الأحد، 24 أكتوبر 2010

لعنة الرئاسة - درس المفاوضات


 
(تبنا
يا ما تبانا
وتعزبت ألوبنا.
كلموه
سألوه
عن اسمي سألوه
عن حبي سألوه
أال ما اعرفوش
ما أابلتوش
ولا شفتوش...)

وردة الجزائرية تصدح بصوت أخاذ من اغنية اسمعوني.
استمرئ بعض مربعات شوكولا بالحليب.
الساعة السابعة ليلاً. عدت إلى البيت. خلعت عني ملابس الشتاء؛ الحقيبة الكفوف، قبعة الصوف، الجبة...
انرت الغرفة، اجتزت الممر ، تحت اضواء صفراء خافتة تضائلت عشقاً والمصابيح ترنو الى الجدار والسقف.
تتبدل امامي على جهاز الحاسوب صورة وردة الجزائرية. ما تزال تحتفظ بألقها وريان شبابها. صوتها بقع بيضاء على جدار القلب الاحمر.
كان نهاري جميل. الجو صحو،  والشمس خرجت من مخبأها. لم انعم بالاستحمام بالشمس سوى لدقائق لا تزيد عن الخمس طوال النهار. لاني قضيت ساعات النهار كاملا في الفصل الدراسي.   
كان درسا ممتعا جدا وغريبا جدا.
إليكم الحكاية
....
خرجت من غرفتي في النزل الساعة التاسعة إلا عشرة دقائق
كالمعتاد؛ الدراجة،
هرولة حتى الكلية
اسرعت الى الفصل كالفأر الذي تعود على ان يجد حجرة الطعام في تجربة الفأر والذاكرة  لكنه هذه المرة يفقدها فيعود الى البحث عن قطعة الجبن من الدور الاول لاداة الاختيار
وبالفعل كان الامر كذلك
مررت على غرف الادوار الثلاثة
لم اجد الطلاب. سألت. لم يجدِ السؤال
ذهبت الى المبنى المجاور
اخبروني ان الزملاء هناك
مرت علي اربع دقائق من بداية الدرس
تهت
استعنت باحدى الموظفات. دققت على بابها. اشارت لي بالمكان. صعدت وصلت وقد مضى من الوقت  7 دقائق
لا باس سأخذ المكان الشاغر. الهث قليلا
اخلع عني الجبة
استمع الى ما يقوله المحاضر
كان المكان غير مألوفا؛ صالة كبيرة مخصصة للاجتماعات في الوسط منضدة بيضاوية مبعجة لها طرفين
كنت قريبا من المحاضر
انظر له بدهشة وخدر
كوني وصلت متأخرا لم ارد التحية
كان مهذبا اكثر مني وقطع حديثه وبادرني التحية. رددت عليه بخجل
بدأت دقات قلبي تهدأ قليلا لتتح لي ان اسمع ما يقول
تركت الجبة جانبا اعدت ترتيب البزة الرسمية التي ارتديها اصلحت رباطة العنق
اخرجت القلم اولاً من حقيبتي.

"هكذا ستكون تجربتنا، مفاوضات على المستوى الاوروبي. نحتاج الى لجنة فنية أعدت الوثيقة موضع التفاض. لتكن الاثنين من الطرف الآخر. وسنحتاج الى رئيس وسكرتارية لهذا الاجتماع الخاصة باللجنة التحضرية المتواجدة في بروكسيل والتي ستحيل النص بعد التفاهم عليه الى المجلس الاوروبي. لتكن السيدة التي على يساري سكرتارية والسيد الذي على يمنيي رئيسنا".

استدار نحو حملق في وجهي
ثبت عينيه الصغيرتين قليلا .
على وقع هذه الكلمات ارتسمت على وجهي كل الوان الطيف في اقل من ربع دقيقة.

"سيدي تفضل وخذ المقعد الذي انا عليه. سأغير مقعدي."

