الاثنين، 18 يونيو 2012

دخلنا الحالي...

دخلنا الحالي...

"حتى تخوم العقد الثالث من العمر تبدو النساء في الهند خصوصا في الشمال حيث أشاهد ذوات قوام استثنائي لرجال الشرق والغرب على السواء. فهن بأحجام صغيرة ومتوسطة ممتلئات الصدور وبعجوز ناهضة وذات همة."

ما من موضوع يثير الاهتمام للرجال والنساء أكثر من موضوع المرأة. حتى الصفقات التجارية يتم تأنيثها. وتبتكر أعظم المجازات ليكون الكوكب وما عليه أنثى.

أقول إن الموضوع شائق للرجال والنساء وإلا ما قضت النساء ساعات في الحديث عن امرأة إما جميلة أو قبيحة أو متغنجة أو..

لكنه من أكثر المواضيع إثارة للمشاكل وكأنه حقل ألغام خصوصاً بين زميلات العمل أو تلاميذ الدراسة أو بين الأزواج. ومع هذا يظل يقدّم إغراءات كبيرة وقاضية للخوض فيه.

مع هذا سنخوض غمار هذا الحقل غير الآمن. وسأعود الى حديثي من حيث توقفت.

"لكنهن (نساء الهند) يمتلكن بشرة طرية تتجدد كل ساعة رغم شدة الحرارة وعراء السواعد. ولا تهتم النساء في الهند بالزغب المتناثر برقة وانسيابية على الوجوه الرقاب والسواعد.

بعد هذا العمر تنتهي ضمانة (التصنيع) وتكون المرأة قد تزوجت فتهمل حالها لأن الزوج صار في الجيب.

لكن يلاحظ الزائر، خصوا في المعابد حيث يتكدس المتعبدون فتيات يحملن على جنوبهن أطفالاً عراة من النعم. فتيات صغار قادمات من أرياف الفقر والكدح وكأن المسألة طفل يحمل طفل.

من بين آلاف من النساء غير الجميلات تجد شابة وكانها ضرب أو استثناء وراثي. فحواف الوجه قدت بعناية فائقة. وانسيابية الملامح تجعلك تغرق في رهافة التشكيل.

وأجد أن الهندية لتشاهد فقط لا لترسم أو تكون في صورة. بالطبع الرجال أكثر وسامة وتباهي من النساء. لكن الغريب أنه لا يوجد في هذا المجتمع تطفل على أي من الجنسين. وبالرغم من الازدحام وحضور المرأة في كل شبر فلا أحد يكترث لأحد. فقط الكادحين هم طويلو الأعين. لكن الهنود يسمحون لأنفسهم بالتلصص على الأجانب خصوصاً النساء.

وصحيح أن الهند تدهش الزائر، لكنها أيضا تندهش من الزائر أكثر.

أسير في تجوالي برفقة زملاء الدراسة ونحن من قارتي آسيا وأفريقيا وبيننا الأبيض والأسود والأصفر والشقراوات.

ونمر بين الصفوف فتتوجه إلينا الأنظار على نحو جماعي لا يستطيع كبح جماح فضوله. لا يمتنع الهندي البسيط عن الضحك في وجهك إذا كنت غريبا ومدهشا بالنسبة له. وقد يحملق فيك كماعز بلهاء.

من بين الرفاق فتيات من الخاصرة الإسلامية لروسيا وينظرن إليهن النساء رغم احتشامهن وكأنهن في غاية التبرج بينما تكون الناظرة ببطن وظهر عاريين في لباس الهند التقليدي.

بالنسبة لي لا أثير اهتمام أحد لأني هندي كامل الملامح، وكثيرا ما يسألني الناس عن كيف يصلون إلى وجهتهم. وربما يتعجبون لماذا أنا بين هؤلاء الأجانب. أهز راسي وأقول: "نو هندي، انغليش اونلي"

قبل يومين ذهبنا إلى معبد أكشهردام. وهو واحد من المعابد الحديثة لكنه من أكثر المعابد أناقة ودقة في التمثيل والتصوير. كانت معنا زميلة جامبية من أفريقيا الساحل. وكان يوم جمعة وهي لا تتردد في كل جمعة أن ترتدي لباسها التقليدي وتعتمر عمامة معقودة للأعلى. سمراء طويلة نحيفة بعينين مقبلتين على الحياة ببهجة. المهم كانت الرحلة "زفة" في الذهاب والإياب.

في هذا المعبد يقام عرض في المساء. عرض موسيقي على إيقاع نافورة ماء بديعة. تظهر مخرجات الماء وكأنها هي مفاتيح الأورغ. بالطبع الموسيقى ناعمة صوفية بامتياز. روحانية قدرت على مزج القديم بالمعاصر. هناك الحان جيتار وجاز وطبل. وقبل العرض يبدأ توشيح بديع كموالد ابن علوان في جبل حبشي. هذه الطقوس جعلتني أتساءل في أصول الطقوس الديني الشعبية في اليمن وفي تعز وحضرموت وتهامة على وجه التحديد.

تسارع الإيقاعات يشعرك بعبثية الحياة ولانهائية المصائر. لكن العودة إلى الهدوء يضع قدمك على شرفة الإيمان.

الأضواء متعددة بين الأحمر والأزرق وهي تجسد النار والربيع والغابة والغموض وسر الحياة والتيه وطريق الهداية. لكن حركات الماء تتدافع كتدافع البشر وشرههم ثم تنساب وتعكس تعاوناً وتآلفاً بديعاً.

العرض درس روحي بسيط يحتاج إلى مشاهدة عشرات المرات حتى يستطيع المشاهد تفكيك شفراته الغامضة. ليس في الأمر إثارة. ليس فيها متعة عابرة. فقط مجموعة أسئلة. نادرا ما يطرب الجسد. لكنه يقشعر وينتفض، يثب من نافورات الماء المتصاعدة حد السماء والتي تهبط كمصير تاجر جشع أو صقر شره. يمنع التصوير بالطبع. دقائق معدودة يخرج منها المشاهدون معظمهم ممن قدموا للعبادة في حالة ذهول وابتسامات مبتسرة لأنها مخنوقة بقوة السؤال."

مصطفى الجبزي

18 يونيو 2012

غازي أباد

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...