الخميس، 17 أكتوبر 2019

فقدان


كلما التقطت صورة جديدة لي اجدني وقد أفلتت عني نسخة مني ووزعتني هنا وهناك. 
أشعر أكثر أن الكاميرا تسرقني شيئا فشيئا. وكلما نظرت إلى صورة جديدة لي تنبهت إلى نقصان شيء مني. 
هل تسرقني الأيام عمري الذي كلما طال قصر أم يسرقني الحزن والكمد القادم هرولة من البعيد؟
تترمل نظراتنا من البهجة وينضب الشغف وينمحي التوق والعنفوان. 
ها هي اوجهنا كرتونية باهتة تتغضن يوما تلو آخر كإشهار ورقي على حائط مبنى حكومي لفحته الشمس وصفعته قطرات المطر. 
...
تتقوس الحواجب دهشة من قدرة الأيام على مراوغة احلامنا وتتسمر العيون كلحظة اختناق فرخ غر طمع بالحياة وأغْرَته حبوب الأرض فازرد حصاة ملونة أو كرية بلاستيكية. 

أمام المصوِّر، انظر نحو يديه الممسكتين بجهاز يشهد على موتي البطيء، اود لو اقول له كما قال كسينجر لمصوره: كن رحيماً! 

انظر إليه بعينين ثابتتين ونظرة بومة بلهاء تحت المطر. 

قبل عام من الأن كنت أقف على الرصيف اتلصص على عائلة فرنسية فيها فتاة يانعة تتفجر ضنكا من ابيها الممازح لها بالتقاط صور بالهاتف. قال لها باسما: لِمٓ الغضب يا جستين!؟ لن يسرق روحك أحد. 
يومها كدت افضح نفسي بالضحك عالياً. لكني اليوم وقفت أتأمل في صورتي في رصيف مماثل وأدركت ان للصغيرة كامل الحق في الضنك. الكاميرا تسرق ارواحنا. كلا. هي تذكرنا بالأمر فقط. 

ما الذي يسرق مني روحي يا تري!؟ 
هل لأني انظر إلى صورتي واعرف اني لم أعد ذلك الطفل الذي كنته أو أريده؟ أم لأني أسير نحو الهرم بسنين فارغة إلا من الهم والأنين؟ 
كلما نظرت إلى صورة جديدة لي خطرت في بالي كل مشاريعي العالقة دفعة واحدة وتخاطرت عناوين الفشل والضياع. 

الهي! لِمٓ جئتي بي الى الحياة في هذا القرن الملعون؟ 
هما قرنان ملعونان في حقيقة الأمر. 
ماذا لو كنت من مواليد القرن السابع عشر مثلاً، حيث لأكثر الابتكارات صدى وبهجة؟ 
كان الواحد منا يقعد نهارا كاملا أمام كتيب ثقيل يتفحص معانيه كما تفعل امهاتنا مع صاعين من الحبوب. ينقحها كتنفيح الحبوب تماماً. 
ثم لا يشفي غليله ويعود للكتاب مسامرة على ضوء خافت. كان للسفر معنى ومعاناة أيضا. وكان للحب هالة ملائكية وكانت الحرب أثيمة مستنكرة تثير الهلع وتستجلب الابتهالات. 
كنت سأنظر إلى نفسي في مرآة مقعرة قليلاً في أحسن الأحوال وسأعيش عقداً كاملاً على زيف تلك الصورة. ثم اندهش في عقد جديد عندما امتلك مرآة صقيلة وتتغير ملامحي. وحتى وان شخت فاني سأفرح لأني وجدت انفي اقل انبعاجا مثلا. او لأن شعر الشيب رمادي فتان. 

لا شيء يذكرني باليوم الآخر إلا الصورة السابقة. فاليوم الآخر مثير للشفقة والبخوع. أن تقف أمام مصور لغرض الحصول على صورة لمعاملة رسمية فانت تقف بين يدي أبيك إذ يوبخك وتستسلم ولا تبدي أدنى مقاومة أو تذمر. 
هي الصورة تعريك كيفما كانت ملابسك وتفضح ما تستره اسمالك الجديدة فتبدو نفسك أمام عينيك بالية وضميرك مهترئ كشباك المرمى.

8 مايو 2015

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...