الثلاثاء، 24 يناير 2012

موظفو الخارجية ... خارج العذابات ، داخل الإفقار والتنكيل

موظفو الخارجية ... خارج العذابات ، داخل الإفقار والتنكيل

 22 ديسمبر 2011


الأخوة رئاسة الوزراء
الأخوة وزارة المالية
الأخوة وزارة الخدمة المدنية
الأخوة وزارة الخارجيـــة

هناك من يتصور حياة الدبلوماسي على أنها استمرار لإعلان تلفزيوني لشكولاته فاخرة أو فيديو كليب لأغنية عصرية مع مغنية بكلمات قليلة وحفل راقص ونظرات إعجاب متبادلة. مشهد الإعلان التلفزيوني أكثر إغراءا للسرد. سيارة سوداء لامعة تقف عند مدخل أنيق. ينفتح الباب الخلفي. يخرج منه شاب وسيم يرتدي (بدلة) سوداء ورباطة عنق بابيون، تأخذه من يده اليمني شقراء رفيعة المهوى بفستان مخملي كستنائي اللون وأخرى نسخة منها تاخذه بيده اليسري. تمتد رجله على بساط أحمر ملكي على جانبيه حشد من الحضور. تدوي تصفيقات حارة ويصل بطلنا إلى منضدة تتربع عليها قطع شوكولا بغلاف ذهبي. الجميع ينتظر لحظة يخلع فيها صاحبنا غلاف الشوكولا ويقضمها.فتنهال عليه التبريكات والتهاني والضحكات الزائفة.
هكذا ينظر البعض إلينا ولا يتردد بعض منهم ان يقول: أنتو التبلوماسيين، بتسافرو الخارج وتستلموا بالدورار. لا باس إن كانت من سائق تاكسي. لكن كم هي مؤلمة هذه الجملة عندما تصدر من مسؤول يؤمل عليه ان يرسم استراتيجية بلد. ليست اكثر من ذهنية انتقامية حاقدة فقط قادرة على التلفظ بمثل هكذا جملة.
نقول لا وألف لا. فحياتنا مقسمة بين عذابات الخارج وإفقار وتنكيل الداخل.
قبل كل هذا لم نقضِ ستة اشهر على بوابات وزارة الخارجية نتسول وظيفة ولم نجلس القرفصاء أمام البوابات الحديدية لمنازلكم. لقد اطلعنا على إعلان في الصحف الرسمية يطلب ملحقين دبلوماسيين. لا أظن أن الإعلان كان يقصد طلب ممثلين لليمن في يريم أو جبلة أو الحبيلين. لذا فإن خروجنا إلى الخارج في إطار عمل هو الهدف الأول من توظيفنا. ولا داعي أن تمنوا علينا بأننا نخرج الخارج ونستلم بالدولار. فرواتبنا ليست مكرمة ولا هي هبة مجانية. ثم إننا ندفع ضريبة خياراتنا تلك وثمن قراراتنا للالتحاق بوظيفة كهذه.
يريدون أن يقولوا لنا: في الخارج تستلمون بالدولار، لذا عليكم أن تأكلوا التراب في الداخل. الوزارات الأخرى تتحدث بهكذا منطق لأنها تستكثر ما يقبضه موظفو الخارجية من رواتب.
نقول لهم ان الراتب الذي يتقاضاه الملحق الدبلوماسي في الداخل هو 39500 ريال لا أكثر، مبلغ قاطع مقطوع (ما أرخصهم من موظفين وما أرخصها من مهور) أما في الخارج فهي بحسب توزيع فئوي لمناطق جغرافية وهي لا تختلف أبدا عن القيمة السوقية لمبلغ 39500 ريال. قبل كل هذا لا يزيد عدد موظفي الخارجية من دبلوماسيين وإداريين عن 1200. فلو قسمنا هذا العدد على إجمالي موظفي الدولة والذين لا نجد عنهم احصاءات دقيقة فنقدرهم بمليون موظف أي اقل من 5% من إجمالي السكان فإن نسبة موظفي الخارجية من نسبة العاملين في جهاز الدولة هم:  من اليسار؛ صفر، فاصلة، صفرين، ثم اثنى عشر (0.0012) بالتالي ما هو الثقل الذي نمثله على الميزانية العامة علما بأن ثلثي عدد الموظفين يتواجدون في الداخل. ألا ترون أن هذه الأرقام مدهشة! لا باس اعرف أنها لا تقود إلى قناعة. ويجب علي أن أوضح لكم بعض الحقائق.  
العمل في الخارج يعني:
راتب يلبي الحاجات المادية الضرورية ويتيح الأداء الجيد في إطار بيئة هي في الأصل تنافسية وتتسم بالمباهاة والندية.
الحصول على تامين صحي (لأن القوانين في تلك البلدان تلزم التأمين الصحي لأنها توفره لمواطنيها)
توفير سكن يليق بطبيعة المهنة ويتيح القيام بالمهام الموكلة.
اعتماد آلية تكفل تعليم الأبناء.

