الجمعة، 8 يونيو 2012

لذة الخمول

لذة الخمول

9 يونيو 2012

غازي أباد- الهند

مساء الأمس تصفحت بريدي الاليكتروني فوجدت رسالة من شاب سويدي تعرفت عليه حين كنت إلى جواره في الرحلة من الدوحة إلى دلهي. أثنى فيها على الرفقة في الرحلة وتمنى أن نلتقي في القريب العاجل.

وبعدها بقليل تلقيت رسالة أخرى منه يخبرني بأن جدول أعماله قد تغيّر وأنه سيرجع إلى ستوكهولم ولن يكون لقاءنا قبل نهاية الشهر في أقل تقدير.

بحدود ثلاث ساعات قضيتها في هذه الرحلة على طائرة ممتدة كسمك القادوس مكتضة بالركاب من كل صنف هندي بالطبع، وأنا أتحدث إلى شخص سيذهب في مهمة دراسية في الهند بعثه جامعته لمدة فصل دراسي واحد في مجال التنمية وقد أبدى اهتماماً ومعرفة واسعة بالقضايا السياسية والحراك الاجتماعي في كل من القرن الأفريقي والجزيرة العربية والشرق الأوسط بصفة عامة. جال بنا الحديث ألى طرق باب النظام المالي الإسلامي وجدواه وحقيقة النظرية الاقتصادية الإسلامية.

كل هذا كان بالانجليزية، تصوروا. لا ادري كيف كان يفهمني أم أنها ضرورات الرفقة وإكراهات الكرسي المجاور.

اعرف نفسي جيدا واعرف أن انجليزيتي تعاني من حالة تشوه عميق وقد أصيبت بإعاهة دائمة وضمور حقيقي وتحتاج إلى تدخل علاجي عاجل وإلا ما جئت إلى الهند أصلاً.

صُدِمت عندما شاهدت في جواز سفره انه من مواليد 89 سيما وكان قد طرح علي أسئلة جوهرية من قبيل مستوى علاقة اليمن بإثيوبيا التي زارها الصيف الماضي ويعرف عنها الكثير والكثير خصوصا مستوى تقدم الديقراطية والتنمية في هذا البلد العالم ثالثي أو المستقبل السياسي لليمن بعد خروج صالح.

قبيل مغادرة المطار عرض عليّ أن يقلني بالسيارة التي جاءت لأجله هي بيك أب، فشكرته وقلت له إن المعهد الذي سأدرس فيه سيجعل من ينتظرني.

لم أجد أحداً من المعهد وكل الأوراق التي في حوزتي لا تحمل عنوانا. لكني - والله سريع الحساب - وجدت الصديق عبد الرقيب أو عبالرقيب كما يرد على لسان هاني (الذي لم يتخلف عن تقديم الواجب وأجاد).

لقائي بهذا الصديق السويدي ذكرني بقصة طريفة. فقد كنت في أحد الايام من العام 2008 قد جلبت معي صديق يمني (دودة كتب ومحب للقراءة) إلى حفلة توديع ولم يكن يتحدث سوى العربية وفي الحفلة أحباش وفرنسيون. صديقنا كان يمرح ويسرح ويضحك من أعماقه معهم. أكل وشرب وغنى ورقص وعند منتصف الليل قال لي: "تصدّق! لا ادري أي لغة تشكلت بيننا هذا المساء. لقد تحدث بالفرنسية والحبشية وشعرت بتناغم كبير مع هؤلاء البشر". قالها وزفر مرتين.

أظنني قرأت في (زوربا اليوناني) قوله انه كان إذا تعسر عليه التفاهم بالكلام قام يرقص.

***

وصلت مباشرة من المطار ولم انم سوى ساعتين ثم إلى الفصل الدراسي مباشرة.

مضى اليوم الأول وكنت قد خرجت لاستطلاع المكان والسير حوله.

في الهند كل خطوة تعلمك درسا في الكفاح من اجل لقمة العيش. وتشعر ان هذه البلاد لن تتمكن من الالتزام بقوانين عمالة الأطفال مثلاً. وتشعر ان في شارع هايل لكما استدرت من شارع لأخر. لكن الأشجار تغريك بأن تتصور أنك في نيل القاهرة وشوارعها المحتجبة بالخضرة والفوضى.

أجساد نحيلة صلبة وسمرة الوجوه هي من قداسة الإنسان الأول.

شعرت بوحشة مبدئية. فللهند اتجاهها الخاص في كل شيء ابتدأ من قيادة السيارة. "السكان يمين، أين شتسرح؟" هكذا تلكلّم عبالرقيب.

الهنود لا يتحدثون بصوت مرتفع. بل ان الحديث في أحد محطات الميترو يعرضّ صاحبه لغرامة مالية.

لكنهم عندما يفتحون أفواههم للكلام يتدفق الحديث (بلا بريك)، بلا فواصل ولا علامات تنقيط. يقولون جملتهم وكأنها الجملة الأخيرة. وتنتفض لها أجسادهم وإلا ما اهتزت رؤوسهم في الحديث.

***

ذهبت خطوات بعيدة عصر اليوم ابحث عن بعض أغراض. شارع بجانبين، أحدهما في منتهى النظافة والآخر في غاية الـ...

عائلة تسكن الشارع وتعمل فيه. احدهم يحلق لزبون في الشارع ويتفنن ويتحرفن في الحلاقة بينما الزبون ماطا شاربه الممسد يجلس باسترخاء تام على الكرسي. عائلة تناثر أفرادها لكواية الملابس بكاوية حجرية أو حديد تعمل بالفحم. نساء يعلمن في البناء. المدهش أن كل مبنى من المباني الكبيرة قيد الإنشاء محاط بمدينة صفيح هي في الأصل للعاملين والعاملات الذين يتخذون منها مقر عمل وإقامة إلى أن ينتهي العمل. لا أظنه سينتهي بالنسبة لمشرد وجد عمل وفرصة سكن، أو هكذا يتمنون. في الهند عندما يذهب أحدهم للعمل في الإنشاءات فإنه يحضر كامل عائلته وكل واحد يضطلع بدور ما؛ رجال، نساء، أطفال...

في الشارع تضطجع الكلاب بطمأنينة منقطعة النظير. الجو حار والكلب مستلقٍ على أرض موحلة يتلمس الرطوبة والبرد. حسبته كلب نافق مرمي على قارعة الطريقة مغروس في الطين واقتربت منه فإذا به يحيني بأن فتح عينيه ولم يكترث لوقوفي على رأسه. بل لم يرفع رأسه بالمرة. إنها لذة الخمول في الصيف أو ضجر الحياة!؟.

وللرفاق الأفارقة حديث شائق...

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...