الأحد، 12 مايو 2013

في الزواج ... استقرار بمعنى حفرة


في الزواج ... استقرار بمعنى حفرة

في اعتقادي،ثمة نظرتان تجاه الزواج. الأولى ترى فيه جوهرا للاستقرار بالمعنى الذي يصبح فيه الاستقرار مرادفا لحفرة تُرتب كل الخطوات وتصاغ جل القيود - من طرف واحد في الغالب - ليصل الشريكان الى هذه الحفرة كمآل نهائي للعلاقة بينهما.

انه استقرار بمعنى الجمود والامتثال والمثالية التامة في السلوك. حيث يلبي احد الاطراف توقعات ومطامح الآخر بكل امتثال وتفاني ويصير في خدمته.




وترى النظرة الثانية ان الزواج تجربة انسانية مفتوحة على كل الاحتمالات. تحفظ وتحتفظ بطبعها الانساني من حيث مشروعية الخطأ والنكوص والتقدم والتعثر والنجاح والفشل وعملية لا تصل الى مرحلة اللاعودة.

التجربة بمعناها الواسع واحتمالاتها المنطقية هي التي تجعل من الزواج حالة ثراء وتوفر تراكم دلالي قابل للانتشار والتمثُل.

ما لم فيغدو الزواج حفرة يعدّها طرف للطرف الآخر ويعمل على تعزيز كل القيود والمعوقات الكفيلة بالبقاء المنتظم والمستسلم في الحفرة. منها على سبيل المثال تعميق الحفرة وتعقيد الشروط الموضوعية والاخلاقية امام محاولات الخروج والتمرد. تأخذ ملامح الشريك بعد الزواج بلاهة محسنة بمساحيق الرضا الزائف والقناعة الجوفاء.

وبما أن النظرة الثانية - الزواج كتجربة - محدودة الانتشار وقليلة الاحتمال لذا سنركز على مفردات النظرة الأولى.




تصبح الحفرة/الزواج بقعة مظلمة أكثر كلما تعاضمت شروط الامتثال واجراءاته فيصبح السلوك آليا منتظما بوتيرة معينة لا توجد فيها مساحة للخصوصية والسرية ولا مجال فيها للخطأ الانساني والمراجعة ولا تقبل انحراف مؤطر. انه امتداد خطي للعلاقة منذ اول خطوة في الارتباط وحتى القبر .

كما انها تنضح بميكانيزمات الاستلاب ووتصير نقطة سوداء تبتلع اي نشاط ايجابي تواق الى التمرد واثبات الذات. فلا مجال للتفكير ولا مجال للتراجع. فقط هناك نقطة في نهاية المطاف ينبغي الوصول اليها وكأنها نهاية موجة كل العواطف والاشجان الانسانية التي ستصطدك بصخرة الشيخوخة وتذمر الابناء وحالة جفاء وصمت بين الزوجين.

لكن الزواج هو تشكيل مؤسسي اجتماعي بامتياز يختفي فيه الفرد من حيث الارادة ومدارات الحرية. مؤسسة لم ينشئها الفرد. بل انشأتها المجموعة ووضعت لها شروط فيامها واستمرارها من دون تبصر في فكرة التجديد على المؤسسة من حيث الشكل أو المضمون.




المجتمع الذي أنشأ هذه المؤسسة عمل وما يزال على ضمان ديمومة المؤسسة التي تصورها وعاظم من القيود وونوع من طرق فرضها. بحيث لم يعد هناك من خيار غير القبول بهذه المؤسسة او الحرمان والاقتصاء والنبذ الاجتماعي.




منح الزواج هذه المرتبة او هذا النظام status خطوة ضمن سلسلة اجراءات لغلق الباب امام اي محاولة لمراجعة مكانة الزواج وصدقية هذه المؤسسة وجداوها الوظيفية.




وهنا عندما تتزوج فأنت لم تعد أنت، إنما أنت ما تمليه عليك المنظومة السلوكية المصاحبة لفعل الزواج بالتالي منتظر منك امتثال طوعي دون مواربة او تململ لهذه الشروط ويجب ان تصبح أبا وتعول أسرة وتتخلى عن ذاتك وتتوقف عن طموحاتك العزباء أو التي كنت ترسمها في عزوبيتك.

ان تتزوج يعني ان تتصرف كأنسان آلي لا يملك حق الرفض والامتناع. ففي الزواج تتشكل عصبة من الآوآمر العائلية الضمنية لتكوّن نسق حياتك. واية محاولة منك لاسترداد ذاتك هي مروق ونكث تستوجب تنفيذ احكام قبلية الاعداد وحازمة بما يكفي للتأديب والردع عن مجانبة التفكير في تكرار المحاولة.




عندما تتزوج فلا تكون أنت انما تكون الدور المنتظر و المرسوم لك. فتصبح تصرفاتك مقترنة او ظرفية conjecturelles وتغدو انطولوجيتك شرطية ذات علاقة بمقدار ما توفره من رضا للطرف الآخر. اي يجب عليك ان تفعل وتكون مبادرا وان تتخلص من أناك لصالح نيل الرضا. أن تكون معطٍ عام صاحب رصيد متفوق في العطاء العاطفي والمادي. ان توافق على خلق قطيعة في علاقاتك وتستبدل اصدقائك. ربما يُطلب منك التخلص من شريحة هاتفك القديم وتمزيق مستندات ووثائق تعود لحقبة الجاهلية.

وليس أسوأ شيئ في هذه الاجراءات أكثر من إقدامك على تدمير مقصود ونسف ممنهج لماضيك الخاص بك. عليك ان تستبدل ذاكرتك التي نشأت منذ ميلادك الحقيقي بذاكرة جديدة تشكلت لحظة الاقتران والارتباط. بمعنى ان تعتمد تاريخ ميلاد جديد يخلصك من العودة الذهنية الى نقطة المحظور من تجاربك الغالية عليك بكل تفاهاتها وسذاجاتها ومروقها وخيباتها. الزواج يصادر منك عمرك أيضاً ويقدرة عجيبة تبدأ انت بالتعرف على نفسك انطلاقا من لحظة الارتباط فقط.. فالتهور من طرفك بمحاولة العودة الى سنوات ما قبل الارتباط يعني خيانة عظمى عقابها غير عسير وغير قابل للنسيان.

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية

الحب بين علم الاعصاب والعلوم الإنسانية (مقال مترجم من الفرنسية) ترجمة مصطفى ناجي الجبزي افتتح في شهر أكتوبر من العام المنصرم معرض استث...