الأربعاء، 22 سبتمبر 2010

العيد هنا مختلف



13 سبتمبر 2010
العيد مختلف هنا
تهدأ الحياة في المدن الكبيرة مثل صنعاء إذ يسافر الناس إلى الأرياف أو إلى المدن الأخرى ويذهب الكثيرون إلى عدن. يلاحظ في النهار أن الشوارع خالية. تبدأ الحركة قليلاً عند المغرب. يزدحم الشارع الأكثر استيعاباً للمظاهر العصرية في المدينة؛ شارع حدة. تذهب العائلات لزيارة الأهل. الكثير من العائلات تذهب إلى المطاعم. كطقس للحياة الاجتماعية والمشاركة في نشاط جمعي مديني. أجده نشاطا استهلاكيا زائفا لا يحتوى على أي بعد مدني حضاري. نفس الحواجز التي تفصل بين الناس في تفاصيل الحياة موجودة في المطاعم واماكن التجمعات العامة. ما الفائدة ونحن نتسوّر بمفهوم العائلة ونمتنع عن أي تفاعل بين الجنسين في أطر منظمة وتحت الرقابة. ليس لدينا سوى العيون التي تثقب بالونة هذه القيود.
على الصعيد الشخصي، لا أمارس شيئا معينا في مثل هذه المناسبات. لكني أريد هنا أن أكتب لأفرغ ما بجعبتي من التفاهات. أنا لي طقس خاص. أذهب لزيارة عدد محدود من الأهل، أمضي النهار في مضغ القات معهم أو مع الأصدقاء وهذا الغالب وفي الليل أعود إلي البيت، استمر في مضغ القات. اجلس إلى الكمبيوتر، استذكر يومي، اعمل إن كان لدي عمل كترجمة مثلاً. أقرأ مقالات متراكمة. اكتب على الفيس بوك بعض هذيان. أفكر فيما سأفعل غداً. اشتاق بالفعل للذهاب إلى شارع حدة لأتلصص على فتيات العيد. أجد لدي رغبة في التلصص أكثر مما مضى في العيد عيون الناس تقول أشياء كثيرة. فالناس يتساهلون في كثير من القواعد: مثلا يسمحون للأطفال بالكثير من النزق والتجاوز. يسمحون للفتيات بارتداء ملابس عصرية بديلة للبالطوهات السوداء الكئيبة. يسمحون لنسائهم برفع النقاب قليلاً. وأحيانا التخلص منه إذا كانوا داخل سياراتهم. في العيد ترتدي النساء أحذية رفيعة بكعب عال وألوان أنيقة. تبرز بفضول أصابع أقدامهن. تبدو أقدامهن أكثر نضارة على غر المعتاد. بعض النساء ما يزلن يستعملن الحناء بنقوش تقليدية وهذا ما أجده شهي والبعض يخضبن الأظافر بلمعان زائف نافر. في اليمن هناك مثال شعبي يقول إن جمال المرأة يبدو من أقدامها. أما عيونهن فتكون أكثر جرأة من المعتاد. البعض يشاكسن وإن كن إلى جوار أهلهن.
اريد ان احكي ما هو أهم من هذا السرد المتخاذل. سأحكي ما صنعت يوم العيد. لسنوات عديدة وأنا لا اهتم بحضور صلاة العيد الجماعية المختلفة عن بقية الصلوات. لم أنم ليلتها. اغتسلت وارتديت ملابس ملائمة. ليست جديدة. فلم أعد احرص على شراء الجديد في كل عيد. انها عادة قديمة رغم ان والدي كان يملك محلا لبيع الملابس. لكني احرص بالمقابل على الاحتفاظ بالملائم. أنا حقيقة لا اهتم بتجديد ملابسي إلا لحاجة. أو ربما لم اعد قادراً كغيري من الناس الكثيرين على شراء الجديد.
ذهبت عند الشروق إلى الجامع المجاور. جامع في اليمن وباسم تاجر يمني لكن خطيبه غير يمني. حتى في هذه نحتاج إلى استيراد خطيب. هو خطيب طيب. خطيب مستورد. كان المسجد مكتظاً بالناس حتى أني لم أجد لي مكاناً غير الشارع أو على الرصيف غير النظيف. لا تندهشوا. القاذورات في اليمن لا تستثني بيوت الله. كان الزحام أكثر من الأيام العادية وأكثر من يوم الجمعة. في العادة يصلي الناس ثم يستمعون للخطبة. هذه المرة ما أن فرغ الإمام من الصلاة حتى انفض الناس وتدافعوا نحو الشارع، مع أن الأهم في صلاة العيد هو الخطبة لما فيها من وعظ مختلف عن بقية الأيام خصوصا وان هذا الوعظ يتركز على العلاقة بين الأقارب وبين الأرحام وصفاء القلوب بعيدا عن تاريخ السلف وحكاية الصالحين ومآثر الخلفاء والحكام الأتقياء. وربما هذا ما ينقصنا. وكذلك يتحدث الخطيب في العادة عن العلاقة بين الأغنياء والفقراء.
في الشارع تبادل الناس التحايا والتهاني بالعيد. في اليمن يتصافح الناس ويتبادلون القُبل على الخد أو الأكتاف أو يتهاترون الأيادي المتماسكة. كان السلام عاجلاً. كل واحد يقول كلاما سريعا وكأنه شريط تسجيل. وقد لا يعي ما يقول. الكل يتلعثم في الحديث. ابتسامات بريئة كأنها بلا معنى. وكأنها غير مقصودة. أوجه الناس كانت بلاستيكية حقا.

