الجمعة، 26 أبريل 2013

تشكيل الرغبة

تشكيل الرغبة 
7 ابريل 2013
يتميز عالمنا الحديث بانه عالم الفُرجة spectacle. فقد تم، ويجري بغزارة، تسخير الوسائل التقنية لصياغات عروض عن الحياة وعن تصورنا لمجرياتها، تركيبنا لماضينا او تخيلنا لمستقبلنا. نحن امام عملية تكثيف شديد للرموز والصيغ التعبيرية حتى ان الحياة لتبدو فُرجة. الاغاني التي نستهلكها - او تستهلكنا - تصور لنا ان الحياة حفلة راقصة ومنها تبدأ الحكاية. حفلة تبدأ بلقاء مباغت ومُلِّح أيضا في الحصول على شريك، من ثم قد تنشطر المشاعر أو تتآلف.حفلة راقصة بكل ما فيها من تفاصيل شديدة التعقيد من حيث الالوان والاصوات والتباهي والاستعراض والحاجيات وصولاً الى تشيؤ أو تسليع العاطفة والجسد.
الجسد محور التفكير البشري منذ الأزل. لكننا الآن أمام وسائل ميديا جماهيرية اجتياحية. للجسد موقع اهتمام مركزي في صناعتها. نحن امام ثقافة استهلاك تقوم على الإغواء والإغراء ولا يُدخر الجسد فيها كوسيلة لبلوغ الهدف.
المرأة في غاية الفتون والفتنة والرجل في صورته الرياضية المثلى. الرجل شباب دائم والمرأة أنوثة لا تتهدم. هكذا توحي لنا الفيديوهات والكليبات والاغاني السريعة المغدقة في الموسيقا الشحيحة للكلمة. نحن نفقد سيطرتنا على الكلمات لنستبدلها بالرموز وصولاً الى العجز عن التعبير الدقيق.
لقد تحولت الاغنية الى مرجعية في التعبير ليست في موسيقاها فحسب بل في ملحقاتها السلعية التي تؤلف المشهد وكلماتها الركيكية في العادة لانها تهدف الى توصيل فكرة بسيطة سريعة مدعومة بأشكال تعبيرية صوتية وضوئية أخرى ولا تكتفي بذاتها كأعنية عمادها الكلمة واللحن.
الإعلانات الدعائية هي الأخرى سيطرة ذهنية تكرس الاغواء وخلق الرغبة. حالة تكثيف شديدة تكبح أي محاولة للتفكير والتدبر. مناورة تدفع المشاهد إلى اتحاذ قرار بالاستهلاك دون تمحيص لحاجته للمستهلَك. يجعلك الإعلان تستشعر الحاجة من عدمها.
إذن نحن في حضارة التلفاز والوسائط المرئية.
مؤخرا، في صنعاء، قابلت صديقا انجليزيا تعرفت عليه في فرنسا وصار يقيم في نيويورك. سألته عن فارق المدن بين نيويورك وباريس. فأجاب: "إنها مدينة مختلفة، حديثة لكنها سطحية. فيها جهل كبير وتنوع شديد لكنها تكرس الرغبة على نحو مختلف عن باريس. الرغبة في باريس اكتشاف ومهارة وتأن وبحث, الرغبة في نيويورك جنسانية ليبودوزية بحتة حيث الجسد هو الآمر والناهي".
اقدّر له هذا التعريف بمدينته الجديدة باعتباره شابا يحب الحياة ولا يرفض عروضها الساحرة. لكنه أضاف: "في نيويورك ليس لدي تلفاز في شقتي. الانترنت يقدم لي ما احتاج معرفته من أخبار وأفلام أشاهدها أحيانا عوضا عن السينما. وعندما غادرتها قليلا اضطررت لمشاهدة التلفاز ومشاهدة القنوات الأمريكية تحديدا. إنها مساحة إغراء شاسعة. أجسام متقنة الصنع ونواهد فتانة."
ولا مجال للحديث عن صنعاء بين المدينتين لأنها في أحسن الأحوال نقطة تأثر خجول بأشكال الحداثة دون الإسهام في صناعة الحداثة. فالأمر في ابسط الحالات لا يتجاوز ان اكتب هذه الأسطر بينما الكهرباء مقطوعة.
وهكذا عرفت كيف تتشكل الرغبة في مدينة حديثة استسلمت لثقافة الاستهلاك والتنوع والتعدد.

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...