السبت، 29 أكتوبر 2011

الحالة غضب


الحالة: غضب
28 يوليو 2011
ــــــــــــ
تقول معظم الأنظمة عند كل مشكلة :إبحث عن الفيسبوك! وتقول الشركات الكبرى عند كل مشكلة: إبحث عن الفيسبوك! الأمر يطال العلاقة بين الأباء والأبناء والأصدقاء فيما بينهم، وأكثر من ذلك الأمر يمس على نحو جاد العلاقات الزوجية، إذن في كل مشكلة عائلية صفحة فيسبوك. إنها مسألة عالم إفتراضي تجاوز محددات العلاقات في الواقع. 

نحن الأن أمام رهان كبير تجاه الذاكرة، والمدونة، والوعي. يقول المفكر العربي محمد عابد الجابري إن العرب كتبوا كثيرا في مواضيع شتى لكنهم لم يكتبوا في الاخلاق. وهنا يمثل التحدي امام الذاكرة الجمعية والمدونة والوعي. ربما لاننا لم نفلسف الاخلاق وننزلها مقام البشرية وانما ابقيناها مقام السماء وبالتالي لم تنلها الايادي / العقول، ولم نتناولها لنستزيد منها ونزيدها.

نحن أمام تحدٍ كبير يتمثل في قدرتنا على إيقاف تماهي الأفتراضي بالواقع. وربما المسألة هي التردد أمام خيارات لنحدد: اين ؟وماذا نريد أن نعيش؟ في الإفتراضي أم في الواقعي.

مثلاً كانت وسائل التواصل الاجتماعي رافدا اساسيا لتحول نوعي وكمي في العمل الثوري في كل من تونس ومصر. حتى أن احدى أهم مطالب الاحتجاجات التونسية كانت متعلقة بالشبكة العنكبوتية وبالفيسبوك. 

لكن يبدو في اليمن ان الناس يفضلون الحياة في الافتراضي بدليل أن الفعل الثوري أنتقل من الساحات والدواوين إلى دواوين وساحات فيسبوكية. 

سأجركم إلى سياق ذاتي بحت وهو حالة أو status الخاص بي أو ربما شعوري اللحظي لكن المتواتر بإنتظام. إنها حالة غضب ما فتئت أعبر عنها مراراً. 
أحد أصدقائي يقول دوماً إن التقنية/ التكنولوجيا الحديثة ستعمل على تحديث الأخلاق وأليات الرقابة وبالتالي كلما تقدمت التقانة والتكنولوجيا كلما تقدمت الأخلاق البشرية لأنها أي التكنولوجيا ببساطة سهلت عملية الضبط.

وعليه صار لزوماً على الإنسان أن يأتي بالصدق لأن وسائل الكشف عنه كثيرة. كما أن التقنية ساهمت كثيراً في الحد من الجرائم لأنها مثلاً أوجدت رقابة وقائية.
بعيداً عن الخوض في دقة القول السابق من عدمه.لأن التطور يتم على وجهين بالتالي سيكون للتكنولوجيا وجهاها سواءً في الاخلاق أو سوء الاخلاق. لكن في حالة الفيسبوك أجد - على الاقل هذه وجهة نظري - أن هذه الشبكة الاجتماعية لم تعمل إلا على رفع هامش سوء الاخلاق: مثلاً. 
لا تجد حقيقة حدث ما لتعدد الروايات وزعم كل رواية أنها مالكة الحقيقة المطلقة: الليبراليون ليسوا ليبراليين واليساريون ليسوا يساريين و الاسلامويون ليسوا إسلامويين. 
لم يتوقف الأمر على الميول والاتجاهات. حالياً الرجال ليسوا رجالاً والاناث لسن إناثاً، لقد بلغ الأمر الى الجنس. 
تتوقع أنك ستفتح صفحة على الفيسبوك للتواصل مع جمع حافل من معاريفك السابقين الذين لم تعد تقابلهم أو مع شخص يقاسمك نفس الاهتمامات لكنه في نيوزلاندا مثلا وكذلك لمتابعة أخبار بلدك وتكثر او تقل الاهداف.
لكن للأسف تكتشف انك فتحت عيادة للمرضى النفسانيين من أشباه الموتورين مثلاً أو موهمي العشق الإفتراضي والملكية الناقصة/ الباطلة.

اثبت الفيسبوك أنه المتنفس الأوسع لكل حالات الإزدواجية في الشخصية / شيزوفرينيا. ليست الإزدواجية فقط بل من له ثلاث او أربع شخصيات.


لقد كشف الفيسوبك عن الكم الهائل من الأمراض الاجتماعية المتنوعة في المجتمع اليمني خصوصاً مجتمع التواصل الالكتروني والتي كانت في طي الكتمان اوخارج دائرة المكاشفة. 
لؤم – خساسة – زور – كذب – نفاق – فتنة - وشاية- تجسس- نميمة – فظاظة- إدعاء- اسفاف - عنصرية الى آخر انواع الروائح النتنة وما أطول القائمة. 

تجد كتلاً كبيرة من النفايات البشرية وأحذية الأسماء القديمة مع أنك لم تكتب في اي يوم على حائطك: "هنا مكب النفايات".

تأسف ان تجد صفحتك قد باتت مأوى للمشردين من مدينة التسامح او الذين نفتهم الرجولة، ناهيك عن  الفقراء الى الشهامة. وما اكثر اقتراحات هذه الشبكة من ثكالى موت الحب ايام الدراسة مثلاً او الباحثين و الباحثات عن حبائل متاهات الدنق (والدانق لغة هو جزء يسير من عملة نقدية- ربما لم يعد له/ لها أي العملة قيمة تداولية).

المتنطعون كُثر. والمتحذلقات اكثر وأشد وطأة. صانعو الاشراك (الكمائن) في منتهى سخائهم التطوعي. والذين يسبحون جوارب وجوههم العفنة في الغداة والآصال هم من العدد والتفاني ما يغبطون عليه.

لا أنكر أن للفيسبوك فضائل أخرى منها أني شخصياً ممنون لمعرفة بعض أسماء لأشخاص لا يقايضون بالنفائس، وصار لي أخوة – لاحظوا أني لا أستطيع أن  اقول اخوات لدواعٍ عديدة - هم اقرب إلى من أبناء جلدتي وممن هم أخوة لي في النسب والرضاعة. .

مع هذا فإن حالة الغضب ستظل ملازمة حتى يزول هذا العفن الإليكتروني

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...