بعدها قررت الذهاب إلى بيت خالي لزيارته وزيارة جدتي من أمي وخالتي التي تكبر أمي لأنهما خرجتا قبل يومين من المستشفى بعد إجراء عملية كل واحدة. العمليات عندنا بالجملة. في الامر طرافة رغم جدية الموقف. في طريقي كنت أصطحب أخاً لي اصغر مني. يتبعني بخطوات ولا يسير إلى جواري فهمت أنه يتعمد التأخير. له الحق؛ لسنا دفعة واحد. على الأقل بيني وبينه فارق من السنين يساوي نصف عمري. هل صار الآن يخجل من مرافقة هذا الكهل الذي صرته؟

أخرجت هاتفي من جيبي وهاتفت أمي. كانت تنتظرني. لم تبدأ حديثها على نحوٍ نمطي وتقول:  الووو.
بادرت بالسؤال :كيف انت يا ابني؟ عيد مبارك ....
صوتها كان مليئا بالشجن وغامر بالحنين، كان مليئا بالانتظار والفرحة والحسرة في آن. فرحت لأنها سمعت صوتي لكنها تتحسر لأن العيد يأتي وأنا بعيد عنها. يبدو لي انه العيد الرابع بعد العاشر في أقل تقدير وربما العشرين وأنا لا أقضي العيد تحت ظلال حنانها. لم أتمكن من الرد عليها. تلعثمت. كانت أحدى أخواتي الصغار إلى جوارها. شابة فطنة.  تكلمت معي. كان لديها حدس كبير. سألتني لماذا حلقي جاف والكلمات تخرج سحباً من حلقي. بالفعل كنت كذلك.

واصلت سيري نحو جدتي. في الطريق، وهي مسافة بين مسجدين، كنت أرى في كل اقل من عشرة أمتار متسولاً واحدا على الأقل. المسافة كانت تزيد عن اثنين كيلو متر. كم في هذه البلاد متسولين؟ بشكل آخر كم في هذه البلاد من فقراء؟ نحن أكبر حظيرة للفقر. بلاد تتغنى بضم عشرة مليون فرد أو مواطن إلى قوائم الضمان الاجتماعي. يستلمون ثلاثة ألف ريال في الشهر أي أقل من 15 دولاراً تصلهم كل ثلاثة أشهر. إذن كم في صنعاء مساجد؟ وكم حولها ممن يمدون أيديهم توسلاً – صادقا احيانا  وغير صادق في احايين أخرى- لبضع ريالات من الميسورين. لا أظن ان هناك ميسورون في هذه البلاد. حتى الثري في ظل الحرمان فقير. فهو لا يستطيع الاستمتاع بماله بين أكوام الفقر هذه. أظنه سيلجأ إلى إخفاء ثراءه خوفا من الحسد وما إلى ذلك مشاق. في الطريق قابلت أناس آخرين من غير المتسولين بالطبع. أطفالاً يركضون ليسمعوا وقع الأحذية الجديدة. فتيات يرفلن بملابس العيد الجديدة الخارجة عن كل بقية الأيام سواء في الألوان أو التشكيلات. الفتيات يتعمدن استعراض خصلات الشعر على الجباه وهز الأكتاف العارية حصل السبب او انعدم.
كما قابلت كباراً يسيرون على هوادة حيرة ودهشة. الأعياد والمناسبات تداهم الناس في خضم انشغالاتهم. انا شخصياً لم أعد انتظر السبت او الأحد او الجمعة. ما لم يكن لدي موعد يشغلني او لقاء هام. وإلا فالأيام ستأتي. تبادلت التحايا مع بعضهم. صافحت البعض الآخر. تبادلنا تهاني العيد وأحلى الأمنيات دون معرفة بعضنا لبعض. نسينا أن نتبادل أمنيات بحياة أفضل، بمستقبل أفضل، بقطعة أرض لكل واحد منا يفترشها ويأوي إليها دون متاعب الإيجار الشهرية وقلق زيارة المؤجر، أو منغصات الانتقال من بيت لآخر كلما قرر مالك البيت تزويج ابنه في عذر يتخلص به منك. وللحديث بقية

هناك تعليق واحد:

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...