنزهة واللعب وعليها غسلها بالشامبو مرة كل أسبوعين وتقص لها شعرها في السنة ثلاث مرات على الأقل. وان لـ لولو مزية وهي انها لا تنبح وهذا فضيلة في المدن حيث الناس لا يبحثون عن الإزعاج لكنها تتطلب دلالا كبيرة فبعد كل حمام ينبغي تنشيف الكلبة واستخدام آلة التجفيف التي تستخدمها السيدة لشعرها حينها تنعم الكلبة بنوم كالطفل وتأبى الا تنام الا في حضن سيدتها. 
انتهت السيدتان من ترتيب الملابس وكانت المتحدثة بالفرنسية قد أوضحت ان العجوز ألمانية وأنها في فرنسا لتقضي اجازة رأس السنة. كانت الكلبة لحظتها رابضة الى جواري في تماس مع جسمي فرحة من تمرير أصابعي على فروة الرأس حيث تعتلي رأسها ضفيرة بحلقة زاهية. 
غادرت السيدتان والكلبة وانا أغبط الكلبة على نعيمها.


الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...