الثلاثاء، 31 يناير 2012

ليلة الجن ... يوم رحيل محمد سعد

ليلة الجن ... يوم رحيل محمد سعد

في الدور الثالث من مبنى الوزارة يشغل السفير (المتقاعد) مكتباً موازياً لمكتب الوكيل المالي. يتربعان على طرفي مفتاح دبة غاز (بانه) مع فارق أن مكتب الوكيل أكثر رحابة ورهابة وإضاءة. بينما يتم الوصول إلى مكتب مدير شؤون الموظفين عبر نفق ضيق. في عز النهار احتشد المقهورون لسنين وأقاموا جلسة محاكمة معنوية لمن اقترف في حقهم مظالم لا تجبر. في نفس المكان الضيق والمظلم دوت هتافات حصحصة الحق، فكان الضوء يتدفق على النفق من عدالة مطالبهم وصدق أنينهم. تحول الوكر إلى منبر صدق أذَّن فيه من نُهِبت أعمارهم أو خُطط لهذا النهب الغادر في الظلام.

المدعو، يغلق باب مكتبه، يثبت المزاليج، يطلبها قسم الوفاء لحظة غرق، ينغمس بين أحشاء مقعده الكبير [بعض المقاعد كبيرة على شاغليها عندما لا يقولون كلمة صدق ولا يقيمون حق]، يتشبث بالطاولة، أوصاله ترتعد تحت دوي الأصوات اليانعة. يفقد بصره وبصيرته في لحظة يتصور أن النافذة غدت باباً، ولكن باب إلى الجحيم. تتأرجح نظارته بارتجاف والعرق يتصبب منه، تنتفخ عينياه ببياض الفزع.

الحناجر النقية تخلق فيزياء جديدة، تنشر كيمياء جديدة، تتغير الأحجام فيها ويستحيل الدم إلى ماء مالح لا أكثر.

يخرج المدعو من مكتبه ساعة غفلة، يركض وهو يجر خفيه بعد أن صارا اكبر على قدميه. في الرواق المظلم يعزف كعب حذائه رقصة الرحيل. في الطرف الآخر من الرواق تصفيق على إيقاع المغادرة، على ضربات الهرب.

- كيف سيكون ليله؟ يساءل أحدهم ببراءة.
فيأتيه الرد من الجدران التي نطقت بعد صمت أزلي:
- ضيقا مظلماً. إنها ليلة جن.

الجدران أيضا نطقت، اكتست بياض الطهر للمرة الأولى.
تهليل و تكبير، فرحة منقوصة لكن الأعناق تشرئب نحو الخطوة الثانية. سُلَّم النجاة يوشك أن يفلت من أيدي الهاربين. ستلتهمهم حرائق المقهورين.

ليست شماتة كلمتانا هنا ولكن، كيف يمكن جبر أعمارنا التي ذهبت في لعبة عبث المسؤول الذي لم يكن يُسأل؟ كيف يمكن إطعام ليالي أطفالنا عندما جاعوا ذات شتاء والجيب فارغ من راتب الإعانات؟
كيف يمكننا تعويض فرحة أطفالنا بعد خيبة عيد لم نشتر لهم بدلة جديدة؟
هذه هي أسئلتنا إلى المعنيين في المرحلة القادمة؟ 

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...