الجمعة، 26 أبريل 2013

ابتسامة الرمان



ابتسامة الرمان

15 اغسطس 2012 . غازي اباد-نيودلهي


كانوا أربعة، شابان وشابتان، يضحكون من أعماقهم في زحام المقصورة في المترو. تتبع ضحكات احدى الفتيات شهقة شهية. كان الشابان متوسطا الطول احدهم بوجه ممتلئ والآخر بوجه عيسوي وبلحية سوداء رقيقة. بينما الفتاتان كانتا أقصر، احدهما ممتلئة الوجه بشوشة والأخرى اقتصادية في بهجتها، كأن حزن قديم يكبح فرحتها، أو ربما خرجت من عزاء في أهلها فتخجل إن تضحك بوقاحة المتناسين. دفع بهم الزحام إلى عميق المقصور ليصبحوا تحت مرمى نظري الفضول. اقتربوا مني أكثر وأنا ملتصق بعمود معدني استند إليه وانتقل من سطر لآخر في رواية حديثة الإصدار سهلة الهضم.
لم أتمكن من الانتقال إلى الصفحة التالية، والوقت يمضي وأنا استرق النظر إلى ملامح الفتاة المكتنزة. تفاصيل وجهها فوضوية الرحمة وانتظام شعرها، سلاسته وانسيابيته كحقل من قمح قبل الحصاد، عندما تضحك فهي تسفر عن ابتسامة الرمان من الحمرة والبياض البراق. بعد محطات عديدة واسطر قليلة، خف الزحام فوجدتُ فرصة للجلوس على المقعد. كنت في حقيقة الأمر اجلس في مقابل الفتاتين اللتين تحصلتا على مقعد أمامي. ظل الشابان يبحثان عن مقعد جلس احدهم إلى جواري. نظر بشكل عاجل في كتابي، ثم هرع للجلوس إلى جوار رفقته. فاتته الفرصة فاراد العودة إلى مقعده السابق جواري وكان المقعد على وشك أن يذهب منه إلى شخص آخر لولا أني حاولت الإيعاز للقادم بان المقعد محجوز.
ما ان جلس حتى قلت له: هناك مثل بالفرنسية " من ذهب للصيد يفقد أرضه".
نظر إلي بدهشة. حاولت تفسير موقفي. أشعرني بأنه فهم ما اقصد وباشرني بالسؤال: هل أنت من القوات الجوية.
لم افهم. كرّر السؤال فقلت له
- كلا أنا من اليمن.
- لكنك أنت هندي جدا.
- للأسف لست، مع أن الكثيرون يقولون لي هذا.
فباشر يعرفني بنفسه وقال:
- أنا اعمل بحاراً وأتنقل كثيرا.
- إذن انت تعرف دبي؟!
- نعم. كثيرا ما ذهبت إليها.
- هل تعرف جيبوتي؟
- نعم.
- هل تعرف اليمن. هل تعرف عدن؟
- كلا لم أزرها.
فارا دان يؤكد لي صوابية حكمه علي بأني هندي وقال:
- دعني اسأل مجموعتي "من أين أنت"؟ دعني اسأل أختي.
كانت المكتنزة أخته. تقاطعت نظراتنا وابتسامة سريعة.
كانت ردودهم تجمع على أني من منطقة في الشمال الشرقي من الهند. فقال لهم: كلا هو من اليمن. من عدن.
ثم اخبرني أن أخته قضت فترة في مسقط. فسألته رغبة في أن يعكس الحديث إليها: - هل أحبت مسقط؟
أجاب بنصف تأكيد ونصف نفي.
فقلت:
- عُمان بلد جميل لكنه منغلق. ربما دبي أكثر انفتاحا. أليس كذلك؟.
وافقني الرأي بهزة من رأسه.
حاولت أن أعرب عما أراه في دبي قائلاً:
- لكني لا أحب دبي كثيرا. أحب المدن المزدحمة والضاجة بالحياة، المنغمسة في التاريخ والغاصة بالثقافة.
ابتسم وقال لي:
- أخي في جدة. لكنه يجد صعوبة هناك. لقد جاءت طفلته إلى الحياة قبل شهر وهو بعيد عنها.
ثم ذهب بننا الحديث إلى شعاب كثيرة.
ودعته عند مخرج المحطة مصافحاً. ولم أعرف اسمه...
..
...
....

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...