الأربعاء، 22 سبتمبر 2010

مدينة تخطف اعمارنا على الامهات


السبت، 7 أغسطس 2010
اليوم تغادرني امي لتعود الى القرية. كانت قد جاءت لمزاورتي حال مرضي.
لم تبق معي طويلا. تخاطفها اخوالي واخي وابناء اخوتها واخواتها .
كم كانت فرحتة طفلي وامهم بها. إذ سرعان ما أتلفوا.
لكن هكذا هي المدن تخطف كل الاشياء الجميلة.
انا لم اقو على الذهاب لتوديع امي .
لا احتمل لحظة الفراق تلك ولا اريد ان ارى دمع امي. فهل انا فعلا اخجل من دمع امي؟
ام اني اتهرب من مواجهة ضعفي؟
بالمناسبة ليست هذه المرة الاولى التي افعل هكذا.

***
كيف لي ان التمس العذر لدى امي؟ وكيف لي افهامها بانها انجبتني لتنهشني ذئاب الغربة الشتات؟

امي ! إلى متى هذا الاغتراب؟
إلى متى هذا الهروب؟

***
هل تعلمي ان الاقدار تجنت علي عندما ابعدتني عنك في سن الاربع سنوات لاركض لاهثاء وراء خراف جدي الغائب هو الاخر في حضرة السماء؟
بعدها في سن الحادية عشرة صرت احدى سبايا المدينة. هناك ايضا لم يكن للركض حدود.

وانت كنت دوما الحاضرة الغائبة والقريبة البعيدة.
امي إن وجدتِني اليوم غائبا في حضورك فلا تحسبي الامر عقوقا او نكران. كلا، فانا نكرة من دونك وانا لا أُعرّف إلا بك. ولكن سائلي الايام التي حكمت علينا حكمها.
ابتلعتني المدنية كبئر إذ تسقط فيها قطعة معدنية. لا تترك منها اثرا سوى موجات زائلة على سطح الماء، لتسكن القطعة المعدنية في قعر البئر بلا حراك، وتلتصق بالوحل. وانا كذلك بالفعل التصقت بوحل هذا المكان .

***
قد لا تتصورين كم هذه المدينة موحلة، وكم يسقط الناس في وحلها. وحل من كل لون وصنف. واكثر ما نغرق فيه هو ذوباننا في شبكة من الانشغالات الفارغة التي تسلب منا الماضي والحاضر. وننسى يوم المولد ونغفل عن الممات. ننسى اننا بشر ونغفل عن انسانيتنا.

***
امي!
كم انا مشتاق لقريتي / لقريتك البريئة الجميلة النقية التي استحضرها في ذاكرتي لا اكثر.
امي!
اشتاق لليوم الذي كنت تصففين فيه شعري قبل ان تبعثي بي الى المدرسة في سن الخامسة.
امي!
اشتاق لملس يديك اذ كنت تمرريهما على ظهري وانت تغسلين لي كل جمعة اصعد إليك من الوادي.

امي! كم اشتاق لرائحة الثياب التي البستنيها في الصف الأول الابتدائي.
امي !
هل ما زلتي تحتفظي لي بالكاس الخزفية التي كنت اشرب بها شاي الصباح.

امي !
انا الغريب
وانا البعيد
وانت يا زهرة ملائكية
تفوح منها رائحة الامل
وتسيل من اجلها الدموع

هناك تعليق واحد:

  1. نصٌ عارم النزف يفيض حسره,
    عاطفة صادقة تجاوزت حدود الكلمات ,
    تمدايادٍ تغرق القارء في عمق الالم

    ردحذف

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...