الجمعة، 26 أبريل 2013

عازف البؤس



عازف البؤس

26 ديسمبر 2012
..........................
تأبى تعز إلا ان تكون الشهيد على الدوام والواقف دوماً في خانة الدائن. وتبدو هذه الحالة الملازمة للسلوك الثوري في هذه المحافظة ومع ابناءها كطريقة لنفي الاستسلام والاذعان اللذين وصمت بهما المحافظة طيلة قرون من حكم الأئمة أو فترة الجمهورية المغدورة. لقد ولّدت الاحداث التاريخية نوعا من الذل والخضوع كصورة على هذه المحافظة التي كانت إلى جانب عدد من المناطق الأخرى مرتعاً وفيداً لغزاة السلطة والتحالفات العسكر- قبلية وقد حانت الفرصة لاثبات العكس لكنها فرصة تبدأ من مرحلة جلد الذات، واستجرار خيبات التاريخ.

يحبذ التعزي على الدوام أن يكون المغدور به ويستلذ بالصراخ والإدانة ويتنازل عن حصته المعقولة والمتاحة في كل الأحوال مقابل ان يكون الضحية الخالدة.
ولا يجد بأسا في أن يكون قربانا لمؤمن غيره من مكان ما. لأنه ببساطة يرفض ان يؤدي دوره الحقيقي في التاريخ ويكون صانعا له ومستفيدا من ثمار جهده. فقط تستهويه الحالة العذرية مع السلطة والحق في آن.
تعز، مدينة يجتذبها بهرج عكسي نحو الفخر فلا تهوا إلا ان تكون الضحية على الدوام وتقدم نفسها في كل مشهد كالمسيح المصلوب. لقد غدا مفهوم التضحية مقروناً بحالة انتحار عبثية بالنسبة لأبناء هذه المحافظة التي عقدت صك غرام مع مذبح القرابين واعتكفت في معبد العبث كمجذوب لا يفقه مصلحته ولا يجيد قراءة الاحداث.

لا أجد في مسيرة الحياة 2 -النبيلة في جوهرها - سوى مشهد مشابه لهجرة الثيران الوحشية التي تعبر النهر وتقدم بعض من شبابها قربانا للنهر في حالة قياس سرعة تياره، بعدها يقرر القطيع ان يواصل او ينتظر. في العادة يحترم النهر القرابين المقدمة ويسمح للقطيع بالمرور. في حالتنا يكون التعزي -بنزقه العاري من النفعية والعاري من البراجماتية والعقلنة أيضا - قربانا على الدوام، بينما يستفيد بقية القطيع من دون ابناء تعز.

ليس هذا أسوا ما في الأمر، بل ان الحديث عن تعز اصبح مصحوباً بنعرة شوفينية تدعي فوقية التضحية ورصيدا نضاليا باذخا لا يليق وثقافة ابناء تعز وتكوينهم الفكري. انها حالة تضخم للذات مستوردة في رأي من مناطق الجبال النائية في شمال الشمال. بل ان التضحية العبثية ذات العمق التاريخي تنبع من أدب كبير خاص بمذهب الشيعة وبعض ابناء جماعة سلالية معينة في اليمن تستغل هذه الفكرة من أجل تعميق استحقاقتها المرتكزة على التاريخ على حساب المستقبل وحساب الهوية الوطنية. فتريد مقايضة خلافات قريش باستحقاقات تاريخية في اليمن.

وهذه الحالة لا تخدم المشروع الوطني بشيء بل انها مفتاح للتشظي وشرعنة للمشاريع الصغيرة التي تتنافى ومصلحة التعزي الاقتصادي والثقافية والسياسية.

اعجب من الاستجابة غير المدركة لهذا المسار العابث الذي يضرب كل التضحيات الحقيقية وينسف المشروع الحقيقي للشباب. لقد خرج الناس في اليمن- وعلى راسهم ابناء تعز في كثرة كبيرة -يهتفون ضد العنصرية والسلالية والحكم الفردي والعائلي لنصل في نهاية المطاف إلى ان ابناء تعز ينادون بما خرجوا ضده في بداية الأمر.
هل هي قلة الحيلة ام الافتقار للصبر والروية وعجز في الايمان بالمشروع الأولي؟
هذه تعز التي لا نريد كمدينة تعزف البؤس وتقتات منه.

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...