الأحد، 26 سبتمبر 2010

الثامن عشر من شهر آب

اليوم 18 من شهر آب . انه اليوم الذي اخترته بالصدفة كذكرى عيد مولدي وهو التاريخ الذي طرحته على بطاقاتي الرسمية وجواز السفر.
لا ادري كيف مر هذا اليوم. لقد قضيت حوالي الخمس ساعات في العمل انتقل من مكتب لآخر وازاور الاصدقاء لنحكي بعض نكات ونتبادل اتهامات في العقيدة ومروق عن الدين ثم نبتسم لبعضنا البعض باصدق الابتسامات. نجتر ايضا بعض من الجدل السابق. نقلّبه ونشويه في خياراتنا وامزجتنا على افران العقل او مواقد العاطفة. ثم اذهب لاداء فرضة الظهر على انفراد وعلى عجلة من امري لاني على موعد مع الفراغ والتساؤل. في مكتبي اجلس لساعات امام شاشة الكمبيوتر اتوسل عناده وأحثه على الخطى ليقلب لي صفحة جديدة من اخبار البؤس او اجابات القرف . كلانا صائمان عن الفرح والبهجة. لا شيء يستحق الاهتمام . لا شيء يستحق الاهتمام، او يقتضي التصفيق بحرارة من اجله. الوطن بخير، واسعار القمح ثابتة. جامعاتنا تحتفي بتخرج دفعات جديدة تدلق بها الى السوق الى الهاوية. الامطار عمّت ربوع البلاد. على الويب،اجد واجهات الصحف قميئة شعثاء كطفلة متسولة يبدو عليها اهمال متعمد. تمر عليها السنين فلا هي تتغير ولا نحن نلحظ التغيير في وجهها. فأين منها يمكن  الوطن؟
كم كان النهار طويلا في المكتب. ذرعت الممرات الممتدة مرارا. وفيها قابلت تحت ظلمة النهار اشباحا التحفوا السواد فوق ظلام الرواق واحيانا اصادف وجوها اعرفها. كالعادة نتبادل تحايا الصباح وابتسامات "ناشفة".
تزورني بعض الزميلات/ الصديقات على نحو خاطف. الكل مستعجل من أجل لا شيء. نتبادل اسئلة ولا نجد وقتا للرد عليها. ينتهي لقاءنا بإلحاح على البقاء وإلحاح على الرحيل. وهكذا تتأجل الاجابات ككل القضايا التي نعيشها فراغا وارتباكاً.
في الشارع اقف على الرصيف بانتظار حافلة كسولة. يأتي (ميني باص)مهترء قديم. السائق عجوز بعد الستين. رغم انه كان حليق اللحية إلا ان بعض شعرات من ذقنهتوشي به بصكوك بياضها الخافت. يتقدم خطوة للامام وخطوتين للخلف بحثا عن راكب متثاقل لم يعقد العزم بعد على اخذ الحافلة. في السوق انتظر صديقا قديم. آخذ حاجياتي الترفية الزهيدة. نقرر مكان الافطار..
بعد العشاء ارمي بجسدي المنهك امتناعا ورغبة في المجلس انظر بخذلان إلى الاشياء من حولي . جهاز التحكم عن بعد التابع للتلفاز، هاتفيّ النقال، كيس القات المجاور، وكؤوس الشاي المستكينة.
تمضي ساعات من الصمت واللهاث ثم نبدأ معركة الجدال. نكرر المكرر من الحديث عن مقالبنا في اصدقاء لنا. ثم ننتقل رويدا الى اسعار السلع وآخر قرارات الحكومة الصائمة عن الحكمة. نفكر كثيرا في مستقبل الاطفال الافغان والمحاصرين بالسيول في باكستان.

اصعد سيارة اجرة في عودتي الي البيت. اظل صامتا حتى اصل. اكتفي باجابات مقتضبة على اسئلة السائق حول عملي ومن اين جئت واين سأذهب . لا استطيع استنكار فضوله. ادلف عتبة البيت النائم.
لا شيء جدير بالذكر في يومي هذا سوى انني كنت على انتظار لقياك. على امل ان تكرمني الصدفة بان احادثك لدقائق. على امل ان استمع لهذيانك وهدير حكاياتك البسيطة. ثم استلذ ببعض الارباك عندما تقولين لي: "حبيبي" لتضمدي جراح يومي وتشعريني بانك انت الوطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...