على اعتبار أن ما يستلمه الدبلوماسي في الخارج يكافئ مبلغ 39500 ريال يمني، سواء كان المبلغ 3000، أو 4000 أو 5000 ألف او حتى 5500 دولار فهل يوفر هذا المبلغ كرامة للموظف وإحساس بالسيادة، حتى وان كانت هناك اعتمادات خاصة بالسكن والتامين وتعليم الأولاد تصل إلى ضعف المبلغ، أي 79000 ألف ريال. بالله عليكم ماذا تصنعون بهذا المبلغ في اليمن مع اخذ الاعتبار لفارق المعيشة والقدرة الشرائية؟

المالية في بلادنا تعلقت بعملة واحدة كراتب للعاملين في الخارج وعليها يتم تحويل الراتب من عملة إلى أخرى وبين فوارق الصرف وحذلقة المالية يخسر موظفو الخارجية ما يقارب 1000 دولار في كل ثلاثة اشهر.

نعم البلد تمر بظروف اقتصادية صعبة منذ سنوات ولذا يلزم التقشف. لكن التقشف لا يعرف طريقاً غير وزارة الخارجية. اتفقت المالية والخارجية على تخفيض ابتعاث الكادر الدبلوماسي بنسبة 10% ويتم توريد نصف مبلغ التوفير من هذه العملية والنصف الآخر يُدفع لموظفي الداخل كحوافز وبدل وفق آلية عادلة تحددها الوزارة.
تريد وزارتنا أن تكون أنموذجا مثالياً في تنفيذ خطة التقشف حتى انها رفعت نسبة الخفض إلى ما يزيد على 20%، ولكن لم يرَ موظف شيئا من المبلغ الموّفر كما لا يعلم كم المبلغ المورد للميزانية العامة. لا ادري لماذا تمارس قيادة الوزارة جلد الذات على موظفيها للتتطهر من تهمة الفساد بينما يعيث الإفقار والبؤس بين موظفي ديوان الوزارة. نقولها بصراحة: من يلتمس في نفسه الخطيئة ويريد أن يتطهر، فعليه أن يبعد عنا أوضاره وسواد درنه.        

