الاثنين، 25 يونيو 2012

مجموعة أساطير وهوة الإيمان!

مجموعة أساطير وهوة الإيمان!

قضي كلود ليفي شتراوس ما يقارب ثلاثة عقود من عمره يدرس أساطير جماعات هندية في أمريكا اللاتينية ليخرج بمجموعة كبيرة من المؤلفات المتناثرة والتي تمثل نقلة نوعية في علم الاجتماع من حيث النظرة الثقافية إلى الآخر. وليس بجديد القول إن الأساطير والخرافات ما تزال تمثل ترساً كبيراً في عملية التفكير لدى المجتمعات واختلاق فرص توهم الخير والشر، والانتصار والهزيمة، والعمل الصالح وسوء العمل.

وبعيداً عن الحروب المقدسة والرغبة في الجنة عبر القتل، كيف يمكننا تفهم الاستمرار في بعض العادات كالتدخين أو تناول المؤثرات الذهنية إن لم تكن طواطم تتخذ أشكالاً جديدة. وكيف هو الحب والتصوف؟ لا أتحدث عن التغييرات الكيمائية في الجسد. فقط حديثي عن جوهر العاطفة وانعكاسها على مجموعة معتقدات وسلوكيات. في الأخير المحصلة واحدة. كل الأديان تتشابه في خلق هذا الجوهر وقدرتها على التغلب على عقلنة الأفعال الإنسانية.

بالأمس صادف وان حضرت عرساً هندياً باذخاً. كان أكرم ما فيه طقوس دينية تبارك العرس. بكل ما فيها من غموض بالنسبة لي كشخص تراجعت لديه القدرة على الإيمان المجاني لكنها ملهمة جداً من حيث مثابرة الكاهن وصدقه في الأداء مع عدم إغفال حركة واحدة. رغم ان الكاهن يبدو متوسط الثراء لكن امتثال الناس له كان أمراً عجيباً. ثم بعض حركات في مراسم العرس من قبيل أن يلُبس الزوجان بعضهما عقدين من الفل تبدأ الفتاة فيحاول الهرب العريس، أقلة من ثانية تتعلق الأبصار وتشرئب الأعناق لمثل هذه اللحظة وصراخ قبيل العاصفة ثم يأتي الفرج بأن يعلَق العقد في ريشة العريس بينما تمتثل المرأة لقدر كهذا وتستكين إذ يلبسها عريسها العقد.

هذه الحركة بكل ما فيها من روحانية ولدت لدي غصة كبير هي خليط من الفرح والدهشة وحالة حزن عميقة وغموض تجاه مدلولات الطقس.

كنت أسأل نفسي لماذا ما يزال الرجل يحاول الهرب من لحظة أظنه اختارها بعمق. في الأمر "خزعبلات" بتعبير احد الصديقات وقد قالت ذلك تخفيفا عن حزني لحظتها. هل هذه خلاصة كافية لإغلاق هذا الحديث بجواب عملي.

اليوم جمعني لقاء عميق في لحظة نشوة روحية بصديق من مملكة بوتان الآسيوية. تحدثنا عن الأديان: افتتح الحديث وقال: اعرف أن المسألة شعوذة لكننا مرغمون على الاعتقاد بها.

هناك تشابه بين الدين الإسلامي ودين هذا الشعب (الديانة البوذية) التي تؤمن باليوم الأخر والجنة والنار. كاد لسان حال صديق يقول :"وإن منكم إلا واردها". ففي دياناتهم لا يخلو أحد من الذنوب والأخطاء ولذا كُتِبَ على الجميع المرور ولو سريعاً بجهنم قبل الانتقال إلى الجنة.

تحرص هذه الديانة على سلوك البشر المتوائم مع البيئة؛ البيئة الصالحة للتعبد لهذا فهي تجرم بأعنف الألفاظ تدخين السجائر وقد تبنت الحكومة تدابر صارمة تجاه التدخين بينما الكثيرون لا يزالون يدخنون الماريونا ويشربون بكثرة المشروبات الكحولية.

لكنه في سرد طريق تحدث عن يوم الحساب وقال ان ملكا يزن أعمال الناس هو في الأصل قرد كبير - لكنه بقلب طيب - يؤدي هذه المهة ويودع من حددت أعماله الذهاب إلى النار ويسلم من حددت أعماله الذهاب إلى ملِك الجنة. في الجنة ملك وفي بلاده ملك أيضا.

من نفس البلد لدي زميلة أخرى – قصيرة رقيقة غضة - أكثر تعبداً ولديها محظورات كثيرة في الأكل والشراب والكلام. وكلما هدأ الفصل أخرجت من حقيبتها كتاب ديني بالانجليزية تقرأه بعنوان الاستعداد للموت. تتحدث كثيرا عن الانسجام مع الذات والطبيعي ولديها في هاتفها صورة طفل تقول انه إعادة تجسد لإله كبير ولديه معجزات وأعمال خارقة. لا تريد أطفالاً كغاية دينية لأنها لا تريد أن تجلب للحياة طفلا يتعرض لكل هذه الآلام الدينيوية.

لكنها في أول امتحان دراسي لم تتورع عن الغش. فقررت أنا بدوري الاحتفاظ برصيدي من الإيمان. هذا ليس تغلبا أخلاقياً لكنه نافذة جديدة لهوة السؤال والحيرة.

لست هنا أوشي بسلوك زملائي. لكني اسأل أين مكانة الدين من سلوكيات الإنسان. ما هي قدرته على تقرير الحقيقة وما هو شكل الحقيقة التي تتولد عنه. هل هي بالضرورة مجموعة أساطير؟

مصطفى الجبزي

25 يونيو 2012

غازي أباد

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...