الجمعة، 6 يوليو 2018

أديس 2




ساعدتني أديس على تجاوز عقدة طعام باريس الباهت الذي اعتدت عليه وأنفت غيره خشية أي اضطراب في المعدة. لكني في اديس تناولت أطعمة عديدة معظمها يمنية كنت أخشى بهاراتها إلا ان مذاقها اللذيذ جعلني أتهور كثيرا وكان تهورا محمودا. زملائي أكرموني بعزائمهم التي فتحت شهيتي وأشبعت توقي إلى طعام اليمن اللذيذ الممزوج بروح إثيوبيا والمكوّن من بعض خيراتها.


***
الحياد عن الشارع الاسفلتي الرئيس والتسكع في الشوارع الخلفية وبين مدن الصفيح امر ليس بالهين. تقف النساء وقت الظهيرة معلقات إلى أبوب غرف الصفيح يتعلقن بأمل النجاة من الشقاء والقيظ. ينظرن بكسل كبير نحو المارة في حركة رتيبة تنم عن فقدان أمل وعن ترسبات عذابات طويلة وشقاء عميق.
تمضي في الشوارع البسيطة في المناطق المتاخمة لمركز المدينة وتمر على حوانيت صغيرة تبيع كل شيء. وبعضها متخصص في البيع ويبيع سلعا معظمها صينية. احذية ومحل لملابس النساء وبينهما فاصل هو حانوت كوافير نساء عليه ملصقات لحسناوات إثيوبيات. في بلدان كثيرة ستجد ملصقات الإعلانات تعاني من عقدة الخواجة وتعرض عليك فتاة شقراء في الغالب عدا في أديس حيث الجمال الإثيوبي هو المتصدر. ولن تفاجئ ان وجدت إثيوبيا يفاخر بجمال الإثيوبيات وحسن معاشرتهن وقد يذهب الامر الى ابعد من ذلك.
***
دخلت محلا لبيع الأحذية وكنت ارغب في شراء حذاء خفيف غير جلدي، وكنت في الحقيقة مخطئا اذ كان يتوجب علي ان اشتري حذاء جلديا مصنوع في هذي البلاد التي تمتاز بالمصنوعات الجلدية الفخمة. حاولت تجريب الحذاء وأرشدني البائع بإنجليزية رقيقة الى الجلوس على كرسي خشبي تقليدي هو في الأصل منحوتة فنية لأنه كرسي بقوائم وحامل خشبي من قطعة واحدة القوائم الثلاثة منحنية وعليها تقويس للداخل يرمز الى حيوان او ما شابه ذلك وهذا تقليد متوافر كثير في افريقيا في معظم المنتجات الخشبية.

في أديس ما تزال الحوانيت تبيع بيضا في الغالب لم تتدخل الصناعات في انتاجه او "بيض بلدي" كما نسميه في اليمن وهو بيض طبيعي بطعم متميز كما كنت أتذوقه طيلة إقامتي وفي بادئ الأمر أرجعت سبب لذة الطعم لأنه بيض مطبوخ بالزبدة وحاولت في باريس طباخة البيض بالزبدة ولم انل نفس المذاق.
في الشارع يمر شاب يحمل على كتفيه سلتي سعف موصلتين بعصا كـ النير او كمحامل الماء في شرق اسيا وبداخلهما بيض بلدي يوزعه على الحوانيت الصغيرة التي تبيع كل شيء بما في ذلك القات المخزن في أغلفة من ورق الموز. وعلمت ان في إثيوبيا أنواع عديدة من القات تعلمت أسماء بعضها ومنها: بستاني وويندو وليو وباشا على أن الأجود هو البستاني.
***
بعد العودة من اديس وصلت القاهرة وهي تعج بالفعاليات الثقافية المتزامنة مع معرض الكتاب والقاهرة اجمالا ما تزال وجهة ثقافية هامة وقد كانت هناك فعالية استضافت الروائي التركي الحائز على نوبل اوروهان باموق دعاني اليها صديقي هاني الصلوي وحظيت بالاستماع الى باموق في الثلث الاخير من مداخلته التي تحدث فيها عن ترجمة اعماله الى اللغات الاخرى وحرصه على متابعة الترجمة الانجليزية تحديدا لقياس النص المترجم عن النص الاصلي.
في أديس جمال لا حدود له، ومنه جمال انعم. المقيل مع جمال انعم وهو في لحظات تجل وما اكثرها هو هدية المسافر الى تلك البلاد. يمضى جمال بلا شك على خطى ادباء يمنيين كبار كجرادة والشرفي وغيرهم وان على ثقة ان اقامته في تلك البلاد حبلى بجديد يليق بروج جمال انعم.

وكان لي ان التقي بعض أعيان الجالية اليمنية في أديس في مقر أهدي إليهم هو مقيل دائم يجلب اليمن إليهم على نحو ساحر. بعض من الشيوخ اللطيفين. يمكن بيسر ملاحظة ان الجالية طاقة متفردة وحب مشبوب في البحث عن أفاق جديدة وكيان صلب وهوية حامية كافلة للكرامة وحاملة للإباء الذي في قلوبهم، منخرطون في الحياة في إثيوبيا، لكن توقهم ليمن قوي هو توق لا حدود له. يتابعون أحداث الوطن أولا بأول ويسهرون قلقا على مصير البلاد التي يتضرعون إلى الله ان ينجيها من الشرور. لأكثرهم قصص نجاح آسرة وملهمة ولهم معاناة كبيرة ينبغي الالتفات اليها. حكاية المغترب اليمني في إثيوبيا خليقة بأن توثق عبر دراسات جادة وان يلتفت اليها الإعلام وتخصص لها الأفلام الوثائقية. خصوصا وانها غربة رافقت التكوين الجنيني للدولة اليمنية والدولة الإثيوبية بصيغتيهما الحالية.




2 مارس 2015

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...