ولكن ماذا عن البعد الاجتماعي كضريبة يدفعها موظفو الخارجية؟ نقطة لم يلتفت إليها أحد وربما يجدر بنا التطرق إليها. مشهد قصصي ربما كفيل بتوضيح هذا البعد وليكن على حساب زميلنا أحمد المنحوس.
بعد أن أكمل احمد المنحوس دراسته الجامعية ودخل قفص الزوجية بفتاة من القرية وجد فيها حسن طالع لأنه تقدم لوظيفة ملحق دبلوماسي في وزارة الخارجية وتجاوز سلسلة امتحانات تضمن تكافؤ الفرص. نجح ومضى يدرس في المعهد الدبلوماسي وفي منتصف الدراسة جاءه مولوده الأول (مُتعِب). الراتب الذي يتقاضاه لمدة عامين من دخوله الوزارة لا يزيد عن 31500 (قاطع مقطوع لموظف بدرجة مستجد لم يدخل بعد القائمة الدبلوماسية لأسبقية التعيين) فكيف سيؤمن نفقات التوليد والأدوية ولقم وماء. ينتابه ضمور ذهني وينخفض وزنه وهو ينتظر عام التعيين. في ظل خلاف تفسيري للائحة التعيين، يتوجب عليه أن يقضي من 3 إلى 6 سنوات في الداخل. يا لها من سنوات تمر لا يعبِّر عنها سوى مثل شائع يلوم عائلة توكل أمر غذاء دوابها إلى الحشائش التي ستطلع بعد موسم الحصاد فيقال (شتطلع الزيلة (الحشائش) وقَ مات الحمار). بمعنى يأتي قرار التعيين وقد مات الــ.
أول تعيين سفر الى الخارج يذهب به إلى روسيا. ستة اشهر من البرد والغربة والعمل مع سفير يجيد ممارسة حلقة القهر الهرمية بتعبير فوكو. يطلب منه في الأجازة الاسبوعية أن يشتري له حفاظات للاطفال أو يذهب للخفر في السفارة انتظارا لفاكسميل يرسله ابن سعادته يبلغه عن وصول الأحذية الجديدة. ليست من باب المبالغة هذه الفقرة فهناك سفير لم يتحمل وجود أي من اعضاء البعثة إلى جواره فانصرفوا عنه واحدا تلو الآخر كمن يهرب من الجرب. بعد أقل من عام تلد زوجته الطفل الثاني (قاصم) قبل أن يصله التأمين الصحي فيدفع من جيبه نفقات المستشفى، سيما وراتبه قليل يضطر لان يكون هو القابلة إذ لا مجال لجلب أمه أو حماته. بعد ثلاثة أعوام عليه تعليم طفله الأول فلا يدري أي مدرسة يبعث به. بالعربي بالانجليزي بالروسي. ثم ماذا عن الرسوم الدراسية.
يعود صاحبنا إلى الداخل وقد خرجت روح الزوجة، يدخل في دوامة الاستلاف على ذمة التعيين القادم، تتفاقم المشاكل لان لا احد يتفهم طبيعة عمله ولا راتب يعينه على الوفاء بالتزاماته. تتركه الزوجة ثم يرجعها، فيتعيَّن في كينيا ويحزم الأمتعة ويجر العائلة إلى بلاد الملاريا وأمراض المنطقة الاستوائية. تقرر الزوجة العودة إلى اليمن. تتوتر العلاقة أكثر، تتمزق العائلة بين الداخل والخارج، ويأتي قانون الخلاص الطلاق. تنتهي مدة التعيين فيعود إلى الداخل. لا أطفال ولا عائلة ولا مبالغ مدخرة.
ماذا عن الدبلوماسيات؟ إما من عائلة محافظة تمنعها من السفر إلى الخارج أو تغامر وتسافر. فلا قانون يتيح لها الزواج من اجبني ولا فرص للزواج من ابن البلد. لعنة العنوسة وقلة الحيلة وشماتة الزملاء فوق كل تلك المشاكل المالية.
بالمناسبة العنوسة لا تصيب الإناث فقط. اعرف من الزملاء ممن ابيضت رؤوسهم، ومات الحِـ...
ثم يأتي أحدهم من وزارة أخرى ويتلف أعصابك: انتو التيبلوماسيين مرطاحين، تسافرو الخارج وتستلموا بالدورار!
المهم شكوى في الداخل شكوى في الخارج. مثل شائع في تعز يصف هذه الحالة: "عِراب صرور، اللي فوق يصيح واللي تحت يصيح" أي سفاد طيور العقاب، مجمله صراخ في صراخ. قبحه الله من وضع.
ربما هذه المعانات لا تمس إلا ذوي القلوب والجيوب البيضاء. اعرف جيداً أن هناك مرضى بحاجة إلى علاج. بعض ممن استمرءوا أكل السحت وما أهل لغير الله. يذهبون إلى الخارج لاستقبال مسؤول يعربد من المال العام. يبلغون سعادتهم عندما يجلسون ككلاب حراسة المنازل إلى بوابات التسول، يفردون أذرعهم ويسندون عليها أفواههم بانتظار لقمة مسمومة. ولكن كل يتحمل وزره.

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...