الجمعة، 6 يوليو 2018

اديس 1


قبل أكثر من أسبوع كنت في أديس أبابا وقضيت هناك خمسة أيام برفقة أصدقاء وزملاء كانت أياما جميلة ادخرت من دفئها الكثير لمثل هذه الأيام الباردة في باريس. أخيرا زرت إثيوبيا او ارض الاحبوش كما كان يقول جدي حينما كان يحكي لنا أيامه الشباب في غربته في ارض الصومال المتاخمة للحبش. زرت الحبش في منتصف عمري وهو موعد تأخر كثيرا وقد غالبني الشوق كثيرا في الذهاب إلى هذه الأرض الحُميرة.
منذ أن وصلت صنعاء في طفولتي وانا أتأمل في نمط حياة الإثيوبيين في صنعاء. كانت حياة ملهمة جداً ومعظمهم في الحقيقة يمنيون إثيوبيون. كانوا أكثر نظافة وأناقة وكانت نساءهم أجمل وأرق. كان يضجون بالحياة وتجري الموسيقا في عروقهم وكانوا ينبضون بالرقص. كانوا أينما حلوا ينشئون مستوطنة متفانية مغمورة بالحب والبهجة. كانت مستوطنة متمايزة جداً.
كان علي زيارة أديس قبل هذا الموعد بعشر سنين على الأقل. اما لو كنت قد دلفت افريقيا من ارض الحبش وانا قبل العشرين فحتما كنت لأكون شخصا آخر. اقل ما كنت أتمناه أثناء هذه الزيارة هو لو أنني كنت في عمر الخامسة والعشرين قد وصلت الى أديس وانا في كامل شغفي وجنوني. كنت سأستمع أكثر بالقات الطري طيلة ما بعد الظهيرة حتى يسدل الليل ستاره وأتهيأ لليالٍ عاصفة. كنت سأنام القليل والقليل وأقضى النهار اركض في الشوارع والأزقة أتنقل من سوق لآخر، ومن كنيسة لأخرى. لا أنكر ان شغفي بهذه البلاد كان يتغذى من مخيلة مشحونة من حكايات واستيهام كبير هو تصور من كانوا حولي عن أثيوبيا والأثيوبيين.


***
جئت الى اديس من القاهرة بعد ان وصلت القاهرة لغرض حفل توقيع مجموعتي القصصية " معطف ضيق" وهو ما تم يوم السبت 7 فبراير 2015 في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2015. بعدها ذهبت الى مكتب الطيران المصري لأقطع تذكرة قاصدا أديس أبابا.
***
هناك تحول ملحوظ في ممارسات الحريات الاجتماعية في مصر في الوقت الراهن اذ يزداد حضور المرأة بأكثر طمأنينة وملابس متنوعة متحررة من التنميط. لقد قلت أعداد النساء المرتديات للبوالط السوداء وتناقص الى حد كبير عدد المنتقبات. في زيارتي الرابعة الى القاهرة في غضون أربع سنوات أجد إن المصريين انهمكوا أكثر في الحديث عن الشؤون اليومية وتفاصيل الحياة الخاصة والتراجع عن الاستهلاك السياسي المتذمر الشاكي.
***
غادرت مساء الأحد القاهرة في وقت متأخر على طيران المصرية في طائرة اصغر من تلك التي جئت عليها من باريس. قبيل الفجر وبعد رحلة لمدة رابع ساعات تقريبا رأيت أضواء مدينة.
من الطائرة، تبدو أضواء أديس في الهزيع الأخير من الليل من حيث الكثافة او الامتداد الجغرافي اقل من أضواء القاهرة بكثير جداً. مطار اديس ابابا أنيق ومرتب وإن كان غير كبير. لكنه مزوّد بخراطيم على عكس مطار صنعاء الذي كنت اعمل فيه قبل أعوام. موظفو المطار من جمارك وشؤون هجرة ودودون شباب وبأجسام نحيلة وصغيرة. وهذا دليل على محدودية دخولهم وبعدهم عن الفساد الصغير والمباشر. كان في استقبالي صديقي وزميلي وائل وقد سررت أيما سرور لرؤيته بعد سنوات من الانقطاع.


***
في الصباح الباكر استيقظت وأسرعت إلى النافذة المطلة على المدينة انظر الى المارة والى سياراتهم فوجدت ماركات السيارات هي تويوتا على الأغلب وهي سيارات حديثة في الغالب وهناك كثير من "الهايلوكسات" وهي سيارة بمقصورة من غمارة او غمارتين وصندوق باعتبارها سيارة عملية وتدل على ثراء.
لكن السيارات القديمة اكثر ومعظمها ماركات أوروبية وما تزال بحالة جيدة وتحظى بصيانة رغم التقادم. خصوصا سيارات الأجرة او التاكسي ذات اللون الأزرق الغامق. تحضر اللغة العربية كثيرا خصوصا في الشارع العام والمتاجر الصغيرة. وصلت قبيل الفجر. حطيت الرحال في فندق متواضع جميل ذي غرف فسيحة. نمت حتى الى ما بعد التاسعة. في الجهة حيث كانت مستقري لأيام وهي منطقة المطار القديم كانت الحياة هادئة والأسواق غير منتشرة بكثيرة وهي بسيطة في العادة وشبه محدودة. توكل مهمة البيع للنساء في العادة. اما الطريق، بعضه متهالك وتمر عليه شاحنات كبيرة ومتوسطة الحجم كان صوت الشاحنات يحيلني الى مقاطع عديدة من كتابات محمد عبد الولي. بيد ان حركة الشاحنات الناقلة للبضائع دليل على زخم الحياة. الناس على اناقة بادية وان كانت ملابسهم قديمة. على بعد أمتار كانت هناك كنيسة ارثودوكسية كبيرة، صوت ناقوس الكنيسة مختلف عن صوته في فرنسا. وكنت الى جانب صوت جرس الكنيسة اسمع الاذان يرفع من مساجد عديدة وعندما تجولت في المدينة ورأيت المساجد وجدتها أكثر تواضعا من الكنيسة واقل حجما. فالكنائس كبيرة مهيبة ولها باحات كبيرة مشجرة.


***
ان الوقوف في الشارع في زاوية منه لدقائق ومشاهدة المارين يتيح ملاحظة ظهور جلي للتنوع الإثني. يصعب علي وصف هذا التنوع لكن وجدت وجوه عديدة متنوعة في تقاسيمها ولون بشرتها وتشكيل الجمجمة وطبيعة الشعر وانتشاره على الناصية.


***
تشهد العاصمة أديس ازدهارا كبيرا حيث أعمال الإنشاء في كل مكان. الجو دافئ في النهار ويميل الى البرد ليلا اما سماء المدينة فهو مبهج وان كان اقل صفاءً في تلك الأيام حيث القيظ النسبي والبعد عن مواسم الأمطار.



26 فبراير 2015

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...