كان كما لو انه طفشني بإبريق ماء بارد. استيقظت تماما لكني لم امكث كثيرا في اليقظة. بل غرقت في حالة الذهول من هول المفاجأة.
الموضوع هو مفاوضات حول نص تشريعي لتشكيل لجنة لتقييم مخاطر النظام المالي إثر الازمة المالية. أحيل النص الذي تقدمه المفوضية الاوروبية إلى البرلمان الاوروبي ثم يحال الى لجنة تجمع الممثلين الدائمين لدول الاتحاد الاوروبي في بروكسيل. بعد ان يتم تدولها في هذه اللجنة يحال الى المجلس الاوروبي هو المجلس الذي يجمع رؤساء الدول الاوروبية او رؤساء الحكومات.

يتضمن النص 21 مادة تقريبا تتعلق بالتعريفات والتشكيل والرياسة والاجتماعات والصلاحيات والمقر وينود عقابية وتعقيدات تقنية لا افقه منها شيئا.
كان علي ان ادير الجلسة التي هي عبارة عن مفاوضات بين الممثلين (السفراء الذين يمثلون 25 دولة – في ظل غياب دولتين)

اخذت مكاني والوجل يأخذ مني مكانه. امسك بالاورواق ويدي ترتجف. اضغط على زر مكبر الصوت.

"السيدات والسادة سعادة السفيرات والسفراء
مرحبا بكم في صباحنا هذا واشكر لكم اكتمال الحضور واطرح عليكم جدول الاعمال...."


بدأنا جسلة اعمالنا في التاسعة والثلث صباحا تقريبا
يجلس المحاضر في الكرسي الثالث الى يساري يقدم ايضاحات من حين لاخر
الى جواري احد السيدات وهي من سكرتارية الرئاسة (وكنت قد اخطأت اثناء الحديث وقلتي سكرتيريتي)
مهمة في منتهى العجب. كأن تقود فصل دراسي لمبتدئين لكنهم كلهم ثقة وعناد واصرار على ارئهم والمنافسة تكمن في تقديم صيغة متحذلقة لكل مقترح تحتاج ساعة لفك شفراته كي تبدئ رايا حوله بينما الوقت المخصص دقيقتين على اكثر مقدار لكل متحدث يكون بعده ثلاثة او اربعة قد اشاروا الى رغبتهم بالتعليق على ما قيل.

القواعد العامة كانت:
- من دقيقة الى دقيقتين لكل متحدث
- يمنع تكرار الاراء المتشابهة
- من ليس لديه اعتراض لا داعي لان يتكلم
- هناك صيغ تأدب لا بد من الابتداء والانتهاء بها عند كل مبادرة حديث من كل الاطراف
- علي ادراة الوقت العمل على الخروج بصيغة توافقية

المهم اني كنت اظن ان العملية ستأخذ مني/منا ساعة
انتهت الجليسة الاولى باعلان فترة استراحة لمدة 20 دقيقة
الجلسة الثانية
استراحة لتناول الغداء
عود الى جلسة جديدة
المهم انتهى الامر بعد الساعة الخامسة عصراً تقريبا.
الاهم من هذا هو ان علي ان افرض شخصيتي واتحكم بالجلسات واخرج منها بنتيجة
في الجسلة الاخيرة وصلنا الى صيغة معينة
التصويت عليها وفق الاغلبية المخصصة وهي صيغة غالبية معقدة في الاتحاد الاوروبي
بالطبع لم يتم التصويت على صيغة المشروع.
بدات رئاسة الجلسات على نحو مشاكس.
تقطع الحديث على هذا
تذكر هذا بانه عليه ان يسرع
تطلب من هذا الا يكرر مقترح بعثة اخرى
تطلب من هذا الالتزام بالبروتوكول العام
لا تدري لمن تمنح الحديث
بالتأكيد سيغضب مني البعض من زملائي
والبعض الاخر سيجدني (روفلة)
أليست لعنة؟  
العجيب
اننا لعبنا الادوار كما لو انها في الواقعناهيك اننا لم نصوت لمشروع القرار باعتباره يتنافى من مصالح بلداننا منفردة. فيما تم التوصيت على الصيغة التي كانت بين ايدينا من قبل دول الاتحاد الاوروبي في الواقع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...